| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

فائز الحيدر

 

 

 

الأثنين 14/12/ 2009



المندائيون وحرية الرأي وقمع الآخر

فائز الحيدر

شهد منبر الياهو خلال الأسابيع الماضية جدالا" حادا" نتيجة لطرح بعض الأراء الخاصة قام بها بعض الأخوة في قضية هامة تعتبر اليوم واحدة من أهم القضايا الساخنة المطروحة على الساحة المندائية ، والتي تتطلب النقاش الهادئ والحوار العلمي البناء من كافة مؤسسات الطائفة الدينية منها والمدنية ولما فيه مصلحة الطائفة . ومع الأسف أعتبر البعض إن هذه الطروحات قد تجاوزت الخطوط الحمراء للطائفة ، وأنهالت على الموقع الكتابـات المضادة المتشنجة والتشـكيك والأتهامات بشتى أنواعهـا ، وبدأ البعض يجمع التواقيع ( أنا وعشيرتي ) على عرائض أعدت لهذا الغرض وكأننا في حالة من الصراع العشائري وليس أبناء طائفة واحدة ، وتطور الأمر حتى وصل الأختلاف حد التهجم الشخصي على البعض من الأخوة ولأسباب قد تكون معروفة ولسنا بصددها الأن . وكان لتدخل رئاسة الطائفة وأتحاد الجمعيات المندائية في المهجر في الوقت المناسب وتفهم أطراف الجدال لواقع حالة الطائفة التي يمر بها الجميع الأثر الكبير للحيلولة دون توسيعه لما يسببه من موقف سلبي قد يسئ للطائفة وتطلعاتها المستقبلية .

إننا ندرك تماما" إن الإختلاف بين الأخوة المتحاورين من المثقفين والباحثين ورجال الدين حول الآراء المطروحة و تباين الأفكار في مناقشة أي قضية مطروحة للنقاش هو أمر طبيعي في واقع الطائفة المندائية الحالي ، لما تحمله من قضايا ساخنة عديدة تواجهها حاليا" ، وتحتاج لتعاون الجميع لأيجاد الحلول المناسبة لها لغرض الحفاظ على الوحدة المندائية ومستقبل الطائفة عموما" . ومن الطبيعي أيضا" أن تكون الحلول المطروحة تختلف من محاور الى آخر وحسب الأختلاف في المستوى العلمي والثقافي والأجتماعي والخبرة المتراكمة لكل واحد منهم .

والمعروف إن غالبية المندائيين قد وصلوا الى بلدان المهجر من بلد متخلف أجتماعيا" لا يتمتع بالوعي الكافي وبالحرية الكاملة ، حيث غياب ثقافة الإختلاف وقمع حرية التعبير والرأي الآخر وينتشر القهر والخوف والاستبداد والتصفيات الجسدية لكل شرائح المجتمع وخاصة المثقفين وأصحاب الرأي الحر، لذلك أصبحت التربة المحيطة بنا سابقا" ملائمة وخصبة لنمو كل أنواع القمع السياسي والأجتماعي وحتى الفكري ، وما يظهر الأن على ساحتنا المندائية من صراعات فكرية بين البعض هو أمتداد لطبيعة مجتمعنا السابق وما يحمله من تخلف . وقد يكون هذا الصراع بدعم من تنظيمات سياسية وتسعى للتحريض عليه ، والهدف هو إسكات الآخرين ليتسنى لهذه التنظيمات نشر أفكارها دون أي معارضة من التيارات الأخرى .

لقد ولد الأنسان حرا" ومنح الإنسان عقلاً ليفكر به ، وإرادة ليقرر بها ويختار ما يراه صائبا" ، فلماذا يحاول البعض من الأخوة حرمان الآخرين من إستعمال هذه المنحة وإستثمارها لصالحهم ، فيمارسون الوصاية على عقول الآخرين وإراداتهم ، ويفكرون نيابة عن الآخرين ، وعلى الناس أن يقبلوا آراءهم . و من تجرأ على المخالفة ومارس حرية التفكير وحق الإختيار لما إقتنع به من رأي فسيواجه سيل من الأتهامات الباطلة .

ومن خلال متابعتنا للرسائل المتبادلة على هذا الموقع نلاحظ عادة ما تبدأ هذه الصراعات بعد طرح أفكار معينة تخص أحدى قضايا الساعة أو أحد المشاريع المستقبلية التي تخص الطائفة ، نرى من يجيب عليها وبعد ساعات معدودة بروح متشنجة ومن دوافع شخصية غرضها الأساءة لهذا أو ذاك من الناس وتتطور تدريجيا" ، ويتدخل عندها ابناء العائلة والعشيرة ما بين مؤيد ومعارض وعندها تدفع الطائفة ثمناً باهظاً من وحدتها وإنسجامها ، وتؤدي الى الخصومة وتبادل الأتهامات والعداء بين الأقارب وحتى أفراد العائلة الواحدة ، ويتبع ذلك التشكيك في نقاوة بعضهم البعض ومدى حرصهم على المندائية ، ويتهم أحدهم الآخر بالأنحراف عن الدين وبالكفر والألحاد وعلى طريقة القوى الأسلامية المتعصبة التي يتشبث بها البعض منا لحد الآن مع الأسف .

