| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

داود أمين

 

 

 

الجمعة 5/9/ 2008



على ضفاف الكونفرنس ألآول لرابطة ألآنصار الشيوعيين

داود أمين

إمعان في الود وإصرار على المحبة والوفاء !
نفس الآجواء، نفس الملامح ( حتى لو بالغ سمير طبلة بتسويد شعره، أو أبدل علاء { القوط } التي حملها من هولندا عدة مرات في الجلسة الواحدة ! أو لبس عبود ضيدان ( أبو الطيب ) قميصاً أكثر سريالية وغرابة وألواناً من القميص الذي كان يلبسه!) نفس الموّدة والحب، رغم إختلاف المكان ، فألانصار الشيوعيون العراقيون، يصنعون طقسهم الخاص أينما تضعهم ، وألامر كما أخذ يتأكد لي من خلال التكرار، ليس مرهوناً برغبة مصطنعة أو مخطط لها ، فهم هكذا ، ودون وعي منهم ، يعودون أنصاراً لا ينقصهم سوى الجبل، وجدول الحراسات ، والشروال والجمداني ولف البشتين! كان بإمكاني أن أحول سرب السيارات التي إنطلقت تحمل المندوبين ، من مالمو نحو مكان الفعالية، لسرب بغال تحمل الآنصار وأحمالهم من قاطع أنصاري لقاطع آخر، وكما كانت بغالنا تتيه في الوديان والمنعطفات ، فقد تاهت سياراتنا أيضاً، فالطريق زراعي وجديد وضيق، وأدلاؤنا ( غشمه !) قلت في نفسي ( وينك يبو ثليّحَه .. فأنت الدليل الذي لا يخيب ! ) ولولا ( الهوكي توكي ) الذي كنا نحمله هذه المرة جميعاً، ولا ينفرد به أمر المفرزة لوحده، لولا ( الموبيل ) لآصبحت الآن ( مع سرب السيارات ) في عداد المفقودين ، ولم يكن بإمكانكم مطالعة ما سأكتبه ! المهم بعد أن وصلنا ( بالشافعات ) الى المكان الذي سينعقد فيه الكونفرنس، ورغم إن الليل كان قد أرخى سدوله ( شلونهه سدوله ؟! ) والظلمة تطبق بكلتا يديها على رقبة المكان!( هاي تره هم مو شويه ! ) أقول رغم ذلك، إلا أنني كنت أميز المستقبلين من أصواتهم ، فهذا ( أبو القحط ) الذي يتحدث مثل إعصار غوستاف! ( عدال عشره ! ) وهذا ( أبو يارا ) الذي لا تفارق ( هله بالحبيّب ) لسانه ، وهذا ( أحمد عرب ) يقود جيش الشغيلة في معركة ( الخروج بوجه أبيض جدام الضيوف ! ) وهذا ( أبو نضيّله ) تحتل الصلعة التي كتبت عنها قبل عشرين سنة، مساحة أكبر من رأسه ، بل تلتحم بوجهه من ألآمام ( ولا أعرف أين تنحدر من الخلف ! ) . المهم توزعنا على الغرف، حيث أسرة النوم المتكونة من طابقين علوي وسفلي ! وكان السؤال الوحيد الذي سمعته من الجميع ( كلي هم تشخر ؟ !! ) وكنت أرد، عندما يتوجه السؤال لي ( إي أشخر ... بس عله ناصي ! ... يعني مثل فيل عزة الدوري الجان يطير.. بس عله ناصي ! ) وكان نصيبي غرفة من ستة أسرة شغلنا أسرة طابقها السفلي أنا والعزيز الفنان ( طالب غالي ) في حين شغل طابقها العلوي الرفيقان ( جمال وغسان ) وظل السريران الآخران خاليين ! رتبت سريري وتوجهت للقاعة المجاورة للمطبخ، حيث كان الآنصار الذين تطوعوا لخدمة ضيوف الفعالية يتبارون في العمل والنشاط مع( كورة الزنابير! ) التي تحتل جدار البناية! أول من صادفني في القاعة كان وجه صديق حميم لم أره منذ حوالي عشر سنوات، وقبل أن أحتضن ( علاء ) الذي كان متأنقاً كعريس في ليلة زفافه! إبتسمت لآقول له ( هاي اليسوه والما يسوه كام يحضر كونفرنسات !! ) وبين الضحكات كنا نقبل بعضنا وأسمع عتابه لعدم إتصالي والسؤال عنه، وقد أصابته جلطة في القلب مرتين ، فقلت له ( علاء رجاء ماكو داعي للمبالغة ! ..إذا إنت أصلن ما عندك كلب .... جا ما تكلي شلون تصير بيه جلطه ؟! ) فيضحك ويضحك من يسمعنا، الرفيقة أم علي ( بشرى ) التقيتها أيضاً، ولم أكن قد رأيتها منذ مهرجان اللومانتيه قبل عام، وكعادتي في مغازلة النسوان، قلت لها : بعدج حلوه وعيونج تخبّل ! فضحكت وهي ترد: عيونك الحلوه وتشوف كلشي حلو! والحقيقة إنني لم أكن أبالغ فقد كانت بعدها حلوه وعيونها تخبّل !!

كانت الوفود تتوالى من بريطانيا وهولندا والدنمارك والمانيا والنرويج ومدن السويد الكثيرة، وكانت السيارات تحتل محيط المكان ، كما كانت البغال في كردستان تحتل محيط المواقع الآنصارية ، والفرق إن السيارات لا تتمتع بنعمة الحشيش الآخضر رغم وفرته ! العشاء الجاهز توزع على الطاولات ، والقناني المختلفة بدأت تتسلل من زواياها محتلة أمكنتها أمام الجالسين ، وبدأت الآصوات تعلو ، كما هي عادة الآنصارعندما يلتقون، وتكررت ( بصحتك! ) عشرون مرة في أقل من خمسة دقائق! أبو القحط كان يحرض الجالسين على الخروج والجلوس حول النار التي تعب في صنعها ، ولآننا ( نحن الآنصار ) نعود بجدودنا للفراشات وليس للقرود كما زعم دارون، فقد إستجاب معظمنا لنداء ( أبو القُحْ ){ على ذكر العزيز ابو القح فأنا أعرف إن إسمه الحركي كان عدنان، ولما كان كل عدنان في العراق هو أبو قحطان فقد صاروا ينادونه أبو قحطان، ثم أختصر لآبو القحط، ثم لآبو القُحْ ، وأخشى أن يكون أبو ال.. فقط ، بعد جم سنه !! }إستجبنا في التوجه نحو النار ، التي كانت هذه المرة بعيدة عن الموقع، ويحتاج من يقصدها لخبرة في إمتحان الظلام ، أو للايت مُضيء، عند النار كان ( أبو عليو ) الذي قال له الشهيد أبو كريّم مرة : رفيق إنت لازم تدفع المالية دبل ، وعندما سأله أبو عليو عن السبب قال أبو كريم : وزنك يارفيق يعادل عشر أنصار، وحتماً راح تسويلنه أزمة بالتموين ! ويعرف جميع الآنصار الكلمتان الشهيرتان اللتان رد بهما أبو عليو على الشهيد أبو كريم !! المهم إن أبو عليو كان يجلس حول النار ويشفط المشروب بهدوء يُحسد عليه، وربما بدأ يشرب قبل يومين من وصولنا، وكنت وأنا أراقبه وهو يتحدث بسلاسة ووضوح وترتيب، كنت أفكر في مصير الكحول المسكين الذي يتناوله إذ ربما يتيه بين طبقات الشحم في معدته ولا يصل مطلقاً لنهايات الآعصاب التي تسكره أو تفقده توازنه!
الذكريات بدأت تترى من المتحلقين حول النار ، والذين كانت أعدادهم تزداد مع مرور الوقت ، وكانت المعارك والمخاطر ولحظات الموت الوشيك التي عشناها هناك في الجبل، تتحول لنكات وطرائف وأحاديث عادية، وكان كل منا يكمل للآخر ما أغفلته الذاكرة أو سهت عنه.
إستمر عدد من الرفاق يلقمون النار حطباً جديداً كلما حاول ضوءُها أن يشح أو يفتر، وفي ساعة متأخرة من الليل تركنا النار وعدنا لنجد القاعة عامرة بالجالسين ، فهذه مجموعة تتحلق حول ( أبو يارا ) وتلك حول ( كاظم الآنضباط وأبو حاسم ) وثالثة حول ( أبو الوسن ) وهكذا جلست مع ( أبو لنا وأبوعلي الطحان وأخرين ) لنصنع حلقة إضافية في سلسلة الجالسين، ولم أشرب رغم ألحاح الكثيرين واعداً على الغد! وكانت ألآحاديث والذكريات تترى أيضاً والضحكات تعلو هنا وهناك، والوجوه التي لم أرها منذ سنوات تصافح عيوني بمودة وإعتزاز، فهذا (أبو نادية قامشلي وزوجته ) وهم من معارف ألآيام الصعبة وألآمتحانات الحقيقية، وهذا أبو أوراس القادم من هولندا يلتقي بأخيه سمير طبلة القادم من لندن، ولو قدمت أختهم النصيرة الرائعة ( سوسن) من باريس، لآكتملت الفرحة بجمع شمل العائلة! أبو هدى الطريق يحييني بسرعة ويغيب ولا أعرف أين، إذ كنت بحاجه لتلفونه وعنوانه!( أبو حسن حبيب البي) رغم وضعه الصحي مازال حيوياً وباسماً ، النصيرات الرائعات أم رافد وظافرة وأم هيفاء يقدمن عروضهن للمساعدة في الخدمة والترتيب، ومساعدة من يحتاج المساعدة! أحمد عرب وأبو هند وجلال عرب وأبو نضيلة وأبو القحط ( وبمتابعة غير منظورة من مسؤول الفرع العزيز بسام ) يتنقلون بين الغرف والقاعات والمطبخ، يكملون النواقص ويلبون حاجات الطالبين، فلهذا مخدة أخرى ولذاك كأس للشراب ولغيرهما زيتون للمزة! حتى قررنا أن نؤوب لغرفنا وننام فغداً وقت الجد، وأعمال الكونفرنس ستبدأ فيه.

إستقيظت متأخراً كالعادة بعد سهر طويل، كان معظم المندوبين والضيوف قد إستيقظوا قبلي ، المطبخ كان مزدحماً بالمواد التي ستُعد للوجبات القادمة ، الشاي كان في الترامز ، وعلى الطاولات جبن وزبد ومربيات وخبز وبيض مسلوق، وحين مددت يدي نحو بيضة مسلوقة نصحني كثيرون بتركها لصعوبة تقشيرها، ولكن فضولي دفعني للتجربة! فعالجت البيضة محاولاً تقشيرها، وبالرغم من الرقة والمداراة التي إستخدمتها في ( التنزيع! ) إلا إن ما صفي بين يدي كان بقية مح ! إزدردت المح متمتعاً ولم أُسعد المنتظرين بكلمة نقد أوجهها للمتطوعين لخدمتنا، فهم لا يستحقون سوى الشكر والثناء!
بعد الفطور خرجت للهواء الطلق، ففاجئني علاء مجدداً وهو ( يتحنبط ) بقاط جديد مع يلك وربطة عنق وحذاء يلمع! وحين رأني أخذ يتبختر كالطاووس وتصنع أنه لم ينتبه لي! ضحكت لمنظره وقلت له : حبيبي علاء إنت جاي لعرس لو كونفرنس مال أنصار..؟ وجماله بغابة .. هسه لو بمدينة جا كلنه ميخالف، كل ساعة لابسلك قاط ! فإبنسم علاء بثقة وهو يرد : والله لموّتك قهر... أنه جايب لكل ماده من مواد الكونفرنس قاط! .. قاط للتقرير الآنجازي، وقاط للورقة الآعلامية! وقاط للبيان الختامي ! فقلت له : وتقرير غرفة ينابيع ؟ فقال : لا هاي جايبلها شورت وتيشيرت ! والحقيقة إنني لم أحسده وعيني كانت باردة كلش عليه، إذ ما أن أكمل حديثه حتى إقتحم فمه زنبور إنتحاري ، وزرع في لسانه لغماً كان من نتائجه أن تحول لسان علاء الى ( طوبه أم تلث دراهم ! ) إنسللت بهدوء، وأنا مخنوق بضحكة، وحمدت الله إن أعمال الكونفرنس بدأت، وإلا لآتهمني علاء بأني من حرض الزنبور على لدغه ! أخذت مكاني بعيداً عنه، وكنت أنظر له ( من جوه لجوه ) فأرى منظر وجهه وقد نزل خداه ( كما ينزل مُشرف على خليه! ) وإنهدلا حتى كادا أن يصلا لرجليه!!
الكونفرنس بدأ أعماله ، وإنتخب لجانه المختلفة ، وناقش الجميع فقرات برنامجه بمحبة وحيوية وحرص، ربما لا توجد إلا لدى مثل هذه الكتيبة المقدامة من أبناء العراق الشجعان، فقد إختلفوا كثيراً وأتفقوا أكثر! وخرج الكونفرنس بمجموعة من القرارات والتوصيات الهامة التي عكست مدى الجدية التي يتمتع بها هذا النفر من الناس الذين يعرفون كيف يفرحون ويلهون، وكيف يكونون جادين وصارمين، ولا يستطيع أحد أن يمرر الماء من تحت أرجلهم ! وقبل أن ينهي الكونفرنس أعماله بثواني ( وبسبب الزنبور ولسعته! ) كاد علاء ( أن يفجر لغماً ) لولا تداركنا للآمر، وقد كانت هذه مادة جديدة لي للسهرة القادمة ولمزيد من المرح مع ( حبيب ألآطفال ! ) علاء ولهذا اللقب قصة يحتاج شرحها لمجلدات !
في الساعة الثامنة مساءاً إنتهى الجزء الرئيسي من أعمال الكونفرنس، وكانت فترة إستراحة غمرت خلالها رائحة التشريب المعد للعشاء المبنى وما حوله، وكانت الزنابير أثناءها تبحث عن علاء جديد ! وكنت أكثر الجميع حذراً لا خوفاً من الزنابير بل هرباً من شماتة علاء!
وجوه جديدة بدأت تفد للمكان ، الرفيقتان تانيا ونادية كانتا بين القادمين الجدد، شخص ثالث كان معهما حاولت أن أميزه، إذ ليس معقولاً أن تأتي الرفيقتان مع ( بودي كارد ) للحماية! وبعد التحديق الجيد إكتشفت في الشخص الثالث صديقي العزيز ( بولا ) لكنه والحقيقة تقال كان مضروباً في عشره! علماً إنني إلتقيته قبل شهرين وكان مضروباً بخمسة فقط ! ويبدو أن (بولا) عرف أو سمع بقميص عبود ضيدان فتحداه بقميص أكثر سريالية والواناً، وقد أضفت حلاقة النمرة صفرلشعره فنطازية أكثر على المشهد! لقد تذكرت وأنا أنظر لبولا ولزوجته العزيزة نادية، فلم ( محامي خلع ) و( قوة المية حصان! ) ولآن خيالي ملعون فقد حاولت تقدير الفرق بين القوتين! وأشفقت على صديقتي الحمامة الرقيقة زوجته ( نادية ) من هذا الهرقل، وقلت في نفسي ( إنها حتماً الآن تخشى أن لا تقيم حدود الله ! ) قلت له مازحاً : كلي بولا الخاطر الله شتاكل ؟ وحين إستفسر لماذا ؟ قلت له : لا ماكو شي .. بس أريد أودي الوصفة للعزيز أبو شهله بلكي يزيدله جم كيلو! وحين تمادى بالضحك إنتهزت الفرصة لآقول: هاي صار جم مره ما أشوفكم بس بالحفلات! صارإلنه يومين مسلوكين بالكونفرنس وأنتم علحاضر تجون وكت الحفلة ! وضحكنا .
ملامح الجلسة الفنية بدأت تتوضح، الكراسي والطاولات صُفت بما يريح الجالسين، واجهة القاعة أعدت للفنانين طالب غالي وحافظ بغدادي (أبو نجيب) وأجهزة الصوت مرتبة أمامهم وجاهزة للعمل، ألانصار وضيوفهم توزعوا على الكراسي، الرفيقات وكن سبعة توزعن حسب خياراتهن، قناني الطرشي ( المنسوب للعزيز شيركو! ) والزيتون والبطاطا والليمون وأشياء كثيرة أخرى إزدحمت على الطاولات ، وأخرج ألانصار ما كان ممنوعاً في الجبل وكأنهم يثأرون من تلك الفترة، فمن يكفيه الربع، وضع أمامه لتراً، وإنكشف الكرم الحاتمي، ولم يكن بحاجة للآنكشاف فهؤلاء الفتية ( لهسه أشوفهم فتية ! ) هؤلاء كانوا كرماء بأرواحهم ودمهم وشبابهم وأحلى سنوات عمرهم، وبالدنية كلها، فما بالك بوسخها! ، كان الصديق العزيز ( أبو ولاء ) يجلس الى جانبي ، ولما لاحظ فتور همتي في الشرب ( رغم إنني والحقيقة تقال ما قصرت ! ) ، أخذت عروضه لي تتكرر وتتنوع ، فمرة يأتيني بالويسكي ومرة بالفودكا ومرة بالبيرة، وحين يئس من إستجابتي قدم لي كاميرته وهو يقول : هاك صوّر بكيفك .. وكل الصور التاخذها أنه أوديها إلك!! وضحكت وأنا أخذ الكاميرا من يده محرجاً ولا أعرف من أصور بها، وبالفعل صورت بعض اللقطات لا على التعيين ! وأخيراً قبلت بيك ويسكي منه لكي أخلص من الكاميرا!
