| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

د. ذياب فهد الطائي

 

 

                                                                                    السبت 22/10/ 2011

 

هل يمثل اليسار الجديد عنصر التحدي للنظام الرأسمالي ؟

د. ذياب فهد الطائي

ظهر اليسار الجديد في أوائل السبعينيات من القرن الماضي وكانت مرجعياته الفلسفية والفكرية تقف على قاعدة ماركسية وتتبنى الآليات التي تستعملها( مدرسة فراكفورت) في نقدها النظام الرأسمالي وما طرحه (غرامشي) حول مفهوم الهيمنة ودور الثقافة في الصراع الاجتماعي وقد لعبت مجلة (اليسار الجديد ) التي رأس تحريرها الشيوعي السابق" تومبسن" دورا مهما في تأصيل أفكار ومنطلقات هذا التيار ، كما ساهم ( تومبسون ) في توطيد بعض المفاهيم الأساسية لهذا التيار خصوصا ما جاء بكتابه (تكّون الطبقة العاملة الانكليزية ) حول طبيعة التاريخ الذي تحكمه الصراعات والتوترات بين الثقافات ( وأنماط العيش ) والتي يرى( ارمان متلار) إنها تجليات ترتبط ارتباطا كليا بالثقافة وتشكّل الطبقات

طالب أعضاء اليسار الجديد بإجراء تغييرات جذرية في المجتمع الأمريكي؛(يصنف التيار عموما على إنه راديكالي يهدف الى القيام بإجراء تغيير جذري في هيكل النظام الرأسمالي) وهاجم الأعضاء معظم المؤسسات الرئيسة نتيجة إعلانها تأييد المبادئ الديمقراطية مع فشلها في إنهاء مظالم، مثل الفقر، والتفرقة العنصرية، والفوارق بين الطبقات. وعارض الكثير من اليساريين الجدد الرأسمالية واعتقدوا إن الرغبة في تحقيق الأرباح تؤدي إلى الإمبريالية وهي سياسة تفضّل مد النفوذ ليتعدّى إلى دولة أخرى ، ولهذا رفعوا شعار استبدال نظام الربح بنظام تلبية الحاجيات دون أية تحليلات مقنعة عن آليات العمل وعما إذا ما كان ممكنا من الناحية العملية .


وكان أوسع هجوم تعرض له هذا التجمع ، جاء في كتاب الباحث في معهد منهاتن للأبحاث (ستيفن مالنجا ) بكتابه الصادر في عام 2005 ، حيث اعتبر ان هذه المجموعة قد ظهرت بعد أن قامت الحكومة بضخ أكثر من ثلاثة مليار دولار لمنظمات المجتمع المدني ومنظمات خيرية أخرى وإن أفكار اليسار الجديد معادية للحياة الأمريكية وتشكل خطرا على القطاع الخاص والشركات الكبرى التي تمثل نجاحا لنمط الاقتصاد الأمريكي المبني على المبادرة الخاصة ، وأنهم ينتشرون في نقابات العمال وبين الطلبة في الجامعات وبالتالي فانهم يهددون مجمل الاقتصاد الأمريكي

ولكن الملاحظ إن (مالنجا) رغم هجومه الشرس لم يتطرق الى الأسس الفلسفية لليسار الجديد وإنما تعمد أن يفرغهم من أي مضمون فكري ليبسط الموضوع ويطرح ، إن مبررات موقفهم تكمن في معادنهم لشركة (وال مارت) التجارية العملاقة والتي تمتلك مئات المتاجر عبر الولايات المتحدة، لذا يحكي( مالانجا) قصة نشأة (وال مارت) كمثال للشركات الأمريكية الناجحة حيث قامت شركة وال مارت على أسلوب جديد في الإدارة يهدف إلى تجميع البضائع المختلفة في متاجر عملاقة لتباع بأسعار أرخص من السوق، لكي تباع بكميات كبيرة، كما تدار غالبية المتاجر بموظفين يتقاضون أجورا ضئيلة، وبمقر رئيس متواضع جدا لخفض نفقات الإدارة لأقل من 2%، الأمر الذي ساعد الشركة على تحقيق نجاح كبير وسريع حتى أصبحت شركة يقدر ثمنها بحوالي 250 بليون دولار

هذا إضافة إلى محاولته أن يطرح هذا التيار كنشاط محلي لايتمتع بأية امتدادات عالمية ، ولهذا لم يناقش الأسس والمنطلقات الفكرية بروح علمية وموضوعية

