| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

فاطمة العراقية

 

 

 

 

الأربعاء 1/9/ 2010

     

للحـــزن وللمــوت عيـــون لا تحصــى

فاطمة العراقية

نهار ليس ككل النهارات .والجمعة كعادتها عند العراقيين تكون ثقيلة ما بعد الظهر .
إلا تلك الجمعة التي تأطرت بحضور كل الإخوة والأبناء والعائلة .
وهي تحتضن الوالدة المبجلة التي أعطت الزوج والولد البكر . في حرب غبية كحرب الثمانينات . وحمدت الله على حفظه لباقي أولادها ..
مبتهجة والأولاد وزوجاتهم يطوفون حول حدقاتها متمنين لها جمعة مباركة وهانئة ..كل هذا ورائحة الوجبة المعدة تعبق بأجواء البيت السعيد .
افترشوا الصالة الكبيرة حول المائدة التي تتوسطها (صينية الدولمة الشهية )
والكل يمزح وينتقد هنا . ويمتدح هناك لتلك الأنامل التي أعدت وساهمت بالإعداد لهذا (القدر الكبير).

انقضى النهار مستعجلا .ليسرع الابن الثالث لتسلسل الأبناء بالمغادرة ، الابن الذي يحمل علامة مميزة من الفطنة والذكاء ، وكأنه ابن السبعين في إعطاء المشورة لإخوته والحرص عليهم وحمل همومهم كلها وفض احتياجاتهم ، الابن الذي ذاع صيته بحب الناس وتقديم المعونة للصغير قبل الكبير... غادر المنزل مستعجلا من شمخ به إخوته وأمهم المكلومة. وهي تشكر ربها بكرة وأصيلا بأنها به نفضت عنها غبار ورماد سنينها المرة ..
لكن الجمعة التي اختلفت في مرورها السريع هذه المرة لن تكتمل بعد وتتم السعادة للجميع ( وان عين الكلادة ) خرج مسرعا لمشوار يقضيه في السوق القريب .
ولم يدر بخلده أن هناك من يتربص به وبمئات من الشباب أمثاله ، وهم بين مرح الفتوة التي تعبق برائحة القداح والشبوي ... وعبق السمك النهري الذي ينبعث من نهر الخالص ، وهو يسير بطيئا مهملا .

ضج المساء مدويا وارتفع فائرا بدم الأبرياء حاملا أشلاء متناثرة ترتفع الى عنان السماء ، مكلمة ربها بأي ذنب قتلت .. وبأي ذنب ذبح ذلك المساء وتسخم ، كمن تتقيئه مداخن المواقد .. تهاطلت الأشلاء وقطع الحديد المتطاير وهو يطيح برقاب . . وأضلع . وأيدي . وأرجل . ووو ( والله اكبر ) ويا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك ؟؟!!
من أرجعك أيتها النفس . ومن أباح لهذا السفاح أن يقطف تلك الأرواح الطاهرة والبريئة بعجالة البرق ..نعم قامت القيامة وفار الدم العراقي من جديد وتحطمت كل الآمال وارتعشت مرعوبة الأرض من قسوة أبناء البشر وضلالتهم المتوحشة ..
رن هاتفي معلنا أن لي بين أهل عراقي من يمت صلة لرحم أمي وأهل مدينة الأجداد ..
وان القريب المجتهد بينهم .. ومن القريبات اللائي ترملن . وهن في سن العشرين والثلاثين وبيوت فقدت الأربعة أشقاء والثلاثة .. ومن لم يعثر عليه حتى ولو يد أو رجل او حتى عظم .. فقط خاتم يحمله أخيه ... تصدقون ؟؟!! ... نعم وهو يذرف الدموع حرقة ولوعة وتساؤل ... ( هذا إلي بقى من أخي )

إذن انقضت الجمعة لم تكن خفيفة ومستعجلة وخمد هديل حمامها .. ونامت الأزقة والبساتين نائحة لأسراب الملائكة الغضة التي ارتفعت روحها إلى السماء .... ولازال الدم يراق .. ويأكل لحم العراق ..
وهناك البقية تغزل من لحمنا ودمنا أفراحا ومسرات ...




 


 

free web counter