| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

فيصل لعيبي

 

 

 

الأربعاء 13/8/ 2008



عندما تتحرر الثقافة من المحرمات
مهرجان برلين نموذجاً

فيصل لعيبي صاحي

جاءتني دعوة كريمة من نادي الرافدين الثقافي ، فيها من الود والإصرار على الحضور ما يخجل أكثر الناس تصلباً، وعدت العزيز ناصر بالحضور ، لكني تأخرت عن موعد الطائرة فطارت بدوني ، هل أعود الى البيت ؟
تمثل أمام ناظري وجه الصديق والفنان ناصر خزعل يقول لي بغضب : هاي وينك رب الق.... أمتثلت له فقطعت تذكرة ثانية ، لأن الأولى محددة ولا يمكن تمديدها أو تغيير وقت الرحلة .
دخلت الطائرة ووضعت رأسي على المسند ورحت في نومة لم أستيقظ منها إلا على صوت المضيفة الرقيق معلناً الهبوط على مطار تيكل البرليني .

من يا ترى سيكون بانتظاري ؟
كانت المفاجأة هي وقوف العزيز الفنان حسين الموسوي الذي بدا لي وهو " يروط من النشوة " أكثر أناقة مما عهدته ، كان في معيته – حلوة هاي معيته – شاب أسمر ودود وموسوي أيضاً ، فعلقت ملاطفاً الهاشميين : شنهي عمي وين ما نروح نلقى السادة أمامنا , كل هذا القتل وانتم بقدر نفوس الصين ، علق الهاشمي رحمان قائلا : سادة بس خارجين عن السرب.
سلمت أمري بيد العزيز حسين فلم نصل الى النادي إلا بعد ساعة دار فينا الباص دورة كاملة في برلين وحسين يطمنني بقرب الوصول ، بعدها هبطنا الباص مضطرين بسبب وصوله نهاية الخط ولكن ليس نهاية الرحلة ، أقترحت على أبي علي تأجير تاكسي والدفع علي ، أعجبته الفكرة ، فانطلقنا فرحين .
وصلنا النادي وكانت الشمس قد مالت الى المغيب ، نظرت الى حسين معاتباً بود فمال رأسه نحو الجهة الثانية وكأنه يقول : أي شسوي ؟ سائق الباص جديد متعين وما يعرف برلين زين ؟
كان الفرح لا يوصف ، أصدقاء لم ترهم منذ عقود وجوه جميلة أتعبها الترحال، تبدلت المعالم والهيئات ، وتغير الشكل والمظهر ، لكن المضمون بقي كما كان : حب للعراق ليس له حد ولا نهاية ومودة لايمكن قياسها ، حتى بموسوعة غينيس . دموع وضحكات على طول المدى ، ذكريات وحكايات لا تمحى ، أحقاً أنا بين هؤلاء الأحبة ؟

بعد ضرب المقسوم توجهنا الى مقر الإقامة ، مجمع فسيح بين الخمائل والأشجار ، أصوات الطبيعة والمضيفين ترافقك أينما حللت ، استقبلنا صاحب الضحكة الهاديء العزيز لطيف الحبيب ، كل شيء معد سلفاً ، وقع سهمي مع الشاعر الصديق فاضل السلطاني ، فقلت : هاي هيه راح أسلق إمامه بالشخير ، لكنه كان أمهر مني فيه والشهادة لله ، فجعلني أتفرقع بالطاوة على مضض ، فمن منا يجرؤ على إيقاظ شاعر يشخر وهو محاط بملائكة الشعر ؟ تمتمت مع نفسي : الله يرضى عليك يالطيف بجاه أبوك الحبيب .
لحد هذه الساعة لم يظهر آمر موقع المهرجان ، العزيز و ناصر خزعل ، لكننا كنا نسمع صوته بين الفينة والفينة .

