| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

فيصل لعيبي

 

 

 

الأربعاء 18/2/ 2009



الأسباب والنتائج

فيصل لعيبي صاحي

أنغمر الشيوعيون وأصدقاؤهم والمقربون منهم و الديموقراطيون الذين أقروا بحقيقة الوضع الجديد ومتطلباته وواجبات القوى السياسية في تطويره وإنجاح مساعي الأكثرية في إنقاذ العراق مما احاق به بعد سقوط الطاغية وحزبه الفاشي وخضوعه للسيطرة الأجنبية . وكانت الدوافع والأهداف واضحة عموماً للجميع : عراق ديموقراطي تعددي موحد، باستثناء الذين يتصيدون في الماء العكر .

كانت مساهمة الشيوعيين في اللعبة الديموقراطية ، مساهمة جادة ومسؤولة، وقد كتبت مادة قبل الإنتخابات الأخيرة، أحاول فيها أن أعطي صورة مبسطة لنتائجها بالنسبة لنا نحن اليساريين وعدم المبالغة في التفاؤل ، لكني لم أنشرها في وقتها خوفاً من اللائمين والذين يعتقدون أن في كتاباتي شيء من التشاؤم أو السلبية، وأقنعت نفسي بعدم نشرها أو الإستعجال في إعلان نتائج أولية عنها ، حتى لآ أبدو مثبطاً للآمال ، كما يقال .

أعلن معظم من كتب عن الإنتخابات ونتائجها ، عن رأيه في الكثير من أسباب الحصيلة التي ألمّت باليسار العراقي ، وحلّل الظروف والعقبات العديدة وكذلك نوعية القوى المنافسة وحجم هيمنتها على مقادير الأمور ، وهذا كله صحيح ولا يحتاج الى براهين، فنحن نرى هذه القوى – وهي قوى ليست لها علاقة بالسياسة بمعناها الراقي بتاتاً ، بل عشائر وطوائف وشيوخ ، يمثلون الماضي ويحملون عقلية التسلط والهيمنة والإستحواذ – وتلاعباتها وأساليب عملها المفضوحة ، ولكن لم يكن الشر كله من الشيطان ، فنحن نتحمل القسط الخاص بنا من هذا الأمر .

لقد دار الجميع حول الأسباب والنتائج تقريباً لكنهم لم يشيروا الى أسباب رئيسية أخرى ،وقد يكون اللاعب في وسط الملعب غير قادر على تشخيص نواقصه ، ربما، لكن المشاهدين قادرون على معرفة قصور هذا اللاعب أو ذاك، فلنأخذ دور المشاهدين على الأقل في هذه المسألة.
لنرجع الى الوراء قليلاً حتى نرى الصورة أكثر وضوحاً ، فلقد بدأت خسارة الشيوعيين للساحة ، منذ عام1993 ، بسبب إنقسامهم الى أكراد وعراقيين ، وهو ما لم يستوعبه العراقيون جميعاً باستثناء المستفيدين المباشرين من هذا الخطوة المتخلفة ،وهنا يظهر السؤال الكبير أمامنا ، وهو : لماذا حزب شيوعي كردستاني ؟ وهل الأكراد اليوم عراقيون أم من بلاد أخرى ، ما نوع العملة المستعملة هناك ؟ ثم ماذا عن التركمان والكلدوآشور والأرمن والصابئة وغيرهم ؟ هل نختلق لهم أحزاب شكلية كما فعلنا مع الرفاق الأكراد ، وبسبب طموحات مريضة لبعض قادة الحزب وميل قومي متسرع وليس في أوانه، كي نؤكد أمميتنا ؟

بداية علينا أن نؤكد على أن الشيوعيين العراقيين لم يتخلفوا يوماً عن دعم القضية الكردية ، بل وأستطيع القول ، أنهم أول من نبه ودافع عن هذه الحقوق ولا يزالون كذلك، كما أن القضية الكردية لم تأخذ أبعاداً دولية مثل القضية الفلسطينية ، حتى يتحجج الرفاق الأكراد بضرورة إنشاء حزب شيوعي كردي ، فلقد كانت لفظة "الكردستانية "، تعني دولة كردستان ، وهذا ما صرح به قادة أوك وقادة حدك ، في ذروة النشوة القومية التي وصلوا إليها بعد سقوط الطاغية وحزبه الفاشي. وهو حق مشروع، ولكن هل الآن هو أوان الدولة الكردية ؟
لقد ارتبط الشيوعيون الفلسطينيون مع حزب راكاح ولم يعلنوا تشكيل الحزب الشيوعي الفلسطيني ، حتى ظهور فكرة تحقيق الدولة الفلسطينية ، وكم من الإتهامات التي وجهت لنا بسبب ذلك قبل لحظة ظهور فكرة الدولة الفلسطينية .

