| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

فيصل لعيبي

 

 

 

الأحد 12/4/ 2009

 

أسم الحزب

فيصل لعيبي صاحي

"
الناس شركاء في ثلاث الماء والنار والكلأ"
                                         حديث منسوب للنبي محمد


الرفيق فهد يهيئ مداخلته في المؤتمر الوطني الأول

يتردد بين فترة واخرى ، في صفوف العديد من أعضاء حزبنا ورفاق سابقين وجمهرة واسعة من محبيه ومناصريه ، موضوعة أسم الحزب وضرورة تغييره الى أسم يناسب المرحلة وغيرها من المبررات، يقيناً ان معظم هذه الأصوات تنطلق من حرص شديد على مستقبل الحزب، لكنها تعتقد أن أسباب ما يتعرض له الحزب من ضغوطات وتراجع وإنحسار في النفوذ، كونه لا يزال متمسكاً ب: "الأسم القديم مع أن التجربة أثبتت عدم صلاحية هذا الأسم "، ولا أدري لماذا يكون تغيير أسم الحزب مفتاحا للإنتصارات القادمة وتخفيفاً للضغط الموجه له !.

لقد كانت هناك محاولات من هذا النوع ، حتى في زمن الرفيق فهد، لكنها لم تثمر شيئاً بسبب معرفة القوى الحاكمة بطبيعة مثل هذه الأحزاب، حيث تم تشكيل هيئة تحضيرية لحزب التحرر الوطني من العديد من كوادر الحزب للدخول في إنتخابات العقد الأخير من النصف الأول من القرن العشرين، لكن النتيجة بقت كما هي، كون ان النظام الحاكم يدرك أن جماعة التحرر هم شيوعيون وهم جزء لا يتجزأ من الحزب ولا يمكن أن تنطلي عليه مثل هذه التكتيكات.

أن معظم الذين يدعون لتغيير أسم الحزب ، يعرفون جيداً ان هذا غير مجدي لأن هذا يتطلب تغيير فكره وسياسته بالذات ، أي تغيير نظرته الى الكون والطبيعة والمجتمع بشكل كامل، فتغيير الأسم مع بقاء السياسة على حالها سوف لن يعطي نتائج مرضية بالنسبة لهم، أن حجة هؤلاء الرفاق والأصدقاء بضرورة تغيير الأسم هي لغرض لم شمل قطّاع واسع من الديموقراطيين والمتنورين الآخرين والذين يعتقدون بعدم حاجة العراق وربما حتى المنطقة الى حزب شيوعي، إنما الى حزب ديموقراطي يدعو في برنامجه الى القيم الديموقراطية ذات الأفق الأوسع من أفق الحزب الذي ينحصر على مصالح فئات معينة من الشعب.

لكن السؤال هو لماذا لم يتشكل مثل هذا الحزب من خلال العملية السياسية الدائرة اليوم في العراق، وهذا لا يحتاج من الحزب الشيوعي أن يغيّر أسمه حتى تلتف حوله هذه القوى. والتجرية القريبة تعطينا أكثر من دليل على عدم جدوى تغيير أسم الحزب من أجل هذا الهدف، فقد تشكلت أكثر من حركة وتنظيم يدعو مؤسسوها الى قيام حركة سياسية في إطار تنظيمي واسع، لكن هذه القوى لم تجمع أكثر من الأعضاء الأساسيين الذين ساهموا في مؤتمراتها الأولى ، وبعد ذلك أضمحلّت من تلقاء نفسها، مع أن العراق شهد في الفترة الأخيرة ظهور عدد من الأحزاب الجديدة. ويملك فرصاً واسعة لمثل هذا التشكيل، فما هو سبب تلكؤ تلك القوى ؟
أضف الى أن الحزب الوطني الديموقراطي وبتاريخه النضالي الطويل لا يزال يعمل ويتحرك داخل الفضاء السياسي الحالي، فلماذا لا يستطيع هذا الحزب لم هذه الجمهرة ولماذا على الحزب أن يغيّر أسمه حتى يلتحق به هؤلاء ؟ ولماذا يريدون من الحزب تغيير أسمه في الوقت الذي يمكنهم تشكيل حزبهم الذي يرغبون فيه بكل سهولة أن كانوا يعنون ما يقولون؟

