| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

ضياء حميو
dia1h@hotmail.com

 

 

 

السبت 13/9/ 2008



صديقي الأمريكي

ضياء حميو

حينما التقيت به ، لم يكن يحمل مدفع " رامبو " الرشاش ، ولم يهبط من مروحية " آباتشي "، او متدرعا بعربة "هامفي " ! بل "أوراقا من العشب" *

كان بسيطا جدا ، ومسالما، لم يكن لقائنا الأول في زمن الاحتلال " التحرير " ، بل كان هذا قبل عدة سنوات، تحديدا في العام 1989 وفي قرية صغيرة من قرى ' الحلة ' في الفرات الأوسط..!

ورغم فارق العمر" كنت في الثانية والعشرين من العمر"، وفارق المسافة والثقافة..صرنا أصدقاء. منذ اللقاء الأول ولغاية الآن ، مبهورا ومعجبا بصديقي المميز، وفي اول فرصة سنحت لي !

أحببت ان اعرف حبيبتي به!

وهكذا ذهبت برفقته للقائها، كان موعدنا فوق جسر " بتـّه " في "الحله" ، وكعادتها نست الموعد وبقيت " مشتولا" بإنتظارها قرابة الساعتين، طبعا حزنت كثيرا إنها لم تأتي ، خصوصا انني لم أكن وحدي بل برفقة صديق أجنبي ،وهذا لايجوز مع الضيف، كانت هذة المرة الثانية التي تفعلها مع ضيف أجنبي ، هو ضيفي ، إذ إن المرة الأولى كانت قبل اشهر مع ضيف انكليزي ،هو السيد ' كولردج '! **

لم أحزن كثيرا حين ذلك، لان " كولردج " كان سوداويا ، وحزينا ، انتحر في ذات اللحظة التي لم تاتي بها حبيبتي للموعد من على جسر " بتـّه " ذاته في شط " الحله " ،لم يكن الموت بسببها بل وكما أعتقد بلعنة " طير القادوس " التي لازمة زمنا ما!والتي كما أظن ،جلبوها معهم الى مدينة " البصرة " مرتين : الأولى عام 1914 والثانية عام 2003 !!.

لقائي الأول بصديقي الأمريكي ،كان عفويا وبسيطا ، أتذكر لحيته الكثة المهيبة!

كطفل يتوسل الرفقة قال:( أيها الغريب ! اذا أردتَ ان تحدثني ، وأردتُ ان أحدثك ، فلم لاتحدثني ولم لاأحدثك!؟ )

وهكذا حدثته عن العراق ، وعن ' شط الحلة '، عن الطيور والأنهار، والغناء!

وحدثني هو عن ' أمريكا ' وعن ' المسيسيبي' وعن ' مانهاتن '، أحببت 'أمريكا 'و الشعب ' الأمريكي ' من خلاله.!

ولدماثته بعد ان لاحظ حزني ، وخجلي ، لتأخر أو عدم مجيء حبيبتي لموعدنا ، إقترح أن نبدد الوقت بالغناء، وهكذا غنينا معا أغنية نحبها:

( أيتها المتدفقة بالأنوثة

آه لو جذبتك إليّ

لأغرس فيك للمرة الأولى

شفتي رجل مقدام

..آه للسرعة

أن أنطلق حرا

أن أحب حرا

أن أضيع إن كان لابد من الضياع

أن أطعم بقيا الحياة ساعة إمتلاء وحرية

ساعة قصيدة من الجنون والفرح
)

كنت فرحا ، ومعتزا بصداقتي ، التي أحسستها عميقة جدا!

نسيت أمر حبيبتي التي خذلتني ، وكعادتي ، حين تخذلني إمرأة بموعد ما ، اول ما أقوم به هو تناول وجبة مدينة ' الحلة ' المفضلة ' باقلاء بالدهن ، والبيض ' !

هذة المرة تناولتها مع صديقي ' الأمريكي'،وكم كانت فرحتي غامرة، وهويتناولها عن آخرها ، مرددا: ما أكرم أمنا الأرض، وأروعها بتنوعها!

كان علي أن أغادره مرغما، على أمل اللقاء ، الذي تجدد وتعمق كثيرا، ولكن قبل المغادرة ،إتفقنا ان نوقع أنا وهو ' اتفاقية ' صداقة ، عادلة ..إقترح أن نسميها ' اتفاقية الصداقة للأحرار العراقيين والأمريكيين ' كان نصها بسيطا ، مفهوما وموجزا..وكالآتي :'

( فائرجسدي،وشهواني،يأكل ،ويشرب ،وينجب

ليس متعاليا فوق الرجال والنساء

وليس بعيدا عنهم

ليس متواضعا أو غير متواضع

إنني أقول كلمة السرالبدائية

وأعطي شارة ' الديمقراطية '

ووالله ، ماقبلت شيئا لن يناله الآخرون سواسية
)

التوقيع : عن الجانب ' الأمريكي :والت ويتمان
التوقيع : عن الجانب ' العراقي ' ضياء حميو

وهكذا إفترقنا ومازالت عرى صداقتنا قوية ، واتفاقيتنا ، صالحة بعدلها وبساطتها .

علمت خلال السنين المنصرمة ، إن الشعب ' الأمريكي ' يفخر على مرالسنين بأنه أنجب إنسانا شاعرا إسمه ' والت ويتمان' ، صديقي ذاته ماغيره!

وبعد أكثر من تسعة عشر عاما على لقائنا الأول ، أتسائل الآن : كم من الساسة الأمريكان ، ألاغبياء المتغطرسون ، منهم والأذكياء المغفلون، قد قرأ لصديقي ! وأن قرأ ، هل فهم؟!

وإلا فلماذا يفخرون؟!

سلاما لك صديقي ، رغم السنين ، حتى العاهر كنتَ تسميها ' أختي '!!

سلاما لك أيها ' الأمريكي ' الحقيقي

من صديقك العراقي.


* والت ويتمان : شاعر أمريكي 1819ـ1892 كل مابين الأقواس الكبيرة هو من مجموعته ' أوراق العشب ' ترجمة سعدي يوسف.
** صامويل تايلور كولدرج : شاعر وناقد إنكليزي 1772ـ1834 ' لعنة طير القادوس' من قصيدة ' البحار القديم ' لكولدرج'.



 

free web counter