| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

فائز الحيدر

 

 

 

الأحد 27/1/ 2008

 

الثقافـة ما بيـن الحـوار والتكـفير

فائز الحيدر

من أقوال النبي يحيى ( ع ) ....(خـير غبطتـك ان تحتـرم النـاس) .
وينص الأعلان العالمي لحقوق الأنسانفي في احدى فقراته بما يلي :
( لكل انسان الحق في حرية الفكر والوجدان والدين وحريته في اعتناق اي دين او معتقد يختاره ) .
ويقول الفيلسوف والصحفي الفرنسي ( ماري آرويه  1694-1778) وتحت أسمه المستعار ( فولتير ) ( لا يمكن لنا كأفراد أن تكون لنا حريات فردية أساسية كحرية التعبير ، اذا لم نتمكن من التدليل والتوثيق على معتقداتنا الشخصية ) . ويقول أيضا" : ( أخالفك رأيك ولكني أدفع حياتي ثمنا" لأن تبدي هذا الرأي ) .
اما المفكر سلامة موسى فيقول : ( لو جعلت لي متطلبات كثيرة منها لأخترت لغة الحوار ) .
أما محمود حمدي زقزوق ( وزير الأوقاف في جمهورية مصر العربية ) .... فيقول :
(إن الحوار في معناه الصحيح لا يقوم ولا يؤدي إلى الهدف المنشود إلا إذا كان هناك احترام متبادل بين أطراف الحوار، واحترام كل جانب لوجهة نظر الجانب الآخر.وبهذا المعنى فإن الحوار يعني التسامح واحترام حرية الآخرين. واحترام الآخر لا يعني بالضرورة القبول به. وليس الهدف من الحوار مجرد فك الاشتباك بين الاراء المختلفة أو تحييد كل طرف إزاء الطرف الآخر وإنما هدفه الأكبر هو إثراء الفكر وترسيخ قيمة التسامح بين الناس)
يؤكد علماء اللغة والتفسير ان لأصطلاح الحوار معانٍ كثيرة ، يقال . ( حاوره محاورة وحواراً ) . فالمحاورة هي المجاوبة ، أو مراجعة النطق والكلام في المخاطبة والتحاور والتجاوب . لذلك لابد في الحوار من وجود طرفين متكلم ومخاطب يتبادلان الدور . فحيناً يكون المتكلم مرسلا" للكلام وحيناً متلقياً له . أي يكون المتكلم مخاطباً حين يصمت ليسمع كلام نظيره . وهكذا يدور الكلام في إطار حلقة تبادلية يكشف كل منهما عما لديه من أفكار. فيتشكّل جرّاء ذلك ما يمكن أن نسميه بالخطاب المشترك الذي تستولده القضية المتحاور بصددها .
بين فترة وأخرى تطالعنا صفحة الياهو المندائية بآراء ثقافية ، سياسية أو اجتماعية يكتبها بعض الأخوة من المثقفين تتعلق بأمور المرحلة الحرجة التي تمر بها طائفتنا هذه الأيام وتحتاج الى نقاش وحوار مستفيض من المثقفين المندائيين ورجال الدين للوصول الى قواسم مشتركة . وبالتأكيد ان الآراء المطروحة تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر عن وجهة نظر المشرفين على الصفحة ، وتبقى مسألة تقبل هذه الآراء من عدمها يعود للقارئ نفسه وأفكاره وحريته وقناعته الشخصية ومدي أهمية الموضوع المطروح بالنسبة له ، ولأن كل قارئ ينظر لهذه الموضوع أو ذلك من زاويته الخاصة به . ونعتقد ان ظاهرة الحوار وتبادل الآراء هي ظاهرة صحية تحتاج الى الدعم من جميع المثقفين . وبدل ان تناقش هذه الأفكار بروح موضوعية مبنية على