| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

حمودي عبد محسن

 

 

 

الأثنين 7/4/ 2008

 

الرؤيا

حمودي عبد محسن

كنت ساكنا ، هادئا في وحدتي ، أختلي برؤيا بعد رؤيا ، موحشة لأجل الليل ، لا أرى نجوما سوداء ، ولا تراني الأجرام السماوية من عروشها ، كما لو أن الأفلاك بدون شعاع ، وأنا أتشبث بالرؤيا ، تارة تهجرني ، تارة تهجم علي ، وتنزلق مثل حبات تراب عبر أصابعي ، بوسعي أن أتمسك بها كحفنة في يدي ، رؤيا فانية تتشبث بي ، تهجرني ، تحلق بي ثم تحتجب ، لن أستطيع إبعادها عن مخيلتي ، تسحرني بعلامات حمراء ، وبرموز أكتمها في روحي …حتى المطر ، حتى النسيم غير منقطع عندما أفتح باب شرفتي ثم أغلقها بوسواس ، تنبش بأحلامي ، ولعيني صار صوت ، أسمع دقات المطر على نافذتي ، لم أستطع أن أكون شخص آخر ، في جحيم كوني المكون من رؤيا ، لا يمكن لأي إنسان غبري أن يخوضها ، يعتزم خطوة نحو الجحيم ، يتوقف عند بابه ، يحتاج إلى الشجاعة ليكون هو طبيعي ، لا نهائي ، ويقول لكل رؤيا : ( نعم ، أنا الذي هو ) ، عيناي مفتوحتان الآن عندما خاطرت بالدهشة التلقائية ، و تجربة تعري روحي ، ذهني يقتلع الزمن ، هكذا يجب أن أتوجس من الرؤيا ، محطم ، يرافقني دائما الغموض ، طالبا الانكفاء على ذاتي ، تطور على مر السنين مثل هذا التحطم عن الآخرين ، مرير ، مرعب ، ولكني أتفهم غيري من الناس ، لا ريب في ذلك ، أفقد أشياء كثيرة عن الفهم ، إلا أنني أستعيدها بالكتابة بعد تجربة طويلة مع الناس ، كمستقل عن آرائهم ، وقوانينهم المجحفة ، فهذا العنف عديم المعنى ، والتشدق بالوثنية هو السر المبهم أيضا عديم المعنى ، فهو تشدق لعين أسلافه التي تزيد من الغرابة في مسالك الزمان ، غير ثمة ازدراء بالحياة ، كابدتهم طويلا ، أجل ، أنا محطم ، ومعزول في غرفتي ، حتى لو مررت بأرض القمح ، أو تحت أوراق الندى أو في أرض الخراب ، أو ظلال النهار ، لا أرى سوى الرؤيا خارج ذاكرتي تارة ، وفي أمواج الزمن تارة أخرى التي صارت قرون ، مفصولة عن دنيا في الرغبة ، في ظل قمر معتم ، أعود وتشتعل في ذاكرتي ما مضى من سنوات من مولدها إلى عدمها ، أسمع الصوت الذي يحدثني ، غصون تنمو ، ديدان متحجرة فوق شجرة ميتة ، عظام مكومة ، كل شئ يختلف بظله حتى الخوف ، يراودني الأسى على الناس ، والأحلام توغل في الليل ، فاغرورقت عيناي بالدموع ، فاستغرق في التأمل ، واستعراض الرؤيا في سواد الظلام الكثيف ، يكاد النعاس لا يغلبني ، أظل ساهرا في خدر حزين ، وتنغلق عيناي ، وأعلم أنني عظيم مع الصمت ، وأحاول أن أفتش عن النوم على ظهر القرون ، مخترقا الزمن بضراوة طالما أعيش الرؤيا ، " أنا هو الذي " بحاجة إلى النوم منشغلا بخلط العلامات والرموز ، ليس بالصفاء ، ولا البهيج .