كان الجمع الرائع من المبدعين حصيلة جهود لا يمكن تقديرها ، فهي أكبر من جهود وزارة ، باشخاص لا يتعدون العشرة ، هذا ما أسميه دائماً بالمعجزة العراقية ، ليس تعصباً للعراقيين ، فهم أكثر خلق الله نقداً لأنفسهم ، لكن العراقي يمتلك روحاً بناءة نادرة . دعهم بضع سنين يعملون بهدوء ، وعد لهم وسترى ما هي المعجزة العراقية بأم عينيك التي سيأكلها الدود بجاه الحبيب محمد ، إذا ما وافقتني .

كان المهرجان مشحون بالمواد ومليء بالمساهمين ، فلم نتمكن من التمتع بالشعر كما ينبغي بسبب ضيق الوقت ، مع أن الشعراء الذين حضروا ، يحمل كل واحد منهم تجرية غنية وفرادة لا تخفى على المتتبعين ، الشاعر عبد الكريم قاصد وقصيدته المجلجلة الضاحكة ، فاضل السلطاني وكلماته المصرة على البقاء كما كان ، هاتف الجنابي وشعره الحكيم وعدنان الصائغ وربه الأ وحد ، ، كنت أتمنى أن تطول الأمسية أو لأقل بصراحة كان المفروض أن يفسح المجال للشعرأكثر مما أتيح له من وقت ، والملاحظة ذكرت من أكثر المدعوين بضرورة الإهتمام بالمادة الثقافية بدل المواد السياسية التي أخذت وقتاً أطول ، فالمواد السياسية يمكن أن تكون من حصة الجمعيات السياسة التي لها منظمات قادرة على تناول مثل هذه المواضيع وتملك كفاءات مرموقة، كي يفسح المجال للثقافة المهمشة من الجميع مادام النشاط خاص بالثقافة بشكل محدد .

لقد أصاب ندوة المسرح العراقي ما أصاب الشعر وندوة المثقف والطائفية ، حيث الوقت الضيق وعدد المساهمين ، ، إذ لم يستطع المبدع أديب القيلجي ، من إكمال مادته عن مسرح الموصل الذي أعتبره أبو المسرح العراقي ، كما كانت مداخلات المبدعين : د . نور الدين فارس ،علي فوزي وعلي رفيق ، مضغوطة جداً .
وهو ما جرى لمادة المثقف العراقي والطائفية من قلة وقت وتركيز افقدنا الإستمتاع بالأفكار التي يحملها المبدعون : عفيفة لغيبي التي طرحت فكرة ضرورة إنشاء تجمع للمثقفين العراقيين يعبر عنهم بعيداً عن الوصايات وأبوية السياسيين و د . زهدي الداوودي ، لخص المهمة بكلمات بسيطة ودقيقة هي : ان لا نهرب من الوحش المفترس بسبب من رائحته الكريهة وعلينا مواجهته دون تردد د . صادق إطيمش الذي تناول صعود الطائفية وإجتياحها لمناهج التربية والتعليم حالياً ، محذراً من تجاهل القوى الديموقراطية لهذا الوباء الفّتاك ، وكانت مداخلة د.قاسم العكايشي، أسئلة ذات دلالات ، تحمل أجوبتها معها ، رابطاً بينها وبين مهام المثقف في عصر تسلط القوى الظلامية على مقاليد الأمور في عراقنا الجريح ، طارحاً سؤالاً بعمق المأساة بقوله : أين الخلل ؟، بينما تناول الناقد المعروف ياسين النصيّر ، مسألة هيمنة المتخلف على الحديث ، حيث ركز على دور المجتمع الريفي الزراعي المؤخر للمجتمع المديني ، وهيمنة تقاليد وعادات القرية على المدينة التي لم تستطع مواجهتها ، فأعطى نماذجاً من ذلك الخراب الذي مارسته على العمارة ، كشكل من أشكال التراجع .

