| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

فيصل لعيبي

 

 

 

السبت 16/8/ 2008

 

شيء عن الصحافة و الديموقراطية في العراق

فيصل لعيبي صاحي

إستهلال :
قد يكون مفيداً التذكير بدور" الحرب الباردة " في تشويه مفهوم الديموقراطية وإختلاق حروب وهمية بين الأطراف المختلفة في عموم الكرة الأرضية ، أبعدت معظم القوى الديموقراطية في العالم عن الدور الأساسي لها، إذ أنقسم العالم الى قطبين لا يلتقيان ، وجر هذا الإنقسام حركات التحرر ومثقفيها وكتابها وصحفييها الى مشاكل ليست من إختصاصهم، و مماحكات بعيدة عن مشاكل بلادهم التي كان عليهم مناقشتها، ولا يزال هذا الإرث يكلكل على معظم كّتاب صحافة اليسار والديموقراطية في العالم ، ولم يكن العراق بمعزل عن هذا ولا مثقفيه أو كتابه ، كما لا تزال " لغة الخشب " هي السائدة في إعلامنا عموماً.

ونتيجة لذلك فقدت الحركة الديموقراطية في عالمنا المتخلف الكثير من أنصارها في العالم المتمدن ، كما فقد العالم المتمدن الكثير من أنصاره في عالمناهذا ، فلم يفكر الديموقراطي وخاصة اليساري في العراق بأهمية الرأسمالية ودورها في القضاء على الإقطاع ، بل وضعها عدوته المباشرة وراح يحاربها على هذا الأساس ، ناسياً عدم قدرته الخاصة من إزاحة الإقطاع والحكم المطلق في بلادنا ، كما سقطت الحكومات الغربية المتظورة ، وبسبب أجواء الحرب الباردة أيضاً ، في نفس المطب وجعلت هدفها محاربة الديموقراطيين وقوى الحداثة وإبعادهم عن مصدر القرار واعتمدت على الإقطاء والقوى القديمة في مجتمعنا المتشظي، ولا يزال هذا السلوك معتمداً من قبل الأمريكان وحلفائهم في بلادنا ، حتى هذه اللحظة ، إذ تم تسليم البلد الى القوى المتخلفة والرجعية ، وهم الآن يعانون من هذه الورطة الغبية التي أوقعوا أنفسهم فيها .

هناك حلقة مفقودة ، إذن ، بين قوة الحداثة الأوربية وقوىالحداثة عندنا ، لا يمكن العثور عليها دون التخلي عن التخندق الكاذب والريبة القائمة بين الطرفين ، أو وهم إدعاء الفصل التام بين المصالح في هذا الظرف الدقيق ، لكن السؤال هو هل ان الإدارة الأمريكية تعتبر من قوة الحداثة وكيف ؟ ربما تكون معرفتنا بوجهي الظاهرة – أي ظاهرة - من الناحية الفلسفية ، مساعدة لمثل هذا الفهم ، وعند تطبيق قانون وحدة وصراع الأضداد ،في هذه القضية ، نستطيع فهم المغزى البعيد لهذا السؤال . وقد يبدو أن الإتحاد الأوربي أقل شراسةً من الولايات المتحدة ، ويمكن الإستفادة من هذا الإختلاف النسبي بينهنا ، إذا ما أحسنا التعامل مع هذه المتناقضات ، فالحداثة لا تدخل ديارنا من خلال القوى التي تريد العودة بالعراق الى العصر الماقبل الصناعي ، ولن تخلق سوق ممتدة من المغرب وحتى أفغانستان ، بدعم القوى الظلامية المتخلفة ، -لقد حدث ذلك في القرون الوسطى عندما كان قوس الحضارة الإسلامية ، بمقاييس ذلك الوقت ، يمتد من الصين الى الأندلس - ولن تتشكل ركائز التقدم ، بمفاهيم تفصل الرجل عن المرأة وتعتبرها ناقصة عقل ودين ، وتمنع الحقوق القومية عن الآخرين ، وتصادرالرأي الآخر بنصوص مقدسة لا يمكن المساس بها .

