| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

حمودي عبد محسن

 

 

 

السبت 1/12/ 2007



 الحذاء

حمودي عبد محسن

حين تتدارك المعجزة الحقيقة ،تنبثق منها أشياء كثيرة تفتح فيها أفق، وحين آن الأوان لتدخل عالم مضطر شايع يثبت الإنسان بعينين تحدقان بثبات إلى أمام ، وفي داخله ترقص المعجزة ، ربما يصر بأسنانه ، ويتكلم : ( من أرض وادي الرافدين بدأ التاريخ ) ، إلا أن المشكلة في صباح يوم ربيعي ،عندما انفجرت سيارة مفخخة في سوق البياع ، فارتعب الطلاب والمعلمة التي لم يمر على عرسها عدة أشهر ، وهي تعيش مع زوجها في بيت متواضع ، فقد اكتشفت الأمر للمرة الأولى مدى فداحة الانفجار ، وإنها راحت وأثناء تكسر زجاج الشبابيك تطمن الطلبة بأن الانفجار بعيد ، ولكن بعد وهلة أصابها نوع من الخوف ، وقد دق الجرس معلنا عن الرصة ، والأطفال يتلقفون عبارة سحرية أحبها الطلاب يمشون بخيالهم إلى الأمام بأناقة ، ويصعدون سلما ، وهي تنظر إليهم بعينين نزيهتين ، صافيتين ، عاجزة أن لا تدرك ملامحهم رغم أن هناك هوة تفصل ظلال الوجوه ، والروح ، فهم قادرون أن يتآلفوا في المتناقضات والصراعات ، وهذا استدلال منطقي للطلبة واضح ، وخاضع لمقياس السلوك المتناقض المعقد ينتهي بالعاطفة المسؤولة . لكن بعد وهلة هرعت المعلمة إلى غرفة المعلمات اللواتي احتشدن لتبيان الأمر ، وهل من المجدي مواصلة الدراسة في مثل هذا الرعب ، وكان هناك زجاج مكسر على منضدة المديرة ، والمديرة مشوشة مرتعبة ، لم تفكر ساعتئذ بأي شيء آخر غير كرامتها ، وصلابتها في مواجهة المشكلة ، فقبلت التحدي أعطت الأمر بمواصلة الدراسة ، وقد أحمر وجهها ، وكبتت أي تخاذل أمام المعلمات ، ألقت نظرة متفحصة على المعلمات وقالت إلى الدرس .
دق الجرس وهرع الطلبة إلى الصفوف ، تأملت المعلمة الطلاب ، كانت وجوههم مليئة بالظلال والعناد ، وقورة مسالمة يعرفون أن : ( من أرض الرافدين يبدأ التاريخ ) هذا شئ نبيل ، وعظيم ، كانت هناك طالبة تمسك دفاترها ، تريد الخروم إلى مكان اللإنفجار وحاولت المعلم أن تقنعها ، بل خرجت باكية ، وقفت الطفلة بمثابة متفرجة ومتفحصة الجثث المتفحمة ، والناس في حركة مستعجلة لاخلاء الجرحى والموتى ، والدخان متصاعد إلى أعلى ، فاسود وجه البعض ، وصاروا يكومون الأحذية فخفضت الطفلة رأسها وهي مشوشة الفكر ، فبدلا أن تذهب إلى بيتها ذهبت إلى مدرستها مرعوبة باكية راكضة ، ودخلت الصف لاهثة ، وهي تردد : ( موت في الشارع ) لم تدر ماذا تفعل المعلمة وقد تسرب شئ إلى قلبها ،وانطلقت من فمها كلمات : ( اذهبوا إلى بيوتكم ) ، وهرعت إلى مكان الحادث ، يتبعها الطلاب ، فهجمت على الأحذية ، وأمسكت حذاء ، وانهمرت من عينيها الدموع ، دموع ناطقة غزيرة ، وعواطفه رمز النبل الإنساني في أرقى مشاعره والتعبير عنه ، دموع وداع دائم ، وداع المجد ، التي تفيض من العيون تتدفق مستمرة لعدم القدرة التحكم بها ، فهي لم تستطع باليأس والرعب أن تعبر عن مشاعرها بالكلام ، فلغة الدموع لا تشوهها بل تزيد من جمالها، وأنوثتها ، لأنها تملك انفعال حقيقي نابع من القلب ، وكما واضح دموع الطلبة تنهمر في اللحظات الحزين ، فدخلت البيت ، وأغلقت الباب بالبكاء ، والدموع الغزيرة الناطة ، وتفرق الطلبة إلى بيوتهم يحملون انفعال دموع مطرية ، والبكاء يزيد كمية الدموع المنهمر.

24\8\2008


 

Counters