| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عمانوئيل تومي

 

 

 

الأحد 21/3/ 2010

 

القوش (قلعة ألألامو العراقية)

عمانوئيل تومي

اتذكر جيدا عندما كنا صغارا كان لنا شغف كبير بمشاهدة ومتابعة الافلام السينمائية وخاصة افلام الغرب (ما كنا نسميها بافلام العصابات ) , ولدرجة حماستنا وسذاجتنا طبعا كان وقوفنا ومناصرتنا دائما الى جانب المستوطنين البيض نشجعهم ونصفق لهم لانتصاراتهم في معاركهم ضد السكان الاصلاء (الهنود الحمر), كنا صغارا لا نفقه بالسياسة والظالم والمظلوم او القاتل والقتيل او من يمثل الخير ومن يمثل الشر ولا سياسة التهجير والاستحواذ على اراضي وممتلكات الغير , كانت بالنسبة لنا فقط متعة مشاهدة هذه الافلام .

احد تلك الافلام المهمة التي بقيت عالقة في ذهني هو فلم تحت عنوان (قلعة ألألامو) بطولة الممثلين المعروفين جون واين وريتشارد ويدمارك والذي ربما يتذكره العديد من القراء الكرام , الفلم يروي عن اخر معركة فاصلة بين المستوطنين البيض والسكان الاصلاء من الهنود الحمر في اميركا في العام 1836 يحكي الفلم عن الدفاع المستميت للهنود الحمر على ارضهم واخر مستوطنة لهم وهي (ألألامو) والتي انتهت في النهاية بمذبحة كبيرة ومقتل ألألاف منهم , كان ذلك ايذانا واعلانا عن سقوط اخر منطقة او قلعة للسكان الاصلاء في اميركا وبداية النهاية للوجود الحقيقي لهذا الشعب العريق على ارضهم , الارض الامريكية قبل ان يبدأ بالذوبان في ثنايا القادمين المحتلين الجدد .

مرت السنوات وطالت وكبر عددها وكبرنا معها واذا بنا نجد انفسنا اليوم نعيش حالة مأساوية لا تختلف كثيرا عن ما عاشه الهنود الحمر في تلك الفترة .

استحضرت احداث هذا الفلم التراجيدية وقارنتها بالاوضاع التي نعيشها على ارضنا ووطننا العراق نحن سكان بلاد الرافدين الاصليين اصحاب هذه الارض من (الاشوريين الكلدان السريان ). ان انحسار تواجدنا وعددنا ليس بالحدث الجديد ولا وليد البارحة بل انه يمتد عبر التاريخ لعشرات بل مئات السنين , لا اريد هنا ان ادخل في التفاصيل التاريخية قبل الفين وثلاثة الاف من السنين اي منذ سقوط اخر دولة بيت نهرينية المنشأ , منذ سقوط بابل وقبلها نينوى ومن ثم سيطرة الاقوام الفارسية والبيزنطية والمغولية ثم مرورا بالغزوات والحروب العربية الاسلامية وبعدها سيطرة الامبراطورية العثمانية واخرها الاستعمار الحديث (البريطاني) . تاريخ طويل وقاسي جلب الدمار والاسى والالم لابناء هذه المنطقة وهذا البلد العزيز بالذات , والعجيب في الامر ان ابناء هذه الارض الاصليين (الاشوريين الكلدان السريان) كانوا دائما الضحية لهذه الصراعات والوقود لحروب هؤلاء الطامعيين بالسيطرة على هذه الارض الطيبة المعطاء ولا زال هذا الحال الى يومنا هذا . وما المذابح والدمار والتهجير على مر العصور والموثقة تاريخيا الا دليل ساطع وواقع مرير ونموذج سئ لهذه الجرائم والممارسات, وشوفينية القوميات الاكبر خاصة في منطقة الشرق الاوسط ليس فقط على ارض الرافدين بل مورست هذه الاعمال والجرائم البشعة من التطهير العرقي وتغيير الهوية في دول المغرب العربي تجاه شعب الامازيغ البربر الذين عانو ما عانو من سياسة التعريب وتغيير الدين منذ مئات السنين الى يومنا هذا , كذلك ما حصل ولا زال يحصل في مصر ضد الاقباط المسيحيين من سياسة الظلم والتطهير العرقي والديني وغيرها امثلة عديدة .

