| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

فائز الحيدر

 

 

 

الأربعاء 19/8/ 2009



محنة الصابئة المندائيين وإزدواج الشخصية

فائز الحيدر

يتعرض الصابئة المندائيون ومنذ سقوط النظام الدكتاتوري السابق الى محنة كبيرة تهدد حياتهم ومستقبلهم في أرض آبائهم وأجدادهم ، محنة رجال ونساء وشيوخ وأطفال ولدوا وترعرعوا في بلدهم العراق حيث القتل المتواصل والخطف والأغتصاب التي تسجل ضد مجهول ، محنة التشريد والتهجير الجماعي القسري اللاأنساني لخارج الحدود ، محنة جرائم تقوم بها عصابات ومليشيات تنتمي للأحزاب الأسلامية المشاركة في الحكومة الحالية وخارجها ، محنة الأمهات والأخوات والأرامل اللواتي فقدن أزوجهن أو أولادهن أو أشقائهن ، محنة طائفة دينية مسالمة لا تعرف حمل السلاح ولا تملك مليشيات للدفاع عن نفسها بل تملك المحبة والوئام والتسامح وحب الوطن ، محنة آلاف العوائل المندائية المشردة من وطنها تاركة كل شئ خلفها طلبا" للنجاة من القتل المبرمج وتعيش اليوم في ظروف مزرية في دول الجوار دون أن يلتفت لهم أحد من المسؤولين في الحكومة العراقية ، وهم بإنتظار عطف المنظمات الأنسانية والدولية ، محنة من تبقى منهم متشبثا" بأرض الوطن ولا يستطيع مغادرته وهو ينتظر الموت في أية لحظة ، محنة طائفة تنتظر قيام المرجعيات الدينية السنية والشيعية لأصدار فتاوى تحرم قتلهم بالرغم من إنهم موحدون وأصحاب كتاب ، محنة العائلة الواحدة التي تشتت أبنائها ما بين الأردن ، سورية ، أوربا ، أمريكا ، كندا ، أستراليا ونيوزيلاندا ومن الصعب اللقاء ثانية ...

محن كثيرة تتجسد اليوم في محنة أكبر هي محنة الأبادة الجماعية التي تتعرض لها الطائفة المندائية في العراق وفق اجندات أقليمية وداخلية وفتاوي رجال الدين المسلمين ، وصمت المرجعيات الدينية الأسلامية لأفراغ العراق من إحدى مكوناته الأساسية ...
ورغم كل هذه المحن والمأسي التي تمر بها الطائفة والتي تتطلب من كافة المندائيين بمختلف أفكارهم وإتجاهاتهم السياسية توحيد صفوفهم والتنسيق فيما بينهم لوقف الإبادة الجماعية التي يتعرضون لها ووضع الحلول المناسبة لمواجهتها والتي أقرها المؤتمر الخامس لإتحاد الجمعيات المندائية الذي عقد في السويد في الأول من تموز الماضي / 2009 ، نرى البعض من المندائيين والذين يدعون الحرص على الطائفة ووحدتها والتباكي على الدين المندائي يتخذون من هذه المحن وسيلة لتوظيف ألسنتهم وأقلامهم ورسائلهم لكتم الأفواه والشتم والأهانة وقمع الرأي الآخر وتهديد أخوانهم المندائيين الشرفاء ، وطمس الحقائق ومحاولات تشويه وعي الناس والتمسك بالدين والأخلاق ، لغرض زرع الفتنة والتفرقة وخلق الصراعات الجانبية وإشغال الطائفة ومؤوسساتها في أمور بعيدة كل البعد عن توجهاتها الحالية التي توصي بالمحبة والتسامح ونسيان الماضي وبدء صفحة جديدة بالعلاقات المندائية .
وهنا نتسائل لماذا يتصرف هؤلاء بهذا الطريقة ؟ وهم يتظاهرون بالمثالية والأخلاق والتدين والوعي ، في حين تمرالطائفة بهكذا محن وظروف صعبة ؟ وهل ان تصرفاتهم تدل على وعي وإدراك بالمرحلة الخطيرة التي يمر بها المندائيون ؟ أم إن هذه التصرفات تدل على الأزدواجية في شخصيتهم كما يسمي ذلك المختصين بعلم النفس .

ودعونا هنا نسلط الضوء على مصطلح الأزدواجية وكيف يتم التعامل مع أصحابها ....
يؤكد علماء النفس والتربويين على إن الإزدواجية هي ( ما يقوم به الفرد من أعمال وأفكار تناقض أفعاله وسلوكياته اليومية ) ، ومثال ذلك المندائي الذي يحث ويطلب من الآخرين الخروج بمظاهرة أمام السفارات والمنظمات الدولية أحتجاج على إبادة المندائيين ولا يقوم هو شخصيا" بالأشتراك بهذه المظاهرة لأسباب معروفة ، او يدعوا الى ان المندائيين عائلة واحدة وهو اول الناس الذين يبثون التفرقة بين المندائيين ، أو من يتظاهر امام الناس المحيطين به بالمحبة والتسامح وتمسكه بالدين المندائي مع انه لا يملك هذه الصفات .
يؤكد الباحثين إن هناك نوعين من الأزدواجية :
1 ـ إزدواجية متعمقة في الشخصية ... ويمكن إعتبار هذه الحالة على إنها حالة مرضية ، حيث يسلك المريض فيها سلوكين متناقضين ، فيكون ذا شخصيتين مختلفتين في السلوك لا تتذكر أي شخصية منهما ما قامت به الشخصية الأخرى ، وهذا ما يسمى بإنفصام الشخصية أو ما تسمى بالطب النفسي ( بالشيزوفرينيا). ويؤكد الأخصائيون في علم النفس إن التخلص من هذه الحالة مسألة معقدة وتحتاج الى علاج نفسي طويل الأمـد ، إذ أن هذا النوع من الإزدواجية متأصل داخل منطقة اللاشعور عند الأفراد ويعتبر مكونا" ذاتيا" لشخصياتهم .
2 ـ الازدواجية البسيطة ... وهي الحالة التي تراود الشخص من وقت الى آخر، وصاحب هذه الشخصية غير ثابت على رأي معين ويتعامل مع محيطه بوجوه وشخصيات مختلفة و حسب المواقف والاحداث وفق مصالحه الشخصية والأنانية . وبما ان غالبية تصرفاته اليومية خاطئة وبعيدة عن الواقع ذا نراه دائماً في موقف المدافع الضعيف . ويعتبر هذا النوع من السلوك غير مرضي لأن أعراض هذا المرض مرتبطة بالمصالح الشخصية وبالوضع الخارجي والظروف والتغيرات الأجتماعية والسياسية والثقافية المتناقضة ظمن المجتمع الذي يعيش فيه . ويؤكد علماء النفس على إن مسألة الشعور بالنقص وعدم الأحساس بالوجود بسبب الاخفاق في الحياة الاجتماعية وعدم تحقيق الطموحات التي ينوي الشخص تحقيقها تلعب دوراً فعالا" في إزدواجية الشخص . ويمكن القول ان هذا النوع شائع في كل المجتمعات ولكنها تختلف من مجتمع لآخر حيث يمكن معالجة هذا السلوك بمعرفة الأسباب وإزالة آثارها .
وقد بين المرحوم الدكتورعلي الوردي في كتابه ( شخصية الفرد العراقي- ص 54) بأن اهم أسباب الإزدواجية في الشخصية العراقية هو التناقض والصراع بين قيم البداوة والحضارة ، وكذلك التباين الجغرافي الذي يميز الطبيعة الجغرافية للعراق ، وقد يكون للأوضاع السياسية المتناقضة والملتهبة التي مرّ بها العراقيون في العهود السابقة أثرا" كبيرا" في خلق أو تعزيز التناقض والإزدواجية بينهم ، وظل هذا التناقض ينمو ويتطور منذ مئات السنين حتى أصبح ظاهرة واضحة في شخصية الأنسان العراقي خصوصا" والعربي عموما" ، حيث اهتم العرب منذ القدم بالكلام دون العمل ولم يواكبوا التطورات والمسائل العلمية والحضارية ، وتمسكوا بالشعر والأدب والدين لإيجاد المبررات لأستمرار حياة الفقر والبؤس التي يعيشونها وذلك بهروبهم إلى دنيا الأحلام الكاذبة والأساطير الخرافية و خلق الأمجاد لأجدادهم ولأسلافهم ويضيف الدكتور علي الوردي في كتابة ( شخصية الفرد العراقي ) ، فأما ان تكون هذه الشخصية ذات طابع عنفي ويرافقها ... الأنفعال ، الغضب ، التكبر ، المفاخرة الكاذبة ، الصلف ، التحجر العقلي ، التلذذ بتعذيب الآخرين ، والأسراف في الطموح ، أو تكون شخصية ضعيفة خاضعة يرافقها الكبت ، الكذب ، التصنع الكاذب ، النفاق ، الحقد ، اللؤم وفقدان الثقة بالآخرين ، والوشاية والأنتقام والإعتماد على الغير والإسراف في الخيال.
وما ذكر آنفا" ينطبق كليا" على واقع حال البعض من المندائيين بأعتبارهم شريحة إجتماعية ضمن فسيفساء المجتمع العراقي وتأثروا به وبذلك انتقلت هذه الظاهرة أي ( ظاهرة الإزدواجية ) إليهم بحكم المعايشة اليومية مع جيرانهم لسنين طويلة . وأصبحوا سلبيين في تعاملهم ومواقفهم ولا يجيدون سوى الشتيمة والنقد والتجريح بالآخرين .
وفي الحياة العامة نجد إن هؤلاء المندائيين مصابين بإزدواج الشخصية بشكل واضح ، فمنهم من يدعي التحرر والأنفتاح ولكن من جانب آخر يملك العديد من التصرفات والأعمال التي تدل على انه رجعي ، متعصب ومتخلف ، لايهمه إلا أنانيته ونرجسيته ، فتراه يتلون حسب المصالح ، ويتنازل عن أي شي في سبيل الوصول إلى أهدافه الشخصية حتى لو كان ذلك على حساب طائفته وديانته وكرامته الشخصية ، كما حدث لهؤلاء الذين أرتموا ولا زالوا بفكر النظام السابق وفق مصالحهم الشخصية الأنانية ، كما ويمكن ملاحظة هذه الازدواجية عندما يقوم به هؤلاء من سلوكيات بشكل علني وبين ما يمارسه ويؤمن به خفية ، فتراه يطرح أفكارا" متحررة لكنه في الواقع لا يؤمن بها ، وقد يتجلى ذلك في التعامل اليومي والتعصب والنظرة السلبية للمرأة وسوء معاملتها في الحياة العامة رغم قدسية المرأة في الديانة المندائية .
وفي ظل هذه الازدواجية وفي المجال الثقافي نلاحظ بوضوح ما يصدر عن أشباه المثقفين وأصحاب الأسماء المستعارة من المندائيين ذوي السلوك المرفوض وهم يسّخرون أقلامهم وكتاباتهم لغرض التشهير والأساءة لأبناء الطائفة والعاملين في مؤسساتها وبذلك حولوا أقلامهم الى تجارة العنف والأحلام الفارغة .