إن هذه اللوحة المتناقضة التي تكشف حجم التباعد بين قوى الحداثة عندنا وبين قوى الحداثة العالمية – هنا لا يمكن تجاهل اليابان أو الصين ولا حتى الهند من المعادلة الحديثة لعصرنا - هي التي تفسر عدم تحقيق الطفرة المطلوبة في مجتمعاتنا المحطمة ، وتعطينا السبب الرئيسي لهذا التخلف أو الإشكال التاريخي القائم حتى الآن .
من هذا المدخل علينا فهم الوعي الديموقراطي المطلوب ، وليس من خلال مخلفات قاموس لغة " الحرب الباردة " الميتة ، وعليه يمكن إستخلاص الدروس والعبر وتخطيط منهج واقعي يناسب قدرات البلد ومواطنيه وكذلك طبيعة المرحلة والمهام المطلوبة .

مقدمة تاريخية :
يمكن إعتبار جريدة " الصحيفة " أول جريدة ديموقراطية في العراق ، فالديموقراطية هنا ، تتحدد بالموقف من المرأة وحقوق القوميات والمساواة في الفرص ، كما يمكن إعتبارها أول جريدة تقدمية في بلاد وادي الرافدين ، بعد الحرب العالمية الأولى ، كونها أخذت تنادي بالفكر العلمي والثوري المعاصر وخاصة الفكر الماركسي الجذري ، لكن مسيرة الصحافة الديموقراطية في العراق من أصعب المسيرات ، فقد لاقت أكثر من عائق وتعطلت في الكثير من الأحيان ، وقد لا نغالي إذا ما قلنا أن عمر هذه الصحافة في بلادنا ، هو من أقصرالأعمار ، فلم يتوفر لأغلبها الأمان ولا الإستمرار ، فالصحيفة توقفت بعد فترة قصيرة من صدورها وتلتها الصحف المستقلة ذات التوجه الديموقراطي ، والتي كان يشرف عليها مثقفون من نوع الجواهري أو الملا عبود الكرخي ونوري ثابت " حبزبوز " وحتى الرصافي وغيرهم .

ثم جاء دور جريدة " الأهالي " التي لعبت دوراً هاماً في تطوير المفاهيم الديموقراطية على أسس أكثر تفتحاً من الصحافة اليسارية التي كانت عموماً تدعوا الى فكر محدد ووضح المعالم غير قابل للرد والبدل .
كانت جماعة حسين الرحال أصحاب الصحيفة وكذلك جماعة كامل الجادرجي في الأهالي ، يمثلون البداية الحقيقية للفكر الديموقراطي الداعي الى قيم العدالة والحريات العامة وتطوير البلاد ، لكن إنظمام بعضهم الى تنظيمات سياسية معروفة ، جعل عملهم ، أكثر صعوبة ومن ثم دخلوا في صراعات – وهذا طبيعي – مع بعضهم ومع النظام الملكي ، الذي لم يكن من مشجعي الصحافة الحرة على الإطلاق . فكانت أوامر المصادرة والحجز وإيقاف الصحف الوطنية ديدن هذا النظام .

من الضروري التأكيد هنا ، على أن هذه الصحف الديموقراطية بمختلف توجهاتها المختلفة – صحافة الأحزاب ، السرية منها والعلنية أوالصحافة الديموقراطية المستقلة منها في العراق ، كانت تقوم بدور رائد فيما يتعلق بالأفكار الحديثة ونشرها بين جمهور القراء الذين يتطلعون الى كل ما هو جديد في الثقافة والسياسة والإقتصاد ، فعرفنا الفكر -الفن - الأدب الحديث من خلالها ، جان بول سارتر ، مكسيم كوركي ، دستويفسكي ، تولستوي ، ألبير كامو ، ناطم حكمت ، آراكون ، بيكاسو ، لوركا بابلو نيرودا بريشت والعشرات من امثالهم ، كما تعرفنا على نظرية دارون و النظرية النسبية لأنشتاين والأدب الأوربي والأمريكي الحديث، والماركسية ومختلف الإتجاهات الفكرية الهامة في العالم الحديث ، وجرت مساجلات لم تنقطع حول حرية الشعوب وحقها في تقرير مصيرها ، وتمت متابعة لحركات التحرر والنماذج الثورية منها بشكل خاص كالثورتين الروسية والصينية و نضال شعوب آسيا و أفريقيا وأمريكا اللاتينية .

المهم في الأمر ، هو أن لهذه الصحف كعب أخيل أيضاً ، إذ على مدى فترات صدورها، لم تكن قادرة على إستيعاب الآخر ، ونادراً ما تنشر على صفحاتها آراءاً تناقش أو تناقض أفتتاحياتها مثلاً ، ، أو تنشر موقفاً مغايراً لموقفها في هذه القضية أو تلك ، حتى لو كان الكاتب من بين قراء هذه الصحف نفسها ، وليس عدواً يريد النيل منها أو الهدم و الشقاق ، كما توحي تبريراتهم الجاهزة دائماً ، ولهذا نجد أن حجم المساحة المخصصة للرأي الآخر ، أقل مما ينبغي ، ففقدت بذلك كثيراً من مصداقيتها الديموقلراطية التي تحاول الدعوة لها .

لقد صدرت في العهود المختلفة التي مرت على العراق ، عشرات الصحف وأختفت أيضاً عشرات أخرى ، ونحن اليوم نشاهد كم هائل من الصحافة العراقية ونقرأ العديد من وجهات النظر المختلفة والمتصارعة ، لكن الديموقراطية ليست ورقة إنتخاب وبرلمان وحكومة منتخبة أو شرعية ولا حرية كلام فقط ، الديموقراطية قضية فكرية وسلوك ومنهج وعادات وتقاليد تحتاج الى بيئة صحية لنموها ، وهذا ما يفتقده الوضع الحالي في العراق و معظم الصحف التي تطلق على نفسها صفة الديموقراطية.

الصحافة لدينا ، تنقسم الى عدة توجهات وهي صحافة موجهة عموماً ، ومن أمثلتها :
1- الصحافة الحزبية .
2- الصحافة الدينية .
3 – الصحافة الطائفية .
4 – الصحافة القومية .
5 – الصحافة المدعومة من الخارج .
6 – الصحافة المستقلة .
7 الصحافة الديموقراطية .
8 – صحافة الإرتزاق .
9 – الصحافة الداعمة للوضع الحالي .
10 – الصحافة المعادية للوضع الحالي .
11 – الصحافة العشائرية .
12 – صحافة بقايا عناصر النظام السابق .

الملاحظة الأولى : هي أن لكل هذه الصحف قراء معينين ، وهي تخاطبهم بما يلبي رغباتهم على الأكثر ،أي أنها لا تفكر بالآخر المختلف ، وهي بهذا المعني ، صحافة تنطلق من مفهوم " القلعة المحاصرة " فنجد فيها كثرة المواد السلبية ، مثل أخبار الكوارث والأزمات كالتفجيرات والمفخخات والمشاكل المعيشية إضافة لشماعة الإحتلال الذي أتى بمعظها الى السلطة .مع ملاحظةغياب الأفكار الجديدة والحيوية لتقدم المجتمع من على صفحاتها ، والسكوت على اللصوص الكبار الذين استولوا على اقتصاد البلد والمال العام ، تحت ذرائع كاذبة ، ومن بينهم عدد من كبار المسؤولين الحاليين .

أن الكم الهائل من الصحف العراقية الحالية ، قد يوحي بالحرية الواسعة لصاحبة الجلالة ، لكن التصفيات التي طالت الصحفيين لا تشير الى هذا ، فما نفع عدد الصحف إذا كان الصحفي يعامل بالركلات ويطلق عليه الرصاص ككلب سائب ؟ - الحوادث هنا لا تعد ولا تحصى ، اكثر من مئتي صحفي اغتيلوا خلال هذه الفترة - لكن ألا يعني هذا ، أيضاً ، بأن الصحفي كان يقوم بواجبه حقاً ولهذا تم إغتياله ؟ كما عومل بوحشية من قبل حمايات " أمراء الحرب " الجدد ، وهي معاملة تتطابق مع سلوك حمايات عدي وصدام حسين ، عندما كانا على رأس السلطة .
كيف يمكن الحديث عن دور الصحافة الحرة والديموقراطية ، ونحن لا نملك حتى حق الدفاع عن النفس ، إذ يجري تفسير إعتداء حمايات الوزراء والمسؤولين على أساس جزء من تأدية الواجب ؟؟؟؟
ان تعددية ملكية وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروئة في العراق ، يعد خطوة هامة على الطريق الصحيح ، إذا ما أحسن إستعمال هذا الحق ، لكن الصحافة علم - فن - صناعة وإقتصاد ، تحتاج الى مهنية عالية وثقافة واسعة واستخدام آخر التقنيات مع ضمير حي ومصداقية وحيادية أزاء الحدث المنقول .