الأحترام المتبادل وتقبل وجهة نظر الطرف الآخر بعيدا" عن التعصب السياسي والديني والفكري يبادر بعض الأخوة بالرد بطروحات غير مسؤولة تعبرعن ضيق الأفق وقلة أدراك لمبدأ الثقافة والحوار وتقبل وجهات النظر المخالفة . فنرى الأتهامات وألأقصاء التي تعبر عن مفاهيم القمع وعدم تقبل الطرف الآخر الذي تربى عليه الكثيرون خلال العقود الأخيرة مع الأسف . ووصل الأمر الى أتهام حملة هذه الأفكار بالتكفير ومحاربة الدين وحتى الأتهام بالألحاد (1) . وهذا يذكرنا بما نعاني منه نحن المندائيون وبقية الأقليات الدينية بما يقوم به رجال الدين المسلمين المتعصبين تجاه من يخالفهم في الرأي والتفكير، وبالتأكيد هذه حالة جديدة لم يعرفها المندائيون من قبل وأنما ورثوها مع الأسف وطيلة سنوات من ثقافة محيطنا الأسلامي المتعصب الذي لم يعرف يوماً مفاهيم الحوار الديمقراطي وتقبل وجهات النظر المختلفة واحترام حقوق الأنسان ، كما أنها تعبير عن حالة تدني المستوى الثقافي والحضاري للمحاور نفسه ، حيث ان مبدأ الحوار لم يعد له وجود في ثقافتنا وبلداننا المتخلفة لأن الشعار المرفوع اليوم هو من ليس معي في الرأي فهو ضدي وضد الوطن والتقاليد والأعراف الدينية والأجتماعية وبالتالي فهو كافر وملحد وزنديق ويجب إبعاده عن الطريق .
لقد تبنت الكثير من الدول والمجتمعات وخاصة في العقود الأخيرة من القرن الماضي أفكار ونظم ومبادئ واستراتيجيات متباينة تختلف من بلد لآخر ومن مجتمع لآخر، فهناك شرائح اجتماعية ودينية لها آرائها وثقافاتها وافكارها الأقتصادية وقيمها وأحزابها ولها نظرياتها السياسية الخاصة بها تختلف عن ما يطرحه الأخرون ، وأصبحت لهذه المبادئ والنظريات أصحابها الذين يدافعون عنها ، ومن الطبيعي ان لا يؤمن جميع الناس في المجتمع بهذه الأفكار والمبادئ المطروحة على الساحة..... هذا من جانب ...
ومن الجانب الآخر فهناك مجاميع وتنظيمات وشرائح اجتماعية أخرى لها ثقافات متنوعة ونظريات مختلفة تقابل الطرف الأول وتود التعبيرعن آرائها وإظهار أفكارها بشكل ديمقراطي وبطرق مختلفة عن الطرف الأول وبدون أكراه وضغوط وهؤلاء هم بالذات ما نسميهم بالطرف الآخر ، وعبر هذه التباينات في الآراء تكونت الأفكار والمبادئ المغايرة ونشأ الفكر المغاير والرأي الآخر . ويفترض ان يمارس الطرفين حقوقهم كاملة وبدون أكراه وضغوط بالحوار المتبادل للوصول الى رأي مشترك مقبول من الطرفين أوعدمه خاصة اذا كان ما يحمله الجميع من طروحات وأفكار تخدم القضية القومية او الدينية اوالوطنية بعيدا" عن التعصب والتهم الجاهزة وأستئصال الآخر . فالمجتمعات المتطورة ترفض بشكل كامل التعصب لفكر ما ، لأن التعصب الفكري يقوم على أساس الحقيقة المطلقة وهنا يمكن القول والجميع يدرك ليس هناك شخص يملك الحقيقة كلها .
