| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

حمودي عبد محسن

 

 

 

الأربعاء 13/2/ 2008



انتحار كيلوباترا

حمودي عبد محسن

حقيقة ، ودقيقة ستوصلها إلى حل لزمنها الآن ، بعده لا داعي للذكريات . كانت صامتة ، ومتحفظة ، كيلوباترا ابنة الملك بطلبموس الحادي عشر الملقبة ( الملكة المحبة لأبيها ) ، وكيلوباترا السابعة ، ولدت في الإسكندرية ، بناها الإسكندر الأكبر ، ونشأت داخل القصر الملكي .فقد بحثت في ذاكرتها، وقدرتها الذهنية ، وذكائها السياسي : سفن تجارية من شتى بقاع العالم ترسو ، تفرغ حمولتها ، ثم تعاد شحنها بالبضائع المصرية ، أنشأ جدها منارة ينعكس ضوءها على مرآة ضخمة يراه البحارة على بعد ثلاثين ميل . كانت تنفذ إلى داخلها ، ، لم تبال بقلبها خلال جميع السنوات ، فشعرت إنها بطيئة التفكير ، وخطواتها بائسة ، وكل هذا يشوش أفكارها ، لاشيء من ذكريات الماضي ، تنقضها الأحداث المجهولة ، هزم انطونيو في معركة اكتيوم على الشاطئ الغربي من اليونان عام 31 وانتصر اكتافيوس ، دارت الشائعات أن كيلوبترا انتحرت ، سمعها انطونيو ، وهنا يقول انطونيو لأحد أعوانه واسمه ( إيروس ) أن يقطع رأسه بالسيف فيقول له : (ادر وجهك ) ، فيبقر ( إيروس ) نفسه بالسيف بدلا أن يقتل انطونيو ، فتعجب انطونيو ، فبقر بطنه بالخنجر ، وصرخ : ( خذوني إلى كيلوباترا ) وضعت رأسه في حضنها .كل شئ يشوش أفكارها لا شئ من الماضي ينقذها من الأحداث نظراتها كانت حادة لا يفوتها شئ ، ودوت في أعماقها صرخة الاستغاثة حتى خال لها إنها أطلقتها ليسمعها انطونيو المسجى في حضنها .كانت كيلوباترا آخر حكام البطالمة في مصر ، حكمت مصر حوالي عشرين عاما ، تزوجت أخاها ، وعمرها الثامنة عشر ، وتكبره ثمان سنوات ، وهو بطليموس الثالث عشر ، تآمرت عليه ، وفرت إلى الصحراء الشرقية لتنضم هجوما على الإسكندرية ، وتستولي على الحكم ، إلا يوليوس قيصر دخل السكندرية مع قواته ، خبأت نفسها في سجادة كبيرة وحملها أحد أتباعها كهدية إلى القيصر ، ، وبرزت كيلوباترا من السجادة ، فنشأت علاقة حب مع قيصر الذي أنجبت منه قيصرون ، بعد حرب أهلية قادها أخوها ، وهو بطليموس الثالث عشر ، فغرق في النيل العذب ، وضفافه الخصبة ، رافقت يوليوس قيصر إلى روما ، وقتله الجمهوريون ، فعادت إلى البلاد ، وقتلت أخاها بطليموس الرابع عشر كي يبقى الحق بالعرش لابنها قيصرون ، كانت تجتاحها قشعريرة عندما تفكر بقيصرون ، ينقبض قلبها ، يمكن لمخيلتها وحدها أن تتحكم بالموقف، وتفلت منه ، ومن سعي إرادتها الحرة ، الجريئة أن تغامر بشيء ، وما هو هذا الشئ ؟!اكتافيوس يحتل الإسكندرية ، صارت تعيش في عالم الأفكار اللامتناهية ، وتخبئها في داخلها لئلا تكون غير مناسبة للحدث ، هذا وقد أنجبت من أنطونيو ولدين ، وبنت .كان هذا الشك يراودها رغم أسرار قلبها التي أصبحت وحدة الحرمان ، رفعت عينيها فشاهدت سقف المقبرة التي تختفي فيها ، فكان ملون بالأفاعي ، كانت قد كفنت بالفشل ، فقالت بصوت هادئ وواثق : انتهى عصر البطالمة ، كانت تريد أن تكون بدون أوهام ، ولا ضعف ، وتتمتع بالجرأة ، ومن جديد شعرت أن تكون وحيدة التفكير ، وتناقش : ماذا يريد أوكتوفيوس وهيمن عليها شعور أن يذهب بها إلى روما أسيرة ، مهانة ، في موكب النصر ، إنه الذل ، والعار ، فقد بحثت معه السلام فرفض ، وأعلن ضم مصر إلى سلطان الشعب الروماني ، وأطلق عليه بالمبجل راحت تجري في ذكرياتها وعقلها الدقيق الوصول إلى الحقيقة الساطعة ، إنها ستصبح أسيرة ، أطلقت تنهدة من الآلام ،ونظرت مندهشة لوجودها وكأنها استيقظت من كابوس ، وقالت في نفسها : ( خسرت كل شئ ) ، أحست بألم ينخر في صدرها ، ويهز قلبها مرمية وحيدة يطوقها جند الرومان كانت تلهث من الألم والضيق ، والذعر نهضت لاهثة راعشة ، كانت تتألم كثيرا ،ولم يتسن لقلبها يستكين ، أدركت رعبها وقلقها ، وبدت ممزقة بغم عميق ، رهيب ، تعكرن مخيلتها ، وبعثرتها الأحداث ، فلم تكن إلا هاربة مطعونة مضطربة .شعرت مجددا أن مخيلتها تتوقد لتجد حلا في فكرها المتوعك بالأسى والصدمة ، فانزلقت إلى الحقيقة الدقيقة بعد أن أعلنت نفسها سابقا ملكة الملكات ، فكان قلبها يدق بشدة ، كانت تدرك كبريائها ، وترى بعينيها المتوقدتين وانسيابها الهارب نحو الإحباط تختلط مكتشفة خسارتها ، فتزداد قناعة إنها سائرة نحو مصير أظلم ، ففي فجر أيام منتصف أغسطس 8\30 طلبت من أحد أعوانها أن يحضر الأفعى كما لو إنها احتفظت بها لهذا اليوم ، وهي أفعى سامة واسمها أفعى النيل التي تقتل بلا ألم ، وتضعها على صدرها فتموت بعد أن تلدغها الأفعى في الكتف الملكية اليسرى ، فكانت الكوبرا السامة شعار البطالمة ، إذ لا يحق لها الانتحار بالخنجر ، وقرر الغازي الجديد أوكتافيوس أن يدفن انطونيو وكيلوباترا في مدفن واحد ، وتحكمت روما في العالم بعد ذلك لبضعة قرون .

17\ 12 \2007
 


 

Counters