| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

فلاح علي

 

 

 

                                                                                     الأربعاء 10/8/ 2011



احداث آب في ذكراها ال20في الاتحاد السوفياتي
وتداعياتها الداخلية والدولية
(1)

فلاح علي

كان صباح التاسع عشر من آب عام 1991 حدثاَ درامياَ تاريخياَ لا يزال عالقاَ في ذاكرة الملايين من شعوب الاتحاد السوفياتي وشعوب العالم , حيث يعيش العالم الآن تداعياته ونتائجه الغير متوقعه والتي كانت خسارة فادحة لشعوب كوكبنا , كما ان الملايين لم تدرك حقيقة ما حصل في ذلك اليوم . هل هو انقلاب فاشل ؟ ام مؤامرة تم الاعداد والتنسيق لها مع غورباتشوف لتكون ذريعة للتخلص من بعض القيادات العسكرية والحزبية التي تعارض البريسترويكا ؟ لا سيما وان غورباتشوف في هذا الوقت قد غادر الى البحر الاسود لاخذ قسطاَ من الراحة في الفيلا الرئاسية في منطقة فورسفو . وان غورباتشوف كان يواجه ضعوطات كبيرة من قبل بعض قادة الجمهوريات منهم الروسي يلتسن والاوكراني (ليونيد كرافتشوك) والكازاخستاني نور سلطان نزريايف , مطالبن باتفاقية اتحادية جديدة تحل محل الاتفاقية التي وقعت في عام 1920 التي اسست الاتحاد السوفياتي , على ان تحصل الجمهوريات في الاتفاقية على استقلال تام لها مع حق التمثيل المستقل في منظمة الامم المتحدة , وتعقد بينهم اتفاقية اقتصادية وعسكرية ويقود الاتحاد الجديد غورباتشوف ويشكل مجلس لهذا الاتحاد الجديد من رؤساء الجمهوريات . لا سيما وان غورباتشوف قبل سفرة الى الاستراحة في منتجع فورسوفو , كان قد انهى اجتماع صعب مع الرؤساء يلتسن ونور سلطان نزريايف ناقشا الاتفاقية الجديدة , واقترحوا في الاجتماع ان يكون غورباتشوف رئيس الاتحاد واتفقا على احالة وزير الدفاع( يازوف) على التقاعد .

يذكر أن (بليخانوف) مدير الفرع التاسع ل (الكي . جي . بي) المسؤول عن امن الرئيس والمباني الرئاسية , قد اعد المكتب الذي جرى فيه اللقاء في الكرملين ووضع في هذا المكتب جهاز تنصت وسجل الحديث كله ونقله لا حقاَ للشخصيات القيادية التي ساهمت في الانقلاب لغرض ان يعرفوا ما دار في الاجتماع , واكد يلتسن لا حقاَ انه قد سمع الحديث الذي دار في ذلك الاجتماع على شريط مسجل)(1)

وقائع الاحداث التي استمرت ثلاث ايام في الدولة العظمى :

توقفت محطات التلفزة في بث برامجها الاعتيادية , في صبيحة يوم 19-8-1991 وعرض عوضاَ عنها موسيقى كلاسيكية , بعد ظهر ذلك اليوم التاريخي اعلن (ينايف) نائب الرئيس غورباتشوف في بيان أتلاه من محطات التلفزة , وذكر فيه أن ميخائيل غورباتشوف غير قادر على القيام بمهامة الرئاسية لأسباب صحية ولهذا تعلن في البلاد حالة الطوارئ بناء على قرار (لجنة الدولة لحالة الطوارئ) التي يترأسها ينايف وتضم وزيري الدفاع والخارجية ورئيس الحكومة السوفياتية (فالنتين بافلوف), وعدد آخر من القادة السوفيات الحكوميين والعسكريين والحزبيين . (2) وذكر حينها ان غورباتشوف محاصراَ في فيلته في (فورسفو) وقد قطعت عنه الاتصالات ومنع من المغادرة او استقبال الضيوف , وبدأ هذا الحصار بعد ان عقد قادة الانقلاب اجتماعاَ مع غورباتشوف مساء 18-8-2011 بهدف اقناعة للانضمام الى لجنة الطوارئ الا انهم فشلوا في إقناعه .(3) .

