| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

فرات المحسن
F_almohsen@hotmail.com

 

 

 

                                                                                  الخميس 3/3/ 2011



عطايا قليلة تدفع بلايا كثيرة

فرات المحسن

اليوم عصرا جلست في المقهى الواقع طرف الزقاق الشمالي والقريب من سوق التتن. سوق التتن تسمية أطلقت على سوق صغير اشتهر قبل خمسة عقود ببضعة محلات أقتصر بيعها على التبغ وكان التبغ تلك الأيام بضاعة رائجة لشاربي سجائر اللف والمزبن. ومع ظهور معامل السجائر اختفى المزبن ومثله أنقضت أيام اللف وربك يقول وتلك الأيام نداولها، بعدها اعتاد الناس طبيعة الترف والخدر ليقوموا بشراء علب السجائر الجاهزة. وبين فترة وأخرى يظهر أحدهم ليجلس على أحد مقاعد المقهى ويروح يتلذذ بلف سيجارة وراء أخرى. إعادة أنتاج القديم شي حلو وينفع هكذا يفكر البعض.
سمعت الخبر من صيهود الجايجي، قال لي إن رئيس الوزراء نوري المالكي بسط يديه الكريمتين وأمر بأن تقدم مع الحصة التموينية هدية للمواطنين مقدارها 15000 ألف دينار شهريا عدا ونقدا.
15000 ألف دينار تره مو هينه، وخطيه القائد نوري المالكي راح يطلع المبلغ من حشاشات جبده. شوف العراقيين شلون لوتيه ملاعين، قشمرو القايد وخلوه يصرف عليهم.. بس تره موزين سوه القايد نوري المالكي لأن راح يعلم العراقيين على البذخ والاستهتار والترف وراح يصير بالوطن هواية سكر وعربدة واعتداء على المواطنين،، وهاي بينت من أوله، كَامو العراقيين يسكرون ويتظاهرون مثل الشعب الليبي يكبسل ويريد القايد معمر القذافي يرحل.
الخمسة عشر ألف دينار مالت السيد المالكي خلتني ضربت دالغة عميقة سرحت بيها نحو ذلك التأريخ البعيد القريب حين أعلن من إذاعة الجمهورية العراقية في بغداد بأن القايد صدام حسين تكرم على العوائل العراقية بدجاجة، أي والله دجاجة، دجاجة مربربة ومهلوسة ومسنعة. بذاك الوكت أني رحت زايد وكامت صفنه تاخذني وصفنة توديني، بس دماغي توقف عند نقطة واحدة لم يتجاوزها قط، ماذا أفعل بعد استلامي عطية السيد القايد، هل أضعها بيد أم عبيس لتصنع للزعاطيط تشريب يقوي عظامهم لو أبيع الدجاجة وأفك الحسرة اللي بكلبي صارله جم شهر.
هدية القايد مو شوية. دجاجة تتقسم إلى أشكال، مرة تشريب أجنحة وحباشات وثاني يوم مطبك على تمن، لو مركة دجاج وتمن، أدري أم عبيس شاطره ومن تسمع بدجاجة الريس راح تكوم تلعب جوبي وتخلي الجهال يومين يمصمصون ويتريعون. بس أني جنت ادري مرتي مثل الأطرش بالزفة لا تسمع أخبار وما تشتري أقوال الريس بزبانه وكلما أحجيله على الريس ما تجاوبني بغير كلمة وحدة. أي غمه ألهل جهرة. وبذاك الوكت ما ادري تقصد جهرتي لو جهرة الريس. بس فد يوم شلت ربد المسحاه وصرخت بيه ولج عليمن، كالت بويه شني ماتدري عليمن، على هذا أبو فج الأعوج.
بذاك الوقت ردت أضم سالفة الدجاجة على أم عبيس ومن أبيعها أعلس أفليساتها حتى أشوف دربي بعد ما يبست روحي يباس لفقدانها السوائل مما يرطب الروح والجسد ولمدة طويلة تجاوزت حدود المعقول.
ذهبت إلى محل العطارة الذي نستلم منه الحصة التموينية بعد أن قررت أن أبيع الدجاجة عطوة الريس إلى من يشتري وأذهب بالنقود إلى أبو نؤاس وأريح نفسي بربع ماي ورد وشيصير بعده خلي يصير وإذا عرفت أم عبيس وحجت حجاية زايدة راح أخليه ثلاثة أيام تسكر بسكرات الموت.
وقفت مندهشا أمام باب الدكان ولم أتبين نوع الدجاجة المرجوة إلا بعد ظهورها بيد أحدى الخارجات من شدة الازدحام والتقاتل لنيل دجاجة القايد المباركة. فجأة وجدته يلتصق بي ويهمس بأذني... تبيع.. عمي تبيع الدجاجة. كان شابا وسيما أنيقا بقميص نصف ردن مزركش وتسريحة شعر حديثة لم يسبق لي إن شاهدته في المدينة وأنا من يعرف جميع أبنائها، الظاهر أنه من هؤلاء الذين يشترون الحصص التموينية ثم يبيعونها في مكان أخر بسعر أعلى.. لكن يجوز هو من جماعة الأمن يريد يجس نبض وبعدين يلعبون بيه طنب وتصير عليه دجاجة القايد فيل أركط يطير بس على ناصي .. لا بويه ما أبيع.. الجهال يردون ياكلون .. وبعدين هاي مو قليله .. هاي هدية القايد... وأنا أنطق كلمة القائد وبدون شعور أحسست بأن حركة اهتزاز اجتاحت كتفي ورقبتي وأردافي وكأنما جميعها تريد أن تهتز فرحا وطربا بذكر اسم القايد، مو بيدي الجسم من الخوف تعلم لوحده على الهز والردس حين يذكر اسم القايد. أبتعد الشاب وكأنه شعر بلدغة، وأنا شعرت بنوع من الانتصار على قوى الأمن الداخلي وأتباعهم حيث فوت عليهم الفرصة.
لمحت المعلم أبو جبار يقف منزويا عند طرف الشارع ماسكا خرجه العتيد، المعلم أبو جبار يظهر دائما يوم توزيع الحصة ليشتري ما لا يرغب اقتنائه الباقون من الصابون والشاي والدهن وغيره، ظهوره اليوم يعني نيته شراء عطية القايد الدجاجة المباركة. نظرت نحوه ورفعت يدي ملوحا له بما معناه أن يستعد فأنا بائع لدجاجة القايد، فرد علي بعلامة رفع إبهام الكف إلى أعلى دلالة الرضا و القبول. كان حشد من العباءات السود الكالحة يغطي كليا وجه الدكان والأيادي تمتد لترتفع بعد حصولها على الدجاجة المباركة. أنشغل المعلم أبو جبار مع أحدى النساء وشاهدته وهو يدفع لها مبلغا لم أستطع معرفة مقداره ولكني خمنت بأنه يغطي سعر جلستين عند بار في شارع أبو نؤاس ولربعيتين من ماء الورد.. صدقه للعزيز .. فدوه أندار للمربرب والمهلوس.. راح اليوم أرجع مشي للبيت أبو نواس وأطك بالطريق سبعين بيت أبوذية..اليوم راح أتسودن سوادين... هذا شلون قايد حسبالك يدري جسمي محتاج مي ورد ... وجماله يكولون عليه أثول.
لم يخطر في بالي ذلك المشهد مطلقا، وإن كنت أعرف إن مثل هذا سوف يحدث لبقيت جالسا في المقهى ومريح راسي وألعب دومنه مع أبو فرج التتنجي. كان المشهد صعبا مثل فلم من الخيال العلمي قلب علي كل برامجي وخططي، فجأة ظهرت أم عبيس من بين الجموع الحاشدة وهي تحمل دجاجة القايد، لوحت بها في وجهي ثم لفت عباءتها على خصرها وأطلقت هلهولة سمع صداها في جميع أنحاء المنطقة وراحت تهتف بهوسات متعاقبة بدأ معها الرجال والنساء يرددون ويردسون وهم في أماكنهم أمام دكان الحصة.