ان المسألة الكردية لم تصل الى هذا الحد والقوميون الأكراد يعرفون هذا قبل غيرهم ، فلماذا الإستعجال والحزب في حاجة لكل يد وطاقة ، لإعادة بناء نفسه على الأقل ، إن لم نقل شيء آخر.
أن إنشاء الحزب الشيوعي الكردستاني يتطلب توحيد أقاليم الأحزاب الشيوعية في سوريا وتركيا وإيران مع أقليم الحزب الشيوعي العراقي في كردستان وبعد توفر الظروف التي تتيح للشعب الكردي الشقيق بناء دولته القومية المستقلة .

أين كانت قيادة أوك وحدك من هذا الإستحقاق عندما إستقلوا بالإقليم بعد انسحاب نظام صدام من كردستان ، ولماذا لم يعلنوا جمهوريتهم وقتها ، إذا كانوا جادين فعلاً في الدفاع عن حقوق الشعب الكردي التي سحقوها بأقدامهم عندما تعرضت مصالحهم الذاتية للإنهيار ، مما دفع اوك بالإستنجاد بإيران وحدك بصدام لتثبيت أقدامهم في الإقليم، الذي تحول بعد ذلك الى برلين الغربية وبرلين الشرقية فأين هم من حق الأكراد وقد قسموا حتى هذا الجزء من كردستان الى منطقتين محرمتين . لا يستطيع البارتي من تشكيل تنظيمات له في السليمانية ولا يستطيع أوك ان يعمل على توسيع خلاياه في أربيل ؟ نحن لا نريد نبش الماضي الدموي لهذين الحزبين ولكن هذه حقائق ، يجب أن لا تغيب عن ذهن الجادين من الساسة العراقيين ، إذا كان المقصود رسم أفق واضح ومبني على معطيات ملموسة وقابلة للتحقيق.

كان اوك يعتبر نفسه البديل الماركسي للحزب في كردستان وكثيراً ما جرى نقاش حيوي في هذا الإتجاه وكان حال حدك لا يختلف كثيراً في هذه المسألة ، ، كما كان البعث يعتقد أنه البديل الحقيقي للحزب الشيوعي العراقي ، وهذا الإحساس جعل الجميع يفكر بتصفية الحزب وإزاحته من أمامه ، ونظرة بسيطة للوراء تعطينا ألف دليل على هذا المنحي ، فتحالفات حدك مع نظام البعث وتحالفات أوك أيضاً كانت تصب في الهدف نفسه الذي رسمه البعث للحزب الشيوعي العراقي ، بينما كانت تحالفات الحزب الشيوعي حتى مع البعث تؤكد ضرورة ضم القوى الوطنية للجبهة وعلى رأسهم الحركة الكردية بالذات.

أصبح لدينا الآن حزب شيوعي عراقي وحزب شيوعي كردستاني غير معني بالقضية (العوراقية ) على حد تعبير بعض الصحفيين الأكراد في فترة الحماسة إلا شكلياً - قبل أن يفرك الأمريكان آذان قادتهم التاريخيين للكف عن ترديد إسطوانة الإنفصال ذات الرنين الإبتزازي - وبسبب النفخ الذي يقوم به القوميون الأكراد من داخل الحزب ومن خارجه أيضأً، فلم تكن هذه العملية بعيدة عن تشجيع ودفع القوى القومية الكردية التي تستعجل الإنفصال عن العراق بأي ثمن .
قد تكون مجزرة بشت آشان المعلم الرئيسي لهذا التوجه وربما كانت مبادرة عيسى سوار الإجرامية بحق كوكبة من الشيوعيين في السبعينات ، إشارة أيضاً لهذا الضيق بالشيوعيين وربما ثمن التحالف والثقة بين النظام البعثي والأكراد ، مع اختلاف القوى والظروف معاً .

