| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عمانوئيل تومي

 

 

 

الأحد 13/12/ 2009

 

شعب ممزق وامة تحتظر
(2)

عمانوئيل تومي

مساهمة في الحوارات الدائرة بالشأن القومي لشعبنا وأنكساراته
سؤال يطرح نفسه : - عن أي شعب نحن نتحدث ؟ ( الشعب الآشوري , أم الشعب الكلداني , أم الشعب السرياني , أم الشعب الآرامي ) ، أم عن ( الشعب الكلداني الآشوري السرياني الآرامي ) كلها معا ؟؟ , في الحقيقة إنها لمأساة أن يتسمى شعب واحد بتسميات عدة والمأساة الأكبر في أن لا يستطيع أبناء هذا الشعب وخاصة ما يسمى بقادته أن يتفقوا على تسمية واحدة موحدة لشعب يعتبر ربما احد أقدم من سكن المعمورة , كان هذا لم يكن سببا كافيا على الأقل لتجنب سخرية ومهاترات الآخرين من القوميات والشعوب الأخرى الصديقة المتجاورة معنا عندما يأتي ذكرنا في هذه المناسبة أو تلك , فالحيرة الكبيرة بان لا يعرفوا كيف ينادوننا , فلتجنب الاشكال يطلقوا علينا تسمية (مسيحيين ) ككنية قومية .

سقت هذه المقدمة ( التعبوية ربما ) معبرا عن حالة من الألم والخيبة والإحباط التي تعتصر قلبي وقلوب العديد من المخلصين من أبناء هذه الأمة على الحالة المزرية التي وصلنا إليها ، وأنا هنا لا أريد أن أكون متشائما أو محبطاً ولكني فقط أحاول قراءة الواقع المؤلم الذي نحن عليه بعيدا عن المهاترات والمجاملات وتقديم الصورة القرمزية لواقع لا نستطيع أن نصفه إلا بالبائس والمدمر.

في الحقيقة من النادر أن تجد اليوم شعب أو امة تعيش الحالة المأساوية من التشرذم والضياع مثل ما نعيشه نحن , شعب يتسمى بعدة تسميات مركبة إنها لحالة كارثية , تصور يسألك شخص عن قوميتك وأنت تتمشى في احد شوارع دمشق أو عمان ... فكيف تجيبه (والله أنا كلداني آشوري سرياني ) , أو يسألك ما هي لغتك فتجيبه ( أنا أتكلم السريانية الكلدانية الآشورية ) ناهيك عن انه البعض منهم من يقول أنا لغتي الآرامية , أما إذا سألنا عن مذهبنا ؟ فحدث ولا حرج فلله الحمد شعب لا يتجاوز عدده المليونين فيه من الكنائس والمذاهب عدد لا يحصى حيث يكفي لتغطية نفوس الصين والهند معا . يا للسخرية !!

يبدو لي أننـا نحن أبناء هذه الأمة لا نتعلم من دروس التاريخ والإحداث والتجارب المأساوية الكبيرة التي مرت علينا عبر الأزمان وكأن التاريخ يعيد نفسه . اسمح لنفسي أن أطلق مقارنة بسيطة ولكنها ذات دلالات جوهرية ومهمة لنقارن وضعنا في المئة سنة الأخيرة على سبيل المثال وبين الفترة الزمنية ما قبل الميلاد أي بالضبط فترة الصراع بين نينوى وبابل وبالتالي سقوط آخردولة وطـنية ( بيت نهريـنية المنشأ ) ؟ لنقارن ( مع الفارق السياسي والحجم السكاني الكبير طبعا ) ماذا نرى :-

1 - صراع سياسي سلطوي بين بابل ونينوى من اجل النفوذ والحكم .
2 - فساد إداري واجتماعي على كل المستويات وهذه حقيقة لا يستطيع أن ينكرها احد , يكفينا الإطلاع على المئات بل الالاف من المصادر والدراسات في جامعات العالم ومؤسساتها الثقافية والمتاحف للتاكيد على ذلك .
3 - تنامي أطراف الإمبراطورية سواء التي حكمت في نينوى آو في بابل وبالتالي إصابة السلطة الحاكمة بالغطرسة والأنانية والغرور واعتقادهم بان سلطانهم وجبروتهم وجيوشهم لا تقهر .
4 - تزايد نفوذ رجال الدين آنذاك وسعيهم إلى بسط نفوذهم وبالتالي استفحال الصراع فيما بينهم وتكوين تكتلات وتجمعات نستطيع أن نسميها بالطائفية والمناطقية بالمفهوم الحديث وبالتالي ظهر أسلوب المؤامرة وبث المفاهيم التي ساهمت بشكل كبير بخلق واقع مهزوز داخل المجتمع والدولة مما أدى إلى إضعاف الكيان الاجتماعي والسياسي وبالتالي عدم الشعور بالعائدية إلى امة واحدة أو شعب واحد .
5 - امة آو دولة في هكذا حالة من الفوضى والصراع الداخلي والمؤامرات وبالتالي النخور في هيكلها اصبحت بالضرورة هدفا لإطماع الأمم الأخرى , ولا زال علماء التاريخ في حيرة من امرهم للوصول الى حل هذا اللغز عن هذا الانهيار السريع والمفاجئ لسلطة نينوى في 539 ق,م وبعدها سقوط بابل في 612 ق, م !!! .

