| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. ذياب فهد الطائي

 

 

 

                                                                                    الأثنين 17/10/ 2011

 

السلطات العراقية في مواجهة الصحافة
مقاربة تاريخية

د. ذياب فهد الطائي

كان العراق واحدا من الولايات التي تحكمها الخلافة العثمانية حتى 1917 حتى إحتلال الأنكليز البصرة ومن ثم إستيلائهم على بغداد، وكان العراق شأنه شأن الولايات الواقعة تحت الهيمنة العثمانية يخضع لأحكام الدستور العثماني الصادر في 24- 12- 1876 .

وقد نص الدستور العثماني بأن العثمانيين بأجمعهم يملكون حريتهم الشخصية ومكلفون بأن لا يتسلطوا على حقوق وحرية الآخرين ، وكان هذا النص بمثابة حرية الرأي على الاقل، ولكن وكما هو معروف فقد كانت الصحف التي صدرت بعد هذا التاريخ بموجب هذا الدستور او دستور 1908 ،ليست بمنأى من التعطيل والإلغاء .

بعد تشكيل الحكومة العراقية بموجب معاهدة 1922 دشنت اولى اعمالها بتعطيل صحيفة (الشعب) في عام 1922 بسبب موقف الصحيفة من الإحتلال البريطاني ومن مجريات التفاوض الرامية الى تقييد العراق بمعاهدة مجحفة ، ويذكر فاخر الداغري (1) (وكانت اول جريدة عراقية قدمت الى المحاكم هي جريدة الاستقلال الصادرة في النجف حيث صدر العدد الاول منها في 3/تشرين الاول عام 1920، وقد وصف السيد محمد عبد الحسين بالكاتب الجريء اذ كان وراء اصدار هذه الصحيفة التي اعتبرت الناطق بلسان ثورة العشرين في حينه ، وحين عاد رجال الثورة (المنفيون الى خارج الوطن من قبل الحاكم السياسي الانكليزي) ، ابتهج الوسط السياسي الوطني في العراق عامة وبغداد خاصة بعودتهم واقيمت مظاهر الفرح وأطلقت عبارات الترحيب الوطني لهم ، وكانت جريدة الاستقلال سباقة في الاعلان عن موقفها الوطني المتميز في إعطاء موضوع العودة الى الوطن كل ابعاده السياسية الوطنية واعتبار عملية العودة بمثابة تحشيد جماهري شعبي وانتصار مؤزر، يجعل من الثورة مثابة وطنية كبرى تتساوى بمساحة العراق من شماله الى جنوبه ويقف فوقها كل الشعب العراقي مطالبا َ بالاستقلال الناجز باعتباره مطلباَ وطنياَ َ مشروعاَ.

وعليه ، اصدرت الجريدة عدداَ خاصاَ بمناسبة عودة المنفيين الى بغداد وكان مانشيت الصفحة الاولى :
(نهنىء الامة العراقية بقدوم منفيينا الكرام ونطلب ارجاع جميع المنفين بلا استثناء . كما اننا نواصل الطلب في تنفيذ سائر المواد السبع)
وهي :
* اطلاق حرية الصحافة وتطبيق قانون المطبوعات العثماني الى ان يسن غيره ، وفقاَ لنظام الاحتلال
* اطلاق حرية الاجتماعات وتشكيل اندية سياسية رسمية
* اصدار العفو العام الخالي من كل قيد وشرط على جميع المجرمين السياسيين واطلاق سراح المسجونين
* ارجاع المبعدين والمنفيين والسماح للمشتتين بالرجوع الى اوطانهم
* رفع الادارة العرفية العسكرية والاحكام الكيفية التي اناخت على الشعب العراقي منذ الاحتلال حتى الان لتتمكن الامة من التفاهم مع السلطات بكل حرية واطمئنان
* رفع المحاكم العسكرية والقضاة والقوانين التي رتبت اخيراَ وتطبيق القوانين الجزائية والحقوقية السابقة (بمقتضى الاحتلال ايضا)
* الاسراع في الانتخاب الحر وتشكيل المؤتمر العام من دون مداخلة رجال الاحتلال وبدون أي تضييق على افكار الاهالي بخصوص الانتخابات.

