| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

فائز الحيدر

 

 

 

الأحد 11/4/ 2010

 

في أربعينية الرفيق جلال جرجيس جـلو ( أبـو مـسار )

فائز الحيدر

لقد ودعنا في السنوات الأخيرة خيرة المناضلين الذين لهم باع طويل في النضال الوطني ومقارعة الدكتاتورية ، وبعد وداع كل مناضل يراودني السؤال التالي ... لماذا يموت المناضلين بسرعة ويتركون فراغا" كبيرا" بعدهم .
فمنذ شهور عديدة ، ونحن نتابع عن كثب وبقلق صحة الرفيق جلال جلو ( أبو مسار ) ، حتى طرق الى سمعي في التاسع من آذار / 2010 الماضي وأنا طريح الفراش في المستشفى بعد العملية الجراحية للقلب وفاته مما شكل لي ولجميع من عرفه وعاشره صدمة كبيرة .
لقد شاء القدر أن يخطف من بيننا رفيق مناضل قدم الكثير لشعبه ووطنه ، وهو يقارع الأنظمة الأستبدادية الفاشية المتعاقبة طيلة فترة حياته حتى إستقراره في سدني/ استراليا ، رفيق صلب ، مجرب ، مخضرم في المحن والصعاب ، لقد ناضل الفقيد منذ أيام شبابه في صفوف الحزب الشيوعي العراقي وفي أصعب الظروف ولم يغادر ساحات النضال فكان مثالا" للثبات والتضحية والألتزام ونكران الذات .

تعرفت على الرفيق أبو مسار في فترة من فترات النضال الصعبة ضد الحكم الدكتاتوري في نهاية الستينات والسبعينات من القرن الماضي ، وجمعتنا الظروف أن نكون في تنظيم واحد ولعدة سنوات صعبة وقاسية... كان خلالها الرفيق أبو مسار وكعادته لا تفارق وجهه الأبتسامة ..في كل حديث ، صبوراً ، هادئا" ، كنت كل ما أحس بتعب أيام النضال وأود التحدث مع أحد يخفف عني همومي ، لم يأتي في البال غير زيارة الرفيق أبو مسار في المحل ، حيث كان يعمل في فترة قصيرة في معرض أحذية باتـا في شارع الرشيد والمقابل لشارع المتنبي . كان يستقبلني كالعادة بأبتسامته المعروفة وهو صاحب النكتة والضحكة المميزة مع أستكان شاي مهيّل يعده في المحل خصيصا" لرفاقه وللمقربين منه ، يتحدث مع رفاقه بكل سرور وإنشراح ، هكـذا عرفته ، كبير القلب ، رؤوفا" ، رحيما"... صلبـا" في مبادئه .
في تلك الأيام الصعبة وفي وقت شدد فيه النظام الدكتاتوري من إجرائاته لمحاربة تنظيمات الحزب كانت تجمعنا اللقاءات والأجتماعات في مقاهي مختلفة في بغداد لصعوبة إيجاد المكان المناسب لإجتماعاتنا .... فكانت مقهى شط العرب الواقعة في شارع الرشيد والقريبة من أورزدي باك ، إحدى ملاذاتنا الآمنة لذلك متذرعين بالدراسة أسوة بالمئات من الطلبة الذين أتخذوا من طاولات هذه المقهى مكان للدراسة ، حاملين كتبنا ومحاضر إجتماعاتنا السرية ، لقد إستمر عملنا هذا ولسنوات عديدة وفي قطاعات مختلفة . وحتى فترة السبعينات حيث نسب كل منا الى عمل مختلف عن الأخر ولم نلتقي طيلة سنوات عديدة بسبب الأرهاب وهموم الحياة وصعوبة اللقاء .