أن التعصب للرأي الواحد وانكار الرأي الآخر هو صفة من صفات الثقافة المتخلفة ويدل على محدودية النظر للطرف الآخر وهو علامة على ضيق الأفق وعلى عدم الرؤية ومع الأسف هذه هي أحدى مشاكلنا في الدول والمجتمعات العربية المتخلفة التي تأثرنا بها لذا نلاحظ ومهما كانت ثقافة الأشخاص المتحاورين فأنهم لا يؤمنون بالرأي الأخر وتظهر عليهم ثقافة (الأنا) . وثقافة أقصاء الأخر وبذلك تظهر الحواجز بين الأطراف المتباينة فكريا" ومن الصعب ان تلتقي بسهولة . فليس هناك حق لأي شخص الوقوف بوجه اي طرف أو فكر مغاير . ومهما عملنا يجب الأقرار بان الطرف الآخر موجود وله افكاره وقناعاته ولو بينه والأخرين حواجز وفواصل عديدة وعلينا الأقرار بذلك والتعامل معه لأن التعامل مع الآخر هو أحدى سمات العصر الحالي ان كنا راغبين في التطور الحضاري وبالعكس فأننا ندخل في حلقة التعصب والأقصاء للآخر .
أن سيطرة الفكر الواحد بالقوة والأكراه على جميع الآراء بالتأكيد تعدم فرص الإبداع ، وتوقف التقدم فالشعوب لا يمكن أن تتطور ما لم تواكب العصر وحضارته وهذا لا يحدث إلا إذا سمح لمختلف الآراء والأفكار والمبادئ والقيم بأن تتصارع وتملأ الساحة الفكرية والثقافية ، وأن يكون تبادل الحوار هو الوسيلة الأساسية التي نتوصل بواسطتها إلى الحقائق . وبأعتقادي لا يمكن أن نتقدم إلا إذا توافر لنا شرطان ، أحدهما الانفتاح على مختلف الآراء والإقرار بوجود الرأي الآخر وثقافته بعيدا" عن الخوف في التعبير عن أفكاره وآراءه فهو أولا" وأخيرا" انسان وله الحرية في التعبير والكرامة كما تنص عليه قوانين حقوق الأنسان .
أن الحوار الحضاري يجب ان يكون مبنيا" على احترام الرأي والرأي الآخر والابتعاد عن الإساءة الشخصية بأي شكل كان عبر النقاش الهادئ للأفكار والمواقف والصراحة والشفافية في طرح وجهات النظر رغم الأختلاف في الآراء ، وأن يمتلك المتحاورين فسحة واسعة من حرية التعبير بغض النظر عن احتمال ألتقاء وجهات النظر ام لا والرغبة والأستعداد لتبادل الرأي وخوض طريق الحوار باعتباره طريق ذات اتجاهين .
وبالتأكيد إن الاطلاع على ثقافة الآخر يوفر لنا البحث في نقاط الالتقاء والأختلاف وهذا يبعدنا عن الوقوع في شرك الأحكام المسبقة .. وبالتالي يدفع الى الاتفاق على الأختلافات وكيفية معالجتها .. هذا اذا كنا متسلحين بأولية مباديء هذه الثقافة وهي احترام الأنسان وحقوقه .. واحترام ما يؤمن به . وهذا ينطبق على كافة المعتقدات والانتماءات والأيديولوجيات والأفكار السياسية... فلكل انسان حرية ما يعتقد ويؤمن شرط أن لايقف موقفا ًعدائيا ًمن الآخر أو يستخدم معتقداته وأفكاره وقناعته في سبيل بث روح الكراهية والحقد أو للتسلط والتعالي على الآخر وأتهام الآخرين بكلمات بعيدة عن الثقافة وأسلوب الحوار . ومن هنا يمكننا الاستمرار في زيادة نقاط الألتقاء للوصول الى الحالة الانسانية المطلوبة . وخاصة ضمن المجتمع الواحد على اختلاف أطيافه وانتماءاته السياسية والفكرية .
