| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

حمودي عبد محسن

 

 

 

الثلاثاء 12/5/ 2009



النبأ السعيد

حمودي عبد محسن

رن جرس التلفون ما بعد الظهيرة ، إذ كنت أغط في نوم عميق، مسكت عروته ، لم أسمع سوى رنينه ،تررررررررر، رجعت إلى كهفي الفراش الدافئ ، وانطويت فيه ، فهو كهف متداخل مع كهف الشقة المعلقة في الطابق الثاني من بيت في ثلاث طوابق ، بعد أن رأيت السماء مشرقة في بلد الشتاء البارد والليالي الطويلة المظلمة ،هذا أفرحني بالرغم من أن التلفون أيقظني من منامي عنوة ، فأصبح لي في الزمن الأخير صديق فريد هو الليل ،أعيش ساعاته في البحث والكتابة ، فقد كنت ليلة أمس مع قصة ملكة سبأ بلقيس ، والنبي او الملك سليمان كما يسمونه التي وردت في التوراة والقرآن، فاكتشفت من خلال المعاينة الزمنية والحدث والتاريخ أن لا صحة لهذه القصة ، وانها مجرد أسطورة حتى بدا الشك ينتابني من وجود أسم بلقيس و سليمان، لكن كان جل تعلقي بطائر العرب الجميل الصغير الهدهد الذي جاء بالنبأ السعيد ، فأخبر بلقيس بحب سليمان لها ،إلا ان مملكة سبأ كانت قائمة في التاريخ ،فقد اكتشف علماء الآثار ذلك ، وكانت عاصمتها مأرب ،وسبأ ليست أسم أرض أو امرأة وإنما أسم رجل ، له عشرة أولاد ، منهم مراد ، هذه القبيلة الشهيرة التي تمتد حدودها من نجران جنوبا إلى أطراف نجد الجنوبية الغربية ، حيث أنا أنتمي إليها...

حاولت أن أنام لأنني في ليلة أمس سهرت إلى الفجر أبحث في مراد ، فكانت المعلومات تشير إلى نسبه : هو مراد بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ ويقال أن أسمه يحابر فتمرد فسمي مراد ، وسبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان وهناك معلومات تنتهي بالنسب إلى آدم...هكذا وجدت نفسي أنني بن آدم ،وأنه جدي الأول الذي طرد من الجنة مع حبيبته حواء...لم أستطع النوم فقد تعلقت عيناي بشجرة اللبان التي يعتقد أن أسمها جاء اشتقاقا من اللبن أي لبن الشجرة ، وهو صمغ الشجرة الذي يستخدم في البخور ، والذي يضاف إليه العنبر المستخرج من الحوت والمسك المستخرج من آيل المسك كي يضفي رائحة خاصة عطرة ، كنت أريد أن أعطر كهفي بأزكى ,وأجود البخور اليمني كي أعود إلى أصلي ،وكي تفوح رائحته إلى مسافات بعيدة حيث يميز جيراني وجود مناسبة ما....رن جرس التلفون...نهضت بتكاسل ومسكت عروته ، وقلت آلو...جاءني صوت شفاف رقيق تخنقه عبرة...عرفته...كانت عبرة فرح : لقد حصل فارس على شهادة الدكتوراة بامتياز... هكذا جاءني النبأ السعيد من هيفاء عبد الكريم ،هذه المرأة الرائعة التي تنتمي إلى عائلة نبيلة ، التي تخيلتها تمسك عود بخور ، وتدخل محراب الآلهة لتبهج الأرواح برائحة فواحة ، أجل ، كنت أتخيلها قديسة في معبد الأفراح .

أغلقت التلفون ، وصارت عيناي تبحثان عن مباخر يمنية ،مرادية ، سبئية ،من الجبس ،وأشعل فيها البخور، لتغمر كهفي أجمل الروائح ،تضفي شكلا جماليا جذابا وفريد من تصاعد دخانه الأزرق ليصطدم بالسقف ، لم أجد مبخرة ، ولا مشجب الذي يشبه الخمية الصغيرة لأعطر ثيابي كما تفعل اليمانيات و لأمارس طقوسي في الاحتفال كما فعل البابليون عند النبأ السعيد بل ذهبت إلى أوراقي ، وبحثت عن مسودة مقالة كتبتها في الشهر الماضي عن كتاب (مقالات ودراسات في الشخصية العراقية )، وأضيف لها كلمة الدكتور لتكون الدكتور فارس كمال نظمي ،...

خرجت من كهفي ، وسرت في شوارع المدينة النظيفة ،كانت السماء مشرقة ، والهواء البارد يداعب أغصان الأشجار الخضراء ، وفي رأسي عوالم متعددة تنحدر إلى خيام البدو في الصحراء، وأكسر صنم مراد - مغوث -الذي كانت تعبده في الزمن السحيق ، وأدخل معابد بابلية ،أرى أبراج شاهقة ، وقصور، وبيوت طين ،وفترة إزدهار ، وعصور ذهبية ،ومناظر رائعة ، وهندسة معمارية ، وتراث ثري ، وأصالة ناس التي يبحث فيها فارس لمعرفة تكوينها ، وماهيتها ، وتأثيرها في المجتمع.

دخلت إلى مطعم في الشارع القديم في مدينة بحيرة البلوط لأمارس طقوس الاحتفال لوحدي ومع عوالمي ،طلبت كأس بيرة ، ارتويت بمرورته ،فانحدرت إلى واحة عراقية مروية من المطر ،فيها النخيل، ناسيا أطلال بغداد وخرابها، كم مرة وقعت بغداد ثم نهضت ؟ هذا ما قلته ، وأنا أحتفي بالنبأ السعيد الذي زرع اليوم في داخلي أمل إذ بدونه تصدأ روحي ، ويتعطل فكري ،خرجت من المطعم ، وأنا أردد : ستنهض بغداد.


12 /5 / 2002
 


 

free web counter