د. حميد البصري
الخميس 10 / 10 / 2013
دور الموسيقى في ثقافة التنوير والتسامح
(3-3)د. حميد البصري
بمناسبة انعقاد المؤتمر الثقافي الدولي لمنظمات المجتمع المدني الذي/ يقام تحت شعار (المجتمع المدني تجسيد لحقوق المواطنة وقبول الاختلاف والتنوع والتسامح) في يوم الثلاثاء الموافق 8/10/2013 ، وقد كنت مدعوا ً لكن للاسف الشديد ، عدم ارسال تذكرة السفر حال دون مشاركتي .
وبالمناسبة ، انشر هذا الموضوع الذي ارسلته للمؤتمر .الموسيقى وما أثبتته الاختبارات حديثا ً
يقول الفيلسوف الالماني نيتشه ( 1844 – 1900 ) : " لولا الموسيقى لكانت الحياة ضربا ً من الخطأ " .
لذلك احتلت الموسيقى في عصرنا الراهن موقعا ًفعالا ً ومؤثرا ً في العلاج ، لدرجة أن بعض الدول أنشأت فيها جمعيات متخصصة لهذا الغرض ، مثل الجمعية الوطنية للعلاج بالموسيقى ، التي تأسست عام 1950 في الولايات المتحدة الامريكية . وفي الوطن العربي ، بدأت تجربة لادخال المعالجة بالموسيقى في المعهد الوطني لحماية الطفولة بتونس ، بعد أن ثبت بما لايدع مجالا ًللشك ، مدى تأثير الموسيقى في كثير من الميادين ، انها تلهب حماسة المقاتلين في الحروب ، وتزيد الناس ابتهاجا ً في الاعياد والمناسبات ، علاوة على أنها تشفي العديد من الامراض النفسية ، وتساعد على اجراء بعض العمليات الجراحية عوضا ً عن استخدام المخدر ، وخاصة في ميدان طب الاسنان .
وعلماء عصرنا يؤكدون ما قاله الاقدمون عن تأثر الانسان والحيوان ، وحتى بعض النباتات بالموسيقى . وقد توصل الطبيب النمساوي البروفيسور ( برامز ) الى طريقة حديثة لانقاص الوزن بالاستماع الى الموسيقى الكلاسيكية لمدة ثلاث ساعات يوميا ً للعلاج بشكل ملحوظ ونقص الوزن الى الحد المطلوب .
كما أن هناك عادة قديمة حديثة ، تمارسها الامهات وهي تهليل الام لطفلها باللحن العذب والصوت الرقيق فتحمله على الهدوء والنوم .
والدراسات الاخيرة ، التي اجريت لتحديد علاقة الانسان بالمتعة الموسيقية تثبت أن أساس المتعة الموسيقية هو مراكز المخ ، حيث وصلت الدراسات الى عدة ملاحظات منها :
1 – سلوك المستمع وتفاعله يحددان مدى تمتعه بالموسيقى ، فالانسان المهيأ لسماع الموسيقى يتأثر بها أكثر من الانسان المشغول عنها .
2 – تأثير الموسيقى على اجهزة الجسم يعتمد الى حد كبير على طبيعة الموسيقى ، فبعض الوان الموسيقى مثلا ً، يؤثر على الجهاز الدوري ( القلب والاوعية ) للانسان ، كما ان بعض الوان الموسيقى الاخرى يؤثر على الجهاز العصبي . لهذا يختلف الناس فيما بينهم بتأثرهم وتمتعهم بالموسيقى .
3 – وعلى النقيض ، فإن ذات الموسيقى ، أو نفس النغمة ، قد تؤثر على الجهاز الهضمي لشخص ما ، بينما هي تؤثر على الجهاز الدوري لشخص آخر ، أو قد تؤثر على المخ والجهاز العصبي لشخص ثالث .
وقد أمكن قياس هذه التأثيرات والتغييرات الفيزيولوجية بأجهزة الطب الحديثة ، مثل رسام القلب ، رسام المخ ، رسام التنفس وجهاز ضغط الدم ، أو تقدير احتراق السكر في الدم .
إذا ً ، ما اشار اليه ابن سينا وتلميذه الحسن بن زينة وصفي الدين عبدالمؤمن وابن ربه ... الخ بشكل عام ، أكدته الدراسات والتجارب الطبية الحديثة تفصيليا ً بالدليل العلمي . كما ثبت أن هناك توافقا ً بين الاحوال النفسية والامراض الجسدية ، أو أي اختلاف في أحدهما تنعكس صورته على الاخرى . لهذا صار من المألوف أن نسمع مثلا ً عن قرحة المعدة وارتفاع ضغط الدم ونوبات القلب ومرضى البول السكري ، انها ترتكز على جذور نفسية وعصبية بنسبة كبيرة ينبغي مراعاتها عند العلاج .