أما المسرح وما أدراك ما المسرح وبحضور ملوك الخشبة المبدعون : نور الدين فارس ، وداد سالم ، أديب القيلجي ، منذر حلمي ، علي فوزي وعلي رفيق الذين لا يزالون يواصلون بريق تلك الأيام المجيدة ، للمسرح العراقي الغائر في تربة الرافدين ، من أيام بابل العجائب .

كانت العروض تليق بما نعرف من جدية ومهنية عالية وإلتزام صار قاعدةً للمسرحيين العراقيين .
أطفال الحرب : نص مشحون بالعواطف والفعل الدرامي والتوتر الذي لم يفارق المبدع علي ريسان ، الذي كتب النص وأخرجه ومثله معاً، أي مأساة عاشها شعبنا بين جنون الطاغية واطماع الجيران وطموح العراقي بحياة تليق بالإنسان ؟

عاشق الظلام : من تأليف المبدع ماجد الخطيب ،وتمثيل الفنان حسن الدبو والفنان سامر صادق ،عالج هذه النص مشكلة المبدع الذي يبتعد عن ماضيه الى حاضر بائس ، وتتصارع داخله الشخصيتان ، المناضل السابق والإنتهازي الحالي ، لقد أجاد المبدعان العزيزان حسن وسامر في تصوير هذه اللحظات المؤلمة والجديرة بالتأمل .

كان العمل الثالث ، من إخراج حميد الجمالي ، الذي لم أره منذ أكثر من خمسة و ثلاثين عاما ، والمسرحية مأخوذة من نص مجري ، يحكي فيه حكاية الإغتراب ومشاكل المنفيين السياسيين واوهامهما أيضاً . كان الفنان أسعد عيدان ، الضاحك دائماً ، أكثر تالقاً في المسرح ، فقرب لنا تلك الشخصية العراقية التي تبالغ في سرد حكاياتها الحقيقية والكاذبة ، أما الفنان حيدر أبو حيدر، فقد عكس شخصية المثقف المتحذلق الراكض وراء أوهام إنتصار لم يتحقق على أرض الواقع ، كلاهما يحلم بعالم نظيف ، يتمنى الواحد منا أن يجد مكانه الطبيعي فيه .

السينما العراقية على قلة الإنتاج وصعوبة التكاليف ، من الفنون الجادة قياساً للسينما العربية ، فكان محمد توفيق وفاروق داوود وليث الحمداني وسلام طه زهور المهرجان المتفتحة على جمال المشهد العراقي والهم الإنساني النبيل . كان زاد المخرج الرقيق محمد توفيق : غنائية الضوء الصوفي ذات التشكيل التجريدي والجمالي التي كتبها ،إضافة لحكاية "مارية " المأخوذة من مسرح ( داريو فو) الإيطالي الفذ، التي تحكي قصة المرأة في عالمنا الذكوري بامتياز، فسجل لنا صرخته التي بقت تتردد في داخلنا كتحذير عميق الدلالة على قسوتنا وفضاضة سلوكنا العام .
، وقدم فاروق لنا الحاضر الغائب غائب طعمة فرمان كمنفي لاتفارقه لحظة واحدة صورة العراق ، مع مشاهد عن بغداد الخمسينات ، أحسن في جذب إنتباهنا لها ، لكني مع الأسف لم أستطع متابعة بقية الأفلام ، بسبب إنشغالات جانبية – وكاحات - فوتت الفرصة علي .

في محاضرته عن الديموقراطية والديمقراطيين ، حاول الباحث والإقتصادي المعروف د. كاظم حبيب أن يفكك الخطاب الديموقراطي العراقي ، وقواه الفاعلة ، مشيراً الى نقاط ضعفه ومكامن القوة فيه ، مبدياً بعض المقترحات ومشيراً الى العقبات أيضاً .
في المهرجان حضر الدستور معنا أيضاً ، قدمه لنا القاضي الفكه زهير كاظم عبود مملحاً محاظرته ببعض الطرف التي واجهته في عمله كقاضي ، ضافياً جواً من اللطافة والجذل على المادة الأكاديمية والقانونية الجادة .