هنا تثار تساؤلات :

ان الوقائع المثبته في هذا المصدر التي اشار لها مؤلفه الكاتب والمؤرخ الروسي ليونيد ميلتشين ذو الخبرة الواسعة في الوقائع التاريخية والمعطيات السياسية والاقتصادية والعسكرية للاتحاد السوفياتي وروسيا رغم ان الوقائع المذكوره عن احداث آب 19991 تشكل علامات استفهام في تاريخ الاتحاد السوفياتي الا انها في نفس الوقت من وجهة نظري تثير عدد من التساؤلات ومنها :

1- أن غورباتشوف بعد رفضة طلب قادة الانقلاب بالانضمام الى لجنة الطوارئ في الاجتماع الذي عقد معه مساء 18/ آب / 1991 . لماذا لم يستخدم صلاحياته المثبته في الدستور بصفته الرئيس الشرعي للاتحاد السوفياتي في التحرك السريع لمنع هؤلاء القادة من تنفيذ مخططهم وبذلك يوقف انهيار الاتحاد السوفياتي والحفاظ على نظامة الاشتراكي ؟

2- هل ان غورباتشوف قد نسق مسبقاَ مع الانقلابيين بهدف توظيف الانقلاب كذريعة للتخلص من المعارضيين له ؟

3- تبين ان قادة الانقلاب كل ما قاموا به اصدار بيان فقط وانزال بعض الدبابات في الشوارع وتركوا يلتسن وانصارة طلقاء لماذا لم يعتقل يلتسن؟

4- لماذا تباطئ قادة الانقلاب في اتخاذ اجراءات سريعة ومتواصلة لاستكمال انقلابهم ؟

5- هل ان قطع الاتصالات و الحصارالذي فرضة قادة الانقلاب على غورباتشوف هو مناورة ؟

6- حسب ما جاء في الكتاب ان المؤلف اشار الى حقيقة وهي انه في يوم 18/ آب 1991 كان يلتسن في ضيافة (نزربايف) الرئيس الكازاخستاني , وقد انهى زيارته في سهول كازخستان حيث يقع المنزل الكازاخي التقليدي وهو عبارة عن خيمة كبيرة اما دائرية او سداسية الشكل تسمى ال (اليورت) حيث تناولا وجبة الغذاء مع حضور فنانيين وضيوف وعازفين على آلات موسيقية فولوكلورية , وقام يلتسن حينها بالعزف باستخدام الملاعق بعدها سبح في نهر جاري بالقرب من المنزل مياهه شديدة البرودة , ويشير المؤلف ان يلتسن كان مقرراَ له العودة الى موسكو في الساعة الرابعة مساء 18/ آب , الا ان عودته قد أوجلت بضع ساعات . ونقل المؤلف قول عن (سوخانوف) القيادي المقرب من الرئيس الروسي يلتسن (بان تأجيل العودة قد انقذ يلتسن من موت لا مفر منه , اذ ان طائرة يلتسن كانت قد أسقطت لو انها طارت باتجاه موسكو في موعدها الرابعة بعد الظهر .) .

هنا يطرح سؤال : لماذا لم يسقط القادة الانقلابيون طائرة يلتسن عندما اتجهت نحو موسكو بعد انهاء سفرته الى كازاخستان بعد تأجيلها بضع ساعات ؟

اجراءات القادة الانقلابيين كانت بطيئة رغم تأييد الجيش لهم :