اثناء الحملة الشرسة لتصفية الحزب في عام 1978 غادرت الوطن مع المئات من المناضلين والشيوعيين نحو العاصمة البغارية صوفيا حاملا" معي له رسالة قصيرة من زوجته ورفيقته أم مسار حيث كان قد سبقني الى هناك بعدة أشهر مع هدية متواضعة منها وهي عبارة عن شيشة عنبة هندية كان يحبها .
كان لقاءنا في صوفيا لا يوصف وأعدنا الذكريات الجميلة والأيام الصعبة ، ومع الأسف لم تستمر علاقاتنا طويلا" ، كان الجميع مشغول بهمومه في الغربة ، وما سيفعله الحزب في المرحلة القادمة وخاصة هناك المئات من الرفاق توزعوا في فنادق صوفيا وبقية المدن البلغارية وعدد من عواصم الدول الأوربية .
بعد فترة قصيرة سافرت الى مدينة روسا الواقعة في شمال بلغاريا وأنقطعت علاقاتنا من جديد ، ولغاية سفرنا بعد عدة أشهر الى جمهورية اليمن الديمقراطية في إكتوبر عام 1979 .
في عدن ، لم تسمح لنا لظروف باللقاء لفترة طويلة وبشكل يلبي طموحاتنا ، فقد ألتقى مع عائلته لفترة قصيرة وسافر الى لبنان في مهمة خاصة كُلف بها من قبل الحزب . وبعد سنوات طويلة من الفراق شاءت الظروف أن أستقر في كندا بينما أستقر الفقيد وعائلته في أستراليا ورغم بعد المسافات فقد تابعنا أخبار بعضنا وعاودنا الأتصال من جديد .
في تشرين الأول الماضي 2009 سافرت زوجتي الى أستراليا ، وهناك قامت بزيارة قصيرة لأبو مسار ، ولكن ليس في بيته بل في المستشفى حيث كان يرقد هناك منذ عدة أشهر ونقلت له تحياتي وأمنياتي له بالشفاء ، وسجلت له شريط فيديو خاص بي ... يقول فيه (( قبلاتي وتحياتي لك أبو سوزان ، أتمنى لك الصحة والعافية ، يا ريت ترجع الأيام القديمة وذكريات كازينو شط العرب ولقائاتنا هناك ، يا ريت يرجع العمل السري ولا هذا الوضع المخربط ، أتمنى لك الصحة عزيزي ، لقد فرحت برؤية زوجتك ونقلت لي أخبارك ، أتمنى ان يتحسن وضعي الصحي وأزور أمريكا ، ومن هناك أكيد سنلتقي ونتقابل ونعيد الذكريات ، تحياتي الى كافة الأخوة ، طليعة وناهض وكل الأخوة في كندا وآسف فلربما نسيت أحدهم )) .

لقد كان أملي أن تتحسن صحة هذا البطل ويحقق أمنيته بزيارة ديترويت ولقاء أخوه ومعارفه ، وقد تكون فرصة لنا للقاء من جديد ، لكن القدر وقف لنا بالمرصاد وتدهورت صحته سريعا" وفارقنا مستعجلا" ... مما أصابني بصدمة كبيرة أضافت لي آلام أخرى بجانب آلام العملية الجراحية .

يا رفيقي وصديقي العزيز ، لا نريد أن ننعيك اليوم ، فأنت لا زلت حيا" بيننا وأمثالك سيبقون خالدين في القلب والذاكرة . لقد أستعجلت الرحيل عنا ، فالجميع بحاجة أليك اليوم أكثر من أي وقت مضى ، فأنت معنا دوما" ولن ننساك أبدا" ، فـلن تغيب عن بال أهلك ورفاقك وأصدقائك الذين يشاركون عائلتك الحزن . ففي ذكراك نتعلم منك الصبر على الآلام والتمسك في المبادي والمعنويات العالية ، لا نريد أن نقول لك وداعا" ولكنه عتاب لرحيلك قبل الأوان ، ونحن أحوج أليك في السنوات الصعبة هذه .
الذكر الطيب لك ، وتعازينا للرفيقة الغالية سلـوى ( أم مسار ) رفيقة دربك , والى أولادك وبناتك , مـسار ، مـنـار ، آور ، يـسـار ، في سدني ، والى عائلتك في القوش وأخيك أبو مخلص في ديترويت ، وكل محبيك .


 


كندا في 11 / نيسان / 2010



 


 

free web counter