|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

 الأثنين 6/8/ 2012                                 حسين فوزي                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

مصادرة

حسين فوزي
h_f_alsahi@yahoo.com

من يراجع رسالة استاذ فلسفة القانون في جامعة المنوفية محمد محسوب عبد المجيد "اصول علمانية الدولة والقانون" يدرك أن مفهوم سيادة الدولة القومية جاء نتيجة صراع طويل بين البرجوازية النامية وبين الكنيسة والإقطاع.

وعموم الحركات الدينية في القرن الثامن عشر والتاسع عشر كانت، البروتستانتية أو اللوثرية، كذلك الكلفنية الأكثر جذرية، تريد فسح المجال أمام طبقة ناشئة تقيدها مسلمات الكنيسة بشأن تراكم رأس المال وحرية المعتقد.

المهم أن النخب الأوربية، انطلقت تتحرى سبل التخفيف عن "شعب المؤمنين" الذي لم تعد تكترث الكنيسة بهم، فبيوت رجال الدين قصور والكنائس قلاع، فيما الأقنان يعانون ندرة مستلزمات الحياة، فيما كانت البرجوازية تكترث لمن يعمل معها بحكم المواصفات التي يستلزمها العمل على الآلة كفاءة وصحة، مقارنة بحالة عبيد الأرض الذين يعيشون في زرائب تعافها الأبقار والخنازير.

إن الثورة الفرنسية التي مرت ذكراها مع ذكرى 14 تموز 1958 لم تكن ضد الملك قدر ما كانت ضد اجحاف الكنيسة الكاثوليكية المتحجرة إزاء معاناة المؤمنين الأقنان وبقية من حرمهم الاقطاعيون من حرية "التنقل للعمل".

في العراق اليوم نعيش محنة من نوع آخر، ينسحق فيها ذوي الدخل المحدود والفقراء بتردٍي الخدمات، وفساد مرعب، وكل فاسد يلوح الاحتماء بـ"كنيسة" طائفته أو حزب يزعم انتسابه له.

ومن الجيد تصدي خطب الجمعة إلى معاناة المؤمنين لكن توصيف هذه المعاناة لا يضيف جديداً، كما ان التساؤل عمن يقف وراء هذه المعاناة واسبابها لا يقدم حلاً، فيبقي "مؤمنين" في حيرة دون رؤية الأمل.

وقد يكون حسناً أن تصل بعض خطب الجمعة إلى الاهتمام بأزمة المناخ العراقي والتساؤل عن اسباب ارتفاع درجات الحرارة حداً تتجاوز بعض بلدان خط الأستواء، لكن مثل هذا التساؤل لا يدين من تلاعب ببيئة العراق بإقتلاع غابات النخيل وبقية المثمرات لتحل مكانها العمارات وشوارع الأسفلت، حتى صارت كوردستان تعاني أيضاً من حرارة غير معهودة، فيما يشوى البصريون على صفيح الريح "الشرقي".

إن الأزمة التي نعاني منها اجتماعياً وسياسياً مردها ادعاؤنا نظاماً حراً لكن أطرافاً تنفيذية تخنق الاقتصاد الحر ببيروقراطيتها، والفساد الذي حول مشروع النافذة الواحدة إلى عوائق مضافة على العكس من هدف اقامته.

إن الدين وهج ذاتي يحفز الضمير الإنساني ويرشده إلى التعفف والتراحم، لكن حين يسيس الدين كما في الكنيسة الكاثوليكية قبل الثورة الفرنسية، فأن المواطن يستخلص رفضه لهذا التسييس، ويستخلص الحاجة إلى شرعية تستند إلى صوت الناخب وليس تفويضاً إلاهياً، والمؤكد أن مصادرة اصوات الناخبين لصالح المتنفذين هو مواصلة للنهج ذاته في مصادرة الاقتصاد الحر وحرية المواطن في اختيار ممثليه، ومحاولة التصدي للتعددية بحجة تركيز الأصوات الأقوى التي ليس شرطاً أن تكون المعبر عن إرادة الله أو الشعب.

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter