| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

فلاح علي

 

 

 

الأثنين 2/11/ 2009



تزدهر الافكار السياسية في أوقات الأزمات

فلاح علي

هكذا تقول الحكمة اليونانية القديمة وكلما اشتدت الأزمة كلما زادت الافكار ازدهاراَ , فمن الطبيعي أن تثير الأزمات التفكير فيها وكيفية التغلب عليها , وبالتالي تكون مصدر الهام للمفكرين فيها , حيث يحتدم الجدل والنقاشات وتطرح الافكار وتتبلور اتجاهات الرأي المختلفة ولكن في النهاية يتم الخروج من الأزمة بحلول وتقول الحكمة اليونانية القديمة (( وهذه حقيقة صالحة للتعميم على مر العصور))[1]. ووفقاَ لهذه الحكمة التي تؤكد على حتمية الخروج من الازمة بحلول , فهذا يفترض أن الصراع السياسي يضع في أولى مهامه مصالح المجموع أي مصالح الشعب هذا أولاَ وثانياَ أن يتم تحكيم العقل والحكمة وليس تحكيم القوة والأرادات الذاتية وثالثاَ يتطلب الحفاظ على ما هو مشترك بينهم ولخير الصالح العام أي الحفاظ على الديمقراطية وقوانينهاوبهذا تصح الحكمة اليونانية تزدهر الافكار السياسية في أوقات الأزمات لأنه ينتصر الفكر والعقل والحكمة والصالح العام فيها .

أين نحن في أزماتنا السياسية في العراق من ذلك :
إذا كانت هذه حقيقة صالحة للتعميم في كل العصور أين نحن من ذلك . ولماذا تزدهر وتنتصر الارادات والمصالح الذاتية في أزماتنا ولا تزدهر الأفكار فيها وتغيب مصالح الشعب؟

أعتقد السؤال مفتوح ومطروح على الجميع لغرض المساهمة في توسيع الرؤية وانضاج النقاش .

1- ومن وجهة نظري أرى أن الديمقراطية ليست فقط تشكيل أحزاب وخوض الانتخابات ففي تجربتنا العراقية يوجد برلمان وتوجد إنتخابات وتوجد تنظيمات واحزاب سياسية ( بلا قانون للاحزاب) ولكن الحقيقة لا توجد (ديمقراطية) مثلما حصل في أماكن أخرى كأفغانستان مثلاَ في ظل طالبان توجد مساجد وتوجد شريعة ولكن لا يوجد إسلام .

2- أن قربت الصورة أكثر عندنا يوجد غياب للفكر وتغييب للمعرفة وللمثقف ولرجالات الفكر والعلماء والاكاديميين وغياب للمصلحة العامة وتغييب للشعب وحضور للقوة والمصالح الفئوية الذاتية على حساب مصالح الشعب . وهذا يعود أصلاَ للطبخة الايرانية الاميركية التي قسمت عن عمد ومن منطلق مصالحهما القومية كدولتين قسمت الشعب العراقي إلى (سنة وشيعة وأكراد) وغيبت الاديان والقوميات الاخرى والتيارات الفكرية الوطنية وأقامة حكم المحاصصة الطائفية والقومية تحت الشعار الهش التوافق . هذا هو أحد أسباب تعقد أزماتنا التي يغيب فيها الفكر وتنتصر فيها الارادة والقوة وهنا يلعب العامل الخارجي دوراَ فيها .

3- مثل هؤلاء الطائفيون والقوميون عادة يكونوا بعيدين عن الفكر لسبب بسيط أن الفكر ينطلق من الواقع ويتم تطويره وتأسيسه على قواعد ترتقي به نحو الافضل ويتلمسه ويعايشه الشعب في برامج وخطط واستراتيجية ولا يوجد من حزب سياسي في العراق غير الحزب الشيوعي العراقي الذي يمتلك هذه الخاصية النادرة وهذا يعود لعلمية وواقعية ووطنية الحزب الشيوعي وهذا ما يفتخر به كل وطني وديمقراطي عراقي الذي آمن بهذه الخاصية النادرة وبدأ يطبقها . وإذا كان لهؤلاء الطائفيون والقوميون فكراَ نيراَ لأنطبقت عليهم الحكمة اليونانية القديمة ولعاش الشعب في ظل الامن والاستقرار والازدهار والحرية والعدالة .

4- فكر الحزب الشيوعي العراقي يتطور بناءَ على متغيرات الواقع العراقي وعلى حاجات ومزاج الشعب وبرامجه تؤكد ذلك على الصعيد الوطني . وما أن مرت الحركة الشيوعية في أزمة بعد عام 1991 نجده هو أول حزب شيوعي في المنطقة درس الازمة وشخص أسبابها وخرج برؤية جديدة سمية ( بنهج الديمقراطية والتجديد في عام 1993 ) للحزب فكر ومبادئ وليس مصالح ومنطلقات ذاتية ففي الحزب الشيوعي تزدهر الافكار والثقافة والمعرفة ويسعى لتجسيدها في المجتمع وهذا ما يؤكد أهمية وحدة قوى اليسار والديمقراطية لأجل تنمية وتجذير الثقافة الديمقراطية في المجتمع .