الملفت للنظر مع تعدد الفعاليات السياسية التي قام بها " العوراقيون " في الوسط والجنوب لدعم القضية الكردية ، على إمتداد ما يقارب القرن الماضي ، لم نسمع عن مظاهرة أو إعتصام في كردستان ، حتى عندما استقّلت عام 1991 عن النظام السابق ، تدعم نضال ال (عوراقيين ) في الوسط والجنوب .
لقد فقد الحزب بانقسامه الى كردستانيين وعراقيين ،-وهذا شيئ معيب على الأمميين حقاً – ثقة الجماهير العراقية وزعزع القناعة الراسخة لديهم بأمميته ، كما فقدنا نحن أيضاً القدرة على الإستفادة القصوى من طاقات الرفاق الأكراد في تقوية مواقعنا عموماً، إضافة الى إثارة حساسية القوميات الأخرى . هذا سبب من أسباب النتائج التي يحصدها الحزب اليوم.

السبب الثاني والمهم أيضاً، هو : دخول الحزب في قيادة مجلس الحكم، الذي لم نجن منه غير استغراب الشارع العراقي لهذه الإنعطافة التي ليست من طبيعة الحزب الشيوعي العراقي ولا المتوقع منه القيام بها . ما الضرر لو أبقينا شيء من المسافة بيننا وبين هذا المجلس . لقد عارضنا الحرب وحذرنا منها ، فلماذا ندخل مجلس الحرب هذا ؟ ما الحكمة من ذلك ؟ المنطق يقول أما شعارنا ضد الحرب كان خاطئاً او أن دخولنا في مجلس الحكم هو الخطأ ، وأترك لقيادة حزبنا الإختيار بينهما .

لقد سايرنا المحاصصة والطائفية وكل ما هو مخالف لقيمنا ، وأصبحنا جزءاً من الطبخة وربما كنا التوابل المطلوبة ، لحجب العفونة التي تنبعث منها، فسكتنا عن ممارسات اللصوص والقتلة والمشعوذين وكل أنواع الدجل والنفاق والفساد، التي يمارسها من هم في السلطة التي أصبحنا طرفاً فيها، تحت غطاء الخوف من الإنعزال ، تلك الإسطوانة المشخوطة التي يرددها العديد من الرفاق في القيادة والعديد من مسؤولي المكاتب التنظيمية لدينا.

هل أن الشعب العراقي غير منتبه لهذا ؟ لا أظن ، لكنه ساوى بيننا وبين القوى الأخرى( يك حساب ) ما دمنا لا نجرؤ على فضح المجرمين من الحكام الجدد ونجامل القوى الظلامية ونبتعد عن ملامسة الأسباب الحقيقية لهذا الإنهيار العام في مجتمعنا العراقي المعاصر.

لقد تابع السياسي العراقي وقائد حزب الأمة الصديق مثال الآلوسي قتلة أولاده وأصر على محاكمتهم وفضحهم بالأسم , فماذا فعلنا لقتلة سعدون وعبد الأمير عجام والعشرات من رفاقنا ، كان آخرهم كامل شياع الوديع، أين لجان التحقيق التي كنّا نشكلها سابقاً لأتفه الأسباب وأين لجان الدفاع التي شكلناها في الماضي ؟ لماذا لا نوجه الإتهام بوضوح لعصابات الأحزاب الحاكمة التي تعمل قّناصتها بخطط مدروسة للتخلص منّا ، وبهدوء وسكينة تصاحب صمت رفاقنا القياديين، حيث نتكيء على أصوات المثقفين هنا وهناك - عند الحاجة لهم - في نداءات لا تصل حتى الى جدران المنطقة الخضراء. لقد كنا سابقاً نسجل تجاوزات حتى فراش في مدرسة معزولة و في قرية بعيدة لا نعرف عنها شيء ، وننشرها في صحافتنا السرية والعلنية ، فما بالنا اليوم لا نشير للقتلة والسرّاق و للفساد الذي تمارسه الأحزاب الحاكمة والنهب المستمر للمال العام من قبل قادتها وأولادهم وأفراد عائلاتهم وسائر أولي القربى منهم . أين مصداقيتنا مع الناس وتعهداتنا لهم في الدفاع عن مصالحهم ؟