هذا المقال المفعم بالمطاليب الوطنية ادى الى تعطيل الجريدة لمدة سنة والحكم على صاحبها السيد محمد عبد الحسين بالسجن لمدة سنة وعلى رئيس تحريرها الاستاذ قاسم العلوي لمدة ستة اشهر واحد كبار محرريها الدكتور محمد مهدي البصير لمدة تسعة اشهر (وهو من ثوار وشعراء ثورة العشرين حيث شهد له جامع الحيدرخانة بجولاته وصولاته الخطابية التي كانت تهلب حماس الجماهير التمحشدة داخل الجامع).

ورغم ان الحكومة العراقية قد التزمت بالقواعد القانونية في صياغة الدستور الذي صدر في عام 1925 والذي نصت المادة الثانية عشر – الباب الاول ، منه ،على ضمان حرية إبداء الرأي والنشر والإجتماع وتأليف الجمعيات والإنضمام اليها ، آى إن ذلك لم يمنع نوري السعيد فور توليه وزارته الأولى أن يبدأ عهده في عام 1930 بتعطيل سبع صحف جملة واحدة وهي :
البلاد
الفرات
صدى الإستقلال
الأخبار
الإستقلال
الجهاد
صوت العراق

وتتسع دائرة التعطيل لتصل الصحف المعطلة الى 35 صحيفة متنوعة التوجهات والعائدية .

شكل نوري السعيد وزارته الأولى في 23 آذار 1930(2)،بناء على تكليف الملك ،والمندوب السامي البريطاني ،وكان ذلك التكليف باكورة هيمنته على سياسة العراق حيث تولى الحكم أربعة عشر مرة منذُ ذلك التاريخ وحتى سقوط النظام الملكي إثر قيام ثورة الرابع عشر من تموز 1958،ولعب خلال تلك الحقبة دوراً خطيراً في حياة البلاد السياسية ،واشتهر بإخلاصه التام للإنكليز،وبحملات القمع التي مارسها ضد أبناء الشعب والمراسيم الجائرة التي كان يصدرها لكي يسكت أفواه المواطنين وقوى المعارضة العراقية، مستخدماً كل الوسائل والسبل المخالفة للدستور .

كما اتخذ موقفاً معادياً من حركات التحرر العربية ، وكان تولي السعيد للوزارة محاولة لوقف الطوفان الشعبي المعادي للإتفاقية ، وتداركا لذيول مأساة انتحار رئيس الوزراء الأسبق (عبد المحسن السعدون) واستقالة وزارة (ناجي السويدي) في 09- 03 1930 .

وقد عمدت الوزارة الكيلانية الاولى التي تولت الحكم بعد سقوط حكومة نوري السعيد في عام 1933 الى الغاء قرارات التعطيل بالكامل واستأنفت الصحف المعطلة عملية الإصدار.

وفي عام 1946 عطلت حكومة أرشد العمري (3) سبع صحف أيضا هي :
النداء
التقدم
الرأي العام
الجهاد
البعث

وكان من نصيب صحيفتا السياسة وصوت الأهالي إحالتهما الى المحكمة ليصدر حكم قضائي بغلقهما .
في عام 1947 قامت حكومة صالح جبر بغلق كل من صحيفة الوطن وصحيفة السياسة وصحيفة صوت الاهالي .

قرر نوري السعيد أن يتنحى عن دفة القيادة ظاهريا ليسلمها إلى من يقوم مقامه، وينفذ الخطة المتفق عليها مسبقا لتعديل المعاهدة. وكان صالح جبر هو الشخصية التي رشحت لإتمام الصفقة، وذلك بالاتفاق بين الوصي ونوري السعيد و السفير البريطاني كورنواليس الذي وصف المرشح بأنه" قائد السفينة ونوري السعيد أدميرال البحرية .

