| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

داود أمين

 

 

 

                                                                                       الأحد 3/4/ 2011

 

بمناسبة الذكرى السابعة والسبعين لميلاد الحزب الشيوعي العراقي

ألمناضل كاظم فرهود
سياسي ورياضي ووجه إجتماعي بارز في الناصرية

داود أمين

تحفل مدينة الناصرية بشخصيات ثقافية وسياسية وإجتماعية ورياضية كثيرة، وهذه الشخصيات تشكل جزءاً أساسياً من ذاكرة المدينة، ومن رواة تأريخها الحافل بالأحداث والمفارقات، ومن بين هذه الشخصيات العامة والمشهورة في مدينة الناصرية، المناضل المعروف ( كاظم فرهود )، وهو غير المناضل والكادر الفلاحي الشهير، والذي يحمل نفس الإسم، فالفارق بين عمر الشخصيتين كبير، وميدان نشاطهما كان مختلفاً أيضاً، رغم إنهما كانا معاً أعضاءاً في حزب واحد هو الحزب الشيوعي العراقي.

تعود معرفتي بكاظم فرهود، الذي يكبرني ببضعة سنين، لآوائل خمسينات القرن الماضي، فنحن أبناء محلة واحدة، بل شارع واحد، ووالدته ( الحاجة جاسمية الخلف ) هي الصديقة الأعز والأقرب لجدتي ( أم عبد الله )، وكانت تلك الأم من أطرف شخصيات المدينة وأكثرهن مرحاً ودعابة، أما والده ( الحاج فرهود فجر ) فهو صاحب واحدة من كورتين كانتا تصنعان الطابوق في الناصرية، وكان لدى الحاج فرهود جيش من ( المجارية ) ينقلون طابوق كورته على ظهور الحمير، من الكورة البعيدة التي يمتلكها والتي تقع خلف( الروف)، إلى داخل مدينة الناصرية، لذلك كان المجلس الحسيني الذي يقيمه الحاج فرهود سنوياً في شهر عاشور يسمى ( مجلس المجارية ) نسبة لذلك الجيش الكبير من ( مجاريته )، وكنت طوال طفولتي ومراهقتي، واحداً من لطّامة هذا المجلس، المحسوب على الشيوعيين، سيما وإن (رادوده) كان المطرب الشهير ( جبار ونيسه ) ومن بعده الفقيد ( الملا عواد ) وقارئه من كان يُعرف، رغم عراقيته، ب( البحراني ) .

ولد كاظم فرهود في الناصرية عام 1943 ودخل المدرسة الشرقية، التي كانت ملاصقة لبيتهم، آواخر الأربعينات ملتحقاً بأخيه الأكبر( مطشر )، وعندما وقع العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، كان كاظم في السادس الإبتدائي، وقد هزّه الحدث كما هزَّ أبناء الناصرية، التي خرج شبابها وطلبتها للتظاهر والتضامن إلى جانب الشقيقة مصر، وكان هذا الحدث بداية تبلور وعيه السياسي، خصوصاً وهو يرى الكثير من أبناء مدينته يفصلون من المدارس ويرسلون مجندين إلى كردستان، وبعد ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958 ، كان كاظم في دراسته المتوسطة، عندما إنتمى إلى إتحاد الطلبة، وبعدها بأقل من عامين، أي في عام 1960 إنتمى لصفوف الحزب الشيوعي العراقي، وهو لم يكمل الثامنة عشر من عمره، وحصل على العضوية بعدها بعام، وكان معه في المنظمة الطلابية التي لا يزال يتذكر إسمها( منظمة سعيد ) قريبه الفقيد ( حسن إبراهيم ) و( محمود شهاب ) وآخرين، ولنشاطه المتميز في تعليق اللافتات وكسب الطلبة تم تنسيبه ل( مكتب طليع ) وكان هذا المكتب منظمة طلابية قيادية في تنظيمات الحزب الشيوعي في الناصرية، وفي عام 1962 طُلِب من كاظم فرهود أن يحضر لموعد حزبي، قيل له أنه سري! وكان الموعد قرب ( حديقة غازي ) المعروفة في الناصرية، وعندما ذهب للمكان المتفق عليه في الوقت المحدد، وجد سكرتير محلية الناصرية حينذاك الرفيق( أبو إيمان ) حيث أخبره الأخير أن صلته الحزبية ستكون منذ اللحظة به فقط، وأن يقطع صلته بمنظمته الطلابية وباي رفيق آخر، إذ ستكون مهمته نقل بريد الحزب بين البصرة والناصرية! وهي مهمة سرية وخطيرة وتتطلب الكتمان، كما أخبرني( يقول كاظم ) أن رفاقي الطلبة وغيرهم سيقاطعوني ويتجنبوني بإعتباري مطرود من الحزب( إذ هكذا سيشاع عني! )، وعليَّ أن أتحمل ذلك لمصلحة الحزب والمهمة الجديدة، وحدد لي الرفيق (أبو إيمان) موعداً ثانياً لللقاء في بيت الرفيق ( عودة البناء ) وهو عم المطرب المعروف( علي جودة )، ويقع بيته خلف المستشفى، وكان بيتاً حزبياً، وفي الموعد المحدد ذهبت لبيت عودة، وبعد كلمة السر المتفق عليها أدخلوني البيت، فوجدت الرفيق ( أبو إيمان ) الذي أعطاني عنواناً في سوق الخضارة في البصرة لبائع فرفوري وصواني يدعى ( كاظم غنتاب )، وكان علي أن أصل لهذا الرفيق وأعطيه رسالة الرفيق أبو إيمان وأرشده للفندق الذي أنزل فيه في العشار، لكي يحضر لتسلم الحقيبة التي معي، وقد قمت بالمهمة، وقبل أن أعود للفندق أعطاني الرفيق ( كاظم غنتاب ) كلمة سر جديدة، وأخبرني أن جماعة سيتصلون بي في الفندق، وبالفعل جاءني شاب، وبعد كلمة السر المتفق عليها، إصطحبني من الفندق إلى سيارة (فوكس واكن) كانت تقف بعيداً وفيها رفيقة، وسارت بنا السيارة إلى ( أبو الخصيب ) حيث دخلنا بستاناً فيه بيت فلاحي، وقد أخبروني أن البريد جاهز، وكان عبارة عن ( تنكتين تمر وأربع كواصر تمر ) وكان البريد الحزبي داخل التنكات والكواصر! فأخذت البريد وعدت للناصرية، وذهبت مباشرة لبيت ( عودة | أبو سلام ) حيث سلمته البريد، وقد فعلت الشيء نفسه مرتين أو ثلاث مرات، بعد هذه المرة، أي نقل البريد، قبل أن يحدث إنقلاب شباط الأسود، ومن المهم الإشارة إلى أن الرفاق، وخصوصاً رفاقي الطلاب، كانوا قد قاطعوني حين إنقطعت فجأة عن تنظيمهم، وقد أثر بي ذلك كثيراً، وحاولت الإعتذار ورفض المهمة، لكن قيادة التنظيم في المحافظة أصرت على إستمراري، وربما أفادني هذا الوضع، وتلك الصورة المرسومة عني كوني( مطرود من الحزب! ) في المعتقل بعد إنقلاب 8 شباط، إذ بعد إعتقالي وتعذيبي والتحقيق معي، تم نقلي لبناية نقابة المعلمين بإعتباري مطرود من الحزب، ولا أشكل خطراً على الإنقلابيين! وكان معي في هذا المعتقل عبد الله عرب ومهدي الراوي وكاظم الريسان وضاحي فجر والعشرات غيرهم.