أبشرك يبو عبيس ماتت البشة
أوديها النجف لوبيها نتعشة

من القايد وردنه اليوم هل المكتوب
دجاجة بالجدر تمن عله مقلوب

الكلافه والكرم والجود والطيبات
لبن حسين من زمان الفات
أله وكفات طيبة وبيه مشهودات

ها خوتي ها
خل القايد عله الديايه يسولف
خل القايد عله الديايه يسولف

ضاع المرتجى والمؤجل عند ظهور أم عبيس وهي تحمل تلك الدجاجة المبجلة. نظرت إلى المعلم أبو جبار فأشاح وجهه عني مدركا ما ابتلعته من صدمة على يد أم عبيس. عدت بعد صفنة طويلة إلى المقهى خائبا منكفئ على عقبي حتى دون خفي حنين.
حين عودتي ومن بعيد وقبل اقترابي من البيت شممت رائحة الطبيخ تفوح فوق سطوح المنازل وكأن الجميع يطبخون بقدر واحدة من قدور الهريسة أو القيمة في شهر محرم. كانت وجوه عبيس وأخوته كمن زقت دن من شربت الزبيب. للمرة الأولى أشاهد وجوههم وقد توردت وطفحت بالحمرة ، فسألت أم عبيس عما أطعمت به الصغار، فأجابتني.
لا خويه بعده المركة ما صايره بس الزعاطيط من شمو الريحة تفحو. مو كتلك خويه، يرادلهم شي يسند رويحتهم... بس أبو عبيس أنه ما سويت الدجاجة كله.. سويت الأجنحة والحواصل والجبده وخليت الباقي بالطرمه جوه الطشت حتى أسويه الباجر والعكب باجر.....
أي أم عبيس عفيه عليج زين سويتي.

كان الصباح التالي مشؤوما كدرا ومفجعا منذ ساعات الفجر عندما هزتني وقضت مضاجعي صرخة أم عبيس التي انطلقت مثل الرعد، ثقبت السماء وأيقظت سابع جار راحت بعد ذلك تولول وهي منكفئة فوق الطشت في الباحة الأمامية للدار.
ها شني الصار أم عبيس ...
يبووو علينه أبو عبيس راحت دجاجة القايد ...
ولج شلون
البزازين باكنه..
الله لا يوفقج على هل سالفة.... لو خالتني بدالغتي أبيعه لبو جبار جا مو أحسن.

،،،،،،،،،،،،،

حجاية الـ 15000 دينار مال القايد الجديد هم تستاهل واحد يسولف بيه، وبهذا الوكت المبلغ يسوه دجاجتين، بس تعال ودبر بطل مي ورد حلال...
 



 

free web counter