| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

دحام هزاع التكريتي

hazzaa.tikritee@yahoo.com

 

 

 

الجمعة 28/3/ 2008



"القاعدة" و "جيش المهدي"...
تحالف أم تطابق في السلوك والمنهج ؟؟

دحام هزاع التكريتي

من الصعوبة بمكان التعرف على تفاصيل وجوهر موقف الحركات السياسية والأجتماعية المغلقة والغارقة في السرية الشبيهة بالحركات الماسونية والفوضوية والأرهابية والمافيات التي نشطت بشكل خاص في ايطاليا والولايات المتحدة، أو تلك الحركات التي تغلفت بلباس الدين سواء في الشرق أم الغرب. فهي لا تصوع برنامجاً مدوناً ولا قواعد للحياة الداخلية لكل هذه الحركات لا تخضع لنظام داخلي محدد ولا للشفافية المطلوبة ولا على الثقة وتبادل الرأي بين قادة هذه الحركات وأعضائها. فالميزان الوحيد لهذه العلاقة الداخلية هو التبعية العمياء للقائد والزعيم من قبل الأتباع، والتنفيذ غير المشروط لقراراته، والتي يتخذها "القائد" بنفسه دون مشورة أحد، فالحل والربط يبقى حكراً على هذا "الزعيم" الذي بلغ مرتبة التأليه عند مريديه.
هذا هو ديدن كل هذه الحركات سياسية منها أو اجتماعية أو سياسية أو تلك التي تمتهن السلب فقط. ولاتشذ عن هذه الحركات حركات عديدة تنشط على الساحة العراقية الآن وفي المقدمة منها حركتي "القاعدة" و "التيار الصدري" وذراعه المسلح "جيش المهدي". إن كلاهما يستندان الى قاعدة اجتماعية واحدة وهي القوى الهامشية في المجتمع العراقي، والتي تضخم عددها بفعل التشويه الاجتماعي في العراق نتيجة للحروب المتواصلة والحصار الاقتصادي والسياسات الخاطئة التي اتبعها النظام السابق والفوضى التي طحنت البلاد بعد اسقاطه. فهذه القوى الهامشية، ضمن معايير علم الاجتماع، هي الفئات الاجتماعية الأكثر خطورة خاصة في المجتمعات التي تعاني من أزمات خطيرة وتمر في مخاض مرحلة الانتقال القاسية. لقد أشار المفكر الدكتور علي الوردي إلى: "أننا نمر بمرحلة انتقال قاسية، ونعاني منها آلاماً تشبه آلام المخاض. فمنذ نصف قرن تقريباً كنا نعيش في القرون الوسطى. ثم جاءتنا الحضارة الجديدة فجأة فأخذت تجرف أمامها معظم ما ألفناه ونشأنا عليه. ولذا نجد في كل بيت من بيوتنا عراكاً بين الجيل القديم والجيل الجديد. ذلك ينظر في الحياة بمنظار القرن العاشر وهذا يريد أن ينظر اليها بمنظار القرن العشرين" *.
إن هذه الفئات الهامشية مستعدة لبيع "قوة عملها وعضلاتها" لكل من يدفع سواء أكان ذلك لصالح البلاد أم لغير صالحه أو كانت قوة داخلية أو خارجية، بسبب من أن تهميشها يدفعها الى التخلي عن أية قيم اجتماعية ايجابية بعد ان اعتقدت ان جميع السبل قد سدت أمامها، ولم يبق أمامها من طريق سوى الركض وراء "الربح" السهل وبدون مشقة حتى ولو أدى ذلك الى نهب المال العام والخاص واستباحة دماء الابرياء، بل وبيع الوطن كله وتدميره لقاء بضعة "دفاتر". إن متابعة متأنية وموضوعية لسلوك هاتين الحركتين منذ الاطاحة بالنظام السابق يدل على أن النهب والسلب، من المال العام والخاص، والسطو على ممتلكات الدولة خاصة المخزونات العسكرية، هو الطريق المفضل لكليهما كي يفرضا سيطرتهما على المجتمع وبالقوة. فتنظيم القاعدة على سبيل المثال سيطر على كل المنشئآت