|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

 الأربعاء 12/9/ 2012                                 حسين فوزي                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

حضور رجل الدولة

حسين فوزي
h_f_alsahi@yahoo.com

كثر هم المسؤلون الذين لا يأتمنون ترك مقاعدهم شاغرة لساعات، ونتابع قادة دول لا يأخذون اجازات، أو يقضونها "قرب" كراسيهم، لعدم ثقتهم باحد، وعندما يسافرون في مهمات يسارعون العودة إلى كراسيهم حرصاً على "خدمة الوطن والشعب".

غادر السيد جلال طالباني مريضاً مثقلاً بهم الأزمة السياسية وحاجته إلى عملية جراحية، لكنه ظل يتابع الأزمة في الوطن، ويهدئ التأزيم المتفاقم. ولم تأتِّ مواقفه لإثبات حضور أو ممارسة سلطة، إنما هي نهج تجميعي يحترم روح الدستور وتفسيره بما يضمن احساس الجميع بالفوز في ظل الدولة المدنية الديمقراطية الاتحادية، دون تهميش أحد أو الإبقاء على تجاوزات النظام الشمولي الخطيرة ضد كل المكونات العراقية.

إن العقلاء يتطلعون إلى طالباني ليس بصفته رئيساً للجمهورية، إنما قبل ذلك رجل القيم الذي ائتمنه العراقيون على رئاستهم للحيلولة دون عواصف الطائفية والجهوية والتعصب.

وليست مفارقة، إنما تجسيد لحقيقة ثقة العراقيين في طالباني، زيارة وفد أميركي رفيع المستوى معني بالشان العراقي له في مقر نقاهته، فالأميركيون الذين خلعوا النظام السابق وقدموا قرابة 4500 قتيل بجانب ما يزيد على 150 مليار دولار لتغطية عملياتهم في العراق، يظلون "شركاء" مع العراقيين بشأن مستقبل دولته، سواء راق هذا للبعض أم لم يرق، لأن الأميركيين لم يقدموا ما قدموه كي تترك الأمور عند حد انسحابهم، فلهم مصالح استراتيجية استوجبت خلع الشمولية، وبعض مصلحة واشنطن في دولة عراقية مدنية ديمقراطية اتحادية مستقرة، فهم لا يريدون العراق في احضان احد من الجوار، كما لا يريدون تكرار نمط الحكم الذي خلعوه تحت أية مسميات، وتجنب أي تمرد على اللعبة الديمقراطية.

ويأتي بيان طالباني رجل الدولة أولاً، والرئيس ثانياً، بشان قرار الحكم الصادر ضد السيد طارق الهاشمي تعبيراً عن رؤية قد يجهلها الكثير من المستجدين على السياسية، ممن لديهم الرد الجاهز مثل الهمبرغر الردئ"هذا حكم قضائي وليس لأحد سلطة على القضاء".

وإذا ما كان في قول المستجدين قضية "استقلال القضاء"، فهي ما سعى لها طالباني طيلة حياته، وهو من القلة الأكثر إدراكاً من مرددي بضاعة الهمبرغر الردئ لحقيقة احترام استقلال القضاء، لكن المشكلة هي أن بلداً تمتلك فيه السلطة التنفيذية كل الموارد لا يمكن ان تكون للقضاء استقلالية، بل الأصح هو أن ليست هناك سلطات مستقلة في بلد اقتصاده ريعي، حيث قوض القطاع الخاص مع "منجزات" تأميم 1964 "الإشتراكية"، التي كالت استكمال لقبضة العسكر على القاعدة الاقتصادية للدولة ، بعد أن كان استيلاؤهم على السلطة استحواذ على القرار.

وتأتي قدرة طالباني على استقلالية مواقفه تاريخياً من تكوينه الشخصي وثقافته وطبيعه شخصيته المرنة في تحويل اصعب لحظات التفاوض إلى نكتة تخترق التشنج، فيما الكثير يتطلع إلى فتات السلطة و"يبخر" لها. لذلك فأن منهجه الخط الأخير قبل الكارثة.
 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter