| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د.فلاح إسماعيل حاجم
www.alshami.ru 

 

 

 

الجمعة 15/8/ 2008



نظــرة قــانونيــة:

الانظمة الانتخابية المعاصرة .. الايجابيات والنواقص

د. فلاح اسماعيل حاجم

تشكل الانتخابات، بجميع مستوياتها، واحدة من المسائل الاكثر حساسية في ذهنية المواطن العراقي. ولم تتولد هذه الحساسية بسبب حداثة التجربة الديموقراطية فقط ، بل ولان المحاولة الاولى لتفعيل هذه التجربة (الغريبة) انتهت الى نتائج لا اعتقد ان احدا قادر على اخفاء مرارتها وخيبة الامل التي تنتاب ابطالها الرئيسيين، وهم الناخبون العراقيون الذين لا يحق لاحد الطعن بحسن نواياهم او التشكيك بمشروعية طموحهم لبناء دولة الحق والمؤسسات، وهو الوعد الذي كان (عربون) القوائم الانتخابية على اختلاف مشاربها وتوجهاتها. ان خيبة الامل من التجربة الانتخابية الاولى تفسر عزوف الناخبين العراقيين عن التوجه، بالأندفاع المعهود، الى التسجيل في قوائم الناخبين، وهي نفسها (الخيبة) تدفع الكثيرين الى الدعوة لمقاطعة انتخابات مجالس المحافظات المقبلة كنوع من الاحتجاج على النكث بالوعود الانتخابية والوضع الذي آلت اليه اوضاعهم خلال السنوات الخمس المنصرمة، فيما النقاش يظل محتدما حول أفضلية هذا النظام الانتخابي او ذاك، او اعتماد هذه القائمة او تلك. من هنا الاهمية الاستثنائية للخوض في موروث التجربة الانسانية في مجال التفعيل الامثل للحق الانتخابي.
افضى تعزيز الحق الانتخابي العام في اكثر الدول الصناعية تقدما الى اعتماد نظامين انتخابيين هما نظام القائمة ونظام الانتخاب الفردي الذي حصل في البداية على انتشار واسع في الغالبية العظمى من البلدان المتقدمة انذاك. ويتلخص النظام الفردي في ان المقعد النيابي في برلمان الدولة، او في اجهزة الادارة الذاتية للسلطات المحلية يكون من حصة المرشح الذي تمكن من جمع الاغلبية اللازمة من اصوات الناخبين. فيما يبقى المرشحون الاخرون الذين لم يتمكنوا من الحصول على العدد المطلوب من الاصوات، والقوى السياسية التي تقف ورائهم، غير ممثلين في اجهزة الدولة (المنتخبة طبعا) واجهزة الادارة الذاتية. وللنظام الفردي ثلاثة انواع يتم تصنيفها على اساس نوع الاغلبية التي يحددها القانون لانتخاب نواب الشعب وهي الاغلبية النسبية والاغلبية المطلقة (50 % + صوت واحد) او الاغلبية الموصوفة (2/3 أو 3/4 من مجموع الاصوات المشتركة في الانتخابات).
وللنظام الفردي جملة من الايجابيات ربما يقف في المقدمة منها كون هذا النظام يساعد على خلق علاقات شخصية مباشرة ووثيقة بين الناخب وممثليه في اجهزة السلطة، الامر الذي يمكن الناخب من معرفة سلوك النائب ومواصفاته وارائه ووجهات نظره من هذه القضية او تلك...الخ، بالاضافة الى اطلاع النائب الجيد على ظروف الدائرة التي انتخب لتمثيلها. كل ذلك يعزز مكانة النائب في جهاز السلطة المنتخب ويحول دون تعرضه للتأثيرات الخارجية، بما في ذلك من قبل القوى السياسية المتصارعة والمؤسسات المختلفة التي تطمح لتمرير القرارات او التشريعات في جهاز الدولة المنتخب.
ومن افضليات نظام الانتخاب الفردي ايضا انه يؤدي الى بتعزيز مواقع التيارات الاقوى، الامر الذي من شأنه خلق ظروف تساعد على فرز واضح للقوى والتكتلات في الجهاز التشريعي للدولة والاجهزة المشابهة في الاطراف، وهو ما يفضي الى قطع الطريق على تاثيرات الاحزاب والتشكيلات السياسية الصغيرة، الامر الذي من شأنه ايجاد الاسس لخلق ثنائية او ثلاثية المنظومة الحزبية في البلاد. بالاضافة الى ذلك فان المواقع القوية للاحزاب الفاعلة في البرلمان ستساعد على تشكيل حكومة مستقرة قادرة على انتهاج برنامج عمل قابل للتطور.
لكن النظام الانتخابي الفردي لا يخلو من بعض النواقص الجدية ومنها كون هذا النظام لا يعكس التركيبة الحقيقية للقوى الاجتماعية والسياسية في البلاد. فالكثير من الاحزاب والتنظيمات السياسية المؤثرة تجد نفسها خارج البرلمان، الامر الذي من شانه اضعاف الاساليب البرلمانية في الصراع السياسي. ففي روسيا، على سبيل المثال، ادى ابعاد القوى السياسية الاكثر تاثيرا من برلمان الدولة في الاعوام 1991-1993 الى تمركز تلك القوى في اجهزة السلطة التنفيذية ، ما ادى الى غياب كامل للحوار والتعامل السياسي وهو العنصر االمهم جدا لاستقرار المجتمع. فالنزاع بين القوى التي اصطفت مع رئيس البلاد في روسيا تلك الاعوام وبين احزاب البرلمان اثبت غياب النموذج المناسب والخبرة التاريخية اللازمة، وتلك دون شك نتيجة حتمية لسيادة وتعمق الشمولية السياسية ومنظومة الحزب الواحد التي تميّز بها الاتحاد السوفيتي (روسيا السوفيتية) ، وهو الامر الذي يمكن تلمس الكثير من عناصره في التجربة العراقية الراهنة، حيث تمكنت الكثير من (فايروسات) الشمولية من التسلل المدروس والمبرمج ،في اغلب الاحيان، الى تشكيلات المنظومة السياسية الجديدة، وهو ما يمكن ملاحظته بوضوح في سلوك اكثر الاجهزة اهمية واكثرها خطورة في تركيبة الدولة العراقية. فالكراهية المتأصلة في نفسية اغلب السياسيين العراقيين والموروثة عن سلوك سياسي كان سائدا لاكثر من ثلاثة عقود سرعان ما تتحول (الكراهية) في الممارسة السياسية، الى نزعة الاملاء والتفرد بفعل ضعف التقاليد الديمقراطية وغياب، او عدم فاعلية، قواعد الحق والاخلاق المنظمة لعلاقات التعامل السياسي. بالاضافة الى ذلك فان السلطة النيابية التشريعية في العراق لم تخلق، ولم يكن بامكانها ان تخلق، الظروف المناسبة للتوافق السياسي بين القوى السياسية المختلفة، الامر الذي جعل لك السلطة (التشريعية) عاجزة عن تنفيذ وضيفتها الاساسية المتمثلة بصيانة المجتمع والتجربة العراقية الجديدة في الديمقراطية من موروث السلوك البعثي الصدامي سئ الصيت. وهو الامر الذي قاد لان يكون رد فعل الاقلية الغير ممثلة في البرلمان، او تلك التي دخلته عن طريق ما يسمى بالمصالحة الوطنية مدمرا. وهنا اجد مناسبا الاشارة الى ان اعتماد النظام الانتخابي الفردي سيودي، في مثل هذه الظروف، الى تغليب المصالح الضيقة في السلوك السياسي ويضر بالمصالح الوطنية العامة ويفضي الى اضعاف اجهزة السلطة الاتحادية مقابل اجهزة الاطراف التي تنتهز الفرصة لتعزيز مواقعها واعتماد نهج الابتزاز السياسي على الضد من المصلحة الوطنية العليا. بالاضافة الى ما تقدم فان واحدة من اكثر سلبيات النظام الانتخابي الفردي خطورة هو امكانية التلاعب بارادة الناخبين من خلال التلاعب بما يطلق عليه في االقانون الادستوري الخارطة الانتخابية ، عندما تتوقف نتائج الانتخابات على رسم الدوائر الانتخابية، وهي الوسيلة التي استخدمت بشكل واسع في الاتحاد السوفيتي وروسيا السوفيتية في الاعوام التي اعقبت البيريسترويكا 1989 – 1991، وكذلك في الجمهوريات المستقلة التي ظهرت اثر انهيار الاتحاد الروسي السابق في الاعوام 1994 – 1995 وذلك لتأمين تمثيل متميز للقوميات الاكبر في الاجهزة التمثيلية.