الصناعية والزراعية في المناطق التي هيمن عليها، وفرض أتاوات على من يعمل في هذه المنشئآت. فقد أضطر العاملون في مصنع ادوية سامراء الضخم مثلاً الى دفع مايزيد على ربع رواتبهم الى تنظيم القاعدة، ومن يرفض ذلك فإن قطع الأعناق هو الحل الجاهز الذي ينتظر هذه الضحايا. وعلى هذه الشاكلة سار التيار الصدري. فمع أولى ساعات سقوط النظام راح أفراده من "الحواسم" يسطون على المؤسسات الحكومية ومخازن السلاح والشروع بأخذ الأتاوات وخطف الأبرياء لقاء فديات كبيرة من أجل اطلاق سراح الضحايا. فقد دفعت أحدى الشخصيات الوطنية العراقية في بغداد مبلغ 250 ألف دولار لقاء اطلاق سراحها من قبل عصابات جيش المهدي.
يطرح التياران وبشكل ممل مسألة معارضتهما لوجود القوات الأجنبية في العراق واعتبار ذلك مهمتهما الرئيسية ويطالبون بخروجها. في ظاهر الأمر لا يختلف أثنان في العراق على ضرورة انسحاب هذه القوات من العراق وضمن جدول زمني يرتبط بجاهزية القوات المسلحة العراقية لضبط الأمن. ولكن دعونا نلقي نظرة على مصداقية هذين التيارين من خلال تصرفاتهما الفعلية. فكلا التيارين يشاركان في العملية السياسية سواء عبر "وكلاء القاعدة" في العملية السياسية أو المشاركة الفعلية في العملية السياسية في مثال التيار الصدري. إنهما إذ يطلقا بعض العيارات النارية والصواريخ ضد القوات المتعددة الجنسيات، إلاّ انهما في واقع الأمر، وبالرجوع الى الاحصائيات، يوجهون كل ادوات الموت والتدمير ضد العراقيين الأبرياء والمنشئآت الاقتصادية والبنى التحتية من كهرباء وماء ووقود والتي أضحت الهدف الرئيس لهاتين الحركتين. ويتناوب كلا التياران هذه المهمة غير المشرفة بحيث أدى ذلك الى تدمير غالبية المنشئآت الاقتصادية الكبرى وتعطيلها واحداث ازمات خطيرة في الوقود والماء وتصريفه وشبكات الطاقة الكهربائية ووقف عملية الاعمار، إضافة إلى نهب على المكشوف للنفط قدر سنويا بمقدار 2 إلى 7 مليار دولار في الجنوب ومعامل التكرير في بيجي. كما ركزت الحركتان ضمن جدول منظم على تعطيل وتدمير المرافق الخدمية في غالبية المحافظات بهدف اثارة المواطنين ضد الحكومة وتحميلها كل تبعات تعطل شبكة الخدمات. كما ركزت الحركتان بشكل أساسي على تعطيل كل المؤسسات التعليمية والثقافية من أجل أن لا يخرج المواطن العراقي من طوق التجهيل والظلامية التي تعد الأرضية المناسبة لنشاط وانتشار الحركتين. ومنذ الإطاحة بالديكتاتورية لوحظ قيام هاتين الحركتين الى جانب فلول النظام السابق التي نخرتهما أو تحالفت معهما وفلول الجريمة المنظمة بصب كل نار شرورهم على الفئات المتعلمة والأخصائيين من كل فروع المعرفة، مما أدى الى تعطيل أو عرقلة العملية التعليمية في جامعة الأنبار مثلاً، وعرقلتها في جامعة البصرة على سبيل المثال. وضمن العقلية الظلامية التي تطبق على أذهان أنصار التيارين، يلاحظ خلال السنوات الخمس المنصرمة تطاول هاتين الحركتين وبشكل بشع على النساء حيث تعرضن لأبشع أنواع القتل والإنتهاك الجسدي. وكان آخرها موجة وأد النساء في مدينة البصرة ومدن الموصل وبغداد وغيرها.
