| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

ضياء حميو
dia1h@hotmail.com

 

 

 

الأثنين 1/2/ 2010



يخطط للعودة الى بغداد ثانية
حكايات يرويها مهاجر امضى ثلاثين عاما في الغربة

حاوره ضياء حميو- كوبنهاكَن

التقيناه في "كوبنهاگن" قادما من "بغداد" التي يقيم بها حاليا، وهو في زيارة عائلية وإجراء بعض الفحوصات الطبية وعلى وشك الرحيل صوب حبيبته التي لا يقوى على فراقها " بغداد " أو " بغدادي " كما يحب ان يسميها.
عبد اللطيف عبد الله : من مواليد بغداد عام 1946 ،خريج معهد التكنولوجيا " الجامعة المستنصرية لعام 1969 الناشط الطلابي والعامل النقابي والمناضل السياسي اليساري ،موظف فني متخصص في سكك الحديد العراقية لغاية عام 1979 عام مغادرته العراق مرغما،ولاحقا المتخصص والخبير التقني بقطارات الديزل لمدة ثلاثين عام في مؤسسة سكك الحديد الدنماركية.
حاولنا ان نعرف في بداية اللقاء حقيقة قصة قديمة حدثت أوائل الثمانينات في "كوبنهاگن" هو ومجموعة من رفاقه جعلتهم بمواجهة مسؤولين كبار في نظام الحكم السابق منهم " سعدون حمادي " و" محمد سعيد الصحاف "؟!
بلطجية في كوبنهاگن
يقول عبد اللطيف في هذا : " كان ذلك أوائل الثمانينات، عُقد مؤتمر السلم العالمي في "كوبنهاگن" كنت مع آخرين من رفاقي ممثلين المنظمات غير الحكومية العراقية " نساء ، طلبة ،شبيبة ،عمال" ،وكان وفد نظام صدام ممثلا للمنظمات الحكومية يقوده " سعدون حمادي ،محمد سعيد الصحاف ،منال الآلوسي ، محمد دبدب" بالإضافة إلى أعضاء السفارة العراقية والحماية الخاصة بهم ،كانت مواجهتهم لنا يومية على مدى سبعة أيام وتهديدهم لنا باغتيالنا نحن وعوائلنا لم يتوقف يوما واحد ،إحدى المرات وضمن فعالياتنا الفاضحة للنظام رسم الفنان "سعد علي" لوحة رمزية للدكتاتور فماكان من " سعدون حمادي " إلا ان يستشيط غضبا ويحمل علب إصباغ قريبة ويلطخ اللوحة بأكملها بيديه أمام أنظار وفود العالم الذي استهجنوا تصرفه جميعا ،نعم كانوا يتصرفون " كبلطجية "،كنا منظمين أكثر منهم هيأنا لوحات وبوسترات تفضحهم بالانگليزي والفرنسي والألماني والروسي والدنماركي والعربي ،وفي كل اللجان التي كنا ممثلين بها كنا نعري ونفضح ممارسات الدكتاتورية ،وحين نبدأ في الحديث كان وفد النظام يضرب الطاولات ويبدأ بالصراخ لمحاولة منعنا من إسماع صوت شعبنا ،وإثر ذلك وُجهت له ثلاث إنذارات كان آخرها إنذار بالطرد من المؤتمر .
ثلاثون عاما في الدنمارك لم اكن لاستكن لرغد العيش بل كنت ناشطا سياسيا فعالا ومنذ البداية كنت اخرج في الاعلام الدنماركي واعري النظام الدكتاتوري وممارساته بحق ابناء شعبنا، في حينها لم تكن هنالك معارضة سياسية عراقية في الدنمارك كما عرفت لاحقا في التسعينات باحزاب مختلفة ،كان هنالك شيوعيين فقط ، انا اتحدث عن الثمانينات".

حسنا حدثنا عن السنة والنصف التي أمضيتها في بغداد...!
يقول عبد اللطيف متأهبا لإجابة طويلة : "الشيء الذي سأبدأ به هو المطار : والحق يقال هنالك تعامل ايجابي من قبل العاملين في مطار بغداد الدولي تستحق التثمين ، طريقة الاستقبال تشعرك ومنذ اللحظة الأولى انك بين اهلك ،هنالك كادر احترافي تمنيت ان أجده في باقي دوائر الدولة ولكن ..!!"
العقبة الأولى في وزارة المهجرين والمهاجرين " ينفعل عبد اللطيف " ويكمل : "مايواجهه المواطن المهاجر الراغب بالعودة سلوكا يدل بعدم الرغبة بعودة المهاجرين ،المعاملة يااخي العزيز لاتليق بنا لاانسانيا ولاحضاريا ،نحن لسنا في احدى جمهوريات افريقيا الغارقة في التخلف ،سأقص عليك رحلتي في هذا ...
أهم مايواجهه المهاجر العائد الى وطنه هو إثبات انه مهاجر ..اي استخراج بطاقة تؤكد "انك مهاجر لم تعد الى العراق الا بعد التغيير" ..نصيحة الأهل والأصدقاء الأولى لاستخراج هذه البطاقة تقول : " إدفع وجنب نفسك عناء الروتين والتعطيل " موقفي كان ضد مبدأ الرشوة، ان كان للرشوة مبدأ ،قلت: لن ادفع ...!
أنا عراقي ،لدي جنسية عراقية قديمة ، أبي مازال على قيد الحياة وإخوتي وأخواتي في بغداد وكلهم عراقيون ،لماذا ادفع لأثبت عراقيتي!؟