فرغم ما تقوم به رئاسة الطائفة في داخل الوطن وإتحاد الجمعيات المندائية في المهجر ومجموعة حقوق الأنسان من جهود ونشاطات على كافة الأصعدة لتبيان معاناة الطائفة اليومية ووقف عملية الإبادة الجماعية المنظمة وأيصالها الى المنظمات الدولية ومساعدة المهجرين في دول الأنتظار وإيصالهم بسلام الى دول اللجوء ، فلا زال هؤلاء ممن يدعون المندائية يتهمون هذا وذلك في قيادة الطائفة ومؤسساتها المدنية بالتقصير وترك أبناء الطائفة يواجهون مصيرهم في العراق . ووصل الحد الى الطعن بشكل ساذج وتشويه موقف القوى والشخصيات والأحزاب السياسية الوطنية التي طالما وقفت ولا زالت تقف الى جانب المندائيون والأقليات الدينية الأخرى وتحميلهم مسؤولية التقصير بما يحدث للمندائيين من معاناة يومية ، في محاولة منهم لخلق المشاكل والصراعات بين ابناء الطائفة وفق توجيهات خارجية معروفة للجميع ، في الوقت الذي نرى إن أغلبية هؤلاء لم يكلفوا أنفسهم يوما" في تقديم أي دعم مادي أو معنوي أو المشاركة في أي نشاط أو فعالية تدعوا لها الطائفة أو أحدى مؤسساتها المدنية.