كان المعرض التشكيلي الذي أقامه الفنانون العراقيون في ألمانيا ، فرصة للعديد منا لمشاهدة نتاجات المبدعين العراقيين في المنفى : داود سلمان عناد ، حسام البصّام ، منصور البكري ، عدنان شينو ، أحمد الشرع ، رياض البّزاز ، خومار ، الفنانة الكردية الوحيدة في هذا المعرض ، أبو أنكيدو الخزّاف المبدع ، سامان والشذر وغيرهم وقد كنت أمني النفس برؤية أعمال الفنانين : منير العبيدي ، رحمان الجابري ويونس العزاوي وغيرهم ، من ضمن أعمال المعرض ، لكنهم لم يشتركوا مع الأسف .
إن هذه التجارب والمحاولات الهامة ، هي إمتداد لتلك التقاليد الراسخة في حركة الرسم العراقي المعاصر .

كان يوم تكريم المبدع العزيز سامي كمال ، مسك ختام المهرجان الذي صاحبته موسيقى المبدع طه حسين رهك وفرقته الجميلة ( ترانيم ) التي تتكون من عراقيين وعرب وألمان ، متعت الحاظرين بأجمل الأغاني والقطع الموسيقية :
يبا يابه شلون عيون عندك يابه
موشحات مع مقام حجاز كار كرد الرائع ، كنت أتمنى أن ينطلق طه ب
: ياحمام الدوح غرد طربا وأشدوا ما شئت حجازاً وصبا ،
لكني كعادة المفلسين ، لا أحظي بالزينات .

ماذا بعد ؟
هاهو سامي رغم وجعه يقف بيننا بحضوره الأليف المتواضع والمعبر ، ليطلق لحنجرته العنان ويغني بكل الأعصاب التي يملكها والأوتار التي بقيت مخزونة في داخله أغنيته الشجية :
مو حزن لكن حزين
للشاعرالكبير المبدع مظفر النواب , كانت أنظار الناس تتجه الى أبي فريد خوفاً عليه ، لكنه أكمل الوصلة منهياً الحفل البهيج بمهابة مبدع يستحقه العراق ويليق بالعراق.

لكن هل انتهى كل شيء ؟
ماذا عن هذا الجمع الخّير الذي نزل برلين ، كطيور مهاجرة ألقت رحلها في العاصمة التي لاقى مثقفيها على يد النازية ما لا يوصف ؟

عندما أغراني العزيز ناصر خزعل بالمجيء الى برلين ، لوّح لي بليالي ما بعد المهرجان الرسمي ، مما جعلني أعد له ألف حساب ، لأنه يكشف ما تحت الحجاب ويتحول الجميع الى كاشفي غطاء ، لكن من نوع آخر .

كانت محاضرة المبدع غازي يوسف عن الموسيقى العربية والشرقية ، وجهوده في تطوير آلة الفلوت الشرقية ، ثم الأمثلة التي قدمها ، مناسبة لتشجيع الخارجين عن القانون ، ليعطوا تلك السهرات عطرها الخاص :
أهل الهوى ياليل فاتوا مضاجعهم
واتجمعوا ياليل صحبة وأنا معهم
ويطولوك ياليل ويقصروك ياليل
وانت ياليل بس اللي عارف بيهم
كانت المواهب مدفونة تحت الركام الهائل من الإقصاء والتعتيم وغمط الحقوق لكنها انفجرت هناك تحت سماء غريبة ومحيط فيه الكثير مما لا يتماشى مع :
ياحية ياام راسين حطي بجدرهم
سميلي أهل البيت وخلّيلي ابنهم
أبو كاظم : داخل حسن ملك الأبوذيات و البستات والأغاني الجنوبية الأصيلة حاضراً معنا ، بزبونه الأبيض وسبحته التي لاتستقر بين كفيه بشخص العزيز طارق حربي:
بويه سعد يابويه
قبل المنيه بيوم تحظرني ياهواي ياسعد يابويه
بيدك تغمض العين وتنقط الماي ياسعد يابويه ،
زهور حسين :
جيت لأهل الهوى أشتكي من الهوى
آنه عدكم دخيل من عذاب الخليل
رضا علي :
سمرة ووسيعة عين عيني سمر عيني سمر
حلوة وجمالج زين عيني سمر عيني سمر
عباس جميل :
كولوله لبو العيون الوسيعة
لديار الغرب لو راح أطيعة
مالي صحت يمه أحوه جا وين أهلنه
جا وين جا وين أهلنه ؟
وحيدة خليل:
أنه وخلّي تسامرنه وحجينه
نزهه والكمر شاهد علينه
يوسف عمر :
يالماخذ الروح خذهه بلا ذنب حالي
بس لا تمرد الكلب جيف أنته بي حالي

