| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

حسن حاتم المذكور

Smathcor@web.de

 

 

 

الأثنين 12/11/ 2007



التـمـزيــق الـمــجحـف للـهـويــة العـراقيـة
( 3 )

حســن حاتـم المـذكـور

فـي مقالتين سابقتين بتاريخ 04 / 11 / و 06 / 11 /2007 وتحت العنوان ذاتـه تطرقت فيهمـا الـى ازمـة الهـوية الوطنية لأهـل العراق واسباب ضعفهـا ومحاولات تهميشهـا والغائهـا ومخاطـر ضمورهـا واضمحلالهـا الى جانب صمودها وكفاحهـا مـن اجل وجودهـا واستحالـة اجتثاثهـا نهاءيـاً مـن واقـع ووجدان وذاكـرة المجتمع العراقي المميز بجغرافيته وبيئتـه وحضارتـه وجذور ثقافاتـه وارثـه الأجتماعـي’ تطرقت ايضـاً الى القوى التي تستهدفهـا والأخرى التي كان مفروضـاً ان تدافـع عنهـا وتضحـي من اجل ديمومتهـا ’ والى التاريخ الطبيعـي للعـراق وكذلك حاضـره المصطنـع وقوة المحاولات ومدى الأضـرار التي الحقتهـا بالهويـة الوطنيـة التاريخيـة لأهـل العراق عبر هستيرية وجنون ممارسات الأنفلـة والأبادة والأجتثاث لمكوناته الطبيعيــة .
يكثـر الحديث الآن وبلجاجـة مفتعلـة وضغـط اعلامي غيـر عادي حـول شيعــة العـراق ومناطق نفوذهـم وسنته ومناطق نفوذهـم يرافقهـا عمليـة تهجيـر متبادل ’ وكذلك عمليـة تطهيـر وابادات واجتثاث فـي مناطق النفوذ الطائفـي المذهبـي العنصـري لمـا تبقـى مـن المكونات التاريخيـة للعراق مـن مسيحيين وكـرد فيليـة وصابئـة مندائيين وايزيديين ويهـود وغيرهـا ’ ومـع الأسف تجـد احيانـاً روائـح كريهـة تنضحهـا سطور كتابات بعـض المثقفين العراقيين وضمنهـم بعض الوطنيين وتصرفاتهـم ومحاضراتهـم وتصريحاتهـم وندواتهـم وبطريقـة قـد تكون عفويـة او غير عفويـة .
لقـد مرت على العراق عبر تاريخـه الطويل الكثيـر مـن الغزوات العسكريـة والثقافيـة واللغويـة ’ استطاعت ومنهـا الجانب العسكري ان تسحقـه وتسبب لـه جروحـاً بليغـة فـي هويـة اهلـه وانتماءهـم ’ لكنهـا فـي النهايـة انسحقت عليـه ولم تتركت الا بصماتهـا التي استطاعت الهويـة العراقيـة التاريخيـة ان تمتصهـا وتهضمهـا وتضيفها عافيـة الى شخصيتهـا الحضاريـة ’ آخـر تلك الموجات هـي التي ابتداءت مـع الفتـح العربي الأسلامي كموجات التعريب والتفريس والعثمنـة التـي اتخذت الأسلام وبعد ان افرغتـه تماماً مـن روحـه واجهـة وذريعـة ومبرراًلغزواتهـا واستئطانهـا واطماعهـا ’ لكـن ورغم همجيـة كل تلك الموجات’ سنرى ان الهويـة الوطنيـة التاريخيـة لأهـل العراق ابتداءت تستعيـد ذاتهـا وتحقق قدراً كبيراً مـن خصوصيتهـا وحتـى فـي مجالات اللغـة والفنون ذاتهـا ’ فلو عرضنـا قصيدة لشاعر عراقي وآخـرى لموريتاني مثلاً ’ لأدركنـا فـي الحال على ان تلك القصيدة لشاعر عراقي والآخرى لغير عراقي ’ وكذلك ان ظاهـرة الشعـر الشعبـي وقـوة تأثيره وخاصـة في الجنوب والوسط العراقي ’ والذي اصبح لغـة الفنون فـي المسرح والغناء وحـوار المثقفين ’ ولو نظرنـا الى روائـع مظفـر النواب وكاظم اسماعيل الكاطع وعريان السيد حلف ولميعـة عباس عماره وغيرهـم فـي الشعر الشعبي مـع انهـم اكاديميون وخريجي كليات في الأداب والتربيتة واللغات ومتمكنين مـن ناصيـة الفصحـى ’ ثـم تطويره عمقاً وجماليـة وثقافـة يوميـة سائدة فـي الشارع العراقـي لأدركنـا ان الأمـر يشكل فـي جوهره واتجاهـه عـودة الأنسان العراقـي وخاصـة على جغرافيـة الجنوب والوسط الى ذاتـه العراقيـة انتصاراً الى هويتـه الوطنيـة التاريخيـة .