ان اجراءات لجنة الطواري كانت بطيئة جداَ ولم تتعدى حدود اصدار بيان وعدوا فيه باعتقال يلتسن والحفاظ على النظام والهدوء في دول الاتحاد . أن هكذا اجراءات بحاجة الى خطوات عملية متواصلة وسريعه لانجاح التحرك , فلم يتم اعتقال يلتسن والاسماء الاخرى المرافقة ليلتسن ولم يعاد النظام والهدوء وبقى هذا البيان حبر على ورق ولم تقم اي من مؤسسات السلطة بالانصياع لهذه الاوامر والقرارات . اي ان لجنة الطوارئ فقدت قدرتها على المناورة والمبادرة مع بطء وضعف اجراءاتها العملية , بالمقارنة مع اسلوب يلتسن , الذي تميز في سرعة حركته وتنوع مناوراته . يشير مؤلف الكتاب نقلاَ عن مراقبيين تابعوا التطورات في حينها ان سبب فشل لجنة الطوارئ يعود الى ضعف الثقة بالنفس التي شكلت اقوى سلاح , وهذا انعكس سلباَ على كل مخططات لجنة الطوارئ , وكأنهم بدوا غير واثقين من صحة ما يفعلون , ويشير مؤلف الكتاب لعل سبب عدم ثقة اعضاء لجنة الطوارئ بانفسهم وبما اقدموا عليه هو مخاوفهم من ان يسبب تحركهم في اندلاع حرب اهلية سيصعب السيطرة عليها وقد تدمر كل ما يدعون انهم يريدون الحفاظ علية , اذاَ ان الحرب الاهلية كانت تعني بالنسبة لهم سقوط الاتحاد السوفياتي في هاوية دموية قد تكون الاولى في هذا الحجم المدمرفي التاريخ .

ان بطء اجراءات لجنة الطوارئ مع ارتباك اعضاء اللجنة سبّبت انزعاج عدد من جنرالات الجيش وتريثهم في اتخاذ قرارات حاسمة , وعلى سبيل المثال كما اورده مؤلف الكتاب من كييف العاصمة الاوكرانية ارسل الجنرال (فارينيكوف) برقية جاء فيها (إن انظار الشعب وكل المحاربين متجهه نحو موسكو تراقب باهتمام ما يجري هناك . نرجوكم أشد الرجاء أن تقوموا وبأسرع ما يمكن بالقضاء على المغامرين (يلتسن واتباعه) ولا بد من تشديد الحصار على مقر الحكومة الروسية (البيت الابيض) وقطع المياه والكهرباء وكل انواع الاتصالات عنه) .

وفي ال20/ من آب أرسل الجنرال (ماكلشوف) برقيه من الأورال جاء فيها (القوات العسكرية في مديرية (الفولغا أورال) تنظر بقلق الى ترّيث لجنة الطوارئ في اتخاذها القرارات الحاسمة الحاذقة لأيقاف يلتسن وأتباعه إذ ان الترّيث في ظل أوضاع كهذه أشبه بالموت) . كما ارسل الجنرال (بوريس بيانكوف) برقية تأييد للجنة الطوارئ في اليوم الاول للانقلاب , أكد فيها دعم قواته للجنة , وعبر عن انزعاجه حيال تقاعس أعضاء اللجنة في اتخاذ القرارات . ويؤكد مؤلف الكتاب الا ان البرقيات الشبيهة بهذه لم تأتِ من جنرالات الجيش فقط , وانما أتت من عدد كبير من عاملين في مختلف أجهزة السلطة والمؤسسات الشعبية.

هنا يطرح سؤال : لماذا لم يسيطر القادة الانقلابيون على البرلمان ؟ حيث نشروا دباباتهم حوله الا انهم لم يفرضوا اي طوق أمني عليه , وظلت ابواب البرلمان مفتوحه يسمح بالدخول والخروج للجميع , لا سيما وانه اصبح لاحقاَ مركز عمليات ليلتسن وجماعته للهجوم وأخذ المبادرة .

عودة يلتسن الى موسكو من سفرته الى كازخستان :