في لحظة إستذكار للذين رحلوا وقف الشاعر المبدع سامي عبد المنعم ليعيد علينا ما كتبه عن فقيدنا الراحل الشاعر المتمرد عزيز السماوي ، وكأنه يشير بها الى كل الذن غابوا عنا وكنا بحاجة لحضورهم معنا في تلك الليلة .
زهيريات من جميع مناطق عراقنا الحبيب ، سويحلي ، ونايل كتلني ونايل بهذل أحوالي ، مع ربيع فريد الأطرش وحلم أم كلثوم وليلنا خمر وأشواق تغني حولنا في كيلوبترا عبد الوهاب ، وديع الصافي :
وعلى الله تعود على الله ،
فيروز وغناؤها العذب ،
وقف يا أسمر في ألك عندي كلام
قصة عتاب وحب وحكاية غرام
هالبنت يللي بيتها فوق الطريق
حملتني اليوم لعيونك سلام
يامسهرني ،
سيرة الحب ،
أحبابنا ياعين ما هم معانا ،
حيرت قلبي معاك ،
الأطلال ،
حنة حنة بيدها ،
جاني الحلو لابس حلو بليلة العيد ،
يابو المشحوف تانينا
،سلم سلم بعيونك الحلوه
وغيرها من امهات الأغاني العراقية والعربية الأصيلة

أما النكات ، فحدث ولا حرج ، حتى استسلمت له أعتى قوانين الرقابة ، بعد أن غرقت بالضحك و ... وزّانها وضاع الحساب ، كان نور – المبدع نور الدين فارس – قد أفتى بجواز النكتة الخليعة ، لأنه من توابل الضحك العراقي الأصيل ، معترضاً على إعتراضات المحتجين ، فمشت في غيها نكات العراقيين التي ليس لها مثيل .

حلّقت طيورنا في سماء المحبة والصداقات البريئة وغابت الفوارق والأثينيات ، المدهش في الأمر ، هو أننا لم نسمع راوي نكته يقول : فد واحد كردي ، أو فد واحد عربي ، ليكمل النكته ،.
كان الجمع عراقي بامتياز يجمعهم الزحلاوي والمستكي والمسيح عن بعد – على الريحة - مع عدم حضوره المادي ، إذ أستبدل بالأوزو والآراكي وغيرها من أسلحة الدمار الشامل المعروفة لدى العراقيين . لكن " الخل الطازج " حسب (ميتافور) رجال الدين العرقجية المضبوطين – الشراب الفرنسي – كان حاضراً وله هيبة واحترام ، كما دخلت البيرة كأنيس لأصحاب القلوب الرهيفة .
كم كان موجعا ً الشعور باقتراب ساعة الفراق ؟
من سينسى أبوذيات الرائع لطيف الدبو وعزف الناي الشجي للعزيز غازي يوسف ، وميلان جذع طارق حربي وبستاته الأخاذة ، ؟
هل يمكن نسيان آشتي وهو يصدح بما جادت به قريحته الثرية ؟
من ينسى الملكة وداد سالم ، وهي تضفي على المكان عطر الحياة والمحبة وقوة الإرادة ؟
أديب القيلجي وقفشاته المصلاوية المنعشة للقلب ؟
منذر حلمي ، كولومبو المهرجان وفتاه الأول ، ألف شمعة لك يامنذر .
علي فوزي الذي لاتعرف متى يضحك ومتى يعبس ، خبرة تمتد الى قرن من العمل الفني بصمت وإيثار ، لقضية شعبه ، علي رفيق الرقيق والصامت والمبهور دائماً .

