| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

فيصل لعيبي

 

 

 

السبت 22/11/ 2008



وداعاً يا أبا مالك

كان آخر لقاء بيني وبين الراحل خضر عبد الحسن ، هو في مهرجان نادي الرافدين الثقافي في شهر تموز الأخير في برلين ، لم نتبادل الحديث طويلاً فقد كنا منشغلين بالمهرجان والأصدقاء كل على طريقته ،لكننا تذكرنا تلك الأيام الجميلة التي جمعتنا يوماً ما في ظروف مختلفة .
ولقد أهداني (CD) قد عمل عليه لفترة طويلة يجمع فيها صوراً عن العراق وحضارته مع إعتذار عن عدم حرفية عمله ، لكنه كان مصدراً مهماً لي في إستعادة ما قد ضعف عندي من ذكريات ، أما أول لقاء لي بالراحل العزيز فقد كان في برلين أيضاً ، بمناسبة إنعقاد كونفرنس مندوبي الخارج لمناقشة وثائق المؤتمر الثالث للحزب الشيوعي العراقي آنذاك ، وقد جمعتنا الرفقة كوننا كنا نمثل منظماتنا وقتها ، فهو من ألمانيا وأنا من فرنسا ، وقد شكلنا في حينها جبهة سميت بجماعة الشيوعية الأوروبية أو بجماعة كاريليو سكرتير الحزب الشيوعي الإسباني ، وهي صفة أطلقها علينا جماعة المعسكر الإشتراكي الذي كانوا يدافعون عن الصح والغلط ( عمياوي ) عن السوفيات ، ولا أظن بعضهم قد تخلوا عن هذه العادة حتى الآن .
لقد طرحت قيادة الحزب مسودة البرنامج للنقاش وهذا ما يحسب لصالح الشيوعيين على طول تاريخ الحزب ، إذ نجد دائماً وثائق للنقاش قبل إقرارها ، مع ملاحظاتنا على طريقة إختيار المندوبين السابقة ، كنا كتلة تناقش الوثائق كمسودات خاضعة للنقد ، لكن الطرف الآخر يريدها نقاشات مسلوقة على طريقة : " قابل إنته أفهم من القيادة " .
كانت محاججاتنا حول طبيعة الثورة حسب المفهوم الماركسي لها ، تناقض توصيف قيادة الحزب لإنقلاب 17 تموز على أنه ثورة ، كذلك جرى نقاش حول قضية التأميم وقد أبلى( أبو مالك ) فيها بلاءاً حسناً والجبهة الوطنية والحكم الذاتي والديموقراطية والمؤسسات والنقابات وغيرها من المنظمات الجماهيرية . وكنا عموماً نتقاطع مع تحليلات قيادة الحزب لهذه العناوين ، وبصريح العبارة كنا ( عريضية ) ممتازين ولهذا وصفونا بتلك الصفة التي يراد منها التقليل من حججنا ضد تفسيرات الحزب للتطورات الحاصلة في العراق .
كان الراحل الدكتور رحيم عجينة ممثل اللجنة المركزية في كونفرس مندوبي الخارج للمؤتمر والرفيق عادل حبة عن تنظيم الخارج ( لتخ ) ، والنقاشات حامية ، وفي خضم هذا الجدل كنت أشاهد الرفيق خضر بحماسته وطيبته كذلك يدافع عن رأيه في هذه النقطة أو تلك ، وبسبب تقارب الأفكار ونتائج الجدل والنقاش ، كنا نتجمع ليلاً لتطوير معارفنا ونتعلم من بعضنا ، وكان الكثير من رفاقنا الدارسين في الدول الإشتراكية يتعاطفون مع طرحنا للأمور لكنهم غير قادرين على طرحها علنا ً وعندما عاتبت أحدهم رد علي بضحكة رفاقية جميلة : " عمي أنتو جماعة أوربا الغربية ما عندكم لا زمالة وجوازات وما تخافون من شي ، إحنه أقل شي يسحبون الزمالة من عدنا " ، ضحكنا في تلك الليالي وتبادلنا العناوين وقسم من رفاق ذلك اللقاء أصبح اليوم عضو لجنة مركزية – مبروك عليه ، بس خلّي يجر عدل ويانه – وأظنه يتذكر حماسة الراحل خضر وهو يفند بعض إستنتاجات لجنتنا المركزية السياسية والفكرية وحتى الإقتصادية .
كان الرفيق الراحل خضر يحلل وفق المفاهيم الماركسية المتعارف عليها ، لكن رفاقنا المسؤولين عن اللقاء حاولوا لوي الحقائق مع الأسف الشديد وجر الرفاق الى نوع من الرضوخ المبطن .
ها هو واحد من أبناء العراق البررة يسافر وحيداً وبعيداً عن عراق أحبه حتى الموت ، دون أن نستطيع نحن رفاقه وأصحابه من إلقاء نظرة وداع أخيرة على جسده المنهك .
تحيةعراقية لك أيها العزيز ، ستبقى تلك القيم التي دافعت عنها بصدق وإيمان وصورتك وأنت تجادل رفاقك بعناد ، ماثلة أمامي ما حييت فقد كانت لي درساً في الوطنية والثبات .


رفيقك
فيصل لعيبي
لندن في 21نوفمبر 2008
 


 

free web counter