ان ما يحدث اليوم في العراق بشكل عام وفي سهل نينوى والموصل بالتحديد نموذج وصورة قاتمة للوضع المأساوي الذي يعيشه أبناء شعبنا العراقي الاصيل , مرة اخرى نصبح هدفا ووقودا للصراع الدائر الان بين الاطراف الكبيرة عدديا المدججه بالسلاح والمسيطرة على المنطقة والتي لا تتوانى عن اقتراف ابشع الجرائم بحق الناس الامنين الطيبين العزل ومن خلال استخدام عصابات الجريمة والقتل والتطرف الديني والقومي من اجل ارهاب ابناء هذا المكون العريق واجبارهم على الهجرة او تغير الدين والهوية والا مصيرهم القتل والاغتصاب والفناء .

ان الصراع الخفي او المعلن الدائر الان بين طرفي المعادلة على الساحة ( السياسية ) السلطوية العراقية بين الجانب العربي والجانب الكردي للسيطرة على ما يسمى (( بالمناطق المتنازع عليها )) هو اخر حلقة في مسلسل الأستحواذ على اراضي وقرى ومدن ابناء الرافدين (الاشوريين الكلدان السريان) بعد ان اضطر بعد سلسلة طويلة من الاغتيالات والتفجيرات التي طالت الكنائس والبيوت الى هجرة غالبية ابناء شعبنا في وسط وجنوب البلاد هذا الى جانب الاستحواذ على المئات من القرى والقصبات في شمال العراق (كردستان)وتغيير التكوين الاجتماعي والاثني لها من قبل القوى الكردية المهيمنة , نشهد هذه التجاذبات السياسية والصراعات من اجل السيطرة على اكبر قدر ممكن من الاراضي بين المكونات (الكبيرة ) في البلاد على حساب المكون الصغير ولكن الاصيل وكأن الامر لا يعني هذا المكون وانهم يعاملون كضيوف او مستأجرين لهذه الارض لا ناقة لهم فيها ولا جمل !! الانسان في سهل نينوى حاله حال انسان يعيش بين فكي ديناصور كبير لا يعلم ايهما سيطبق عليه الاول ويقضي عليه, الفك الشمالي ام الجنوبي .

ان انتشار عصابات القتل والخطف والتفجير ليست اعتباطا بل تأتي من ضمن مخططات واستراتيجية طويلة الامد سواءا كانت من جانب القيادات العربية جنوب السهل ام القيادات الكردية شماله او من ينوب عنهم . يحصل كل هذا والحكومة المركزية تتفرج مكتوفة الايدي وكان الامر لا يعنيها وكانها ليست هي المسؤولة اولا واخرا لحماية مواطنيها مهما كانت انتماءاتهم الاثنية او الدينية , ان مواقف العديد من القياديين في السلطة شمالا كانو ام جنوبا اقل ما نستطيع ان نصفه (بالدبل مورال ) او ادعاءات مزيفة, حيث انهم يتبارون الى المثول امام عدسات التلفاز يذرفون دموع التماسيح ويعلنون عن ألمهم واستنكارهم على الاعمال الاجرامية التي تحصل ضد ابناء البلد الاصليين , حقيقة ممثلين ولكن ممثلين فاشلين من الدرجة العاشرة لا يحسنون التمثيل , كلام وتصريحات لا تشبع ولا تسمن بل ولا تغير واقع الحال , تصريحات اكل الدهر عليها وشرب وكأن لسان حالهم يقول وكل من جانبه ( متى سنستحوذ على هذه الاراضي وعلى هذا الموقع الاستراتيجي الكبير وقبل ان يسبقنا اليها الاخر ) .

