| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

حمودي عبد محسن

 

 

 

الخميس 24/1/ 2008



اليوم السابع

 حمودي عبد محسن

في اليوم السابع استراح الرب ، ووضع رجل على رجل ، وجلس على قفاه فوق عرشه بعد أن خلق السماوات والأرض ، عندئذ كان في السماء نصف قرص القمر ، لذلك في هذا اليوم المقدس المبارك لا آكل لحم مشوي ، وخبزا ، ولا أبدل ملابسي بأخرى جديدة ، ساعيا إلى الأيام من دورة الأسبوع ، وأقتفي أسابيع الشهر ، فأزجها في زمن الماضي كصور مكثفة ، متضحة ، خاطفة ، متحركة ، فاليوم السابع يقيدني ، ويجعلني في متاهات لا مثيل لها ، تتجاوب في غياب وسوسة مشاعري ، وأنا أتقصى أثرها ، وأضرب في الغياب تائها ، مستطلعا ، لائذا بوحدة قاسية كي أفضي إلى شئ محدد ، تنتشي به أذني كأصداء خفيفة أسمعها ، وأظفر بها بقبس يتوامض ، خاطفا ، مشرقا في ذكرى تلوح إلى ذكرى ، ومشاعر تستجلي مشاعر ، ففي ترادف هذه الأحاسيس ، والصور ، يتسق لي أن أتفاعل مع الزمن ، أعيش فقدانه ، مضيع لحظاته ، وهو دائما في قدوم ، لا ملمس له ، لا لون له ، ولا حتى صورة له ، دائما أضيع في اليوم السابع المتمرد ، المكونة أعوامي منه ، يسحرني ، ويقيدني بأغلاله ، ثم يجعلني مطيعا ، مستسلما تارة ، جامحا ، شامخا تارة أخرى ، بيد ينطوي في فترة على اكتمال البدر إذا ما تحدثنا عن الزمن القمري ، إلا ما حدث لي في اليوم السابع لم يحدث لأحد غيري ، أنا الذي أبلغ الخمسين من العمر ، وأكملت دراسة العلوم الإنسانية ، وأعمل أستاذ في جامعة المستنصرية ، فقد كنت أتقلب في منامي فوق السطح العالي قبل أن ينهزم الظلام فجر هذا اليوم ، وأحلم أن أكون بطلا شعبيا عظيما ، فقد كان أول صوت سمعته قبل أذان الفجر من الجامع كان صوت يدعو إلى التحرر من الاحتلال بكافة أشكاله ، فنهضت بسرعة ، مدهوشا ، متعجبا ، ,أنا أسبق الفجر ليتفتح أمامي فجر آخر ، ونهوض جديد ، يتفجر في كل اتجاه ، لا يمكن أن يخمده النسيم الآتي من نهر دجلة الذي راح يضرب جبيني ، لقد كنت رابط الجأش ، تتراءى لي صورا : رجال يغرقون بالدماء ، جثث مكومة فوق بعض ، سيوف اقتحمت بطون ، رؤوس أطيح بها .
كان الصوت مضغوطا ، مجذوبا لي بصورة شبحية ، لم أكن أعرف كيف كان يبدو أمامي ، إلا أنني شعرت بنفسي متجمدا ، واقفا في فراشي المفروش على أرضية السطح ، وقد خلق من زمن الصوت غي المتجانس الذي تزحلق علي متموجا ، وهو يدعوني إلى النهوض في ظرف نهائي ، فائق في خلفية المنشأ مثل نجم تهاوى متفجرا ، أو منكمشا إلى نفسه ، أحسست بتقلص في ساقي ، واقتنعت تماما إذا لم أتحرك أعجز أن أنفلت من الفراش ، وقد حاولت أن أخرج قدمي من الفراش ، وبقيت عاجزا على أن أتصرف إزاء قوة جذب هائلة من الصوت ، وفي لحظات متعاقبة جاءتني من الماضي السحيق ، بحلول جيل جدي بجيلي ، بإيقاع متناوب ، فأيقنت أنا المشمول الوحيد بهذا الصوت ، آنذاك استنبطت بكامل الوضوح والدقة أن الطريق مهد أمامي أن أصبح بطلا ، وذاكرتي متجه نحو الماضي ، إذ نهوضي يضع حدا للانهيار في وطني ، لأن الانهيار ما زال جاريا ، فعلي بزمان الشيء ، أي اخترت في أفضل زمن ، وعيناي يقبلهما النسيم ، فنزلت من السطح العالي إلى الحوش ، ودخلت غرفة جدي ، وسحبت السيف من غمده ، وهززته في الفضاء ، مثلما عهد لي الصوت ، أن أقود التحرير ، رغم أنني أبدو شاحبا ، ضعيفا ، منهوكا ، لكنني كنت على أتم الاستعداد أن أفدي نفسي من أجل وطني ، مهما يهددني من خطر ، ثم وجدت أنني لا يمكن أن أنجو من أية معركة تحدث ، وربما – أسبب الفوضى للمحررين ، ولكن الآن تلذعني وخزات شديدة لا تطاق أن أكون قائدا مرعبا ، استمد قوة مطلقة من دماء الأجداد ، بحلول ذكراهم في نفسي ، كان الصوت حاد ، وقد سحرني ، وتآلف معي ، وجذبني إليه حميما ، وهذه أول مرة أكتشف نفسي ، بوجود حقيقي بارع في عهد مضطرب ، مؤججا مشاعري أن أكون بطلا شعبيا أوحد البلاد ، وأوقف قطع الرؤوس ، والتفجيرات ، والحرائق ، والقذائف ، جاعلا التحرير يشتعل بسيفي ، تحت قيادتي في معركة عنيفة ، أنهض بها الأرواح الخالدة ، فجأة جاءني صوت الأذان كما لو يوقظني من غفوتي ، فسقط السيف على الأرض ، وتوضأت ، وأديت الصلاة ، وتأكدت أن لكل شئ وقت منذ دهر الداهرين .

28 . 3 . 2007
 


 

Counters