كما تناوبت كلتا الحركتين في إذكاء التناحر الطائفي المدمر الذي عصف بالبلاد والذي تتوج بنسف الضريحين العسكريين في سامراء منذ أن نشر الزرقاوي فتاواه المعروفة حول القتل الطائفي تارة بأسم الروافض، كي ينافسه التيار الصدري بحملة قتل طائفي مقابل تحت لافتة النواصب. ومن الملاحظ أن كلا التيارين لا يمسان أقطابهما بأذى، حيث كانت الضحايا الكبيرة من أناس لا علاقة لهم بدعوات القتل الطائفي. إن غالبية من قتلوا وهجّروا، عاشوا لعقود مديدة جنباً الى جنب مع أخوانهم من الطائفة الأخرى. وفي الحقيقة لم نسمع بحادث يوحي بإستهداف "القاعدة" لأقطاب التيار الصدري، ولا استهداف التيار الصدري لأقطاب "القاعدة". ولذا فهناك الكثير من التساؤلات حول مدى حقيقة التناغم المباشر أو غير المباشر بينهما. ففي حمى الصدامات التي جرت في الفلوجة ضد انصار القاعدة، لاحظنا توجه التيار الصدري الى جمع الإعانات والمساعدات والدعم السياسي لهؤلاء بذريعة مواجهة المحتل وحكومته "العميلة". وقام أنصار القاعدة والمتطرفون من الطائفة الأخرى بنفس الدعم المادي والدعائي في أوج مظاهر العبث الذي قام به جيش المهدي في مدينة النجف في عام 2004. ولعل أبرز دليل على هذا التناغم هو ذلك النشاط المحموم لجيش المهدي في مدينة البصرة وتهريب الأسلحة بعد أن نجحت الحكومة في بسط الأمن نسبياً في بغداد ومحافظات أخرى، وفي وقت تستعد فيه لحسم المعركة مع الأرهاب في مدينة الموصل المنكوبة. فبدلاً من أن يعضد التيار الصدري جهود الحكومة نجده يضع العراقيل والأسافين ويخلق بؤر التوتر أمام القوات الأمنية العراقية. كما يتناوب التياران، ضمن مساعيهما لخلق الفوضى وعدم الاستقرار، في توجيه شرورهما لمنتسبي الأديان الأخرى من المسيحيين والصابئة والايزيديين. فالتهديدات المكتوبة على الجدران، والقتل طال أبناء الطائفة المسيحية في البصرة المنكوبة تتنافس مع ما يطال من حملات الإيذاء والقتل ضد أبناء الطائفة المسيحية والطوائف الأخرى في الموصل وسنجار وبغداد.
إن التشابه في سلوك الحركتين يدفع العديد من المراقبين إلى الإستنتاج بوجود نوع من التحالف غير المعلن أو تشابك المصالح بين التيارين، رغم عدم وجود وثائق دامغة حول ذلك. فالغدر والمكر والخبث المغلف بالدين هو من شيمة الحركتين، والمستوحاة من تاريخنا الغابر. ففي الوقت الذي يقوم جيش المهدي بنسف جسر الكرمة وأنابيب النفط في البصرة ويجلب الموت والدمار للقوات المسلحة العراقية، نراه في الكاظمية، وعلى طريقة معاوية بن أبي سفيان في حربه مع الخليفة الراشد الأمام علي بن أبي طالب (رض)، يرفع غصن الزيتون والقرآن بهدف خبيث واضح هو شق القوات المسلحة العراقية والبحث عن شبيه آخر لأبي موسى الأشعري.
لا أيها السادة، فمهما ذهب المغفلون والجهلة في ركابكم، وتحولوا إلى ضحايا ووقود لمغامرات وعبث لا طائل منه، فإن وعي العراقيين التي أكتسبوه عبر المحن والكوارث التي شهدوها يجعلهم أكثر يقظة أزاء ما يحاك ضد العراق العزيز على يد التحالف المعلن أو غير المعلن بين "القاعدة" وبين "جيش المهدي"، ويفضح كل المتاجرين بالدين من رجال الدين المزيفين. وحسبنا قول الإمام محمد الباقر حين أشار:"لا أخاف على أمتي من حكام ظالمين، بل أخاف عليهم من أئمة ضالين".
 

* مهزلة العقل البشري- الدكتور علي الوردي- دار كوفان- لندن – ص18


27-3-2008


 

Counters