من جانب اخر نجد المحزن المبكي حيث القيادات او بالاحرى من تسمي نفسها بالقيادات السياسية والدينية (وهنا لا أعمم بل الغالبية منهم) من مختلف الاحزاب والكنائس التابعة الى شعبنا , نجد كأن الامر لا يعنيهم او بالكثير يخرجون علينا ببعض التصريحات والبيانات البائسة والخجولة بل المقرفة هنا وهناك التي انا اعتبرها كذر الرماد على العيون وذلك من اجل الادعاء بالدفاع عن هذا الشعب ولكن في حقيقة الامر هو الدفاع عن كراسيهم ومواقعهم الوثيرة التي تدر عليهم اموالا طائلة . والاسوأ من هذا والذي حقيقة يحز في القلب انه لا يكف بعض هؤلاء رجال الدين (الكبار) في هذه المناسبة او تلك على الاعلان في المحافل الدولية وامام المنظمات العالمية بالقول (( انه ليس هناك خطر على ابناء شعبنا وان بعض الحالات المنفردة من العنف ليست موجهة ضد ابناء شعبنا بشكل خاص بل موجهة ضد كل ابناء البلد . . .بلا بلا بلا)) نعم نسمع مثل هذا الهراء والتصريحات والخزعبلات امام الهيئات واللجان الدولية من قبل (قياديينا الدينيين والدنيويين) وهناك شهود عيان أوربيين أكدو لي ذلك شخصيا .

بهكذا صورة قاتمة وحال مأساوي ارجع الى ما ذكرته في بداية مقالتي . . هل بدأت ( ألألامو) العراقية؟ هل بدأت فعليا (المعركة ) الاخيرة, معركة التطهير العرقي لأستحواذ الحيتان الكبيرة على بحار الاسماك المسالمة الصغيرة ؟ هل بدأ العد التنازلي على اخر موقع لنا, على اخر منطقة استراتيجية - سهل نينوى- حيث نرى التغلغل والتهديد على العديد من القرى والقصبات التي تقع في اسفل سهل نينوى والمد الجرادي (نسبة الى السنة التي هجمت على سهل نينوى الملايين من الجراد في بداية القرن العشرين وأتت على الاخضر واليابس وتسببت في حدوث مجاعات ومعانات بين السكان) اقول هل بدأ المد الجرادي من الشمال والجنوب لهذه الارض المقدسة التي يعود تواجدنا فيها الى فقط اربعة الاف عام على الاقل بشكل مستمر وبدون انقطاع اي قبل ان تتواجد هنا عناوين وتسميات ومسميات اخرى , هل ستكون القوش اخر شعلة تنطفأ ( لا سمح الله ) بعد ان تكون قد انطفأت في مدننا وقرانا العزيزة الاخرى , هل سيضطر الالقوشيون الى الدفاع عن بلدتهم العريقة واهلها وعن اخوتهم وابناء جلدتهم من القرى والقصبات الاخرى مثلما حصل ذلك مرات عديدة اذكر منها على سبيل المثال لا الحصر ماسي عام 1933 والابادة الجماعية واخرها كان احداث السيتينات من القرن الماضي , هل سنشهد في سهل نينوى موقعة ألألامو النهرينية الاخيرة ؟؟؟

لا اريد ان اكون متشائما ولكن في نفس الوقت لا أريد أن اضع رأسي مثل النعامة في الرمل وأدعي أن لا خطر وفناء يهدد اهلي وشعبي مثلما يفعل غالبية من يطلق عليهم قادة سياسين وقادة الكنيسة والذين سيحاسبهم التاريخ ويلعنهم يوما على خيانتهم وخذلانهم لقضية الشعب الذي ينتمون اليه . احاول ان اكون واقعيا بقدر الامكان , لان كل الدلائل والتحركات السياسية بالاضافة الى التهديدات والاغتيالات والتفجيرات والتهجير المبرمج تدل على ان الهدف الغير معلن طبعا هو اخلاء المنطقة من ابناءها ابناء العراق الاصليين (الاشوريين الكلدان السريان) , ومن يعتقد غير ذلك مع احترامي . .هو حالم.

اخيرا وليس اخرا اقول هل سيعيد التاريخ مرة اخرى نفسه ولكن هذه المرة على ارض شهدت ولادة اعرق حضارة واقدم شعب قدم للانسانية الكثير منذ اقدم العصور ولحد الان .

هل سنشهد في سهل نينوى وفي القوشنا العزيزة (ألألامو الاخيرة) العراقية ؟؟؟


 

فنان وناشط سياسي

 

 

free web counter