| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د.فلاح إسماعيل حاجم
www.alshami.ru 

 

 

 

                                                                                     الخميس 24/2/ 2011

 

في العراق .. الشعب يريد الغاء الدستور

د. فــلاح اسماعيــل حاجــم

لم يتبق على يوم الغضب العراقي في الخامس والعشرين من شباط الجاري سوى القليل من الوقت، حيث سيشكل ذلك اليوم المعهود حدثا مفصليا، ربما سيفوق جميع الاحداث العاصفة التي شهدها وطننا لحد الان، ذلك لان التظاهرات الاحتجاجية المرتقبة ستشمل العراق من اقصى شماله، حيث سجلت السليمانية سابقة جسورة ضد السلطات القائمة في الاقليم، والى جنوبه، حيث مدن الفرات الاوسط والجنوب ترسل يوميا رسائل فائقة البلاغة مكتوبة بجوع الناس وذلهم واحباطهم من نقص الخدمات والفساد الذي لا سابق له في تاريخ البلد وخذلان مجالسهم المنتخبة التي لم تف بابسط وعودها الانتخابية.

واذا كانت الشعارات المرفوعة والمقترحة تتمحور لحد الان حول القضايا المطلبية الراهنة، فانها ستتطور، دون شك، الى شعارات ومطاليب سياسية، ذلك ان تحقيق تلك الاهداف المطلبية لا يمكن ان يتم دون توفر الاليات السياسية القادرة على تحقيق ما يطرحه المحتجون. ذلك ان ما متوفر من آليات اليوم لا يتمتلك الاهلية، بحكم مستواه المتدني المعروف في ادارة الدولة والمجتمع.

ان تطور الشعارات المطلبية الى شعارات ومطاليب سياسية يكاد يكون ملازما لجميع الانتفاضات والثورات الاجتماعية على مر التأريخ. وربما شكلت التجارب الاخيرة في كل من تونس ومصر، وما يجري حاليا في ليبيا واليمن والبحرين مثالا ساطعا على ذلك.

ان واحدا من الشعارات المطلبية التي ستكون حاضرة في يوم الغضب العراقي هو شعار الغاء الدستور العراقي الساري منذ عام 2005، والذي اصبح الحاضنة القانونية لكل ما اصاب ويصيب الشعب العراقي من آلام ومصائب وهدر وسرقة للمال العام، وحتى للدماء التي اريقت، وما زالت تراق، على مذبح المصالح الفئوية والشخصية للقائمين على السلطة في العراق.

لقد ولد الدستور نتيجة مساومة غير شريفة بين الاحزاب الطائفية الساعية الى استلام السلطة، باي ثمن، وبين القوى القومية الكردية التي وجدت فرصتها في توسيع الرقعة الجغرافية لدويلتها المرتقبة، وهو الامر الذي يوضحه بجلاء تضمين المادة 140 من الدستور ورسم آليات (قانونية) لضم كركوك الى كردستان، بشتى السبل، بما في ذلك عن طريق السعي الحثيث للاسراع في تغيير واقعها الديموغرافي، تماما مثلما كان يفعل الدكتاتور المقبور صدام حسين، بالاضافة الى اختلاق وتاجيج موضوعة المناطق المتنازع عليها واثارتها بين الحين والاخر. وليس مصادفة ان يقوم الحزب الحاكم في اربيل على اجراء استفتاء حول انفصال الاقليم في يوم الاستفتاء على الدستور الاتحادي، وهو اليوم الذي كان فيه الشعب العراقي احوج ما يكون الى الوحدة الوطنية. ولا اعتقد بان هنالك ضرورة للتذكير بالتصريحات النارية التي كان يطلقها رئيس الاقليم حول اشعال الحرب في حال عدم (اعادة) كركوك الى الاقليم. وهنا تجدر الاشارة الى ان حق تقرير المصير لاي بلد لا يمكن ان يفعل في ظل الظروف الاستثنائية، مثل حالات الحرب والحرب الاهلية وغياب السلم الاجتماعي ....الخ باعتبار ان تلك الظروف يمكن ان تؤثر على ارادة المواطن وتتيح المجال لتعسف السلطات بمقدرات شعوبها.