لقد شهد هذا التيار المناهض للرأسمالية الجديدة ، التي فرزتها تكنولوجيا المعلومات ونشرتها وسائل الإعلام ، إنتشارا في التسعينات من القرن الماضي في أوربا ويرى الدكتور( معن الطائي)

في بحثه عن التاريخانية ، (كان هناك نوعا من التعاطف مع اليسار الجديد نابعا من روح ليبرالية إنسانية وليس من منطلقات عقائدية صلبة))

إن الأساس الفلسفي لهذا التيار هو ماسمي (بمدرسة فرانكفورت) وهذه المدرسة هي نتاج دراسات معمقة وبروح انتقاديه للنظام الرأسمالي ولكن على الأسس التي حددها ماركس في رأس المال، وقد انتشرت أفكار هذه المدرسة بعد هجرة مجموعة من الشباب الألماني من مدينة فرنكفورت إلى الولايات المتحدة الأمريكية عام 1933

لقد ركزت تصورات آراء هذه المدرسة على تحليل العملية الديمقراطية التي توجد في الولايات المتحدة ، ووصفوها بأنها ديمقراطية محدودة جدا، هذا بالرغم من وضع هذا المجتمع واعتقاد أفراده وطبقاته الاجتماعية بأنهم يعيشون بالفعل في مجتمع ديمقراطي. ولقد ظهر هذا الاعتقاد نتيجة لدور المؤسسات التربوية والنظام التعليمي الذي كرّس أساسا لإنتاج نوع من الشخصية الفردية التي تشعر بالسيطرة أو التبعية أكثر من شعورها بأنها تتمتع بخاصية الاستقلالية أو المساواة.

يصرّح بعض النقّاد بأنّ المنظور الثقافي لمدرسة فرانكفورت نقد نخبوي، رومانسي ، للثقافة الجماعية مع مظهر ماركسي جديد مصطنع. النقد الآخر، موجه من اليسار، بأنّ النظرية النقدية شكلّت المثالية البرجوازية التي لَيس لها علاقة متأصّلة بالممارسة السياسية ومعزولة كلياً عن أيّة حركة ثورية مستمرة.

وقد انتهى الأمر بواحد من أكبر مفكري مدرسة فرنكفورت (ماركوز ) للقول ، إن كل الإمكانات التحررية للعلم والتقنية محكوم عليها بأن تعود فضائلها على إعادة إنتاج نظام الهيمنة والاستعباد ثم أكمل (دانييل بال) أستاذ الفلسفة السياسية في جامعة شنغهاي، عملية تقويض الراديكالية الجديدة ، فقد بين التناقض الذي تقع فيه حين تدين تجليات الفكر الرأسمالي مع تصالح القائلين بها، مع بنية النظام الذي يتعايشون معه في الممارسة اليومية .

وعلى الصعيد العربي يبرز المفكر الماركسي "سمير أمين " ليتهم اليسار الجديد بعدم القدرة على استيعاب التغير الهيكلي في النظام الرأسمالي ،وليعلن ثانية إن الحل يكمن في وجود بديل متماسك ، يتمثل في حتمية جديدة تقود الى الاشتراكية ، ويعتمد في هذا الطرح على :

أ - إن قدرة الرأسمالية على تجاوز أزماتها يزيد من القوة التدميرية لرأس المال ، الأمر الذي يزيد من حدة التفاوت بين الشمال والجنوب، ويقول في رده على سؤال لمجلة دويتشة فيلة (إستطاع النظام الرأسمالي أن ينجز، خلال قرنين فقط، تفاوتا اقتصاديا على الصعيد العالمي لم يسبق له مثيل في تاريخ البشرية الطويل لأنه يعتمد الجشع والتراكم. ففي بداية القرن التاسع عشر كانت نسبة التفاوت بين الشعوب من واحد إلى اثنين، بينما أصبح هذا الفارق اليوم من واحد إلى ستين. إن استمرار تراكم رأس المال عملية لابد وأن تؤدي بطبيعتها إلى أزمة لأنها تقوم على نمو أسرع وبالتالي إلى نمو فلكي في وقت قياسي. إنه نمو سرطاني لابد أن يؤدي إلى الموت)

ب - إن البديل الاشتراكي سيتحقق عبر سلسلة من التغييرات التدريجية يسميها الموجات المتتالية