في وقت متأخر من مساء 18/ آب اتجهت طائرة يلتسن نحو موسكو , وعند وصوله الى مطار موسكو توجه الى منزله في (أرخانفلسك) القريه الحكومية المغلقة في ضواحي موسكو , حيث يقع منزله الذي قدمته له الحكومة , بعد ان انتخب رئيساَ لمجلس السوفيات الاعلى لجمهورية روسيا الاتحادية . ويسكن في هذه القرية (الكساندر كورجاكوف) مرافق يلتسن الشخصي الخاص , حيث قام باستدعاء كل عناصر الحرس الرئاسي الى هناك , وكل عناصر هذا الجهاز كانوا من التابعين سابقاَ للفرع التاسع لجهاز (الكي . جي . بي) وهم من الاشداء والمتدربين تدريباً جيداً , ومع هذا لم يكن في حوزتهم في تلك الليلة حسب ما يؤكد مؤلف الكتاب سوى ستون مسدساَ وما يقارب المائة رشاش . لهذا استخدم (كورجاكوف) علاقاته الشخصية في وزارتي الداخلية والدفاع للحصول على مزيد من السلاح . يلتسن من منزله ومع جماعته من شخصيات قيادية في الدولة وبرلمانية بدأوا بالتفكير بوضع خطط لتحركهم لمواجهة اجراءات وتحركات لجنة الطوارئ . وقرر يلتسن الاتصال ب (غراتشوف) ليطلب منه المساعدة , وهو جنرال في احد الوحدات العسكرية في موسكو . ومن خلال الحديث بينهما في التلفون أكد له (الجنرال غراتشوف) سأرسل إليكم وحدة الاستطلاع الخاصة التابعة لنا . فشكره يلتسن وأخذ يردد ان (غراتشوف واحد منا) (4) وألتحق بيلتسن عدد آخر من المسؤولين برلمانيين وحكوميين ومنهم وزراء ومحافظ لينينغراد (أناتولي سابشاك) الذي كان في موسكو عندما وقعت الاحداث ومدير محطة الأذاعة والتلفزيون الروسيتين (سرغيه شاخراي) . ووضعوا خطوات لتحركهم . وأول خطوة تم صياغة (بيان موّجه الى المواطنين الروس والسوفيات يناشد المواطنيين ان يظهروا أعلى درجات المسؤولية كمواطنين وأن لا يساهموا في الانقلاب ودعوا الى بدء عصيان شعبي في البلاد) . والخطوة الثانية قرروا الذهاب الى موسكو ليخوضوا المعركة وجهاَ لوجه . كان اول المتوجهين الى موسكو هو (سيلايف) رئيس الحكومة الروسية ولغرض استطلاع اوضاع الطريق من أرخانفلسك الى موسكو . وفي موسكو حينها عندما وصل الى البيت الابيض (مبنى البرلمان) إتصل بهم وأكد لهم (أن كل شيئ على ما يرام) توّجه الى موسكو في يوم 19/آب .

أخطاء قادة الانقلاب وتباطئهم كانت سبب فشلهم في إعتقال يلتسن ومجموعته :

يقول الجنرال مايور (فيكتور كارابوخين) الذي كان بطل الاتحاد السوفياتي وقائد وحدة ألفا القوة الضاربة التابعة لجهاز الاستخبارات في (الكي . جي . بي) في الساعة الرابعة من صباح 19/8 إستدعاني مدير الكي جي بي . وطلب مني التوجه الى بيت يلتسن مع أفراد الوحدة لتأمين الحماية (لأنه سيعقد اجتماع بين يلتسن وبين القيادة العسكرية للبلاد - الاتحاد السوفياتي) فاتجهت مع رجالي الى المنطقة المذكورة وقمنا بتشكيل عدة أحزمة أمنية واحطنا بمنزل يلتسن من كل الجهات , كما نشرنا نقاط المراقبة والحواجز الطيارة المخفية على الطريق من كل الاتجاهات , وفي الساعة السادسة صباحاَ علمت من جهاز الراديو عن إعلان حالة الطوارئ في البلاد , واعتقدت ان الامور تجري بعلم الرئيس غورباتشوف .... بعد ذلك وصلتني برقية من قيادة جهاز المخابرات تأمرني بأعتقال يلتسن ونقله الى واحدة من شققنا السرية الخاصة في منطقة زافيدوفا . حينها بديت غير راغب في تنفيذ هذه المهمة فقمت بارسال تقارير للقيادة اعلمهم فيها اننا نستعد لتنفيذ الاوامر , ولكن كنت متذرعاَ ان التأخير سببه بعض التعقيدات في الموقف , حيث توجد صعوبات تمنعنا من اعتقال يلتسن بهذه السرعة . وبررت موقفي قائلاَ أن التسرع قد يسبب سقوط ضحايا من الابرياء . وفي الواقع كنت على علم مطلق بكل خطوات يلتسن , وكنا قادرين على اعتقالة في أية لحظة وبدون أي ضجيج .