إن الغرض من طرح هذه النقاط المختصرة هو بسبب التشابه الكبير بين تلك الفترة وما نعيشه اليوم :-
1 – أننا وللاسف نعيش تلك الحالة التي عاشها أسلافنا قبل ألفين وخمسمائة عام , ألا نعاني من تراجع والابتعاد عن الضوابط الاجتماعية والتقاليد المتوارثه لدى العديد من أبناء الأمة وعن القيم والمثل العليا التي كانت تتميز بها امتنا ؟ أما على الصعيد السياسي والقومي فالتناحر والتفرقة والصراع على التسمية والنفوذ وتمثيل الأمة وبالتالي (الكراسي ) على أشده , هناك صراع ألان بين الأحزاب والكنائس والتجمعات وحتى الأفراد على كل شئ عدا مصلحة الأمة وتوحيدها فلا احد يهمه الأمر وكأنه ينطبق القول علينا ( إذا مت ظمآن فلا نزل القطر ) .
2 - ضاهرة او حالة من التزمت والتعصب وعدم قبول راي الاخر اصبحت حالة مرضية من الصعوبة الشفاء منها اذا استمر الحال بهذا الشكل , الكل يعتقد انه هو المحق وهو صاحب الرأي الصائب والسديد والأخر على خطا فهو بالضرورة عدو ماحق خارج عن الدرب القويم .
3 - أما الحديث عن رجال الدين ففي الحقيقة والواقع أستطيع أن اجزم بأنهم يتحملون القسط الأكبر من المسؤولية لمأساة هذه الأمة ( وأنا هنا لا أعمم بل اقول الغالبية منهم) !! فعوضا من أنهم يوظفون مواقعهم الدينية ويعملون إلى جمع إطراف هذه الأمة والعمل على توحيدها وحمايتها من التشرذم والضياع باعتبارها أمانة في أعناق الجميع الا انه وللاسف الشديد نشاطهم وافعالهم واقوالهم تبين لنا العكس من ذلك فخطابهم الديني ينقلب الى حرب كلامية في كثير من المناسبات وحتى تحريضية ضد الطائفة الاخرى. أليس هذا بالضبط واقعنا ألان وأستطيع أن أقول واجزم بأنه أسوا من ذلك بكثير . لننظر إلى حالة التشرذم والأنقسام والتمزق والانصهار والكراهية والأحقاد وعدم الثقة بين بعضنا البعض والتخوين والتجريح ومـا إلى ذلك من صفات تواجدت فينـا سواء في أماكن تواجدنـا ، أو بين الشعوب إلتي تجاورنا العيش ، آوتلك الدول والشعوب الحاضنة لنـا كمهاجرين إليها . ان واقع الحال لهذه الأمة وما يحيط بها من ظروف مهيأ للاضمحلال والانصهار التدريجي ومن ثم الزوال وآخيراً الفناء ، هذا إذا استمر الحال بهذا الشكل أو إذا لم تحصل نهضة أو ( صحوة ) تنتشلها من هذا الموت البطئ والاندثار التدريجي .

لنكف عن وضع اللوم دائما على القوى والعوامل الأخرى خارج حدود الأمة , لأننا يجب أن نرفع الغشاء عن أعيننا ونقرا الواقع المر كما هو من دون تبريرات ولا أحلام يقضة , لأن المرض ينخر في جسد امتنا لذا يجب أن نضع اليد على الجرح لنشخص الداء ومن ثم إذا كان بالامكان ألقيام بشئ , نعم لا أنكر أن هناك عوامل خارجية عملت وتعمل دائما من اجل إزالة وتمييع هذه الأمة ذات التاريخ العريق من الوجود بشكل مباشر ومتعمد أو بتحصيل حاصل وغير مباشر , ولكن المشكلة بالأساس وكما ذكرت في بداية حديثي هي فينا نحن , في بقائنا مخدرين نعيش على أحلام الماضي وعلى الذاكرة تاركين الحاضر يترسخ بسبب تكاثر جراثيم التفرقة والأنانية والتزمت الأعمى وهذا الجسد يتفسخ لا محال ثم الابتعاد عن تعاليم السيد المسيح ألذي دعا إلى المحبة والتسامح والابتعاد عن زرع بذور التفرقة والتناحر .