لقد اوجد الدستور العراقي الساري شكلا غريبا للدولة، فلا هي كونفيدرالية واضحة يجمع اطرافها عقد دولي للوصول الى اهداف مشتركة، ولا هي دولة فيدرالية يتم فيها تقاسم السلطات بين المركز والاطراف بالشكل الذي يؤمن وحدة منظومة الدولة في المواضيع المفصلية (السيادية) مثل الجيش والاقتصاد والامن الخارجي ...وغيره الكثير مما هو متعارف عليه في البلدان الفيدرالية المعاصرة.

فاي فيدرالية هذه التي لا يتمكن فيها الجيش الاتحادي من الوصول الى حدود الدولة؟ واي فيدرالية يقوم فيها الطرف الفيدرالي بانشاء جيش، مستنكرا على الجيش الاتحادي عزمه على تسليح وحداته بالطائرات والدبابات ، تحت ذريعة مضحكة مفادها ان تلك الاسلحة ستستخدم ضد الاقليم؟ . وفي مجال الاقتصاد وثروات الدولة الطبيعية التي ينبغي ان تكون ملكا حصريا للدولة الفيدرالية، الم يضعنا هذا الدستور امام اشكالية تحديد الاطراف التي يحق لها التصرف بتلمك الثروة (المادة 112- أولا)، فاسحا المجال لاستقدام الشركات الاجنبية من قبل الاقليم وتوقيع عقود مشاركة، اثارت وما زالت تثير الكثير من الاسئلة حول مصير الثروة الوطنية؟... علما بان الامثلة الواردة هي غيض من فيض فيما يخص الشكل المشوه للفيدرالية العراقية.

وفي الجانب الاخر اتاحت تلك المساومة للاحزاب الطائفية الشيعية وضع المقدمات الاساسية اللازمة لبناء الدولة الدينية من خلال تثبيت المادة ( 2 ) التي تنص على:
:ـ الاسلام دين الدولة الرسمي، وهو مصدرٌ اساس للتشريع:اولا
أ ـ لا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع ثوابت احكام الاسلام.
ان الفقرات الاولى من هذه المادة تلغي، من حيث المبدأ، كافة الفقرات التي تليها، ليس فقط لوضعها في المقدمة من قبل المشرع، بل ولأن القواعد الدينية تمتلك قوة قانونية اكبر بالمقارنة مع قواعد الحق الوضعي، وهو الامر الذي يبدو واضحا الان في الهجوم على الحريات العامة، حيث تستخدم هذه الفقرات الدستورية ابشع استخدام، فيما تبدو تصريحات المسؤولين عن الدولة المدنية عديمة الروح والمعنى.

ان العودة الى الظروف التي تم في ظلها الاستفتاء على دستور البلاد الدائم ستذكرنا بالاستغلال المفرط لعواطف الناس الدينية الصادقة من قبل الساسة المتسيدين الان على المسرح السياسي لتمرير الدستور، تماما مثلما استثمرت تلك العواطف في ايصال الاغلبية الساحقة من المزورين والفاسدين الى برلمان الدولة وحكومة العراق، الحالية والسابقة، التي يحلو لرئيسها وصفها بحكومة الشراكة الوطنية، وهي النكتة التي ستجد صداها في ساحة التحرير يوم الجمعة القادم.

ان الغاء الدستور العراقي، او على الاقل ادخال تعديلات جذرية عليه، سيكون امرا لا مناص منه اذا ما اريد حقا تعديل مسار العملية السياسية في العراق. واعتقد ان الشبيبة في ساحة التحرير جديرة بالقيام بهذه المهمة.






 

free web counter