هنا يطرح سؤال : ما هي اسباب عدم اعتقال يلتسن ؟ بلا شك ان ضابط إستخبارات بهذا المستوى وفي هذا الجهاز وخصوصاَ وحدة ألفا لا يوجد في مفهومة (لم أكن راغباَ في تنفيذ هذه المهمة) ومهما كانت الصعوبات . وهذا هو من وجهة نظري ضعف خطط وتاكتيكات لجنة الطوارئ مع عدم تعاملهم بوضوح مع القيادات العسكرية التي اعتمدوا عليها في تنفيذ تحركهم .

تحرك موكب يلتسن الى موسكو في وسط الحصار العسكري المفروض عليه :

عند وصول مكالمة (سيلايف) بدأ موكب يلتسن في التحرك نحو موسكو , إقترح مرافقي يلتسن أن يتنكر بزي صياد سمك ويقطع الجزء المهجور من الطرق الفرعية وصولاَ الى الرئيسية على متن زورق صغير عبر النهر , حيث ستنتظره السيارات على الضفة الاخرى خوفاَ من إعتراضهم في هذه الطرق وتحسباَ لأي طارئ . إلا أن يلتسن رفض هذه الفكرة وقال قررنا التوجه الى موسكو على شكل قافلة واحدة تتقدمها سيارة شرطة المرور , وخلفها سيارة يلتسن المثبت عليها العلم الرئاسي الروسي واتفقنا بأن تسير القافلة بأقصى سرعة ممكنة . كي نصل الى البيت الابيض وبدون محطات غير مرغوب فيها على الطريق وبهذا قرر يلتسن السير في قافلة واحدة , وكان قد انتشر في هذه المنطقة أفراد الوحدة الخاصة ألفا وكان عليهم اعتقال يلتسن إلا إنهم لم يفعلوا (5) . رغم أن الدبابات كانت حول البرلمان ووجود وحدة من رجال القوات الجوية الخاصة (الكوماندوس) إلا أن يلتسن قد دخل البرلمان وبدون اي اعتراض من هذه الوحدات وحوّل البرلمان الى غرفة عمليات وقاعدة للهجوم على لجنة الطوارئ .

هنا يطرح سؤال : بعد كل هذا الحصار العسكري حول البيت الابيض , إذاَ لماذا سمح القادة الانقلابيون ليلتسن لدخول مبنى البرلمان ؟ ولماذا لم يقتحم البرلمان ؟

يلتسن يبدأ هجومة من خلال إمتلاك زمام المبادرة :

إتخذ يلتسن مبنى البرلمان كقاعدة للهجوم على لجنة الطوارئ ,وقد صاغ وفريقه بعض القرارات مع وضع خطط في أرخانفلسك للهجوم والمناورة ولتشكيل مقاومة ضد لجنة الطوارئ وطوّر بعض هذه الخطط في مبنى البرلمان على ضوء المتغيرات على الارض. فأرسل (أليك ببوف) نائب رئيس وزراء روسيا مع عشرين وزيراَ الى مدينة سفير دلوفسك وتمكنوا من الوصول وإختاروا ملجأ سرياً محصناً ومجهزاً بمختلف وسائل الاتصال الحديثة , وكلفوا بمهمة القيام بأعمال الحكومة الروسية إذا ما إعتقل رئيس الحكومة ومن معه من الوزراء في موسكو . وسافر وزير الخارجية الروسي (أندريه كوزبريف) الى فرنسا ليحصل على دعم الغرب ليلتسن . وعاد (أناتولي سابشاك) محافظ لينينغراد الى مدينته , لأقناع قائد القوات العسكرية هناك الجنرال (سامسونف) لعدم دخول المدينة في حالة حدوث طارئ .

