| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

ضياء حميو
dia1h@hotmail.com

 

 

 

الخميس 12/8/ 2010

 

" مدينة " غير مقدسة

 ضياء حميو

الحكم المسبق، والجهل، والعنصرية، والحساسية المفرطة، والجهات الراديكالية التي ترى في هذا ديمومة لوجودها ومن ثم حشد الكثير من الأنصار لأهدافها.

مغنية دنماركية تبلغ من العمر 27 عام،اسمها Andrea Fuentealba Valbak من أم دنماركية ومن أب "تشيلي"، تغير اسمها الى اسم " مدينة " ،تعتقد ان الاسم ذو وقع موسيقي مميز ،وهي تدرك معناه في العربية ولا يعني أكثر أو اقل من City باللغة الانكليزية.
ولكنها تفاجأ في حفل موسيقي مجاني لها بغضب عشرين شاب مسلم متحمس يلقون عليها بيضا أعدوه ليكون بشكل خاص فاسدا، والسبب كما صرحوا به لاحقا هو احتجاجهم على المغنية لأنها تحمل هذا الاسم وتلبس ملابس غير محتشمة ، وفي هذا اهانة لمقدساتهم..!!
من يعرف العربية سيضحك من هكذا جهل لان "المدينة" بال التعريف وتضاف لها صفة "المنورة " التي عرفت بها ، ولا علاقة لاسم المغنية بكل هذا ..!
في رد فعل المغنية التي استمرت في حفلتها ، قالت تعليقا على هذا "ان هؤلاء الشباب ناقصي تربية"..!
موضوعة هؤلاء الشباب ومعتقداتهم في الغرب ليست بهذا التبسيط "ناقصي تربية"..!
لان الأمر لم يعد ردة فعل بإلقاء بيض فاسد وحسب ، بل تجاوزه الى تفجير قطارات ، والشروع باغتيال أشخاص وطائرات وصولا الى تفجير الأنفس في بلدان أخرى حين يتوفر الظرف الملائم..!
وإذا كان أعلاه هو نتيجة فلابد من وجود سبب..!!
بل أسباب يتغاضى الكثيرون عن رؤيتها ، وهذا التغاضي أو العمى لا يختلف به سياسي أو مواطن عادي، بعضها تدعمه أحزاب ومؤسسات والبعض الآخر تحصيل حاصل لسياسات دولية حمقاء.

مادة كره الآخر ، المختلِف ، وإلقاء كل أو بعض التهم بكونه سببا لحياة شاذة وغير صحيحية للمجتمع ، هي مادة قديمة، والمضحك المبكي في ان أصحابها يلجأون إليها أبان كل أزمة اقتصادية وسياسية أو فكرية كبرى تعصف بهم أو بالعالم.
أجواء الكراهية الآن تذكر بالفترة التي سبقت الحربين العالميتين ومهدت لهما، والمصيبة بان ذاكرة البشر قصيرة وسرعان ما تنسى ما آلت إلية هذا الكراهية من دمار..!!
وهو بالذات زاد اليمين الأوربي المتطرف الذي لا غنى له عنه ، بل زاد الاثنين ، يميننا الإسلامي المتطرف في الغرب أيضا ، يهلل فرحا لكل سقطة أو جريمة من سقطات اليمين بحقنا.

ما الذي غيّب الوعي والعقل معا لينحدر البشر الى درك الكراهية المقيت ثانية؟!
قد يكون السبب الأساس في بلداننا الشرق أوسطية هو "سوء توزيع الثروات، وغياب العدالة الاجتماعية وما يتبعها من حقوق".
ولكن في الغرب والأوربي تحديدا هنالك حد لابأس به من "العدالة الاجتماعية" للجميع بلا استثناء ، تختلف من بلد الى آخر ، ومع ذلك نلحظ هذه الكراهية للآخر..!!
ولكن ما تراجع في الغرب "هي العدالة الفكرية والمعرفية"..!
" المعرفة " في زمن اقتصاد السوق لم تعد مشاعا للجميع ، بل صارت متوفرة لمن يدفع ، وبكل بساطة مهما امتلكت المعرفة من أخلاقية مثالية في صالح المجتمع ، فإنها لا تصلح كبضاعة ان لم يكن هنالك من يطلبها ويدفع من اجلها.
والرأسمالية هنا تعترف ان آخر همومها هو " المعرفة الأخلاقية ،ومثـُلها ".
وبما ان اليمين هو الابن الشرعي لها ولاقتصاد سوقها ،فليس غريبا ان نرى انه كلما ازداد قوة وامتلك السلطة كلما تراجع الدعم للمؤسسات والأنشطة الثقافية والفعاليات التي تروّج لتغليب العقل على الأحكام المسبقة ، ناشدة السلام ونبذ الكراهية ، لان هذه المؤسسات بكل بساطة غير ربحية وهي تعتمد بشكل أساس على الدعم الذي تتلقاه من الدولة لتستمر في رسالتها.
وبهذا يمكننا ان نلاحظ معادلة يشترك بها الغرب "المتقدم" مع "الشرق" المتخلف ، وهي ان تراجع أفكار اليسار والاعتدال في العالمين في الثلاثين سنة المنصرمة شكل تربة خصبة لأفكار أخرى لا تحتاج لجهد لتبنيها تعتمد على إلقاء تبعات كل المشاكل على الآخر المختلف لونا أو عرقا أو دينا، بأحكام مسبقة نضحك لغباء طرحها ونحزن لكثرة روادها ..!!
ومحنتنا معها مثل محنة المغنية " مدينة " مع أل التعريف الموجودة في ذهن من اعتقد ان اسمها " مقدس ".
انه سوء توزيع الثروات المادية والمعرفية على السواء وفي كل العالم.

 

free web counter