في رحلة إستخراج بطاقة " مهاجر "
يقول عبد اللطيف :"
وجدت ان الوزارة ليس لديها خطة أو برنامج لاستقبالنا وتسهيل عودتنا وانخراطنا في بناء مجتمعنا ،عملها يرتكز على المعارف الشخصية و " الدفع "..للأمانة لم التق شخص من عاملي الوزارة يقول لي " ادفع ".. علنا ،ولكن تعطيل المعاملة يوصلك الى هذه النتيجة..!
طوال أربعين يوم أراجع بها وكل شخص يرسلني لشخص آخر ،إلى أن " تهسترت " في إحدى الأيام وصرت اصرخ في إحدى الدوائر التابعة للوزارة..خرج المفتش العام في الرصافة وهدأني وطلب رقم هاتفي وأخذ معاملتي بوعد انه سيتصل بي حين استكمال الإجراءات الروتينية ،لم يتصل بي احد لمدة اسبوعين ، عدت ثانية وقابلت المفتش العام ذاته ،الذي نسي الموضوع ..!
وتذكر بعد ان ذكرته ،ولمدة أربع ساعات استنفر الموظفون يبحثون عن معاملتي ،وجدوها أخيرا في احدى الخزائن المهملة ،وحين فحصها المفتش العام اخبرني بان معاملتي يجب ان أراجع بها منطقة الحارثية في الكرخ لا الرصافة ..نعم بعد أربعين يوما كان هذا الجواب...!
المشكلة في تقديري ان الموظفين " هواة " ليس لديهم اي خبرة أو تأهيل لشغل وظائفهم ، الذي أهلهم لشغل وظائفهم هو المصالح الحزبية الضيقة والاتفاقات السياسية ، أرجو ان تفهمني انا لست ضد فئة من ابناء شعبنا العزيز ولكن اتحدث عن " الرجل المناسب في المكان المناسب ".

في فرع الكرخ
"وفي الكرخ بدأت رحلة المعاناة الثانية ..كانت الدائرة عبارة عن بيت والمراجعة عبر الشبااك وجدتُ المئات من اخواننا " المهجرين " ..ولكن قضيتي تختلف لأنني " مهاجر " ولست مهجر ،ولكي أصل للشرطي الموظف الواقف على احد الأبواب وأقول له انا " مهاجر " كي أراجع الموظف المسؤول كان علي ان " اقف بالدور لمدة ساعتين ،وفي رحلة الوقوف يجب ان تكون حذرا من النشالين " وبالفعل تعرضت لثلاث محاولات نشل..!
وحين قابلتُ الموظف ليرشدني لما مطلوب مني بدا لا يعرف شيئا (طلب مني اشياء تعجيزية) ..جواز السفر الذي غادرت العراق به لأول مرة قبل ثلاثين عاما ، ترجمةَ الجواز الدنماركي كاملا الى العربية ،واستنساخ كل شيء..الخ ، الظريف انه بعد اشهر حين وصلت معاملتي الى الوزارة استغربوا من كمية الاستنساخ والوثائق المرفقة ،واكتفوا بالجواز الدنماركي ونسخة قرار اللجوء السياسي الدنماركي قبل ثلاثين عام".

يضيف عبد اللطيف :"
سأذكر لك مفارقة ان الموظفين ذاتهم كانوا يسألوني عن إمكانية اللجوء إلى الدنمارك ، وهل استطيع تدبير "فيزه" لهم لمغادرة العراق ... بدوتُ لهم مجرما أو مجنونا لأفكر بالعودة...نعم هنالك موقف سلبي من " المهاجر "....
بعد أشهر حصلت على بطاقة مهاجر ،ومن ثم بدأتُ معاملة العودة الى الوظيفة،كان لدي رغبة هائلة بالعودة للوظيفة ،والاستفادة من خبرتي الطويلة كتقني متخصص في قطارات الديزل ،لدي خبرة ثلاثين عام من العمل ،من الدورات والتعليم في الدنمارك وبعض البلدان الاوربية المجاورة .
بعد أشهر زودتني وزارة الهجرة بكتاب " بائس " يقول إنني اطلب العودة الى وظيفتي ،لا كمفصول سياسي ..بل بناء على طلبي..!!
هذا كان معناه بكل بساطة إني لن أعود إلى وظيفتي لعدم وجود تعيينات وهو ما حصل...والى الآن ما زلت أحاول إثبات حقي بالعودة إلى وظيفتي كمفصول سياسي.