5- أن الطائفيون والقوميون إن كان لديهم فكراَ فهو قائم على الفرضيات والعصبيات والاملاءات الخارجية أو سجين أو أسير للارادات والقوة الخارجية إنه فكراَ مشلولاَ وغامضاَ يطرح الشعارات ويتنصل عنها ويلتف عليها ويقيدها , ويخوض معارك ليس في صالح الشعب وإنما لتلبية رغبات وقوى خارجية ومعاركة ذاتية فئوية غير واضحة , وإنه يسعى دائماَ لتضليل الديمقراطية ويحرفها من أن تكون ديمقراطية حقة ويضعها دائماَ في إطار المحاصصة الطائفية والقومية . ويبقى نضال الشيوعيين والديمقراطيين والوطنيين الحقيقيين من أجل ديمقراطية فعلية شاملة لا يغيب فيها الشعب ديمقراطية عناصرها الحرية والمساواة في الحقوق والعدالة ولها مؤسساتها الديمقراطية هو نضال مشروع وهو نضال سياسي وثقافي واقتصادي واجتماعي وأخلاقي واستنهاض قوة المجتمع المدني ودوره الذي يفرض على الطائفيون والقوميون دولة القانون والمؤسسات الديمقراطية .

6- وإذا إحتكمنا إلى الاسلام وقد جعل الاسلام مبدأ الشورى كمبدأ من مبادئ الديمقراطية ونص على مبدأ الشورى في القرآن الكريم بما لايقبل التأويل ففي سورة الشورى وقد جاء فيها (( وأمرهم شورى بينهم )) أمرهم المقصود بها الامور ذات الطابع العام , أما بينهم فتشير إلى المجتمع عامة . أي بمعنى أن مبدأ الشورى لا يقتصر على الافراد في علاقاتهم وإنما يسري مبدأ الشورى على إشراك الشعب في كافة أوجه الحياة السياسية وكافة الامور ذات الطابع العام . والشورى تعني المشاركة الشعبية والرقابة الشعبية وقد طور المبدأ لا حقاَ في بيعة الخلفاء الراشدين . أما عندنا فنجد أن أحزاب الاسلام السياسي قد رفعته كشعار فقط وفي الواقع فقد قوضت مضمونه لأنها تخشى رأي الشعب فيها , إنها كتل طائفية إرتدت رداء الاسلام شكلاَ فقط أما مضموناَ فأنها في واد والاسلام في واد . مصالحها الفئوية الذاتية أولاَ والصالح العام ثانياَ إضافة إلى إنها تعمل لأجندات وإملاءات خارجية . قوتها بغياب القانون ودولة المؤسسات والدعم الخارجي لها عدا ذلك إنها طارئه على الشعب والاسلام . فهؤلاء ليس لديهم فكر يزدهر إنهم أصحاب سلطة وإستبداديون قيادات ورجالات الاسلام تخضع للقانون كما هو في سيرة الرسول الاعظم والخلفاء الراشدين والصالحين أما جماعات الاسلام السياسي فنجدها لاتخضع للقانون ولا لأرادة الشعب فهم فرطوا بكل حقوق الشعب وحتى حرموه من الخدمات ,وتحركهم مصالحهم الفئوية والاجندات الخارجية.

7- إضافة إلى أن قيادات الاسلام السياسي يغلب عليها التحجر الفكري والانغلاق الثقافي وقلة معارفها عن العالم والتحولات الكبيرة التي تحصل فيه فهي نصية في كل شيئ في السياسة والثقافة وحتى في الدين لهذا يغلب عليها محدودية الفكر والمعرفة وتعمل بأجندة وليس ببرامج .ويغلب عليهم حالة سيئة هي الاقصائية النابذه لكل ما هو جميل أنتجه تطور الفكر الديني و الانساني في العالم والمغيبة للعقل والحكمة والمعرفة والتكنولوجيا والثقافة , رغم إنهم في القرن الواحد والعشرين لا يستطيعون العيش من دونها , لكن نزعاتهم العصبية ومصالحهم الانانية الضيقة وحبهم للسلطة هو وراء إستبدادهم وضحالتهم الفكرية والمعرفية .

8- أن أحزاب الاسلام السياسي في العراق إن سارت على درب التنوير الذي سارت عليه الامم المتقدمة وآمنت بالديمقراطية والتنوع الثقافي والفكري وتخلت عن أجندتها الخارجية وإن آمنت حقاَ لا قولاَ بدولة المؤسسات ودولة القانون وسيادة حكم الشعب وبهذا فأنهم قد إبتعدوا خطوة عن الهيمنة والاستبداد يمكن في هذه الحالة يكون لهم دور إيجابي في إخراج البلد من أزماته المتنوعه وتخلق أرضية لأزدهار الافكار . وبهذا أعتقد ستتوفر لهم فرصه ليلعبوا دور إيجابي في تقويض التطرف في المجتمع وعزل المتطرفين , لأن المتطرفين الارهابيين من الاسلام السياسي قد شوهوا الاسلام وربطوا بين مفهوم الجهاد في الاسلام والعمليات الانتحارية التي تنفذ في العراق هذه الايام . الجهاد يعتمد على قوة الدعوة وغياب روح الانتقام في مفهوم الجهاد تغيب الوحشية في القتل و رفض تعميم القتل للناس الذي يعارضه وينهى عنه الاسلام . من هذا فأن العمليات الانتحارية لا تنبع من الادب الاسلامي , وأن هدفهم ليس تحرير العراق من الاحتلال كما يدعون وإنما التدمير للبلد والشعب وهذا بعيد عن الاسلام والقيم الاخلاقية . فهل سيسهم دعاة الاسلام السياسي في العراق من خلال سلوكهم وممارساتهم العملية في تخليص شعبنا وبلدنا من التطرف ومن الارهابيين وعملياتهم الانتحارية ؟ وهل ستتخلى أحزاب الاسلام السياسي والقوى القومية عن محاصصاتهما الطائفية والقومية ويتخلوا عن نهج الهيمنة والتخندق والاستحواذ ويؤمنوا بالديمقراطية للعراق وبناء دولة العدل والقانون؟


2-11-2009


[1]  د. حورية توفيق مجاهد – الفكر السياسي من افلاطون إلى محمد عبده مكتبة الانجلو المصرية . السنة 1999 . ص-40 .
 


 


 

free web counter