انه هنا يستعيض عن التاقض الذي اكتشفه ماركس بين قوى الإنتاج ووسائل الإنتاج بالتناقض الاقتصادي بين الفقر والغنى، ولكنه يظل متمسكا بحتمية هذا التناقض ، ويتجاهل القدرة الكبيرة للنظام الرأسمالي على التكيف والمرونه في استنباط هيكلية جديدة قد لايمكن تحديد شكلها وطبيعتها مسبقا ، وربما ما يجري اليوم من تطورات هيكلية متسارعة تجعل من الاشتراكية بالنمط الذي يفكر به الدكتور سمير أمين واليسار الجديد، مجرد أفكارا من الماضي، تحمل قيمة تاريخية فحسب، وأن على اليسار الجديد أن يبحث عن تفسيرات أكثر واقعية لحركة التاريخ المعقدة

وعموما فإن منظرو اليسار الجديد الجدد بدوا وهم يبحثون عن صيغ جديدة للعمل ، كقصبة مرضوضة في مهب الريح ، كما قال مرة القائد الآشوري وهو يحاصر أسوار عكا ، لأنهم يتحركون باتجاهات متناقضة أحيانا ، وقد تكون مواقف الفيلسوف وعالم الاجتماع، سلوفاج زيزك مثالا على ذلك ، فهو يطلق أحيانا مصطلحات عامة تتحمل الكثير من التأويل والدلالات كقوله : لا أخلاق بدون إيمان ،أو كوصفه مخترع الوندو في الكومبيوتر بأنه عدو التقدم ، أو اعتباره أن المجتمع البشري قد حولته العولمة وما بعد الحداثة إلى مجتمع استهلاكي

وهو لايتعمق بالبحث في البدائل الممكنه ويذهب إلى إعطاء أحاديث ساخرة أو يكتب في الدفاع عن عناصر القاعدة بإعتبار أن عمليات التعذيب التي جرت بحقهم لم تكن إنسانية ،في ذات الوقت الذي يبرر فيه همجية روبسبير

ويكتب في النيويورك تايمس في عدد آذار 2007 : إننا نعيش في (وسط) فساد أخلاقي لأن اللذين يمسكون بالسلطة يحاولون بإصرار كسر جزءا من عمودنا الفقري الأخلاقي ويعمدون إلى إفساد أكبر منجزات حضارتنا (حساسيتنا الأخلاقية التلقائية)

ومن المعروف إن زيزك يزوّق حديثه التلفزيوني وتعليقاته الصحفية عادة ببعض الطرائف السياسية الساخرة ولا يميل إلى البحث المعمق، ففي إحدى مقالاته السياسية في النيويورك تايمس كتب :إن إحدى النتائج الواضحة للغزو الأميركي هي أنه ولد في العراق كوكبة سياسية أيديولوجية أكثر تطرفا وعنادا مما كان يمثله صدام.

وأضاف أن هذا أدى إلى هيمنة القوى السياسية الموالية لإيران, بل إن الغزو الأميركي سلم العراق للنفوذ الإيراني.

وقال زيزك إنه لو حوكم بوش من طرف قاض ستا ليني لحكم عليه فورا بأنه "عميل إيراني", مشيرا إلى أن الانفجارات العنيفة التي ميزت سياسة بوش حديثا هي في الواقع نتيجة للتخبط وليس للممارسة المنطقية للسلطة.

وشجب تكرار البعض أن العالم أفضل بدون صدام, مذكرا بأن من يقول ذلك يريد طمس ما أدى إليه التدخل العسكري ضده من آثار سياسية وأيديولوجية خطيرة.

وأضاف زيزك أنه لا يعارض أن تصبح أميركا شرطيا للعالم, بل إنه يرى أن فترة ما بعد الحرب الباردة تحتاج لمثل هذا الشرطي.

وواضح هنا عمق التناقض في بنية التحليل السياسي فهو على سبيل المثال يريد من أمريكا أن تكون شرطيا ولكن بمواصفات أخلاقية تصل إلى ابعد من أفكار فلاسفة المثالية الطوباويين.

لقد أدت المواقف المتناقضة في السياسة المحلية (أوربا) والسياسة الدولية إلى انحسار أية تأثيرات هامة لتيار اليسار الجديد في الأحداث الاجتماعية المتغيرة بتسارع في العالم وانحصر دوره في المجال (النقدي الثقافي)

 

 

free web counter