أسئلة :
- هل تملك صحافتنا خطة واضحة المعالم أو هدف معين تعمل على تحقيقه خلال فترة محددة ، كخطة نشر ثقافة التسامح مثلاً ؟ وأين وصلت هذه الخطة أو تلك ؟
- ما هي ستراتيجيات صحفنا الهامة ؟
- ما هي الحلقة المركزية التي تعمل هذه الصحف عليها ، هل هي دعم العملية السياسية مثلاً ؟
- هل أن هذا الدعم غير مشروط ؟
- كيف يتم إدارة الصراع عندنا ومعالجة النواقص وتحت أي شعار ؟
- هل أن صحافتنا تعيش من إشتراكات قرائها حقاً ؟
- ما هي الخطة الوطنية للإعلام ؟
- أين ملامح التحديث والتطوير في ملاكات الإعلاميين ؟

والآن ، ماذا على الصحافة العراقية الديموقراطية من واجبات للقيام بها ، ونحن نمر بمنعطف خطير وحساس وقد لا يتاح لنا مثله في القادم من الأيام ؟
علينا الإعتراف أولاً ، بضعفنا البنيوي ، وحجم القوى الرجعية التي نواجهها حالياً ، والتي تختفي تحت لافتات عديدة ، منها مخفية ومنها ظاهرة للعيان .

لقد حطمت هذه القوى ثورة الرابع عشر من تموز بسهولة عجيبة ونحن نردد شعار :" حماية الجمهورية " ، وشلت القوى الديموقراطية بسهولة أعجب ،و قمعت القوى الثورية في مجتمعنا بعنف ووحشية ، إبتداءً من إنقلاب شباط الدموي عام 1963 ، لكننا بعد تحالفنا معها مجدداًعام 1973، أي بعد عشرة سنوات ، عدنا لنردد شعار الدفاع " عن الجبهة الوطنية والقومية التقدمية " ببلاهة لا نحسد عليها ، بينما تم تصفية خيرة المناضلين و جسد الحركة الثورية يتحطم امام عيون الجميع ، واليوم نحن نكرر نفس الأخطاء من خلال شعار : " دعم العملية السياسية " ، وبنفس التكرار الممل أياه ، دون الإستفادة من التجربة المّرة السابقة مع هذه القوى ، ولا النظر للتدهور، الذي سببته المحاصصة وتقسيم النفوذ والمصالح بين القوى المهيمنة على السلطة وزحف الفكر الظلامي المقيت .
لهذا لايمكن الإنتقال خطوة الى الأمام دون التخلي عن شعارات مستهلكة وغير نافعة ، كما لايجوز التراخي والتساهل في حقوق المواطنين وواجبات الدولة نحوها ، هذه المرة . وتحت أي عذر كان، إن كنا جادين في التغيير
أعتقد أن جبهة القوى الديموقراطية ، تحتاج الى جبهة إعلامية متراصة - دون تجاهل الإختلافات فيما بينها ، في هذه النقطة أو تلك - وأن تكثف الجهود لمواجهة قوى الظلام التي تحيط بالمشهد العراقي من أطرافه الأربعة .

مقترحات – أسئلة :
هل يمكن إنشاء مركز ديموقراطي للبحوث ، يناقش مجمل النقاط ، بدون خشية ولا تردد ؟
هل يمكن إنشاء قناة فضائية غير حزبية ، لبث الفكر الديموقراطي في المجتمع العراقي ؟
أين ذهب شعار: " فصل الدين عن الدولة : من أدبيات الصحافة الديموقراطية ؟
هل تستطيع قوى اليسار في العالم العربي ، القيام ببناء محطة فضائية للتقدم والسلام في هذه البلاد العريضة والغنية بكل ما هو ضروري ونافع لمثل هذه المهمة ؟
ان كسر إحتكار الصوت الواحد وفتح صفحات صحفنا للهواء الجديد ، مع عرض للأفكار المخالفة للخط الرسمي لتلك الصحف ، كي تثبت مصداقيتها - الغائبة - باحترام الرأي الآخر ، حتى هذه اللحظة ، قد يكون مبرر لمناقشة الآخر على نفس القاعدة .
أن الحديث يطول عن مآسينا ولا يمكن الإلمام بها في هذه العجالة ، ولكني أحاول أن أوصل ما أعتقده نافع ومفيد ، و " ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى " .


لندن في 21 /07 /2008


 

free web counter