في الحقيقة ان الحل يكمن في الكف عن التنظير ودفن الرؤوس في الرمال , الحل هو التحلي بالشجاعة ( التي يبدو أننا افتقدناها ) ولو لمرة واحدة في حياتنا وان نشخص المرض والخلل الذي فينا كمجتمع وكأفراد وكتنظيمات وأحزاب وفئات ورجال الدين بشكل خاص ومن جميع الطوائف والمذاهب , الحل في أن نتكلم بصراحة ومن دون حرج ومجاملات لا تغني ولا تسّمن , يجب أن نشخص الأخطاء القاتلة التي أرتكبت على يد غالبية القادة من رجال الدين والسياسيين وحتى العديد من الناشطين والكتاب الذين دخلوا في نقاش بيزنطي لا يقدم ولا يؤخر .

بصراحة لوكنت اكتب سيناريو فلم عن هذه الامة فخيرعنوان ينطبق عليها هو( شعب ممزق وأمة تحتضر ) نعم إن هذه الامه ( الكلدانية .. السريانية .. الآشورية .. الآرامية ........ الخ )في خطر .. وتموت رويدا رويدا .. يا سبحان الله ... أن التاريخ يعيد نفسه ولأكثر من مرة ونحن لا نتعلم والأمة لا تتعض , الفرق هذه المرة ان الموت بطيئ لذلك لا نشعر بقدومه !!

الحل:-
الحل هو في أن يجتمع ويتكاتف المخلصين والشجعان من النساء والرجال من هذه الأمة كي يتدارسون الوضع المأساوي الذي نعيشه ولكي يتم اتخاذ قرارات تاريخية قبل فوات الأوان ومن اجل إعادة سارية المركب في الاتجاه الصحيح للإبحار صوب بر الأمان إلى مستقبل امن ومضمون يعطي الحق لامتنا بالبقاء والوجود لتقف جنبا إلى جنب مع الأمم الأخرى إقليميا وعالميا , ومن اجل المساهمة بدورها في بناء مستقبل الانسانية ككل .

لماذا لا نحاول أن ندرس تجارب الشعوب الأخرى التي كانت تعاني مثل معاناتنا ولكنها وعت واقعها وحالتها البائسة وسارعت إلى توحيد صفوفها والعمل من اجل مصير ومستقبل شعوبها . لنأخذ على سبيل المثال لا الحصر تجربة الشعب اليهودي حيث كان إلى بداية القرن العشرين شعبا ممزقا متفرقا وحتى في صراع عنيف فيما بينه من اقتتال وضحايا , مجموعة تسمي نفسها باليهود ومجموعة أخرى بالعبريين وأخرى بالإسرائيليين وأخرى بالاشكنازي والسفرادي ... الخ .

في تلك الضروف المزرية التي كان يعيشها هذا الشعب من صراع داخلي انبرت مجموعة من الناشطين اللذين أدركوا خطورة الموقف وكان في مقدمتهم ( هرتزل و بن كوريون ...وغيرهم ) دعت إلى توحيد الصفوف ونبذ الخلاف ووضع مصلحة الأمة قبل كل شئ وان يتحد الجميع تحت اسم واحد ولغة واحدة وراية واحدة مع العمل الدؤوب والتنازل بعضهم لبعض والتضحية ونكران الذات ، تم لهم ما أرادوا وبدأت عملية بناء الأمة من جديد , والدليل على ذلك انظروا أين هم ألان ؟

إني أتساءل هل لدينا نحن نفس الشجاعة والحب لهذه الأمة وهذا التاريخ وتلك الحضارة , هل لدينا في الواقع ذلك الشعور الحقيقي بالمسؤولية تجاه أستمرارية وجودنـا أو أندثارنـا ، أن الحفاظ على التأريخ والحضارة لأمتنا وديمومتهما واجب عليناعلى اعتبار أنه دين في أعناقنا للأجيال القادمة , فهل يستطيع رجال الدين المتعصبين والمتزمتين منهم أن يتخلوا عن أنانيتهم ويتمثلون بروح السيد المسيح وتعاليمه السمحة ويعملون على توحيد الكنيسة التي جزأت بالأساس على يد أسلافهم من رجال الكنيسة . هنا تحضرني واقعة قبل بضع سنوات عندما حضر إلى العاصمة السويدية ستوكهولم مسئولين كبيرين جدا من (( الكنيسة الكلدانية)) و (( الكنيسة الآشورية)) وأثناء لقاء كبير مع أبناء الرعية من الكنيستين بادرت بسؤال إلى المسئولين عن المدة التي ستستغرق مسالة توحيد الكنيستين اللتين كانتا بالاساس كنيسة واحدة , فكان جوابيهما لي ( إن ذلك يستغرق ما لا يقل عن عشرة سنوات ) تصوروا !!! واليوم قد مرت على ذلك اثنى عشر عامـاً ... ولا زال الخلاف والصراع مستعراً , بل على العكس فانه يزداد .
يكفي مثل هكذا جواب أن نستشف مدى عدم جدية بعض الجهات إن لم نقل غالبية مسئولي الكنيسة بمختلف ألوانها وتسمياتها في مسالة توحيد الكنيسة وبالتالي توحيد الامة لذلك فهذه الأمة , أمة مغلوبة على أمرها .

وللحديث بقية
 

2009/03/26
 

¤ شعب ممزق وامة تحتظر (1)
 

 

free web counter