كما وتبرز الإزدواجية بوضوح عند البعض من المندائيين الذين يدعـون بالظـاهر بالمروءة والشهامة و الحديث الواعي والأيمان بالدين المندائي والتباكي على الطائفة ووحدة أبنائها ، وإن المندائيين عائلة واحدة وهم بنفس الوقت يحملون الوجه الآخر والمزدوج في تصرفاتهم ... ونلاحظ ذلك من خلال الإزدواجية في التشجيع على أنشاء جمعيات صورية متعددة في بلد واحد تتخذ أسماء مندائية مختلفة وهم يدركون إن هذه الجمعيات هي مجرد حبر على ورق ولأغراض شخصية بحتة وليس لها أي نشاط يذكر لخدمة الطائفة ، أو في تهديد اخوتهم المندائيين الذين يختلفون معه في الرأي بعبارات قاسية منها ( أعذر من أنذر ) وكأنهم أوصياء على الطائفة والتي تذكرنا برسائل التهديد التي كانت تبعثها العصابات والمليشيات الأجرامية لأبناء الطائفة لمغادرة مناطق سكناهم خلال ساعات وإلا واجهوا الموت ، أو إزدواجية من يتظاهر بحب الطائفة ، لكنه من الجانب الآخر قد تسبب في استشهاد وعذاب العديد من ابناء طائفته في الوطن ، أو إزدواجية من يشجعون بناتهم والقريبات منهم على الطلاق لأسباب تافهة ، وهي من المحرمات في الديانة المندائية ، أو إزدواجية من يعيش في بحبوحة المهجر منذ سنوات ويصرخ ويطالب الأحزاب السياسية الوطنية للقيام بمظاهرات لنصرة القضية المندائية بديلا" عن المندائيين أنفسهم وهو أول المتغيبين عن تلك النشاطات أو من تقديم أية مساعدة ، أو إزواجية من يدعي الحرص على وحدة الطائفة ووجودها وبنفس الوقت يسطوا على الخطابات المتبادلة لإتحاد الجمعيات المندائية ، أو إزدواجية من يطالب الآخرين بالأبتعاد عن السياسة والسياسيين ويصفهم ( بالحمير ) ويدعوا بنفس الوقت الى أيصال صوت الطائفة الى الأحزاب السياسية والجهات الأعلامية والصحفية والمسؤولين في المنظمات الدولية للدفاع عنها ، أو إزدواجية من يطالب الأقليات الدينية بالتضامن ونصرة القضية المندائية ولكنه لا يتعاطف مع محنة ومعاناة الأقليات الأخرى المضطهدة التي تعاني نفس المصير . أنها مئات الأمثلة التي نلاحظها كل يوم وعايشها الكثيرون من الأخوة المندائيين وتدل على أزدواجية تلك الشخصيات .

أخيرا" نتمنى ان لا تتحول هذه الإزدواجية بين المندائيين الى شكل مرضي يصعب علاجه فيما بعد .


كندا
19 / آب / 2009



 


 

free web counter