| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

حمودي عبد محسن

 

 

 

الخميس 11/12/ 2008

 

 العارية

حمودي عبد محسن

تجرد جسدها…فغدت جسدا عاريا ، ناضجا ، بضا ، جوهري في جمال التكوين بأبسط أضواء ، وظلال ، فتبين الصدر ، والردفان ، والساقان ، والقدمان في مغزى روحاني ، وقر ، فمن خلال خطوط جسدها ذات الدلالة ، ونظراتها المتوجه إلى أسفل أيضا ذات الدلالة ، فالعينان تشدهان إذ يستعصي الرائي أن يسبر أغوار النور المنطلق منهما ، فيهما اختلاجات من النشوة حتى يبدو الشبق في عينيها ، كأنها تتوق إلى قبلات الحب ، تستدفئ شفتاها به . رفعت ذراعها اليمنى فبان تحت إبطها غير مكتس بأي رداء أسود كما لو أن ذراعها من نور متوهج ، يهبط على تضاريس صدرها مائلا على بطنها المنتفخة قليلا ، فهزت رأسها ، فبلغ شعرها ظهرها،كي يكتسيه شعرا أسودا محاطا بهالته ، وكل وجهها ينطق بالقلق وهي شديدة التعلق بجسمها عاجزة أن تجد آخر مثله ، وثمة حركة تختلج في الجسد ، حركة خالدة ، متألقة كنجمة ، رؤيا جليلة تموج بالحركة ، إذ هي واقفة أمام شجرة المعرفة ، وتنقل بصرها صوب ثمارها التي كانت الحياة رهن قدرها ، باسطة يديها على نهديها ، المنتصبين ، يكادان أن ينحنيا بهالتهما إلى أسفل ، لثقلهما في رهبة ، وخشوع ، وقد تجلى على محياها عدم الاهتمام ، من يراها ؟! لا أحد يراها سوى الملأ الأعلى ، الذي تسمع صوته ، ولا تراه ، انحنت في خشوع ، لا ينتقص من كبريائها شئ كأنها تحاكي الجمال الدنيوي الذي ستذهب إليه ، في اختلاجاته ، وعواطفه ، وانفعاله في لحظة الرهبة خشية أن لا تتقبل ، وهي تنظر إلى شجرة المعرفة في الوقت الذي تظهر عليها أحيانا المخاوف قد تبدد فرحتها ، إلا أنها لمست فرحتها ، تكمن في اندثار السيطرة عليها . انحنت وارتكزت على الركبتين نابضة الحيوية ، متميزة الجسم ، متقن ، وحولها كل شئ ينمو ، ويزدهر ، فكانت جلستها بصلابة أمام شجرة المعرفة المكتسية بالاخضرار ، تمثل الروعة والإبهار ، وتناغم الألوان تدفئ القلب بمجرد الإحساس أنها تمد يدها التي تبدو تنطلق من ذراعها ، نهضت ، وتقدمت إلى الشجرة ، وقطفت ثمرة منها ، وأكلتها . التفتت فتجلت أساريرها ، فبدلا أن يتجه بصرها اتجاه الشجرة ، كاشفة عن انشغالها بذكرياتها ، وحاضرها . كانت تنظر إلى الغدير ، تدير رأسها فوق كتفها متطلعة ببصرها إلى أعلى ، وتثني ذراعها اليمنى ، ليستقر كفها فوق بطنها ، وابتكرت إيماءة ، لم تلبث أن غدت التعبير المعترف به عن الشوق إلى العالم الآخر ، ليأخذها العجب من ذلك التماسك والجلال ، اللذين أضفتهما على الجسد ، فانتصبت مباشرة أمام الشجرة التي تحتل بؤرة التكوين ، ولا تقوم الشجرة بتجميع كافة الخطوط فحسب بل هي بحركتها مذهبة ، متوهجة . جسد عاري تغمره السكينة ، جمال آسر على وجهها الذي غالبا ما يشكل قسمات من ملامح شخصية مميزة دنيوية في عصرها ، يصور تعبير أحيانا يشوبه بعض التكلف متشح بالرصانة ، حينئذ ندت عنها شهقة حياء ، وقد أدركت عريها ، وأدركت مواجهة الضوء فأخفت وجهها بيديها كأنها تأخذها عاقبة غريبة ، غير منتظرة ، فتنكمش في رهبة ذليلة ، مسحوقة القلب ندما وخزيا ، أن رب العرش يراها ، وهي لا تراه ، يسمع شهقتها ، وربما – تسمع صوته ، الذي يقود خطاها نحو الأرض بوجهها الطلق ، النضر ، فشعرها الذي يضطرب من هبات نسمات من الغدير اضطرابا متسقا غير مختل تحس فيها حينما ما