لم أكن أدري اولدت للرؤيا أم الانتظار الطويل لتتحقق رؤياي ، فجأة رغبة بالبكاء ، كان شئ ليس ثمة من أجلي ، إنه يخص الملاين التي تركت ديارها ، إنه كالرعب دون أن أرى شيئا آخر سوى محاصر بالرؤيا ، لا أستطيع الإفلات منها ، وبودي أن أصرخ إلا أنني أخجل من نفسي ، كان قلبي يرتعد عندما دقت باب الشرفة ، جاء الدق ، وكأنه مقتحما غرفتي في الهزيع الأخير من الليل هذا ولا شئ آخر ، قد يكون شبح ملأني بوسواس لم أحس به أو خيال لم أشعر به ، كنت مدهوشا منخطف الروع ، سحبت ستارة الباب ، لقد وقفت متسمرا ، مبهوتا ، وقلت : (جاء ليقرضني ! ) ، لم أفتح الباب حيث كان هناك ظلام يفصلني عنه إلا أنني كنت أراه جيدا ، وقفت طويلا ، أتسائل : ( من يكون ؟! ) ، أهو شبح جهنمي ؟! وأنا أتوجس من رؤياي ، وهو يدق ، يدق باب الشرفة التي يغطيها الزجاج ، خفت أن يكسر الزجاج ، ويدخل ، وروحي تتحرق في أعماقي ، دعني أفتح الضياء ، وهو يدق بسرعة ، الطمأنينة لا وجود لها ، مرة أخرى كان يدق بسرعة ، رأيته جيد ، جيدا ، كان طائر قبيح ، هاجمته التجاعيد ، برأس كبير ، ينحني على أرضية الشرفة ، لا أدري عن أي شئ يبحث ، واجهني وجها لوجه بجناحين ضخمين يجرجر بهما ، لم أكن أستطيع أن أكون دون مرارة مؤلمة ، لأنه ربما يمثل هيئة شيطانية ، عيناه مذهلتان يتلألأ منهما الغموض كأنهما انفجار في ظلمات جهنم ، كدت أختنق ورؤيا مشؤومة تنتابني ، مهزوما ، عاصيا أن لا أفتح باب الشرفة ، كانت ترغمني إرادتي الصلبة أن لا أعترف به ، أو أبايعه على مجازره ، لم أكن أستطيع أن أهرب منه ، يبدو أنه يحتويني بنظراته الثاقبة اللامعة ، وهو يضحك ضحكة وجه مقلق ، ويدمدم من فم أحمر : ( أنت كاتب ) ، ارتعبت ، وقلت في داخلي : ( ربما هذه نزوة شيطانية ) ، فاتسعت عيناه على نحو بال الغرابة ، لا أدري أي ذنب ارتكبته لعلي أكتب بصراحة ، فجاء ليعاقبني أو ينذرني ، إذ كل شئ يجري بولادة انفجار جديد في الليل ، وانبثاق ولادة جهنمية ، شخصيته بداية خاصة ، كنت أقوم بحفظ الذات ، غير متناسي أن أعود بالشعور لذاتي ، تأوه ، وقال : ( أنا لست الذي هو ) ، كنت لا أريد أرى نفسي كشخص آخر في صرخة صمت السنين ، وفجأة رأيت وجهه غريبا كشكل ليس مثل شكل آخر ، هكذا تركني ، وسافر مجنحا في بداية خاصة تقوم على مبدأ الألوهية المرعبة ، وتحطيم الأصنام ، والتماثيل ، كل ذلك حدث في جحيم العقاب ، ولم ينزع سحره الغامض ، بعد أن ملأني حزن مروع ، ملأني بمخاوف ، لم أحسها من قبل ،وهذه الحقيقة التي ركنت إليها في سعة خيالي ، عميقا عمق الظلام ، أتوجس قبل انكسار الصمت ، وصدى يتمتم : كاتب …هكذا بالكاد تمتمت : ( كاتب ) ، أزيح الشبح الصارم السحيق ،فنهضت من سريري لأمارس الكتابة ، ما لبثت أن فتحت باب الشرفة ، كانت السماء مضيئة ، والقمر أبيض ، معلنا تضامنه مع الكتاب ، متحديا كل كائن خرافي أو حلم ، وبينما أنا في أفكاري ، رحت أكتب قصة قصيرة تحت عنوان : ( رؤيا ) .أنجزت القصة ، فجأة سمعت دقات على الباب ، قلت مع نفسي : ( دعني أرى من الطارق ؟! ) إلا أن النعاس غلبني ، كي أفتضح الطارق ، كان قلبي هادئا ، وأنا أتمتم : ( أنه كائن إنساني لا غير ) ، " انه هو الذي أنا " هكذا فحسب ، الكتابة لا تقبل اندحارها .

23 \ 3 \2008

 

Counters