أن الشيوعية باختصار شديد وكما عرّفها فلادمير لينين، هي :" الكهرباء والمجالس الشعبية"، أي العلم والديموقراطية ، وهذا ما كان يجب على قادة الأحزاب الشيوعية الحاكمة أن تفعله خلال فترة تسلطها على رقاب الناس، والشيوعية ليست كفر وإلحاد كما يردد أئمة الكراهية والحقد وإضرام النار داخل المجتمعات البشرية وتابعيهم في زرع البغضاء اليوم إذ يعيدون تلك الإسطوانة المشروخة على بسطاء الناس وبإسلوب رخيص لا يليق إلا بالجهلة والرعاع، ومن ثم ضرورة محاكمتهم على هذه الدعوات التي تثير الإقتتال بين الناس على أساس متخلف، لأن من يثير مثل هذه الأمور، مهما كانت منزلته ،فهو يعرض السلم المدني لخطر الحرب الأهلية ،ويجب إعتباره مواطناً كسائر الناس ويسري عليه ما يسري على الناس جميعاً، وانا من دعاة محاكمة كل من يفتي بفتاوى تصب نار الكراهية وتقسيم الناس الى درجات متفاوته وتشعل الحروب وتخلق العداوات بين المواطنين، مهما كانت منزلة صاحب الفتوى أو التصريح الداعي الى التفرقة والتمييز. وعلى المجلس الدستوري الأعلى أن يأخذ دوره كاملا في هذا الشأن، وتقديم دعاة الكراهية بين الناس الى المحاكم ليأخذوا جزائهم العادل ولقطع الطريق على كل افاق ومشعوذ يريد أن يركب الدين ويوجهه حسب مصالحه الخاصة والضيقة.

لأن الإلحاد هو في النهاية إجتهاد فكري وموقف فلسفي، لا يختلف عن الإيمان الحقيقي وليس الكاذب ، فكلا الموقفين يبحثان عن الحقيقة ويعملان بجد للوصول الى ما يشفي الغليل، فالمؤمن لا يستطيع إثبات الحقائق الجديدة للكون بما لديه من كتب سماوية أو غير سماوية وكذا الملحد، فهو غير قادر على نفي الخالق مع كل هذا التقدم في العلم والمعرفة، لكن المهم في الأمر هو أن الموقفين ينبعان من جدية وعمق في طلب العلم والبحث عن الحقيقة وهما وجهان لعملة واحدة وكلاهما له أجر البحث والمشقة، اما النتائج فلنتركها للمستقبل فيما يتعلق بمعنى الكون وأسباب نشوئه ولماذا نحن هنا ؟ ،فهناك من لا تقنعه الكتب السماوية العديدة ، فيما تعطيه من شروحات لمثل هذه المسائل المعقدة، فالملحد هو مشروع مؤمن حقيقي وليس مؤمن مزيف يأخذ تعاليمه مثل الببغاء دون تمحيص ولا نقاش،أو مؤمن بالوراثة، وبالتالي فهو أكثر جدية من غيره في طلب المعرفة واليقين وعلى المؤمنين الحقيقيين أن يقدروا ذلك حق قدره، وقد رد القرآن على مدعي الإيمان أيام نفسه من امثال هؤلاء، عندما أجاب الأعراب حول إيمانهم ، بالقول : " قالت الأعراب آمنا, قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا، ولما يدخل الإيمان في قلوبكم" ولهذا على علماء الدين وفقهاء الشريعة الحقيقيين أن يرتفعوا لمستوى المهام الحديثة التي تواجه البشرية ، أو يقدموا لها الدليل الذي يتناسب مع معطيات العلم في أيامنا هذه حول ربهم الذين يعبدونه ، وإلا أصبحوا مثل الأعراب الذين وصفهم القرآن، لأن أبسط طالب جامعي اليوم، يعرف من أسرار الكون أفضل من الكثير من أنبياء الله الصالحين ويستطيع قياس المسافة بين الكواكب بالمليم، كما يستطيع أن يشرح لك تفاصيل الكثير من الأمور التي لم تخطر على بال أي مرسل ونبي وغير موجودة في الكتابات السماوية.

يتحجج أيضاً دعاة تغيير الإسم بالموجة الدينية الكاسحة والتي تجتاح مجتمعاتنا العربية والإسلامية، وكأن العالم قد اقترب من يوم القيامة وما علينا الى تبديل اليافطة حتى ننجو من تهمة المروق والزندقة والكفر وغيرها من النعوت الجاهزة لرمي دعاة الإصلاح على مر العصور. ولكن ألم يتهم الأنبياء بالخروج على دين شعوبهم ؟
ألم يتهموا بحيازتهم للأفكار المستوردة ؟
ألم يتهموا بسب آلهتهم القديمة ؟
ألم يكونوا دعاة للتجديد وتغيير الواقع الذي يعيشون فيه ؟
هناك الكثير من التهم التي يمكن أن تلصق بأي نبي مرسل من ربه لتغيير واقع الناس، من قبل المحافظين والقوى القديمة في المجتمع، ويمكن رميه بالزندقة والكفر والإلحاد بكل بساطة، وأمامنا القرآن الذي يذكر العديد من هذه التهم التي و’جِهَتْ الى النبي محمد نفسه.

لقد كانت شعبية الحزب والتفاف الناس حوله مع قلة عدد الأعضاء، ملفتة للنظر في السابق وذلك بسبب صحة خطه السياسي العام وتكتيكاته الناجحة والمنسجمة مع تطلعات الناس ، ولم يطرح احد آنذاك موضوعة تغيير أسم الحزب، وقاد نضالات صعبة ودموية مع مختلف الأنظمة المتعاقية على الحكم في العراق ، فاكتسب هذا الإسم نوعاً من التقدير والإحترام حتى من العديد من أعدائه الجذريين. بينما يأتينا دعاة تغيير أسم الحزب في الفترة التي يعمل بها الحزب بشكل علني وله صحافة وإذاعة وغيرها من وسائل الإتصال وبموجب دستور يحمي ويدافع عن حرية الرأي والمعتقد وتكوين الأحزاب.

أن المشكلة ليست في الإسم كما يرى هؤلاء ، إنما في السياسة والبرنامج، في الخطط القصيرة والخطط الطويلة التي يتبناها الحزب، في قربه وبعده عن نبض الشارع العراقي، في سكوته أو فضحه لبارونات الخراب، في قوله الحقيقة للناس أو تكتمه على جرائم الأنظمة أو الأحزاب التي تهيمن على مقدرات الشعب والوطن وتعتبرها غنيمة وحق خاص بها، في توسيع الديموقراطية الداخلية وفسح المجال للرأي الآخر في الظهور على صفحات أدبياته المختلفة ، في صراحته وشجاعته في كشف أخطائه ، بدلاً من إدارة ظهره لها .
لقد غيرت أحزاب شيوعية كثيرة أسماءها فما هي نتائج ذلك التغيير على شعبيتها ؟
الجواب لا شيء .

وحتى لو افترضنا أن الحزب قرر تغيير أسمه، فسوف يضع منافسوه ومخالفوه وأعداؤه عبارة "الحزب الشيوعي سابقاً " الى جانب أسمه الجديد.
أن الشيوعية هي حلم كل البشر ولم تكن من بنات أفكار الماركسيين، فحتى الأديان تدعو لها وإلا ما معنى الجنّة التي يعيش فيها البشر برفاهية ونعيم ومساواة وإكتفاء كامل؟ وما معنى العصور الذهبية التي يحلم بها الإنسان منذ بداية الخلق ؟

لقد بدأت العديد من القوى السياسية تدرك قيمة الأفكار الإنسانية التي دعت لها الشيوعية ، بعد أن رأت ما فعلته الأفكار التي تفرق الناس الى أسود وابيض وأحمر وأصفر ومؤمن وملحد ومسيحي ومسلم ويهودي ومندائي وعربي وكردي وتركماني وآشوري وغيرهم وإلى شيعي وسني ، وغيرها من المسميات، كما بدأت حتى الأحزاب التي غيرت أسماءها الى النظر مجدداً الى مراجعة قراراتها تلك، واليوم نلاحظ – خاصة بعد انهيار سوق المال البنكي والعقاري في الغرب- كيف بدأت الصحف تكتب عن "عودة الشبح كارل ماركس" وكيف بدأوا يعيدون النظر في خططهم الإقتصادية التي أخذ العديد من إقتصادييهم يردد الكلام و الحديث عن رأسمالية الدولة ومركزة الإقتصاد ومراقبة حركة رأسالمال المالي .

أعتقد أن على دعاة تغيير أسم الحزب الإلتفاف حول الحزب وتقديم المقترحات التي تصب في تقويته ومده بالدم الجديد والأفكار الحديثة والجذرية، لا الى التطير من الأسم بسبب موجة عابرة سوف لن يكن حظها في تاريخ البشرية افضل من حظ موجة القرون الوسطى الدموية، التي أصبحت أثراً بعد عين .

 

لندن : 3\4\2009


 

free web counter