وهكذا شكل صالح جبر وزارته الأولى، في 29/ 3/ 1947. قوبلت الوزارة الجديدة بالمعارضة الشديدة من جانب جميع الأحزاب السياسية المعارضة، التي أعلنت أن الهدف من مجيء الوزارة هو تنفيذ السياسة الرامية، منذ نهاية الحرب الثانية، إلى إنشاء التكتلات والمشاريع التي تربط العراق بعجلة الاستعمار، الأمر الذي يؤدي إلى ضياع الأماني والتطلعات الوطنية .

قام صالح جبر بإغلاق بعض الصحف الحزبية المعارضة وتعطيل حزبي الشعب والاتحاد الوطني ، وباعتقال بعض القادة السياسيين المعارضين، وأبرم اتفاقيات مع بعض الدول المجاورة، شجبتها الأحزاب الوطنية باعتبارها ضارة بمصالح الشعب العراقي. وفي هذا المناخ القمعي، بدأت المفاوضات بين العراق وبريطانيا، بتكتم شديد في قصر الرحاب ابتداء من 7أيار/ مايو 1947، ثم في لندن وبعدها في السفارة البريطانية في بغداد وانتهت بالتوقيع على المعاهدة في ميناء بورت سموث البريطاني في 15كانون الثاني/ يناير 1948 .(4)

ولكن الهجوم الكبير على الصحافة العراقية تم في عام 1954على يد رئيس الوزراء نوري السعيد بموجب المرسوم المرقم (24)
فقد تم غلق 131 صحيفة و62 مجلة .

في عام 1961 أي بعد ثلاث سنوات من الحكم الجمهوري الأول أصدرت وزارة الإرشاد العراقية أوامر مختلفة بغلق :
الأهالي
خه بات
إتحاد الشعب
صوت الطليعة (البصرة)
مجلة 14 تموز
صحيفة نداء الاهالي (البصرة)
صحيفة صوت الاهالي (الموصل)
صحيفة الشبيبة
صحيفة صوت الطلبة
صحيفة الانسانية
صحيفة الحضارة
صحيفة كفاح الطلبة (كركوك)
صحيفة رأي الأهالي

بعد ثورة تموز 1958 ومجيئ العسكر الى الحكم ، إستطاع الزعيم عبد الكريم قاسم الأنفراد بالسلطة ،وخلال فترة حكومته صدرت اكثر من 120 جريدة ومجلة انيطت مهمة تنظيمها بوزارة الارشاد ، ولكن التجاذبات السياسية الحادة وتدخل بعض الدول العربية في الشأن العراقي ودعمها لعمليات النيل من الحكومة وما قابلها من إفتقار عبدالكريم قاسم لرؤية سياسية واضحة أدى به الى إتخاذ العديد من القرارات المتسرعة وغير المدروسة واللجوء الى العديد من المواقف الإرتجالية ، وكان من جملتها تعطيل كافة الصحف اليسارية والتقدمية ولم تسلم من ذلك صحيفة صديقة الشاعر محمد مهدي الجواهري، وقد زاد هذا من عزلة قاسم وسهل التآمر عليه ومن ثم الإطاحة به بالصورة الدراماتيكية التي حصلت في 08 شباط 1963 .

ومن الملاحظات الجديرة بالإشارة اليها في عمليات الغلق والتعطيل ، يمكن تأشير ما يلي :
1- إن جل هذه الصحف هي يسارية التوجه
2- ان هناك توجه سياسي وراء عمليات الغلق لا علاقة له بمجريات العمل الصحفي
3- أن الصحافة الحزبية التابعة للحزب الشيوعي لجأت ثانية الى العمل السري لضمان الإستمرار بعلاقاتها مع جماهيرها في حين تعذر ذلك على الصحف والمجلات المستقلة أو التابعة لأحزاب وطنية
4- بحكم العداء السافر للتيارات التقدمية والخوف من علاقتها المباشرة مع الجماهير عبر الصحافة فقد تفننت السلطات في ايجاد المبررات لعدم اعطاء هذه التيارات فرص كافية ، وكان نصيب الحركة الشيوعية النسبة الاكير من هذا العداء والمواجهة فمنذ صدور كفاح الشعب عام 1935(السرية) لم تستطع الحركة الشيوعية الحصول على ترخيص بإصدار صحيفة للفترة من 1935 ولغاية 1958 الا مرتين ، الأولى كانت صحيفة العصبة عام 1946 والثانية كانت الاساس عام 1948 ،أما بعد 1958 فقد تم الحصول على ترخيص باصدر بعض الصحف في بغداد وبعض المحافظات ولكن ذاك كان سحابة صيف وبعد حوالي السنتين الغي امتياز كافة التراخيص .