ويشير الباحثون العرب في العقدين الأخيرين الى ان بروز ظاهرة الفكر الكفيري والأقصاء في العديد من الدول العربية ، هو احد اسباب جمود التطور الحضاري في غالبية الدول العربية والاسلامية وما وصلت اليه الأن من تخلف ، لأن الواقع الفكري في العالم العربي والاسلامي قد حول الخلاف في الأفكار الى صراع دموي في حين ان المجتمعات الغربية المتطورة قد تجاوزت هذه المرحلة منذ فترة طويلة واخذت تحل صراعاتها وخلافاتها عن طريق الحوار السلمي وتبادل الأفكار ووفق القوانين الحضارية التي أسست لهذا التقدم والتطور ولم يكن ان ترتقي هذه المجتمعات لولا تلك القوانين التي تحمي حرية الانسان وتؤكد على احترامه وتحرم ثقافة الحقد والكراهية والعنصرية وتعاقب عليه وهذه من أهم مظاهر الدول المتطورة . وبهذا تقلصت أدوات ثقافة القتل والكراهية . ويبين لنا التأريخ إن من أهم الأدوات التي كانت سببا ً في انقسام تلك المجتمعات وتركيز دعائم الظلم والكراهية .. هي سيطرة رجال الدين على السلطة والذين كانوا يبررون لها كافة أشكال الظلم والقتل الذي تمارسه وهذا ما كانت تعاني منه الدول الأوربية سابقا" عند سيطرة الكنيسة على مقاليد السلطة وما نعاني منه نحن حاليا" في العراق وغيرها من الدول العربية والأسلامية . وهؤلاء كانوا من أهم أسباب تخلف تلك المجتمعات التي قامت بالتغيير لصالح مجتمعاتها لتصل الى ماوصلت اليه الآن .... فقد تركت لرجال الدين الحرية الكاملة في التعبير عن آرائهم دون الاقتراب من السلطة عبر الدين أو تسييسه ومنعهم من نشر ثقافة التمييز والتمايز التي تقود الى تقسيم المجتمع .. ففصلت بين الدين كبعد روحي ..أخلاقي .. وبين السلطة كإداة تنظيم وحماية المجتمع .
وأخيران نود القول أن عملية تبادل الحوار بين الأخوة المندائيين يجب ان يكون لأيجاد الحلول لقضية مشتركة عامة ولتبادل الآراء ، فالحوار بين من يحملون لغة مشتركة وثقافة واحدة وينتمون لنفس الهوية الدينية هو أفضل السبل لتقوية أواصر الوحدة بين لتلك المجموعة ! فبدلاً من تبادل الأتهامات وعدم الرغبة في فهم الآخر الذي أشترك معه في الهوية سيكون من مصلحتنا فتح باب الحوار معه ، فأحترام الآخر في عملية الحوار والأستماع الى وجهة نظره يؤدي بشكل مباشر أو غير مباشر الى تقوية الوحدة المندائية وهذا بالطبع سيعزز من التلاحم الديني وسيقوي من متانة النسيج الاجتماعي للطائفة .
 

1 ـ  بعض سطور ما كتبه احد الأخوان ردا" على ما طرحه أحد الأخوة على صفحة الياهو : (التخرصات التي ينادي بها الكارهين للدين ومعتقداته ما هي الا خلاصة لمفاهيمهم المادية التي تقوم على اساس الالحاد وعدم الايمان بوجود الحي الواحد الاحد .)
(أن ما يتمنطقون به اليوم هو ليس وليد صدفه أو شيء جديد بل هو مرض قديم لازمَ المغرورون في كل ادوار التاريخ وهذا سببه هروبهم من حقيقة وجود الحي)
(وهل تريدون من خلال مواضيعكم هذه أن تضعوا المندائية في حقلٍ للتجارب أمام نظرية جوفاء تهدد أبنائنا وتضعهم على مذبح مفاهيمكم الالحاديه )

كندا / 25 / 1 / 2008





 

Counters