بعـد التسلط البعثي العروبي على مقدرات العراق بدايـة الستينيات مـن القرن الماضي وامتلاكـه ماكنـه المال والسلطـة مدعومـاً بالأطماع العروبيـة بغيـة انجاز مشروعـة القومي العنصـري الطائفي فـي تعريب وعنصـرة المجتمـع العراقي ومحاولـة تمزيق وحـرق الهويـة الوطنيـة المشتركة لمكوناتـه الطبيعيـة عبـرعمليات الأنفلـة والأبادات الجماعية والأجتثاث الوحشي للشعوب والمكونات العراقية ’ يرافقهـا عمليـة استيراد وتوطين الغرباء والوافدين مـن عرب مصر والسودان وفلسطين والمغرب وموريتانيـا وغيرهـا الى جانب سرقـة ثروات اهـل العراق وتهريبهـا للمفترضين مـن الأشقاء علـى حساب عوز وجوع وتغريب المجتمع العراقي .
صحيـح انـه الحق اضرار فادحـة وتشويهات مروعـة فـي الهويـة العراقيـة ’ لكنـه لن يستطيع فـي النهايـة ان يحشر العراق جغرافيـة وبيئـة وانسان وحضارات وثقافات عريقـة فـي سلـة العروبيين ’ وبقـى العراق بهويـتـه الرافدينيـة جذوراً راسخـة فـي جغرافيـة وتاريـخ مابين وعلى ضفاف النهرين العظيمين دجلـة والفرات .
لـو نظرنا الى رعونة وسذاجـة المحاولات الغبيـة الأخيرة فـي مسخ العراق الطبيعـي طائفيـاً ومذهبياً وعنصرياً وكذلك محاولات استبدال هويتـه التاريخيـة والأنتماء الوطني لأهلـه واختزال حضارته العريقـة وتكوينـه الثقافي الراسـخ على امتداد الآف السنين ’ والذي كان وسيبقى نسيجـاً لجميع المكونات التاريخيـة للعراق ’ فـي مذاهب وطوائف واعراق عنصرية متطرفـة لا تتعـدى جذورها عواطف العراقيين ونوبات ضمائرهم وسطح وجدانهـم فـي مراحـل غياب او تغييب الوعـي الجمعـي وغيبوبتـه .
رغـم جميع محاولات تشويـه الهويـة والثقافـة الوطنيتين ومحاولات تغييب الوعي وتدميره ومسعوريـة تعريـة المدن العراقيـة مـن تاريخهـا وتراثهـا وهويتهـا وكينونتهـا وانتزاع جلدهـا الحضاري ومحاولـة استبدالهـا بعباءة التطرف الطائفي المذهبـي ’ استمرت تلك المدن عراقيـة فـي بيئتهـا وذاكـرة اهلهـا وتقاليدهـم ورسوخ وتراثهـم الشعبي’ واستمر النخيل نخيلاً والأهوار كمـا هـي والمزارع والبساتين كما كانت وحقيقتهـم التاريخيـة تعبر عن ذاتهـا بتحـد وكبرياء رغـم محاولات تغليف تلك الحقيقـة بأسماء وجداريات موسميـة لا علاقـة لهـا بتاريخ تلك المدن وتراثها ’ ومثلما رحل صدام وبعثة وعنصريته وجداريات عروبيتـه وعفلقيتـه ’ سترحـل حتمـاً جداريات فـورة التطرف الطائفي المذهبي للعـوائل والرموز الواهمـة قفـزاً على حقيقة حجمهـا ووزنها ’ومهما بلغ هـوس التجاوز على هويـة المدن العراقيـة وتواريـخ مواليدهـا وتشويـه وجههـا التاريخي ’ ومثلما خلعت عنهـا الثوب المعيب للبعث العروبي ستخلع عنها بالتأكيد ما فرض عليها واجبرت عليـه مـن الأشياء التي لا تناسبهـا ’ وليس بالأمكان اطلاقـاً اجثاث روحهـا وتدمير ذاتهـا وقلع جذورهـا مـن تربـة ذاكـرة ووجدان اهلهـا مثلمـا ليس بالأمكان ومن المستحيل ان تصبـح يـوماً ( مـد ما بين الصدرين مثلاً ’ بديلاً عـن ما بين النهرين ) .
ان الهويـة الوطنيـة التاريخيـة ابتداءت تجمـع اجزاءهـا وتعيـد خياطتهـا وستكتمـل ليرتديهـا اهلهـا فخورين فرحين بعودتهـا  .

12 / 11 / 2007
 


 

Counters