| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

المهندس فتحي الحبوبي

كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 

 

 

                                                                                الأحد 22/4/ 2012

 

من وحي المقاومة والربيع العربي

المهندس فتحي الحبّوبي

على مدى سنوات طويلة شنف العرب" المعتدلون"، المنبطحون، آذاننا بسمفونيّة "السلام خيار إستراتيجي للعرب" فيما لم يكن خيارهم سوى إستسلام مهين ونفض  لأيديهم القذرة عن قضيّة فلسطين  بما يشبه-لا بل يتماهى مع - ما ورد في  مسرحيّة Les mains sales " للفيلسوف الفرنسي جون بول سارتر" من مؤامرات وخساسة سياسية، يعجز المخيال -مهما كان واسعا- عن تصوّر خيوطها المتشابكة لخبث حبكتها . وقد أطربونا كثيرا بطرب يصمّ الآذان بمعزوفة "عبثيّة المقاومة" التي روّجوا لها حتّى بحّت حناجرهم .ولم تغب السلطة الفلسطينيّة المنصّبة برام الله عن هذه الجوقة، بل أخذت مكانا بارزا ضمنها. وكانوا جميعا يدعون إلى ضرورة الإنخراط  في جوقة عرّابي السلام ، والإصطفاف صفّا واحدا وراءها، لا بل وبضرورة "مقاومة" المقاومة –إستعارة من محمود  درويش في قصيدته" حاصر حصارك"- ومحاربتها بكل السبل المتاحة وغير المتاحة أيضا ،علاوة على تحقيرها صباح مساء  "ويوم الأحد"، وذلك تضمينا من قصيدة "أحبّ البلاد كما لا يحبّها أحد " للشاعر أولاد أحمد، إن في وسائل الإعلام المختلفة، أو في  كل المهرجانات الخطابيّة وغيرها  من اللقاءات.

إلا أنّه،  وبعد الإنتصار المبين التي حققته المقاومة الإسلامية في صدّها للعدوان الهمجي الفاشي لبني صهيون في محرقة غزة الفضيعة ، بفضل صمودها الأسطوري والخرافي أيضا أمام  ''عمليّة الرصاص المسكوب''التي خطّط لها ونفّذها العدو الصهيوني بوحشيّة لا توصف . وللذين ما زالوا يشكّكون فإني أذكّرهم فقط أن الصمود في حدّ ذاته يعد إنتصارا، وليتذكّروا-من باب المقارنة فحسب- انهيار الجيوش العربيّة سنة 1967 في ستّة أيام، وانهيار الجيش العراقي القوي،سنة 2003 في واحد وعشرين يوما والأمثلة كثيرة.

اليوم يبرز جليّا، بما لا يدع مجالا للشك، أن حماس لم تسجّل حينها إنتصارا على إسرئيل وحسب، بل وكذلك على السلطة في رام الله، ثمّ- وهو الأهم- على خط الإستسلام الذي تزعّمته مصر والسعودية قبل إنتصار ثورة 25 يناير 2011. وهذه هي الصفعة المذلّة الثانية، بعد صفعة  الإذلال الأولى في حرب لبنان2006 ، التي يتلقاها عرابوا هذا النهج الإستسلامي الذي كثيرا ما صوّر الكيان الصهيوني  كبعبع قد تخرجه المقاومة بصواريخها العبثيّة من قمقمه فيفتك في الأرض ويصول ويجول صولات وجولات ولا يستطيع أن يقف أمامه أحد؛ مما يضعف،حسب زعمهم، الموقف العربي -الضعيف بطبيعته- في المفاوضات الماراطونية التي لا تنتهي إلا لتبدأ من جديد، و لكنّها لا تثمر أيّة نتائج على أرض الواقع. وهي مفاوضات لا يمكن وصفها اليوم إلّا بكونها عبثيّة بامتياز وقريبة جدّا من العبثيّة التي صوّرها Albert Camus في أثره "الغريب" . أمّا الصواريخ التي تطلقها حماس على سديروت وغيرها من المدن الإسرائيليّة فإنّها أثبتت جدواها، بإنجازها النوعي الذي حققته في حرب غزّة الصمود والعزّة، بإمكانات اقل من القليلة بالنظر إلى عدد العدة أو نوعيتها. فهل بعد هذا، يمكن لكل ذي عقل مدرك وقلب بصير وعينين مبصرتين أن يصدّق ما يروّج عن وهم حماس  وعبثيّة مشروعها وكذا صواريخها البدائيّة ؟ بعد أن أقضّت مضجع العدو وبإعترافه هو، لا بغيره، من المستكرشين المتعاونين مع العدو من أجل حفنة دولارات ، البائعين ضمائرهم للشيطان، المتاجرين دوما بالقضيّة الفلسطينيّة و بدماء إخوانهم من المدنيين العزل ؛ أطفالا وشيوخا ونساء، المفرّطين في الحقوق الأساسية لشعب فلسطين الذي خذلته الأنظمة العربية منذ نكبة 1948مرورا بنكسة1967 ومؤتمر  مدريد و مفاوضات أوسلو ثم حرب غزة2008، التي نعيش اليوم على ذكراها الأليمة والسعيدة في آن. لأن حرب غزة ومن قبلها حرب لبنان، شكّلت إرهاصات حقيقية، بمعيّة إنتفاضة الحوض المنجمي في تونس، للثورات العربيّة الراهنة التي يصفها  الغرب بالربيع العربي، والذي نأمل أن لا يتحوّل إلى خريف عربي كئيب جدّا كما توحي به بعض المؤشرات الواردة من مصر وليبيا واليمن وسوريا. بل إن الأوضاع الاقتصادية التونسية والمصريّة المتدهورة جدّا، هي الأخرى مؤشّر إضافي على إمكانيّة تحوّل الربيع السياسي العربي إلى خريف إقتصادي كئيب، يثقل كاهل المواطن العربي المنهك أصلا بفعل الإبتزاز و النهب الممنهج الذي مارسه عليه حكّامه منذ استقلال الوطن العربي، ويفتح عليه باب المجهول لعشريّات قادمة. ورغم  ذلك فإنّنا لا نزال نعتقد أنّ الإستقلال الحقيقي للشعوب العربيّة التي شملها الربيع العربي  إنّما هو ما حدث بعد إنجازها لثورتها الراهنة. لأنّ الربيع العربي  مكّن من تحرير الإنسان من الخوف من السلطة التي مثّلت دوما حالة رهاب، أمّا الإستقلال من ربقة الإستعمار فقد سمح فقط بتحرير الأرض، فيما ظلّ الإنسان مستعمرا من الحكومات الوطنيّة التي تعاقبت علية حتّى قيام الثورة التونسية المجيدة التي أطاحت بنظام'الصنم' ألا وهو  سيء الذكر الطاغيّة المرعب الجنرال بن علي، رجل المخابرات العسكريّة وصاحب أشرس نظام بوليسي عربي على الإطلاق.


 

free web counter