حمودي عبد محسن

 

| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

 

السبت 15/7/ 2006

 

 

اعتراف


انه يكلمني . لا أعرف لماذا يكلمني ؟! أعرف فقط انه يكلمني . يكلمني وحدي ، ويزورني في منامي ، و يتجلى لي في أحلامي .كنت في كل مرة اسأله ، لماذا تكلمني ؟! يبتسم ، ولا يجيب على سؤالي ، فقررت أن أواجه وجودي في حدود مدينتي التي بلغت فيها الثلاثين عاما ، لهذا أعزف على القيثارة ، وأغني للناس بالقرب من الكنيسة في الميدان الكبير . الناس يمرون بقربي دون أن يعيروا لي أي اهتمام . هذا ما يزعجني كثيرا . غيرت مكاني ، وأخذت اقف بالقرب من مركز البريد ، أيضا ، أيضا ، لم يعيروا لي أي اهتمام . رحت أعزف ، و أغني هذه المرة ، و أنا أسير ، و أتباطأ في مشيتي تائهة في الشوارع ، و الأزقة ، أيضا ، لم يعيروا لي أي انتباه ، هذا ما يزعجني كثيرا .
عندما أغني لم يكلمني ، وعندما أمشي لم يكلمني . يكلمني فقط ، فقط ، عندما أواجهه ، وعندما أنام ، كلماته تعني الكثير بالنسبة لي ، تنساب من شفتيه ، تأخذ طريقها إلي ببطء ، تنساب مريحة في أذني ، وتجرفني بعيدا ، بعيدا ، كلماته أصبحت مألوفة لي ، وغيابها يؤلمني ، ويجعلني لا أستطيع أن أحدد مكاني في هذا الكون ، و لهذا ينبغي أن أعترف ، أعترف بأنني لا يمكن أن أستمتع بوجودي من دونها فأسالها الطبيب : كيف حدث ذلك ؟
هزت رأسها ، و قالت : قبل شهر ذهبت إلى الكنيسة ، و وقفت قبالة لوحة السيد المسيح ، ورجوته أن يكلمني ، فجأة ، رأيته يحرك جفنيه ، ثم فتح عينيه ، وذرفتا دموعا ، ما لبثت أن سألته : سيدي المسيح ، لماذا تبكي ؟ الناس ، الناس ، اذهبي وغني كي تفرحيهم بغنائك .
الآن ، و أنا أتحدث معك ، تلوح لي نظرته الثابتة ، المقدسة ، الراعية لي ، وتحتها تفتقت في أعماقي أغنية الناس ، لذلك أغني لأجلب البهجة إلى قلوبهم .
فسألها الطبيب : عن أي شئ يكلمك ؟
_ أشياء كثيرة ، كثيرة .
_ مثلا ؟
_ لا ، لا لأريد أن أكشف السر .
_ هل تحبين صوته ؟
_ جدا
_ لماذا ؟
_ لا أدري ، ها ، انه صوت السيد المسيح ، كيف لا أحبه ؟!
_ هل حدثت أحدا بما حدث لك ؟
_ أجل .
_ من ؟
_ أصدقائي .
_ ماذا قالوا ؟
_ أنت مجنونة .
آواه ، أيها الطبيب ، أنا لست مجنونة ، غير أن أصدقائي لا يصدقون ما جرى لي ، وعندما أحدثهم لا يصدقوني إن أصدقائي لا يصدقوني أبدا ، لا أحد يصدقني عندما أتحدث و أنت أيها الطبيب : هل تصدقني ؟
_ بالطبع .
_ ماذا يجب أن أفعل ؟
_ أن تأخذي هذه الحبوب ، تتناوليها كل يوم ثلاث مرات .
_ إذن أنا مجنونة .

2. 11 .2004