| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

هاتف بشبوش

 

 

 

                                                                                     الجمعة 29/7/ 2011



إعــــــــــدام

هاتف بشبوش

طارق الهاشمي الجلواز المرائي , يعرف جيدا كيف يتحيّن الفرص كي يزيدنا قرفاً فوق قرفنا من الضباط , الذين عرفناهم جيدا , وهم يسوموننا ضيما وقهرا لسنين كثيرة , من الاذلال في جيش المجرم صدام .

كنت يافعا وقد نبت لي زغب السياسة توا , وانا اسمع من اذاعة اسرائيل تقول (اذا اردتَ ان تكون ملكا , فكن ضابطا في الجيش العراقي) , ولم اكن أصدقُ مفهوم هذه الكلمات بسبب حقدي الاعمى على اسرائيل , حتى دخلتُ السلك العسكري الالزامي , فوجدتُ الضباط العراقيين قولا ً وفعلا ً , ملوكاً ساقطين , شاخصين أمامي , وبعد ان قطعتُ شوطا كبيرا , جنديا خادما لامثال المجرم سلطان هاشم ورشيد حسين التكريتي وطارق الهاشمي , وليس خادما للوطن , عرفت ُ جيدا ماذا تعني هذه الكلمات , كنت مهانا على الدوام , بائسا , ذليلا , خائفا , اضعف من نملة , يدوسونها باقدامهم متى شاءوا , حقير امام هؤلاء الملوك كما قالت اسرائيل , ايام وانا اجد نفسي كالحمار الذي يُحمّل بما لا يطيق, ولا يستطيع حتى النهيق , ناهيك عن الكلمات البذيئة , الشنيعة التي لا يمكنني نسيانها مادام هناك نبض حي , والتي تنطلق من افواه أولئك البغي الضباط , جميعهم لا استثني احدا الاّ ما ندر .

كان في ثكنتي العسكرية عشرة جنود هاربين في السجن من اصدقائي الاعزاء, وقد حكمَ عليهم آمر اللواء حسب الصلاحيات المخولة له , بالاعدام رميا بالرصاص , على ان ينفذ الحكم في ساحة عرضات وحدتنا , وان يتم اختيار مجموعة منا نحن الجنود اصدقاء الهاربين ان نقوم برميهم , ياللهول....... ياللهول ,, اتذكر ذلك اليوم جيدا , وبعد ان قرأوا علينا القرار وتفرّقنا , جميعنا قد اخذتنا نوبة من القيء , والحمى , استمرت لأيام , نتيجة القرف والخوف من القرار الخسيس غير المهني كما يدّعي اليوم طارق الهاشمي بمهنية هؤلاء الضباط المجرمين . أنها لحظات عصيبة يتخلّلها التوتر الدائم , وعليّ انْ ابذل جهدا عظيما كي ابقى متماسكا وصلبا , وفي نفس الوقت عليّ أنْ أموت الاف المرات مع الصمت والحزن , لانّ اي شجار مع هؤلاء البغاة يؤدي بالجندي الضعيف الى السجن لاشهر او سنين .

من يستطيع النوم والراحة في ذلك اليوم المغبر على ان يصحو ويجد نفسه واحدا من الذين اختاروه ليمطر أصدقاءه بوابل من الرصاص , واذا لم يُنفـذ القرار , يعتبر خائنا وسوف يُرمى معهم .

أجلسونا اجبارا في صباح ذلك اليوم المكفهرّ, نحن الذين لم يقع عليهم الاختيار لرمي الهاربين, كي نشاهد موت اصدقاءنا بأم اعيننا , لكي يكون الاعدام بهذه الطريقة البشعة عبرة لنا, ثم جاء منفذو الاعدام مقنـّعين , وقد القى علينا آمر اللواء المجرم محاضرة في الوطنية المزيفة وتخلّلها التهديد والوعيد , دقائق وقد امطروهم بالرصاص وهم موثقين على شاخص خشبي . ولحد هذا اليوم لا اعرف من الذي رمى اصدقاءه العشرة وارداهم قتلى , انه مشهد مروّع لا يطيقه بشر ,عدا امثال سلطان هاشم ورشيد حسين التكريتي . هذا هو الجيش العراقي الذي يتكلم عنه طارق الهاشمي وعن مهنية الضباط غير الشرفاء , انهم جميعا كلاب .

لدى عشائر بني عبس في السماوة كلاب كثيرة نابحة ولكن هناك من بينهنّ كلبة تدعى (طوكة) وهي تختلف عن باقي الكلاب بكونها متوحشة مفترسة , تنهشُ في الذاهب والآيب , ولذلك قالوا هذا المثل المشاع لديهم ( كل الكلاب احســـن من طوكة ) , لكن ضباط الجيش العراقي كانوا كلهم مثل تلك الكلبة ( طوكة).

بدأ حقدي يزداد يوما بعد اخر للضباط , للسلاح , لصواريخ سام التي كنت اعمل عليها , لكل شئ اضعه امامي باحتقار , وغضب , وحتى حينما أتالم ويتوجب علي ان اصرخ , لا استطيع سوى ان العنهم في داخلي خوفا من آذانهم المزروعة في كل مكان .

لقد كان لي صديق جندي في وحدتي وهو معلم مدرسة وقد جنّ في ايامه الاخيرة مما لاقاه من العذابات على ايدي الضباط اللاشرفاء , وقد كنت اقول له ( شيخلّصهه العسكرية ) يقول (بالعكس , العسكرية تخلّص, لكن المدنية شيخلّصهه) وبالفعل حينما حصل على الانتداب لكونه معلما , كان مجنونا خالصا , وبدل ان يعمل في مهنته كمعلم ,عمل في الشوارع بصفته مجنونــا , وهو حتى اليوم يجوب شوارع المدينة بثوبٍ بالٍ يرفعه الاطفال النزقون فتظهرُ أعضاءه , وقد صدق قولـــه (المدنية شيخلّصهه) , وخذ الحكمة من أفواه المجانين.

لقد ترك لنا هؤلاء الضباط اللوطيون الاماً قاتلة وتشوهات دائمة , انهم ضباط ساديون , ونحن كنا ضعفاء امام جبروتهم وقسوتهم , كنا خانعين , صبورين لجبننا الرهيب آنذاك , جبننا الذي يجعل منا قادرين على التحمل والتجاوز والاستمرار .

جبننا هو المزيج من الخوف والتحدي والاصرار والحنين الى كل شئ انساني , والذي لا يمكن أن يمنحهُ لنا هؤلاء الضباط القرود , بوجوههم المستمناة , وكنت احلم كيف يمكنني تجاوز هذا النفق المظلم الى الجهة الاخرى , كيف يمكنني ان اضع حدا للخوف من هؤلاء , كيف يمكنني التخلص من جرذيتي هذه , التي لم أستطع تجاوزها حينذاك سوى مع كأس من العرق , أثناء إجازتي الدورية , والتي تحفّزُ في داخلي ميلاد لحظات اعتزاز و قوة وفخر , تجعلني افكر, أنّ فيّ الكثير, غير القابل للكسر والالغاء .
وفيّ من طاقة الاستمرار الكثير الكثير , وانا اليوم طائرُّ حرُّ وبعد إنْ أعدتُ ترميم نفسي من آلامها , ولطالما حلمتُ انْ اشتم كل ضابط عراقي قديم بأعلى صوتي ..

فها آنذا اليوم اقول لهم أنا هنا ............. أيّها السفلـــــــــــــــــــــــــــــة.
 

عـراق/ دنمــارك


 

free web counter