وبعد عام 1973 منح الحزب الحاكم تراخيص صحيفة مركزية وسمح له بإصدار مجلة الثقافة الجديدة ،وصحيفة أدبية بإسم الفكر الجديد، وكانت تلك الفرصة مقتضبة ولم تعمر أيضا



 

(1) http://www.almadapaper.com/sitepicture/1017-8-2.jpg
(2) حامد الحمداني ،نوري السعيد رجل المهمات البريطانية الكبرى، بدون تاريخ أو اسم دار النشر ،ص 43
(3) عبد الرزاق الصافي موقع الناس http://www.al-nnas.com/ARTICLE/ASafi/2zmn3.htm
بعد جريمة قتل العمال في كـاورباغي في يوليو 1946، وما جوبهت به من سخط واسع عبرت عنه كل الصحف الوطنية ومذكرات الأحزاب، وبيانات الحزب الشيوعي، وقبلها اطلاق النار على مظاهرة 28 يونيو 1946 التي نظمها الحزب الشيوعي العراقي، وسقوط قتلى وجرحى كثيرين فيها، شنت حكومة أرشد العمري حملتها على الصحف الوطنية المعارضة، وأقامت الدعاوى ضد مديريها المسؤولين ومحرريها في محكمة جزاء بغداد، وجندت بعض الحكام (القضاة) الرجعيين ليقوموا باصدار الأحكام التعسفية بغلقها. وكانت المرافعات التي يلقيها المديرون المسؤولون للصحف ومحاموهم الكثيرون مادة سياسية جيدة لتعرية النظام الملكي وفساده ولا ديموقراطيته، وخصوصاً محاكمات الأستاذ كامل الجادرجي (الأهالي)، وعزيز شريف (الوطن)، وناظم الزهاوي (السياسة)، وقاسم حمودي (لواء الاستقلال). وعند بدء الحملة على الصحف برفع الدعاوى ضدها، كتب الأستاذ عبد الفتاح ابراهيم مقالاً افتتاحياً في جريدة (السياسة) يفضح الحملة وأهدافها تحت عنوان (أهذا أول الغيث؟)، وفي محاكمة الأستاذ ناظم الزهاوي، المدير المسؤول عن جريدة (السياسة) تطوع العشرات من المحامين للدفاع عنه، وكان من بين من تطوع للدفاع رجل الدين المعروف الشيخ أمجد الزهاوي الذي قال في دفاعه كلمة معبرة صارت عنواناً لمقال افتتاحي في الجريدة هو (خير الصحف من تُرشد وخير الحكومات من تسترشد)، ولعله كان يغمز رئيس الوزراء أرشد العمري الذي لم تكن حكومته تريد الاسترشاد بطبيعة الحال، ولذا واصلت حملتها ضد الحريات العامة، وعملت على اسكات صحف المعارضة وتمهيد الطريق لعودة نوري السعيد الى رئاسة الوزراء لترتيب الأوضاع بما يسمح بتجديد معاهدة عام 1930 الاسترقاقية بمعاهدة جديدة، كما كانت تريد الفئة الحاكمة والبلاط، على الضد من مطلب غالبية الشعب
(4) علاء الدين الاعرجي المحامي ، الإعداد لتوقيع المعاهدةhttp://www.arabworldbooks.com/arab/alaraji2.htm
 

 

free web counter