أما السبب الثالث ، وهو ثالثة الأثافي ، فهو الدخول في الحكومة – طبعاً، كشيوعي أفتخر بكون الحزب أصبح رقماً صعباً على الجميع، بسبب مواقفه المبدأئية وليس بسبب مرونته ولا أقول شيئاً آخر، التي جلبت علينا الويل والثبور . لكني لا أقبل كل عرض يقدم لي ، قد يكون ثمنه شراء سكوتي على فضائح النظام ، أي نظام وهذا ما حصل مع الأسف ، فحاولنا أن نكون واسطة خير بين أشرار لا علاج لهم غير الكي - فقد جربنا التوزير في معظم حكومات الجمهورية، إبتداءاً من حكومة الراحل عبد الكريم قاسم الى حكومة علاوي والمالكي ، وحتى مع حكومات الأكراد ، فالجميع يتعاملون معنا بنفس الطريقة ، ما الجدوى إذن من وزير لا يحل ولا يربط ؟

نحن مسؤولون عن سلوك الحكومة التي ندخلها كوزراء وعلينا أن نحدد مواقفنا بوضوح حول سائر الممارسات وننشرها في صحافتنا بدون لف ودوران وإلا فالإستقالة هي المطلوبة في حالة تعذر ذلك، ونحن ندين المحاصصة والطائفية وهو ديدن الجميع بما فيهم الطائفيين أنفسهم ، لكننا نقبل التوزير ولا أقول التزوير في حكومة طائفية ومحاصصاتية من طراز رفيع ، فبماذا نفسر ذلك ؟

لقد كثرت التبريرات وأصبحت هي الحجج التي نستند عليها في هذه الأيام ، ولم نعد ننطر الى التجربة كدرس يجب الإستفادة منه ، ولهذا لا نزال نعيد الأخطاء بحذافيرها ونكرر نفس التبريرات السابقة ونرطن فيما بيننا عن الظروف الموضوعية والعدو الطبقي والتخلف وتركة النظام السابق والدول الإقليمية وغيرها – على أهميتها – لكننا لم نمعن النظر الى ممارساتنا الخاصة بنا كما ينبغي.

وحتى يتم تجاوز الضعف ونردم الهوة بيننا وبين الناس ونعيد للحزب ألقه ونظارته المفترضة ، لابد من التأكيد على بعض المفاصل الضرورية لمثل هذه المهمة .

1- بناء الحزب كحزب شيوعي موحد لجميع العراقيين دون إستثناء ، ويعمل على كامل التراب العراقي المعترف به دولياً في الوقت الحاضر، من خلال مؤتمر شامل للشيوعيين ، والذي يرغب بتشكيل حزب شيوعي كردي فهو حر ولسنا قوامون على الناس فيما يختارون، لكننا مسؤولون عما نقوم به أمام الشعب العراقي بكل طوائفه وقومياته وأديانه المختلفة والمتنوعة.
2- الخروج من حكومة " الوحدة الوطنية " الكاذبة ، والعمل مع القوى التي تتقارب معنا في الأهداف والبرامج والحرص على مستقبل العراق.
3- العمل على تشكيل جبهة تقدمية من القوى التي تحالفنا معها في الإنتخابات الأخيرة ورسم برنامج واضح وعرضه على الشعب العراقي إستعداداً لخوض إنتخابات نواب البرلمان القادم .
4- دراسة نتائج الإنتخابات البلدية الأخيرة وتحديد النواقص والعيوب وتأكيد التجارب النافعة فيها وتعميقها .
5- دراسة الفترة السابقة ، بدءاً من سقوط النظام وحتى الفترة الحالية من جميع جوانبها ، للخروج بتشخيصات صائبة للمرحلة القادمة.

في أوربا عندما يفشل حزب ما في تحقيق النتائج التي خطط لها، يتم النظر في طبيعة الفريق الذي قاد الحزب ، خلال الفترة المعنية، فهل نجرؤ على التفكير في مثل هذه الممارسات حالياً ...؟؟؟؟
 


لندن في 14 \2 \ 2009


 


 

free web counter