الحفل الفني بدأ مع الفنان طالب غالي الذي كان يعزف أيضاً على العود ، وكانت هذه هي المرة الآولى التي يحضر فيها مناسبة أنصارية، وبدأ بأغاني سياسية لها وهج وتأريخ وذاكرة في أذهان الجميع ( ياحزبي يا ماي النبع ) و( يا حزبي يا غالي ) و ( عمالنا صفوف صفوف ) و ( هيلا يابو الجريده ) و ( المستقبل نور والأله تدور) ثم أيقظ جروحنا بأغنية ( مرني .. مرني .. مرني ) ثم وضع المرهم بأغنية ( لا لا يم راشد ) وأزال ألآلم بأغنية ( أنه ممنون لبو نونه ) و( أسمع ونين عبيد فوك الغرفه ) وكان يرافقه في جميع الآغاني الفنان حافظ بغدادي وهو يقّسم بخبرة ودراية على أوتارالكمان، في حين كان كورس متنوع يولد مع كل أغنية من أصوات المتطوعين وهم كُثر! أما الراقصين فلا أستطيع إحصائهم ، أو إكتشاف من كان البادي ( وهو أعظم وليس أظلم )، ولكني حلمت ! ( على طريقة الشهيد عادل ليبرالي ! ) بأن الصديق شيركو هزَّ كتفيه بإجادة تحسده عليها السيدة ( ملايين ) وإن الرفيقة ظافرة والرفيق أبو حيدر رقصا الهيوة أفضل من فرج العبد! وإن أبو دعاء وأبو أروى وأبو ولاء وأبو حاتم، لم يبخلوا بجهدهم وتفوقوا على محمد البغدادي ( هذا بس أهل الناصرية المن عمري وفوك يعرفوه! ) كما حلمت أن العزيز أبو زينة ( المانيا) دندل نظارته بحبل فوق صدره وراح يردح ( عامي شامي ! ) اما ( الجيثوم ) الذي رأيته فقد كان نزول العزيز عبود ضيدان للساحة، فقد فر الجميع من أمامه وهو يردح بقميصه المرسوم بريشة سلفادور دالي والكاسكيته الزرقاء فوق شعره المتدلي على الكتفين! وبيده منديل يشبه منديل أم كلثوم، وكان يحث العزيز أبو لنا على الغناء صارخاً (غِير ... غِير ) وكأن بين يدي ( أبو لنا ) رسن جواد منطلق وليس عوداً للعزف وحنجرة للغناء! وكان يردد كلما غنى أبو لنا ( بويه ولك بويه ) كان يردد ( إنعل أبويه !! ) الغريب إني رأيت ( فيما يرى النائم ) أن العزيز أبو جواد ( يعني أبو دنيا الدانمارك ) يتجاهل أمراضه وكيلواته الفائضة عن الحاجة ويساهم أيضاً في الرقص!
العزيز حجي عباس سميسم، كان يهز رأسه ويديه، وقد أخذه الطرب أي مأخذ، كنت أنظر اليه وأتذكر النواب في بيته الشهير ( مو حزن لكن حزين ) وحين الحوا عليه بإستلام المايكرفون والمساهمة، طلع منها مثل الشعرة من العجين فبعد أول أبوذية قرأها طلب العزيز أبو بسام ليصدح بصوته وأطواره الجميلة، ولم يبخل ( أبو بسام ) بالروائع خصوصاً، وإن ( سبحة ) عمه داخل حسن كانت تدوزن ما تجود به حنجرته الماسية من الحان! ثم جاء دور الرفيقة ام هيفاء التي غنت ما كنا نسميه في الآنصار بنشيدها الآممي ( عليك أسأل عليك أسأل ) وحزنت عليها إذ صارلها حوالي تلاثين سنه وهي تسأل الرايح والجاي وماكو أمل !! وبلسانها الحلو تحولت الراءات الى غاءات ( والعجيب ان الراءات في هذه الآغنية أكثر من إلعظام البلصبور!) كما غنت أغنية ( لو لاله ولول لوه ..