| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

حسن حاتم المذكور

Smathcor@web.de

 

 

 

 

الجمعة 13/1/ 2006

 

كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 

 

من يزرع الحزن ... يحصد اللعنة

 

حسن حاتم المذكور
smathcor@web.de

من بلاد الحزن والنخيل ومصائب النفط الأسود والمقابر الجماعية لأحلام الناس وآمانيهم ... مهد الحضارات وملتقى الغزاة ووفرة في رموز الخيانات ’ ويقال عنها ايضاً بلاد الرافدين’ من تلك البلاد الأبعد عنا والأقرب من المهجة الينا ’ استلمت رسالة من سماء محمد ابنة العشرين عاماً ’ انقل لكم مقطعاً منها .


"
خالي العزيز .... اود بحق ان اراك واشكي لك حال العراق ’ فلم يبق اي امل ولا حتى حلم ’ لقد كنت من المتفائلين ’ اما الآن فقد ذهب التفائل ’ ولم يعد لي اي حلم .....

ابنتك سماء
"


تلك رسالة حزن موجعة استلمتها من جيل فقد من يستحق رسائل حزنه بعد ان ولدت احلامه مقتولة ’ عبثاً يبحث في متحف هياكل السياسيين عن امل يمسك به وفي مخلفات هزائمهم عن سبباً للمآساة الجاهزة لواقعه ’ فأكتفى بأجترار الغاز اوضاعه وتدوين ازمنة احباطاته على جدارية الذات .

ابناء وبنات هذا الجيل مقتنعين ان الحالة العراقية مسيرة بأتجاه مرسوم لها ولا دور للأرادة الوطنية فيه’ صراخ معاناتهم ليس مسموح له مغادرة صدورهم ليتقيء جمرة الرغبة في محاولة التغيير الأفضل.

جيل الحزن الموروث وقف امام مصيره مرتين واحدة امام صناديق انتخابات ممثليه وآخرى امام صناديق الأستفتاء على دستوره ’ فلا الفائزون احترموا ثقته والتزموا بأرادته عبر البرامج والشعارات والأنجاز ’ ولا الدستور مثل واقعه واستوعب مرحلته .

وجوه عجائز السياسة ’ علمانية او اسلامية ’ قومية او يسارية ليبرالية تشبه بعضها وتلغي بعضها والناس ملزمين ان يبسقوا اصواتهم في ثقب الصندوق الأنتخابي ’ هكذا تتطلب اصول لعبة الهروب من ضغوط المفخخات والمتفجرات والعبوات والأحزمة الناسفة واخطار عودة اشباح المراحل البعثية واستسلاماً لحالة الخيارات الصعبة بين السيء والأسواء .

هذا الجيل تعيس الحظ ’ لم يكن سبباً في الهزائم والأنتكاسات والخيانات ’ ولا مسؤولاً او راغباً في التدهور المآساوي للحالة الراهنة ’ لكنه وجد نفسه وسادة لجنازات مراحل السقوط السياسي والأجتماعي ومضطراً لمعايشة بقع قيح دمامل فسادها على وجه مستقبله ’ يبحث بين ازمنته الخائبة عن محطة يغتسل فيها من مخلفات مراحل الأحباط .

وانا اقرأ الرسالة ’ اخجلني حزنها من مسؤولية انتمائي لجيل يزرع المآساة ويتصدر الموجة ميتاً .

هل اصبح العراق عاقراً لا ينجب ابناءً وبناتاً مؤهلين لأرتداء هوية العراق لا غير ’ ام ان الولادة يجب ان تكون على يد قابلة مستوردة .

صحيح ان العالم قد تغير ودخل عصر العولمة وسلطة القطب الواحد واصبح واقع العمالة والتبعية مبرراً لا يدعو للخجل ’ لكن هل هناك ثمة مبررات لظاهرة الفساد والأختلاس والرشوة وتهريب ثروات الوطن وسرقة حتى الجوع من افواه اهله .

في العراق بدأ يتشكل جيلاً جديداً من السياسيين الوطنيين من الشباب ومتوسطي العمر وكذلك من بين المخضرمين يعملون على تجميع اجزاء الهوية الوطنية التي مزقها الفوران الطائفي القومي والردح المحاصصاتي ’ ثم اعادة خياطتها الى بعضها لتصبح خيمة جاهزة لائقة لجميع ابناء المجتمع العراقي ’ عجائز الأنتكاسة والتجارب البائسة ترفض بعناد بليد الخروج على عجزها وابتلاع كبسولة مسؤوليتها ثم الأستسلام او التنحي على الأقل ’ مصرة على اعادة زراعة الحزن والمآساة في جسد العراق الجديد والأمساك بأرادة اهله ومستحقيه وحصرهم بين جدران مقبرة تجاربهم الميته .

رسالة سماء محمد الحزينة ’ واحدة من رسائل حزن الشارع العراقي المزروع بالملثمين والمفخخين من بقايا مجرمي البعث ’ والمختلسين ومدمني الفرهود والرشوة وسرقة ارزاق الناس من متصدري العملية السياسية الراهنة ’ وكذلك من قسوة غموض المخططات الأمريكية والخوف من خلفيات نواياها ومشاريعها غير المعلنة ’ الى جانب تعدد ومجهولية الجهات والمصادر المسؤولة عن قتل الأمن والأستقرار وتعذيب النفس العراقية .

الشارع العراقي حزين ... هارب الى الأمام ’ مدفوعاً بضغوط اليأس والخيبة واعصار الهيجان الطائفي العنصري ’ يمنح صوته مكرهاً وثقته مستغفلاً لمن لا يمثل ارادته ويحرص على مستقبل اجياله ’ والدستور يسلب خصوصيته ويصادر حريته وكرامته ويتطاول على نسيجه الأجتماعي ’ ورغم مرارة الأحباط واليأس يواصل شد السروج على الكلاب .

عزيزتي سماء : مهجتي عشاً لحزنك ’ انا من الرعيل السابق للضحايا ’ فلا اتمنى لك طريق مآساتنا ’ مرحلتكم اكثر خصوبة لنمو الأمال ’ فلا تترددي عن زراعة احلامك .

اخطائنا : كنا نخلط بين الأنتساب للحزب والعقيدة القومية والمذهب وبين الأنتماء للوطن ’ فلا نحن للوطن ولا الحزب لنا تلك كانت مآساة ضياعنا ’ عواطف معطوبة وارادة معوقة ’ خسرنا زماننا ’ رحل بعضنا وسيكتمل رحيلنا وتدفننا شفاعة معاناتنا في مقابر الضمائر النقية .

ساهمي مع جيلك بزراعة التفائل واكمال نضوج الحلم ’ وارموا اللعنة على من يزرع الحزن في ازمنتكم فالرب يستجيب والحياة ستعاقب .

ولك مودة خالك حسن