| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

فرات المحسن
F_almohsen@hotmail.com

 

 

 

                                                                الثلاثاء  17 / 12 / 2013



ذكرى فارس أسمه طارق محمد البوعزيزي/ بسبوسة

فرات المحسن 

فجر يوم 17 ديسمبر / كانون الأول عام 2010 اعترضت عناصر الشرطة التونسية عربة الفاكهة التي كان يجرها محمد بوعزيزي في أزقة حيه وسط مدينة سيدي بوزيد محاولا شق طريقه نحو سوق الخضار عند طرف المدينة، حاولت الشرطة مصادرة عربته، ولكنه استطاع الإفلات والوصول إلى هناك ، ولكن شرطية أسمها فادية حمدي لم تعافه ولحقته إلى السوق وبدأت بمصادرة بضاعته، وضعت أول سلة خضار في سيارتها وعندما شرعت في حمل الثانية أعترضها بوعزيزي ، فدفعته وضربته بهراوتها، ثم حاولت الشرطية أخذ الميزان، فحاول منعها، عندها دفعته هي ورفيقاها فأوقعوه أرضا وأخذوا الميزان. بعد ذلك قامت الشرطية بتوجيه صفعة لوجه بوعزيزي أمام حوالي 50 شاهدا . عندها عزت على البوعزيزي نفسه وانفجر يبكي من شدة الخجل، وبحسب الشهود الذين كانوا في موقع الحدث، صاح البوعزيزي بالشرطية قائلا : لماذا تفعلين هذا بي؟ أنا إنسان بسيط لا أريد سوى أن اعمل. بعد ساعات من الحدث وقف محمد البوعزيزي أمام مبنى البلدية وسكب على جسده مخفف الأصباغ ( ثنر ) وأضرم النار بجسده، أسرع الناس وأحضروا طفايات الحريق ولكنها كانت جميعها كما حظ الفقراء فارغة.

لم يكن يتوقع بو عزيزي التونسي حين أضرم النار بجسده، أن الأمر سوف يؤل لما جاءت به صناديق الاقتراع في بلده أو في مصر ، فعلى الرغم من نيته المبيتة لإثارة الجماهير للتعاطف مع حالته فقد سعى للأمر بطيبة مفرطة اعتراضا على حاله المزري وموقف حكومة زين العابدين بن علي وسلطاتها الداخلية من البطالة المستشرية بين أوساط الشباب وانعدام العدالة الاجتماعية وتفاقم الفساد وسرقة المال العام. والبوعزيزي حاله حال الآلاف من أقرانه اضطرته البطالة أن يعمل بائع خضار وفاكهة وسط الشارع في بلدته الصغيرة سيدي بو زيد.

وبعد أن هرب زين العابدين بن علي اثر انتصار الثورة رفض الأخ الأكبر لمحمد بو عزيزي بيع عربة أخيه لرجال أعمال من الخليجيين عرضوا عليه مبلغا مغريا، وقال أنه يريد أن يراها كمعلم يتوسط أحد ساحات المدينة يعيد للناس ذكرى لحظة إضرام أخيه طارق الطيب بن محمد بو عزيزي الملقب لفرط طيبته ببسبوسة، النار بجسده وسط المدينة، والتي كانت الشرارة التي اخترقت حدود بلاده تونس الخضراء لتشتعل شررا في مصر وليبيا واليمن وسوريا والبحرين وما زالت حرارتها تنذر بأحداث جسام في عواصم أخرى مرشحة للإصابة بعدوى لهب طارق بن محمد بو عزيزي.

رسالته الأخيرة التي كتبها في مدونته على الفيس بوك قبل استشهاده وباللهجة التونسية تشي مقدار الوجع الذي حمله قلبه، بعدها توجه نحو مركز الشرطة ليشعل النار بجسده أمام مضطهديه ولينهي عذابات روحه، لم يكن ليخطر في باله أن تكون تلك اللحظة هي اللهب الذي أمتد في هشيم الأوضاع في بلده وبلدان أخرى.

(( ‎‫مسافر يا أمي، سامحيني، ما يفيد ملام، ضايع في طريق ماهو بإيديا، سامحيني إن كان عصيت كلام لأمي، لومي على الزمان ما تلومي عليّ، رايح من غير رجوع, يزي ما بكيت وما سالت من عيني دموع، ما عاد يفيد ملام على زمان غدّار في بلاد الناس، أنا عييت ومشى من بالي كل اللي راح، مسافر ونسأل زعمة السفر باش ينسّي ....‬ ‎‫طارق محمد بو عزيزي‬ ))

بكائية بوعزيزي التي أنهى بها علاقته بمخزون عذاباته ومواجعه هي ذاتها دراما حياة الناس التي تحكي فواجعهم وخيباتهم في بلداننا العربية والإسلامية، فالوجع متوارث مثل وباء، الكل مرشح للاحتراق بلهب القهر والفجيعة دون مخارج يلوح من بين ثقوبها بصيص أمل.

هل يخمد لهب روح بو عزيزي والملايين من الشباب أمثاله تجثم الخيبة على صدورهم وتغطي الغشاوة مستقبلهم. سؤال يلف العالم منذ قيام الساعة دون جواب شاف.

هل أن صناديق الاقتراع قطعت أصابع الناخبين ووهبتها لمن لا يعني له لهب جسد طارق بسبوسة وغيره من الشباب المهمش التائه والغارق في البطالة سوى كومة من لحم شواء يبدو النظر أليه غير مستساغ.

ياترى هل استحوذ رجال المال على عربة بو عزيزي بثمن بخس ليلقموا مدافيء قصورهم العامرة بخشبها المتهرئ .

بسبوسة ، أيها الباسل لروحك الطاهرة المجد والخلود. وإذا كنت قد عييت ومشى من بالك كل اللي راح، فيكفي أنك كشفت ليس فقط عورات حكام ومسؤولين وإنما عورات شعوب أيضا .



 



 

free web counter