أما يلتسن : فقد إتخذ قراره التاريخي في مبنى البرلمان بأن يبادر هجومه فخرج برفقة حرسة الشخصي (كوجاكوف) وعدد من مرافقيه وبعض القيادات الى ساحة البيت الابيض وتوّجه نحو دبابة معادية كانت جزء من الطوق المفروض حول البيت الابيض , ووقف على ظهر الدبابة وقرأ البيان الذي كتب نصه مسبقاَ في أرخانفلسك وكان يتضمن البيان ثلاث نقاط إعتبار لجنة الطوارئ غير قانونية وأن تحركها هو محاولة انقلابية ضد السلطة الشرعية , وإعتبار كل القرارات الصادرة عن لجنة الطوارئ لاغية وغير سارية على جمهورية روسيا , وأن اي قيادي أو مسؤول يلتزم بقرارات اللجنة المذكورة يقع تحت طائلة المسؤولية القانونية . وهكذا بدأت مقاومة يلتسن من البرلمان مع تواصل بياناته التي صدرت لاحقاَ والتي خرجت من مبنى السلطة التشريعية . هذا الموقف أثر على موقف الجمهوريات حيث إتصف موقفها في البداية بالحياد ولم يعلن اي منهم عن موقف مؤيد أو معاد لأي من الطرفين . كما ان المؤسسة العسكرية أصابها الارتباك وإحتارت في إختيارها للجهة التي يجب الانصياع لأوامرها. وبهذا تمكن يلتسن من تضييق الخناق على أعضاء لجنة الطوارئ , في هذه الاثناء إلتحمت الجماعات المدنية المؤيدة ليلتسن بالقوات العسكرية المتواجدة حول البيت الابيض لغرض شل حركتها والتي كانت تنتظر الاوامر لأقتحامه . أحس يلتسن بالقوة فقرر أن يتابع حملته في إصدار البيانات من موقع مبنى الشرعية الدستورية البيت الابيض , وفي بيان آخر إعتبر عمل أعضاء لجنة الطوارئ جريمة بحق الدولة والشعب بمخالفتهم للفقرة 62 من قانون الاتحاد السوفياتي والفقرات (64 و69 و70 و71) من القانون الجنائي لجمهورية روسيا الاتحادية , وكل الفقرات الاساسية من القوانين الجنائية لاتحاد الجمهوريات السوفياتية , وإعتبر قادة الانقلاب قد خانوا الشعب والوطن الام والدستور , وطالب البيان ضمناَ كل مؤسسات الدولة بان لهم الحق في إعتقال أعضاء لجنة الطوارئ , وتتالت سلسلة البيانات التي أصدرها يلتسن من مبنى البرلمان , الذي أصبح مقراَ له للهجوم ومقاومة لجنة الطوارئ وافشال تحركاتها .

وفي اليوم الثاني للانقلاب في 20/ آب أصدر يلتسن بيان تضمن سلسلة قرارات ومنح نفسه صلاحيات أوسع , هنا بلا شك كانت هذه الصلاحيات بلا شرعية لانها لم تخضع للتصويت من قبل البرلمان ومن هذه الصلاحيات :

- نصب نفسه القائد العام للجيش والقوات المسلحة المتواجدة في حدود جمهورية روسيا الاتحادية , إعتباراَ من الساعه (الخامسه مساءَ) من يوم 20/ آب 1991 . وأمر كافة المؤسسات الدستورية والحكومية أن تعود الى عملها الطبيعي .

- كل وحدات الجيش والكي . جي . بي المتواجدة في حدود روسيا أن تبقى في وحداتها , ولا يحق لها القيام بأي عمل دون حصولها على أوامر مباشرة مني شخصياَ .

- نظراَ لمشاركة وزير الدفاع السوفياتي (ديمتري يازوف) في الانقلاب , فأن كل الأوامر والقرارات الصادرة عنه إعتباراَ من 18/ آب تعتبر ملغية , كما يمنع تنفيذ أوامر (يازوف) و (كريوتشكوف) الصادرة عنهما بعد التأريخ المذكور أعلاه .

- على قائد قوات موسكو العسكرية الجنرال (بلوكفنيك كالينين) سحب قواته من العاصمة موسكو وإعادتها الى مواقعها الدائمة . .... ألخ حيث تضمن البيان مجموعة من القرارات . وبهذا البيان أصبحت الامور شبه واضحة حيث تمكن يلتسن من فرض السيطرة على الاوضاع في البلاد , كما تمكن يلتسن من توظيف المشاعر القومية الروسية المتأججة وتلاعب بها بذكاء . إلا أن لجنة الطوارئ واصلت عملها ولكن تحولت الى مقاومة ليلتسن بدلاَ من الهجوم عليه ووعدت بأعتقاله وعودة النظام والهدوء للبلاد .

صباح ال 21 من آب عاد الرئيس السوفياتي غورباتشوف الى موسكو بطلب من برلمان روسيا برفقة أحد معاونيه الكساندر روتسكي على متن طائرة , ليحضر جلسة البرلمان الذي دعاه لحضور الجلسه التي عقدت في يوم 22/ آب .