ووسط هذه الصراعات نرى إن هناك من يستغل الحماس والعاطفة الدينية عند البعض ، و خاصة من الشباب لقذفهم في أتون تلك المواجهة ضد هذه الفكرة أو تلك ، و لمحاربة هذه الشخصية أو تلك الجهة ، و الإنتصار لرجل الدين هذا أو ذاك على أساس الدفاع عن الدين والطائفة ، دون معرفة هؤلاء الشباب بخفايا هذا الصراع . إن الجميع يدرك ليس من الخطأ أن يقتنع الإنسان برأي معين ، أو ينتمي إلى مدرسة فكرية معينة ، أو يؤمن بقيادة ما ويعتبرها ممثلة له ، أو يثق بمرجعية دينية معينة كما يحدث اليوم وسط الكثير من تجمعاتنا وجمعياتنا المندائية في دول المهجر ، كما أن من حقه أن يعبِّر عن رأيه في كافة الحوارات والقضايا المطروحة للنقاش ، وأن يدافع ويبشـّر بأفكاره ، لكن الخطأ الكبير هو إحتكار هذا الحق لنفسه وإنكاره ذلك على الآخرين متهما" أياهم بمحاربة الدين .

لذلك نرى في أوقات الوئام الخالي من الجدال والذي يعم موقعنا أحيانا" ، نلاحظ أن الأختلاف بين رجال الدين والباحثين والمثقفين في القضايا المدنية والدينية المطروحة أمراً طبيعيا" وغير خافيا" على أحد ويصبح هذا الجدال عنصر إغناء للمعرفة الدينية ودعما" لحرية التعبير والرأي الآخر طالما كان النقاش هادئا" ومبنيا" على أحترام الرأي الآخر وبعيدا" عن المتصيدين في الماء العكر . أما في أوقات الفوضى فتسود ثقافة الإنغلاق والإنكفاء على الذات ورفض الآخر . وتنتشر مشاعر التعصب في الفكر وفي أسلوب التعبير وتشتد الصراعات بين الأطراف المختلفة وأتباعها حيث تلعب العشيرة هنا دورها السلبي وتظهر أمامنا الشتائم وفتاوي التكفير والإتهامات المختلفة وإسقاط الآخر .

ويدرك الجميع إن التعصب هو سلوك منبوذ في الديانة المندائية التي تدعوا الى المحبة والتسامح والأحترام ، وهو وتعبير عن شعور بالضعف وعدم الثقة بالذات‏ .‏ فالشخص المؤمن بحقيقة ما يعتقد فيه والواثق من قدرته على الدفاع عن معتقداته وأفكاره لا يحتاج إلى ممارسة أساليب التشنج اللفظي والشتم أو الإثارة الفكرية بل يعرض فكرته ويدافع عنها بالمنطق ‏.‏ أما العدوانية التي يتسم بها سلوك بعض المتعصبين من أخوتنا المندائيين تبين عن ضعف داخلي وشعور بعدم القدرة على الدفاع عن الأفكار التي يعتقدون فيها مما يجعلهم يتوجهون الى الصراخ والتشنج ‏.‏
ونحن المندائيين اليوم وفي عزلتنا وتشتتنا في دول المهجر هناك من يحاول قمع الرأي الآخر وكم الأفواه مستخدما" كل الطرق بما فيها اللاأخلاقية ليصل التهديد في أقصاه إلى استعمال العنف أو كما عبر عنه البعض بقطع الأيدي ، وهذا ليس بجديد لأن البعض لا يجيد غير العنف أسلوبا" للحوار ، وفي حال عدم القدرة على تدجين صاحب الرأي الآخر وتحويله إلى ببغاء يردد ما يقال له من كلام فإن تهمة التخوين والتكفير والشذوذ وضحالة الوعي والجهل ... ألخ ستكون جاهزة لتوجيهها له .

إننا في الطائفة المندائية وفي ساحتنا الدينية الضيقة بحاجة إلى الإعتراف بحق الإختلاف ، و تعزيز حرية الرأي ، و نشر ثقافة التسامح والمحبة وقبول الآخر وهذا ما توصي به ديانتنا المندائية . و يجب أن نرفع أصواتنا ضد القمع بكافة أشكاله ومنها القمع الفكري ، و محاولات الهيمنة وفرض الوصاية على عقول الآخرين و أفكارهم باسم الطائفة والدين . أخيرا" إن معالجة قمع حرية الآخرين لا يمكن أن تتم دون إشاعة الديمقراطية الحقيقية بيننا على الأقل ، وصيانة الحقوق والحريات العامة وإحترام الرأي الآخر ومواصلة الحوار الموضوعي الهادف ، والحيلولة دون أي انتهاك لهذه الحريات من قبل كافة الأطراف .



كندا في 9 / 12 / 2009



 


 

free web counter