حينها سألنا " عبد اللطيف : كيف له ان يثبت انه سجين سياسي؟ ومن يعرفه في بغداد؟
ضحك بأسى شفيف وقال : "محطات القطارات التي كانوا ينقلوني فيما بينها معاقبا من بغداد إلى الموصل بل حتى إلى البصرة تعرفني " أما السجون فتمنيت لو انها تملك فماً لتتحدث ..أمن بغداد ،أمن السكك ،أمن الجعيفر ،الفضيلية ،الخيّالة ،و قصر النهاية ..هل يكفي هذا ..؟!!."

في رحلة تجديد الجنسية
يسترسل عبد اللطيف قائلا: "بدأتُ رحلة تجديد جنسيتي العراقية، وهنا طلبوا مني بطاقة تموينية، وحين ذهبت لاستخراجها طلبوا مني تجديد الجنسية..وهكذا وجدت نفسي في حلقة مفرغة " حلقة العروس التي تريد فانوسا والفانوس يريد فلوسا..الخ".
ولكن بعد اليأس لجأت مرغما للواسطة التي كنت ارفضها ، وبسبب الواسطة استخرجت " البطاقة التموينية " بفترة قياسية " أربعة أشهر...!
نعم حصلت على عروض بدفع مبلغ 250 ألف دينار لاستخراج "الجنسية ، وشهادة الجنسية ،والبطاقة التموينية وانا جالس بالبيت ،وحصلت على عرض ارخص ب 175 الف دينار رفضتها جميعا لمبدأ ان الراشي والمرتشي شريكان بجرم الفساد القانوني والأخلاقي،اما الواسطة فقد كانت اضعف الإيمان لدي ، وشعرت بالغبن لهذه المعاملة"
وفي سؤال آخر" عما يفعله الآن في بغداد بانتظار قرار يعيده الى وظيفته والاستفادة من خبرته؟ يقول عبد اللطيف :" اعمل متطوعا في الخيمة الطبية الشيوعية " خيمة الطبيب الجوال في بغداد" نزور الأحياء الفقيرة ونقدم المعاينة والعلاج والدواء مجانا بمعدل زيارة حيين فقيرين اسبوعيا ،نحن ستة متطوعين بيننا طبيب متخصص بالإضافة الى السائق.
انا سعيد ان أكون في وسط الفقراء من ابناء شعبي ،اسمع منهم وأتعلم .. اشرح طرق الوقاية من الأمراض وأهمية النظافة لتلافي بعض الأمراض بالإضافة الى التوعية بأهمية الديمقراطية ومسؤوليتهم في التعبير والمطالبة بحقوقهم من خلالها".

هل تنصح بعودة المهاجرين العراقيين الى وطنهم ؟
- يبتسم عبد اللطيف ويقول " فلنقل انك سألت السؤال كالتالي..هل أنت مرتاح بالعودة الى العراق ؟ سأقول وبكل صدق ..نعم ورغم كل ما أعترضني ويعترضني ، هذا الأمر يتعلق بالمرء نفسه ان يتفهم ويفهم سبب وجوده في وطنه.. حتى الأيام المغبرة ترابيا في بغداد ودرجة الحرارة التي لاتطاق صيفا " انا أحبها " لأنني جزء من ملايين من العراقيين يعيشون بنفس الظروف ..نعم هنالك روتين ممل في دوائر الدولة وفساد اداري وعدم كفاءة وهنالك أنانية وحب ذات ولكنه نتاج عشرات السنين من الحروب والحصار والحرمان والاضطهاد ، أي شعب بالعالم لو واجه ماواجهه العراقيون لما كان بأفضل حالا منهم..نعم المآسي كبيرة وهنالك تدني بالوعي أحيانا بشكل مفزع وهذا يجب فهمه على انه نتاج طبيعي وإرث ثقيل...!!
ولكن الحياة بدأت تسير إلى الأمام، بدأ شارع المتنبي ينبعث بالحياة وبدأت رغبة بالتغيير لدى الناس ،بدأت الكتب تجد قراءها ، الفضائيات والانترنت ، والهاتف النقال وسهولة الاتصالات كلها تسهل عملية ترميم ما لحق بالجسد العراقي من خراب...

نعم أنا متفائل بالعراق وعائد اليه بعد أربعة ايام".


رابط اللقاء في " جريدة الصباح العراقية " ليوم الاثنين 1/2/2010
http://www.alsabaah.com/20100201/pdf/p11.pdf
 

 

free web counter