|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

 الثلاثاء 5/6/ 2012                                 حسين فوزي                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

الدستور حاكم

حسين فوزي

تستمر عملية تجاذب سحب الثقة من رئيس الوزراء بضجيج غير معهود في الدول الديمقراطية، وبالتأكيد فالسبب الرئيس قلة الخبرة في اللعبة الديمقراطية، وميل الكثيرين إلى ركوب الموجة.

ومع أن قضية سحب الثقة من رئيس الوزراء حق مكفول لممثلي الشعب وفق آليات نظمتها المادة 61 من الدستور في الفقرة ثامناً ب، فأن البعض يتناسى أن قبة البرلمان هي مكان حسم الموضوع، سواء من حيث التقدم بمشروع لسحب الثقة يحظى بتواقيع خمس اعضاء المجلس، على أن يسبقه استجواب الرئيس، أو أن يطلب رئيس الجمهورية سحب الثقة منه. وبالطبع فأن رئيس الجمهورية لا يتقدم بهذا الطلب إلا بناء على مشاورات مع الكتل النيابية، والتوثق من تواقيع الأغلبية المطلقة المناشدة رئيس الجمهورية تجاوز الخطوات الأخرى الواردة اعلاه.

وهذا يعني تكريس للسلطات الدستورية الممنوحة لمجلس النواب في البت بمصير رئيس الحكومة، فهو الذي يصوت بالثقة على توليه مهامه، بناء على ترشيح رئيس الجمهورية له بعد تداوله مع الكتل النيابية، أو كونه زعيم الكتلة البرلمانية الأكبر، والمجلس نفسه يسحب الثقة بناء على اسباب واضحة، على الأرجح يتضمنها كتاب رئيس الجمهورية.

وفي ظل استمرار جمع التواقيع في مهرجان خطابي منفعل، وكل هذا مقبول برغم كل اثاره السلبية على الحالة العامة، فأن حالة الحماس تصل بالبعض إلى تقديم مقترحات غير دستورية بشأن "شعبية" مطلب سحب الثقة من رئيس الحكومة، وبغض النظر عن النوايا الطيبة في الثقة بأن الإرادة الشعبية التي تجسدت في الحراك الجماهيري في مطلع ربيع العام المنصرم ستقول نعم لسحب الثقة، فأن هذه الطروحات تلحق ضرراً خطيراً بركائز الدولة، فهي تتخطى الدستور في ابتكار سابقة لا سند لها قانوني، خصوصاً وأن العديد من المشرعين الدستوريين يرون "الاستفتاءات" مخططاً للنيل من الدستور والسلطة التشريعية، فمسألة الثقة بالحكومة مهمة مجلس النواب، وعندما نجرد البرلمان من سلطته هذه نقوض هيبة البرلمان، بل نكاد نلغيه.

لهذا ينبغي ان لا يغلبنا الحماس في قضية سحب الثقة من رئيس الحكومة، فمثل هذا الحماس قد يؤدي، مع كل الاحترام للنوايا الطيبة، إلى تهديم ركيزة رئيسة لديمقراطية الدولة، ويُغلَّب عليها حالة الإنفعال، خصوصاً وأن الكثير من دول العالم تتحفظ على مفهوم الاستفتاء اصلاً، فعلى سبيل المثال لا تعاني بريطانيا أو الولايات المتحدة مشكلة إجراء تعديلات على دستوريهما، لأن برلمانيهما يضعان مواد الدستور ويملكان صلاحية تعديلها، في حين أن دستورنا مرهون تعديله بالإستفتاء لأسباب معروفة، وهو يعد من الدساتير الجامدة، فهل هناك نية لتحويل الثقة برئيس الوزراء إلى صيغة جامدة، بكل ما يعينه الاستفتاء من هدر لوقت الدولة وأموال الشعب، أم نحافظ على العملية وفق احكام الدستور الأقل صعوبة بهدوء وموضوعية تحري البدائل؟!؟

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter