| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

فالح الحمراني

 

 

 

الجمعة 2/7/ 2010

 

هل ستحيي بغداد ذكرى الراحل غائب طعمة فرمان؟

د. فالح الحمراني  * -  موسكو

ان اهتمام الامة وعناية الوطن بابناءه الذين قدموا الانجازات الفكرية والعلمية والثقافية والاجتماعية وغيرها من المجالات، دلالة على بلوغها سن النضج التاريخي، واعترافها بالتقارب الروحي والانساني بين ابناء الشعب الواحد.ان هذه النخبة هي ضمير الامة وارادتها التي تمهد الطريق للسير نحو مستقبل مشرق، وهم قوة التفاعل مع النسق الحضاري العالمي.

ان العراق في هذه الحالة ظاهرة فريدة من نوعها سجل سابقة باضطرار الكثير من ابناءه من ذوي الكفاءات والطاقات هجرة الوطن الام والتواجد في مواطن اللجوء بسبب السياسيات التعسفية والاضطها وقمع الحريات العامة ولاسيما حرية الكلمة والفكر والعقيدة التي مارسها النظام الديكتاتور المقبور والانظمة التي سبقته، وسحق كافة شكال المعارضة بصورة وحشية. لقد قدمت هذه الطاقات ابداعاتها في مختلف ميدان المعرفة وكان عنوانها عراقي محض، قدمته كانتماءات عراقية ، وجرى الافتخار بها كابداعات عراقية، ان هذا وحده يكفي لان تهتم المؤسسات المختصة والوزارات المعنية وفي مقدمتها وزارة الثقافة بذلك التراث الكبير الذي انتجه ابناء العراق في خارج الوطن، ان تستعيده وتؤرشفه وتضعه في المتناول وتعرف المواطن العراقي بمبدعيه. وان تعمل على ان لا ينسى الوطن ابنائه مثلما هم احتفظو به في صميم قلوبهم وكان دائما هما في نفوسهم وهاجسا فعليا لابداعاتهم ومصدر الالهام لها. فالعراقي لن يجسد ذاته ولا مشروعه الوجودي الا في اطار وطنه، ان الغربة حالة غير طبيعية على الفرد العراقي وغالبا ما جاء ليست بقرار منه وانما بفعل خارجي، فكانت منافي العراقيين اضطرارية ومؤقتة مهما طالت فترتها.

ان هناك الكثير من ادباء العراق رحلوا وهم يكابدون الغربة وعيونهم كانت تتطلع للوطن، كان احدهم الاديب الكبير غائب طعمة فرمان الذي يعد احد مؤسسي فن القصة العراقية المعاصرة، وكتب فرمان رواياته في سنوات اغترابه بموسكو عن العراق وعن الانسان العراقي. وبغداد كانت مسرح اعماله. كان يحمل العراق في جنباته. كان العراق الجديد والمزدهر والانساني مشروعه الحياتي.وفرمان قيمة ادبية عربية هامة. ان من المناسب ان تهتم وزارة الثقافة به مثل ما ان من واجبها الاهتمام بالمئات الاخرين، وان يكون مرور الذكرى العشرين على رحيله في موسكو بشهر آب المقبل مناسبة لاحياء بغداد ذكرى مواطنها الاصيل فرمان، والتخطيط لاصدار اعماله الكاملة والكتابة عنه ووضع تمثال او لوحة تذكارية له في احد شوارع العاصمة التي كان يعشقها.ان لفيف من المثقفين العراقيين المقيمين بموسكو يستعدون لاحياء الذكرى في العاصمة الروسية، ولكن سيكون لاحياء بغداد ذكراه صدى اكبر. وربما سيكون مثل هذا المحفل بادرة لاستعادة اسماء وحضور فعاليات كثيرة، من الحق ان يفتخر بها العراق، لانها بانجازاتها جزءا من المستقبل.

ان المساعي المبذولة من اجل بناء العراق الجديد وطنا مفتوحا لجميع ابناءه يستدعي حتما اعادة الاعتبار لاؤلئك الذين لفضتهم انظمة الظلم والطغيان.ومن الخطل التفكير، وكما يعتقد البعض، بان هؤلاء انفصلوا في غربتهم عن الوطن وحرقوا الجسور التي تربطهم بهم, والزعم ان حياة الاستقرار والامن التي يعيش غالبيتهم بكنفها في دول اللجوء اطفاءت مشاعر الحنين واخمدت روح الانتماء في كينونتهم ،وان الضمانات الاجتماعية التي وفرتها بعض الدول قد الغت مشروع اؤلئك العراقيين للعودة للوطن للمساهمة في بناء الوطن الجديد، وهناك حتى من يتحدث عن ان ليس ثمة مكان مكان في العراق الجديد لعراقي المهجر ، وان الداخل وحده تكبد اهوال وفضائع النظام البائد، ووحده يدرك المعاناة والقسوة التي سببها.

ان جذور الوطن اعمق ان تجتث من نفوس ابناءه، ان نيران الشرارة المحترقة قد تهدأ بعض الشئ ولكن رياح الانتماء للوطن تهب عليها كل مرة لاشعال لهيبها ،وتتجسد في عمل وفي فعل ما كل حسب قدراته.لقد رتبت الجاليات العراقية وضعها في الكثير من دول الهجرة وتحولت الى جسد حيوي وخلية نحل منتجة، وظهرت في دول المهجر مؤسسات عراقية متنوعة وفرق فنية ودور نشر ورأت النور اعمال فكرية وسينمائية ومسرحية وشهدت ساحات المهجر ولادة مواهب وبين جدران جامعات دولية نهض اساتذة عراقيون بكفاءة عالية بتدريس مواد عملية متنوعة وربما سيكون بوسعنا الحديث عن ادب غربة عراقي جدير بالدراسة. ان العراقي يواصل الحياة المبدعة ويحافظ على انتمائه الوطني من دون ينقطع عن موطنه. ان هذه الطاقات يمكن ان تكون سندا للبلد الذي تتوقع منه فتح ابوابه واحضانه لها والعمل على جمعها وترشيدها وشحنها بطاقة اضافية لشد ازرها وتطويرها لتمد انجازاتها للوطن العراقي.

بيد ان الطاقات العائدة للوطن والمفعمة برغبة الانخراط والمشاركة في البناء الجديد والمساهمة بدفع العملية السياسية لتحقيق اهدافها المنشودة وتوظيف خبراتها التي اكستبتها في بلدان المهجر، غالبا ما تصطدم عند محاولة العودة باسوار البيروقراطية، وعدم الكفاءة الادارية في مختلف المؤسسات التي تخلق امامها المصاعب وتطرح عليها جملة من المطالب والوثائق والمطبات التي تلوح في غالب الاحيان عبثية وتقليدا اداريا وآلية بيروقراطية هي من مخلفات الانظمة السابقة لا تتجاوب والطموحات الجديدة والتطلعات التي تبعث بها التطورات الهامة في تركيبة الدولة العراقية الجديدة القائمة على مؤسسات وقوانين ودستور.ان الدول الديمقراطية تخضع الدولة لخدمة المواطن، وليس العكس. وضمن هذه الاطر فقد حان الوقت لسن قوانين جديدة للتخلص من الاليات الادارية القديمة وبناء جهاز دولة مرن وشفاف يقوم على اسس عصرية في التعاطي مع المواطن، وينسجم مع طموحات بناء عراق ديمقراطي.

ان البلدان التي تدعو مواطنيها في دول المهجر للعودة وتوظيف طاقاتها في البناء الداخلي، عادة ما تمنح التسهيلات وتقدم ما يوصف بالاغراءات لهم، التي تاخذ ابعادا متعددة مثل منح السكن المجاني او الاجور العالية او احتساب التواجد في الخارج ضمن خدمة التقاعد وغيرها. ان هذه التوجه سيخلق حوافزا لدى المواطن لحسم قراره بالعودة لوطنه الام. كما ان هناك امكانيات اخرى للاستفادة من الطاقات العلمية والفكرية والمهنية في مختلف المجالات مثل انتدابها للعمل مؤقتا في تلك القطاعات الجديدة على العراق التي تستدعي وجود مؤهلات علمية مجربة فيها. ان المهندس والعالم العراقي في التكنولوجيات والاعلام والتدريس وغيرها مستعد لكي يتقاسم مع وطنه بما استطاع الحصول عليه في وطن الهجرة.



 

* اعلامي من العراق




 


 

free web counter