| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

فيصل لعيبي

 

 

 

 

الأحد 29 /7/ 2007

 

 


اهمية جواد سليم


فيصل لعيبي

تكمن أهمية جواد سليم في البنية المعرفية التي قدمها لنا أساساً، حيث تمثل الثقافات والتاريخ وعلاقة المثقف بالمجتمع والمعرفة ، وجهده يغطي مساحة واسعة تختلط فيها الأحداث الفنية والإجتماعية والسياسية من خلال ربط التاريخ الخاص بالفن مع التاريخ العام للأنسان ، و أوجد الصلة الحقيقية بين العصر الحديث والحضارة العراقية القديمة .
كانت مهمة جواد معقدة جداً ، لأنها تهدف الى إنتاج ثقافة ومعرفة مستقلة في منطقة خاضعة لأوربا ، التي لانرى فيها غير منجمٍ للمواد الخام، أي أنه أراد تقديم ثقافة لم تقدم بعد أو أُسيء الفهم في تقديمها ،ومن حسن حظه أنه يقف على أرضٍ تتكدس فيها الحضارات مثل طبقات الأرض ،وتتصف بالحيوية والتدفق والتنوع والإستمرار .
أعتقد أن جواد في حاجة الى قراءة جديدة وإعادة نظر أخرى ، لأن مجايليه لم يمتلكوا ما نملك من معارف جديدة حول الفن والمجتمع وكذلك من مناهج أكثر تدقيقاً من مناهج الخمسينات .
لقد خلق لنا جواد منهجية جديدة تمتلك قانونيتها ولها القدرة على إنتاج فن ومعرفة تقابل ما للآخرين من معارف وفنون وثقافات ،منهجية لا تلغي الآخر ولايقدر الآخرعلى إلغائها ، منهجية دايلكتيكية ، إيجابية .
وقد أثبت للآخر عملياً تعدد النظر وإختلافه في فهم المشهد البشري في منطقتنا .
كان جبران خليل جبران أقرب الى الحالم من جواد الواعي , وكان المثال المصري محمود مختار ينتمي الى الماضي والمجتمع الزراعي أكثر من إنتمائه الى العصر الحديث ، رغم أنه الرائد الأول في مسألة لفت نظرنا الى الهوية والتراث في الفن والثقافة عموماً ، والمعروف أن أوربا قد خلقت تصوراً لها عنا يعود الى الماضي وهو تصور ثابت غير قابل للتغيير ، ولا يحق لنا تحريكه أيضاً ، وهو تصور غريب مليء بالأعاجيب والخيال والمتعة التي يفتقدها الغربي في بيئته المادية القاسية ، كما إنها صورة مشوهة وتتصف بالعنصرية وتنعتنا بنعوت وحشية عموماً ، فمن غير المسموح لنا تغييرها لماهو مخالف للتصور الغربي لها . ولما كانت أوربا هي ولية الأمر عندنا طوال النصف الأول من القرن العشرين ، وهي التي تعرف ما هو مناسب وما هو غير مناسب بالنسبة لنا ، فمن غير الممكن أن يغامر أحدنا في إنتهاك هذا البناء العالي الذي بنته أوربا لنجلس داخله كشعب ينتظر دوره التاريخي ليلعبه وفق الحدود المرسومة له من قبل ولي أمرنا الرحيم : الرجل الأبيض ، أو بناءاً على " الآيديولوجيا البيضاء " حسب وصف جاك داريدا للمركزية الأوربية ، لقد كتب يوهان فابيان في كتابه : ( الزمن الآخر – كيف تصنع الأنثروبولوجيا موضوعها ) والصادر في عام 1983 يقول ما معناه : من الضروري دراسة الأخر ومعرفة شروط حياته لغرض السيطرة عليه، أما برنار لوي فهو يرى بصعوبة إمتلاكنا لثقافة ما أو نملك حتى حماسة للبحث عنها ، ودانييل بابيس في كتابه : ( في سبيل الله ) الصادر عام 1983 ، يرى " من الواجب توجيهنا الوجهة الصحيحة التي تراها أوربا نافعة لنا ، لأننا لانحسن التعامل مع ما يجري حولنا ".
هنا يكمن دور جواد سليم وأمثاله ، الذين كسروا القاعدة السائدة وغيروا النظرة الدونية نحونا وقضوا على إحتكار المعرفة والثقافة والفنون . فأصبح في الأمكان إنتاج ثقافة وفن تقابل ثقافة وفن الآخر وتقف في مستوى واحد منها ، دون تحيز أو مغالاة .
أن التحرر من المركز والقطب أو المرجعية الواحدة أياً كانت طبيعتها يسمح في خلق فرص عديدة للتجاوز والإبداع والتنوع والحيوية . ان جواد واحد من رواد هذا التحرر ومعه ومع أمثاله ظهرت المنهجية الجديدة التي تنظر الى الأمور بمنظار مختلف الزوايا والإتجاهات ، أي التعددية في النظر لنفس الموضوع .
يعتبر جواد من المثقفين العضويين في مجتمعنا ، وهو مساهم فعال في صياغة توجهاته الروحية والجمالية ، إضافة الى كونه فناناً شعبياً من الطراز الأول ، حيث فجر مكنون هذا الشعب وقدمه بشكل عصري يتناسب مع ماكان سائداً في فترته من محاولات التجديد الحقيقية ، حيث يشترك مع فائق حسن ومحمود صبري ومديحة عمر ونازك الملائكة وبدر شاكر السّياب ومحمد مكية ورفعت الجادرجي وعلي الوردي وطه باقر وعبد الجبار عبد الله وجواد علي وعلي جواد الطاهر ومتى عقراوي وغانم عقراوي ونوري ثابت (حبزبوز ) وغازي الرسام وصادق الأزدي وحقي الشبلي وعزيز علي وجميل بشير وسلمان شكر وغانم حداد وعبد الله كوران وغائب طعمة فرمان وعبد الملك نوري والجواهري و فؤاد التكرلي ويوسف العاني وهاشم الخطاط ويحيى حقي ومحمد القبانجي وحضيري ورضا علي وعباس جميل وعفيفة إسكندرولميعة توفيق وزهور حسين وسليمة مراد وإبراهيم جلال وجعفر السعدي وزينب وناهدة الرماح وجمهرة لاتعد ولاتحصى من المبدعين ، في إرساء قواعد الحداثة في الثقافة العراقية المعاصرة .
لقد رفض جواد الثقافة الملفقة وتدجين الثقافة ودعى الى ثقافة أصيلة لاتنقطع عن الجذور ولا تغلق بابها عن الجديد في الفكر الإنساني المتنور .ثقافة أصلها ثابت وفرعها في السماء ، لقد جعلنا جواد ورواد الحداثة في بلادنا ، قادرين على إنتاج ثقافتنا الوطنية ، بعد أن كنا نستهلك ثقافة الغير ونعتاش عليها .