تأثير الموسيقى على مراكز الطاقة بجسم الانسان
كل انسان له علاقة بالموسيقى ، ولو عاش طول عمره لا يعرف الموسيقى .
وكل انسان لا تلفت سمعه نغمة ولا يتشوق للموسيقى ، إنما هو لا يعرف حقيقـته .
إن الانسان مخلوق بالفطرة ليتفاعل مع النغم ، فهو يتشرب الموسيقى منذ تكوينه الجنيني الاول في بطن امه ، وليس معنى هذا انه يستمع الى بتهوفن وموتزارت ، ولكن ضربات قلبه وضربات قلب امه هي وحدها موسيقى كافية ، إلا أنه يمتص موسيقى فعلية من العالم الخارجي .
وهناك نوعان من التأثير تحدثهما الموسيقى ، التأثير الثانوي الذي يحمل طاقة وقوة تؤثر في الوضع العاطفي والبدني . والتأثير الرئيسي الذي يرفع المعنويات ويشحن طاقة الانسان نحو الامور الروحية .
وقد تترافق الموسيقى مع الكلمة ، كعلاج يحرض النزعات الطبيعية فينا ، حتى تعمل بشكل أفضل . وهنا لابد من الاشارة الى نظرية ( نظام مراكز الطاقة في البدن ) بشئ من الاقتضاب ، للاطلاع على كيفية التعالج بالاصوات .
هناك سبع مراكز طاقة في البدن ، الاول في قمة الرأس ، الثاني في منتصف الجبهة ، الثالث في الحنجرة ، الرابع في القلب ، الخامس في المعدة ، السادس في البطن والسابع في المنطقة التناسلية .
إن الموسيقى تؤثر في مراكز الطاقة هذه بشحنات تحرض المغناطيسية الكهربائية الخاصة بها . هناك في كل منا مخزون صحة أو طاقة . في حالة حدوث أي خلل بدني ، فإن مركز الطاقة تسحب من مخزون الصحة حتى تنظم عملها ، ومع الوقت يقل المخزون .
إن مراكز الطاقة ، بما فيها من مغنوكهربائية ، تتجاوب مع الموسيقى بشكل كبير ، فكل مركز من مراكز الطاقة يتفاعل مع نغمات موسيقية معينة . وقد نستغرب حين نعرف أننا بشريط ما ، بدندنة معينة ، أو بالعبث بآلة موسيقية معينة ، إنما نستطيع شحن مراكز الطاقة في أجسامنا .
الخلاصة :
إن الموسيقى لها تأثير مباشر وغير مباشر على الفرد ، كما أشار له الفلاسفة والعلماء الاقدمون ، وأثبتته التجارب العلمية الحديثة .
والموسيقى كجزء من الثقافة ، يمكننا الاستفادة من مؤثراتها الايجابية على الفرد في خطابنا الثقافي التنويري ، من خلال انتاج وأشاعة أغان ذات مضامين تنويرية عقلانية ، تجسد حقوق المواطنة وقبول الآخر والتنوع والتسامح . فالاغنية سلاح ايديولوجي له تأثيرات مباشرة وغير مباشرة على الفرد ، كما ذكرنا ، وخصوصا ً الشباب . إذ يمكننا تضمين تلك الاغاني بحب الوطن والدفاع عنه وحب العمل والنضال ضد الاستغلال والقهر الاجتماعي ورفض التقاليد المتخلفة .
أما الجانب الموسيقي ، فيمكننا الابتعاد عن الجمل الرتيبة والمفرطة بالحزن ، والتي لها تأثيرات سلبية على الفرد ، وضرورة مطابقة اللحن لمعنى الكلمات ، واستخدام التنويعات الموسيقية اللحنية والايقاعية ، وادخال تعدد الاصوات ( الهارموني ) أينما أمكن .
أما استخدام تأثيرات الشكل ، فيمكننا الاكثار من الاغاني الجماعية التي تربي في الشباب متعة العمل الجماعي ، كذلك ، الاهتمام بالربط المبدع بين الاشكال الموسيقية التراثية والاعمال الجديدة ، مما يربط الشباب ويشدهم الى جذور تراثهم ويوحد احساسهم وفكرهم وارادتهم ، وهذه الالحان تنسجم مع التراكم الثقافي لدى الفرد ، فتؤثر كثيرا ً فيه ، وتساعده على الاقـتناع بالمضمون الايجابي الذي نسعى من أجله .