هنا يطرح سؤال : بيان لجنة الطوارئ أكد عزل غورباتشوف وانه الآن محاصر وقطعت عنه كافة الاتصالات , فكيف تم الاتصال به وتمكن من المجيئ الى البرلمان إذا كان محاصر فعلاَ ؟ أعلن غورباتشوف في البرلمان عن إنتصار يلتسن على آخر رموز السلطة السوفياتية , حيث قال : صباح هذا اليوم أرسل لي بوريس يلتسن ملفاَ يحتوي على عدد من الأوامر والقرارات التي إتخذتموها مساء أمس وأطلعت عليها , وأن كل ما قمتم به ومعكم الرئيس الروسي يلتسن من قرارات كانت تحت ضغط الظروف وهي قانونية وفي يوم 24/ آب 1991 أعلن غورباتشوف عن تنحيه الطوعي من منصب الامين العام للحزب الشيوعي السوفياتي وطالب أعضاء اللجنة المركزية للحزب بأن يسيروا على خطاه , أما يلتسن فوقع من داخل البرلمان قرار توقيف نشاط الحزب الشيوعي الروسي , بلا شك بدون ان يأخذ قرار من البرلمان الذي كان مجتمعاَ . وإستدرك غورباتشوف قائلاَ لم يشارك الحزب الشيوعي الروسي في المؤامرة , وأقولها لكم بكل وضوح إلغاء الحزب الشيوعي الروسي سيكون خطأ فادحاَ , ورد يلتسن القرار قد وقع وإننا لا نتحدث عن إلغاء الحزب وانما عن وقف نشاطه الى ان تتمكن النيابة العامة من تحديد مدى مساهمته في الانقلاب , وواصل يلتسن حديثه و إضافة الى ذلك ان الحزب الشيوعي الروسي لم يسجل رسمياَ في وزارة العدل حتى الآن .(6) .

بغض النظر عن مهزلة الحوار بين شخص منتصر وهو يلتسن وشخص ضعيف منهزم مثل غورباتشوف الذي أصبح الرجل الثاني في البلاد بعد أحداث 18/ آب 1991 , فأن النيابة العامة أقرت لاحقاَ بشرعية عمل ونشاط الحزب الشيوعي الروسي وعدم تورطه بأي أعمال مخالفة للدستور والقانون , وأن قرار يلتسن بحل الحزب الشيوعي لا يخفي من وجهة نظري الأنتقام والحقد والثأر الذي يحمله يلتسن ضد الحزب الشيوعي الذي كان عضواَ فيه واصبح سكرتير تنظيم مدينة موسكو الى أنه طرد من اللجنة المركزية في 3-12-1987 .

هنا يطرح سؤال : هل ان يلتسن كان يحصل على دعم خارجي وبالذات من الولايات المتحدة الامريكية في تحركة ؟ كل المعطيات التأريخية تؤكد ان يلتسن كان يحظى بهذا الدعم , الذي تكشف لاحقاَ بعد احداث 18/ آب 1991 .

( يتبع)

ملاحظة / سأتناول في الحلقات القادمة تداعيات 18/ آب داخلياَ ودلياَ وأثرها السلبي على شعوب العالم واحزابها الشيوعية واليسارية بتفكك وانهيار الاتحاد السوفياتي وظهور النظام الدولي الجديد ومظاهره المتعدده ومنها عولمة الفقر وانتشار المجاعة وبالذات في البلدان النامية .

9-8-2011



(1) ليونيد مليتشين- تاريخ روسيا الحديثة من يلتسن الى بونين – نرجمة واعداد طه والي – منشورات دار علاء الدين – الطبعة الاولى– سورية – دمشق – السنة 2001 . ص- 12 .
(2) ليونيد مليتشين . نفس المصدر السابق . ص- 9 .
(3) ليونيد مليتشين . نفس المصدر السابق . ص-12 .
(4) ملاحظة : ماجاء من نصوص واقوال واسماء استناداَ لما ورد في المصدر السابق – ص- 14 و15 .
(5) ليونيد مليتشين . نفس المصدر السابق – ص . 18 .
(6) ليونيد مليتشين .مصدر سبق ذكره . ص- 29 .
 

free web counter