والآن ماذا عن الجنود الذين أعطوا لذلك المهرجان هذا الألق ؟ السيدة ماجدة لطفي الرقيقة والمحتشمة التي وضعت كل امكانياتها من اجل أن ينجح المهرجان ، فكانت تصغي لكل رأي وتجيب بروح رياضية على بعض الملاحظات العابرة ، شاكرسلمان الذي أضاع خرجية النادي وأجلسه على الرنكات ، لطيف الحبيب الذي وعدني بغرفة تنقذني من شخير فاضل ، ولم يوفي بالوعد ، مع اني دمرت فاضل بشخيري الذي وصل الى سابع جار ، السيد المهاب عامر الشيخلي المقامجي الصامت والمصحح لميانات المغنين وبستاتهم ، دون أن يتدخل في شؤونهم ، ستبقى تلك السلطة التي قدمتها لي ألذ السلاطات في حياتي أيها البغدادي الأصيل ، العزيز علي ولي الناعس الجذلان بدون خمر ولا هم يحزنون ، مصطفى القرداغي ، أحمد الحكيم – سيد أبن رسول آخر يطل علينا - بدماثة خلقه التي لا تشبه أخلاق سادة اليوم المتجهمين . مجيد مسلم الجاد جداً جداً، المضبوط في تنفيذ المهمات ، الصعبة منها والسهلة ، بدون تبرم أو إمتعاض ، من بقي من الشلة ؟
ياألهي ... من ينسى ناصر خزعل آمر موقع المهرجان وقائد رباياه المتعددة ، الذي بيّسنا به بعد إنتهاء الأيام الرسمية ولم يتخلص منا إلا بالشافعات ، كان صوته يسمع أبعد من شخيري وشخير جميع الضيوف الكرام ، وكلمته متنزلش الأرض أبداً ولو نزلت أحياناً ، بسبب رقة قلبه وقلة خبرة الضيوف بال ( سستم ) الألماني ، كان يقودنا مثل ال .... الى مكان المهرجان والذي يخرج عن الخط ما يلوم إلا نفسه ، قطع راتب وتهديد بعدم دعوته في القادم من المهرجانات ، وبما أن الجميع حريص على حضورمثل هذه المهرجانات ، فقد سارت الأمور مثل سير الساعة ، لكن – آخ من لكن - أين سمير خلف ؟ هذا الذي تراه ولاتراه فهو في كل مكان ولا يسعه حيز أو يمنعه جدار، مثل شامي كابور ، لاتعرف من أين ينبص ليواجهك بابتسامة حلوة تتضعضع أمامها ، فتعانقه وكأنك قد ألتقيته تواً .
آخر اللحظات ، كانت عند مرقد العزيز عوني كرومي المبدع الذي غادرنا مبكراً ، فهو يرقد قرب مثاله الأكبر بريتولد بريشت ، لاتفصله عنه سوى أقدام ، أي مصادفة هذه وأي مشاعر تنتابني الآن ؟
كانت أيام لا تنسى يا أعز الأصدقاء ، لقد عدت معكم الى أم العراق : بغداد الحبيبة سرة الدنيا وطلسم الخلق وسورة الخصب والعطاء ، ما هو شكل الإمتنان الذي يجب تقديمه لكم ؟
مفعم أنا بتلك المشاعر التي أغرقتني ، وقد لا أجد وسيلة للتعبير عنها ، لكني معكم أستعدت عافيتي ، وعادت عافية العراق بكم
فالف الف شكر والف الف تحية .

 

10 آب 2008



 


 

free web counter