ونحن بصدد الحديث عن سلبيات النظام الفردي لابد من الاشارة الى ان بعض تلك السلبيات، ومنها المذكورة انفا تجد مكانها ايضا في نظام القوائم، الذي يتم على اساسه توزيع المقاعد البرلمانية بين الاحزاب السياسية المشاركة في البرلمان بالارتباط مع عدد الاصوات الممنوحة لكل منها. وقد اعتمدت الاحزاب اليسارية في السابق نظام القوائم باعتباره النظام الاكثر ديموقراطية من النظام الفردي (التجربة الايطالية مثالا).
ولنظام القوائم خصائصه المميزة ايضا، منها على سبيل المثال ان الناخبين يصوتون لقوائم الاحزاب السياسية على مستوى الدولة بالكامل، الامر الذي يحول دون تجزئة الدوائر الانتخابية، وفي بعض الدول الصغيرة تتحول الدولة الى دائرة انتخابية واحدة (اسرائيل على سبيل المثال)، ويقود الى تعزيز الوحدة الوطنية وتأمين تمثيل عادل للقوى المؤثرة في الدائرة الانتخابية. بالاضافة الى ذلك فان الاعتماد الصحيح لنظام القوائم سيعمل على تفعيل مبدأ التعددية السياسية ويضع الاسس الصحيحة للديمقراطية السياسية.
غير ان نظام القوائم الانتخابية لا يخلو هو الاخر من الجوانب السلبية قد يكون من بين ابرزها ضعف العلاقة المباشرة بين الناخبين وممثليهم في برلمان الدولة، ذلك ان الناخبين يصوتون للحزب وليس لاشخاص معروفين، باعتبار ان مهمة اعداد قوائم المرشحين عادة ما توكل لهيئات معينة في الحزب ولا تخضع للمناقشة الشعبية، وهو ما يؤثر ايضا على استقلالية المرشح، مع كل ما يترتب على ذلك من مضاهر الفساد والمحسوبية التي عادة ما تؤدي الى خيبة امل الناخبين وزعزعة ثقتهم بممثليهم في برلمان الدولة. ومن بين سلبيات نظام القوائم هو تمكينه لمكونات حزبية تفتقر الى القاعدة الجماهيرية على مستوى الدولة من الوصول الى البرلمان، الامر الذي يخلق، في حال غياب الاكثرية الحاسمة في جهاز الدولة التمثيلي، مصاعب كبيرة اثناء تشكيل الحكومة، ويدفع الاحزاب التي لا تمتلك عادة برنامجا وطنيا شاملا الى الدخول في تحالفات موسمية لقوى غير متجانسة ومساومات تفتقر، في اغلب الاحيان، الى المبدأية، الامر الذي من شأنه الحاق ضرر بالغ بالمصلحة الستراتيجية للدولة (المثال العراقي). بالاضافة الى ذلك فان موسمية الاتفاقيات التي تعقد بين الكيانات السياسية عادة ما تؤدي الى انهيار التحالفات البرلمانية، ما يفضي بالضرورة الى خلل وارباك في عمل الجهاز التنفيذي وسائر مفاصل الدولة الاخرى.
ان سلبيات نظام الاغلبية و نظام التمثيل النسبي دفع بعض المشرعين الى الاخذ بالنظام المزدوّج؛ حيث يتم انتخاب جزء من اعضاء البرلمان على اساس الاقتراع الفردي (نظام الاكثرية)؛ وذلك بتقسيم الدولة الى دوائر انتخابية كبيرة نسبيا ويتم تمثيل كل دائرة من قبل اكثر من نائب في البرلمان، فيما ينتخب الجزء الآخر وفق نظام التمثيل النسبي (على اساس القوائم الحزبية) كما في المكسيك، حيث ينص الدستور المكسيكي على انتخاب 300 عضو لاحد مجالس البرلمان على اساس الاغلبية، و 100 عضو وفق نظام التمثيل النسبي. اما في روسيا الاتحادية وجمهورية جورجيا فيتم انتخاب نصف اعضاء البرلمان وفق الانتخابات النسبية فيما ينتخب النصف الاخر بالاقتراع الفردي.
مما تقدم يبدو واضحا انه ليس هنالك من وصفة جاهزة لكل البلدان ولجميع الاحيان، اذ تقوم الدوّل بتطبيق النظام الانتخابي الملائم والمنسجم مع واقعها السياسي وتركيبها الاجتماعي وتقاليدها السياسية. من هنا ارى ان على المشرع العراقي ان يأخذ بعين الاعتبار كل تعقيدات الوضع الراهن واختيار النظام الانتخابي الذي يؤمن، قبل كل شئ، الوحدة الوطنية و يؤسس لانتخابات حرة و نزيهة من اجل اقامة مؤسسات دولة القانون، ولا شك ان شعبنا جدير بهذه الدولة.


 


 

free web counter