خلخالي صاح ودوه ) ثم أنشد العزيز أشتي زهيريات وأبوذيات، أعقبها العزيز أبو مازن بقصائد شعبية كان بينها قصيدة عن الشهيدة أنسام حولتني لغيمة شتوية! ولما طُلب حجي عباس مجدداً فلت منها، كما في المرة السابقة، دون أن يشعر أحد، إذ قرأ زهيري ( ويعبر على الطيب أبو بسام ونيني !) وكانت جولة جديدة لآبي بسام الذي أبدع كعادته في اللقاءات الآنصارية ، فمن موال لآبوذية لدارمي ، وكانت المشاركة والآنصات على أشدهما من الجميع ( عدا الدكتور يونس الذي يبدو أن التثمين الذي تلقاه فرع هولندا الذي يقوده من الكونفرنس، كان قد دوخه، فكضاها داير وجهه ويسولف .. وكل دقيقه أنتقده وما يفيد، لمن هجه أبو لنا يالله سكت!! ) الطريف أن وفد هولندا بقيادة الدكتور يونس ، تحنبطوا بالقوط والآربطة رغم حرارة القاعة ، ويبدو أن ذلك كان قراراً مُلزماً للجميع! فكلما قلت لعلاء ذب الربطة وأنزع سترتك وأخذ راحتك! يعضلي بشفته ويلتفت مرعوباً للدكتور يونس !ً
العزيز أبو لنا عاد مجدداً للغناء، وبمصاحبة العزيز أبو نجيب الذي أبدع في تقاسيمه الرائعة على الكمان، وكانت ألآغاني تنثال علينا كمطر صيفي لذيذ ( طولي يا ليله ) وفعلا إنصرمت الساعات لكنها كانت تركض كالدقائق، ( وحنه يبويه رفاكه ) و( حمام يلي على روس المباني ) و (كلي ياحلو منين الله جابك ) و ( أسأل بالشفايف أسأل بالعيون ) ولم تبق أغنية من ذلك الزمن الجميل لم تُغنى في هذه الليلة، وقد إنطلق العزيز أبو لنا بما لم أعهده فيه من مواصلة وسلطنة، وكنت أقول للجالسين الى جواري بأني لم أر ( أبو لنا ) منذ سنين بمثل هذه الروحية السابحة في الفضاء، وبمثل هذا الصوت الصافي والقوي، وكنت أفسر ذلك بالمتعة والآنسجام اللذان كان يحسهما، وبمدى التجاوب الذي أستقبل فيه من قبل ألآنصار، وكنت سعيداً إن إلحاحي على مشاركته في فعاليات الآنصار ومناسباتهم لم تخبْ ، وهذه مقدمة مناسبة لآشتراكه معنا في المهرجان الثقافي الثالث للآنصار، والذي ننوي إقامته في بغداد والمحافظات الآخرى في الصيف القادم .
مع تباشير الفجر بدأت المجاميع تتسلل نحو غرف النوم، وبعض الضيوف قرروا العودة لمالمو رغم إن الساعة جاوزت الثالثة صباحاً، وفي صباح اليوم الآخير ( ألآحد ) كانت الوجوه مشرقة، فمتعة ألآمس كانت بين أسنان الجميع! ولآن القاعة لازالت غاصة بمخلفات الليلة السابقة، ويحتاج تنظيمها وتنظيفها لزمن وجهد، فقد إكمل الكونفرنس ما تبقى من جدول أعماله في الهواء الطلق، وتحت رحمة الزنابير التي كانت تحوم وتحوم، وبعد أقل من ساعتين أنهى الكونفرنس أعماله بنجاح، وبدأت الوفود تغادر المكان وهي مصممة على أن تعيد لهذه الحركة وهجها ونبل تأريخها، من خلال مزيد من العمل الآعلامي والثقافي والجماهيري، لكي تشعر الآجيال الجديدة، ومن لم نستطع أن نصل اليه، أي تجربة عشناها وأي تضحيات قدمناها، وأي طاقات وكفاءات كانت بيننا !
 


 

free web counter