تلبث أن تسترخي بعده ، وتفتر ، وهكذا يبقى الجمال العاري ، إلى الظهور ويكاد ينطقه فتنة وجمال وكشف تفاصيله ، وتتركه على سجيته ، تبدو فزعة وراء الشجرة ، وتراودها أصوات الشرر الوحشي مروعا ، شئ ما يقرع الصنوج ، والطبول ، بالإيقاع المتناسق ، تجعلها خائفة تفكر بتسعة عشر ملاك يحرس الجحيم. فبدت فزعة وراء الشجرة ، تحجبها زهور رقيقة عاشقة النسيم ليغشيها ، وما كان النسيم يلامسها حتى تساقطت ثمار من الشجرة ، التي تمايلت بأكملها ، بتوازن ، وقد أحست بالاسترخاء ، فقد بدت مستعدة لمعاقبة رب العرش ، ثم تلا الإيقاعات سكون مطلق وكأن الهدوء التام يضفي عليها سحرا ، فصارت سارحة الأفكار لا تبالي شيئا . إذ الأزمان تنتهي إليها ولا مكان يحده ، كانت جبهتها مرتفعة مكورة العنق ، محاجر العينين مقعرة ، والجفون منتفخة ، والوجنات ملساء بلا تجاعيد ، وتقوس الحواجب ، ويوحي جسدها الأملس بصلابة البشرة ، أنثى عارية مهيبة برشاقة جسدها الصقيل ، تقبض بباقة زهور بكفها ، قبلتها بثغرها ، ورمتها في الغدير ، فانتابتها رجفة ممتعة ، منبثقة من إحساسها كما لو أنها لا تنتمي لهذا الفردوس ، ودعت نفسها في غمرة الاستغراق في حلم لا ينتهي ، ويتجلى وضعها الهادئ المتأمل ، انسياب شعرها دقيق مثل دقة أغصان ، ورهافة شجرة المعرفة ، وهناك صفوف أشجار متلاقية عند نقطة الأفق ، فصف الأشجار الذي يحف بالممر والأفق المضيء ، كان ذلك يجعل جزءا من النشوة التي تعم في مخدعها ،عارية تنبض بالحياة ، بجمال جسدها ببسط مساحاته المعبرة باكتنازه ، وأضاءت بشرته الملساء متوازية الإيقاع ، وهي في شبابها وجمالها فحسب في ذروة المتعة المؤججة ، التي تشيع السكينة في جسدها المختار ، فخفضت رأسها ، وأسدلت جفنيها ، كما لو كانت في حلم بينما أسلمت نفسها على سجيتها منتشية في غبطة واسترخاء ، فشاع فيها خدر الرضا عن النفس ، فحركة الدم تظهر في عروقها الزرقاء التي تتبدى هي الأخرى ، فهذه هي النعومة المتناهية . لم يمض الوقت فتستغرق في استرخاء تحت الشجرة في ظلالها ، فتستلقي على ظهرها مستغرقة في انسياب، وقد استدارت بحيث اتجه رأسها وقدماها في اتجاهين متضادين أمام الغدير الذي تتزاحم فيه أشجار النخيل والزيتون ، فجأة نهضت إلى ينبوع الغدير بمياهه الصافية ، فاستحمت على عادتها ، انصب الرذاذ المتطاير على وجهها ، ثم انزوت جانبا مشيحة بوجهها ، ثم تناولت قليلا من الماء بكفيها ، الذي استحمت به ، ونثرته على الشجرة ، وحل في قلبها الرعب ، ولم تنطق بكلمة ، حينما اقتحم أحد خلوتها ، تسمعه ولا تراه ، وهو يسمعها ويراها ، فراحت تتوجع ، وكان التوجع لغتها الوحيدة ، وجسدها العاري يتألق في عيني المقتحم ، وثمة ضوء على جسدها البديع الرائع ، الذي كان ينساب أيضا ، ينساب ، ويتوهج ، يفضي الحيوية على فرجات أغصان الشجر ، وتعكسها على الغدير متألقا ، وومضات من الضياء على مياهه ، وكادت تجمد في مكانها ، وقد احتدمت في نفسها أنها مطرودة من الفردوس ، فدلفت إلى أجمة ، وتمددت على العشب ، فأبصرها المقتحم في هذا الوضع ، وعزم على وطئها ، ، وضمها إليه محاولا أن يغشاها ، فافتضح أمره ، وهي تحاول أن تقاوم ، ولكن من الذي يستطيع أن يغلبه على أمره ، فإذا هو يظفر بها ، حتى نال منها ، أما العارية فقد أحمر خدها خجلا ، وعادت إلى الغدير لتستحم ، وتساقطت من عينيها قطرات ذهبية حمراء .

 

19 | 5 | 2007

 

free web counter