في آب من نفس العام 1963 تم إطلاق سراحي بوساطة أخوالي، ولعدم إثبات أن لي صلة بالتنظيم الحزبي! وفي هذه الفترة أسس البعثيون في الناصرية، منظمة تسمى ( منظمة العمل الشعبي ) وكان على رأسها البعثي المعروف في المدينة ( ريسان مطر )، وأرادت هذه المنظمة أن تقيم نشاطاً وحفلاً جماهيرياً، على مسرح (سينما القاهرة الصيفي ) القريب من شاطيء النهر، وكان من بين فقرات هذا الحفل، وجود ساحر يقدم بعضاً من ألاعيبه للجمهور، ولا أدري هل إن حظي الخائب أم حظ الساحر، هو الذي جعلني أجلس بالصف الأمامي من الجمهور، فإختارني الساحر لأشاركه إحدى فقراته، وقد تعمدت إفشال الفقرة وفضح الساحر وتبويشه أمام الجمهور، الذي غرق في الضحك، وفشلت الحفلة بكاملها، فما كان من ( ريسان مطر ) سوى شتمي والحزب والطلب من الحرس القومي إعادتي للمعتقل، وهذا ما حدث بالفعل حيث عدت للمعتقل، وحقق معي وعذبني المجرمون المعروفون (غازي سيف وعباس حمادي وزكي) و (المفوض عزيز)، وكان معي الرفاق نوري خضير وخالد غني وعبد الزهرة مجيد وأحمد كنو وحسن إبراهيم وغيرهم، وبعد ثلاثة أيام من التعذيب، تم نقلنا لبيت آمر الحامية، حيث تشكلت لجنة تحقيقية، تتكون من عباس حمادي وفهمي روفا، وبعد أيام جديدة من التعذيب، تمت إعادتي لبناية نقابة المعلمين، التي تحولت لأحد معتقلات البعث حينذاك، وهنا أيضاً تم تعذيبي، على يد ( كريم سيد خلف وعباس حمادي وغالب النصر الله ) بحجة تفشيلي للفعالية البعثية! وعُلقت بالمروحة لخمسة أيام، وكان معي في هذا المعتقل ( شاهين الصبي )، ثم أحالوني للمجلس العرفي، وحين سألني الحاكم : هل أنت شيوعي ؟ أجبت بالنفي، ولم يكن ضدي ما يُثبت عكس ذلك، فطلب مني الحاكم أن أشتم الحزب الشيوعي لكي يطلق سراحي فرفضت، فحكم علي بالسجن لمدة سنة ونصف، وأرسلت لسجن الرمادي، وهناك قُدمت للمحكمة مجدداً بثلاث تهم أخرى، وكان معي منعم القيسي وعاجل كريم وأنور سوكاوي، وحكم علي مجدداً بسبع سنوات أخرى، بدعوى مشاركتي فيما سميَّ ( بالتنظيم الجديد ) وكنت حينها رهن التوقيف! وفي الرمادي أذكر إن مدير السجن المدعو ( صادق قفطان ) أقام لنا حفلة تعذيب، إشترك فيها حتى أهالي المدينة، حيث بدأ ضربنا من الإدارة حتى الباب الرئيسي، وكان معي الرفيق ( كاظم شناوة ) والرفيق ( عبد .. ) وكان فراش مدرسة، ولم نقل جميعاً كلمة (آخ ) بل أغمي علينا، وحين أفقت وجدت نفسي في غرفة رطبة وقذرة مخصصة للتأديب، وتسمى ( غرفة الرياضة )، وقد بقيت في سجن الرمادي حوالي تسعة شهور، وفيه تم نقلي ( للمحجر) وفيه وجدت الشاعر زهير الدجيلي وعدداً من الضباط الشيوعيين، ثم نقلت ( للقلعة ) وفيها عدد من المجرمين العاديين أذكر منهم ( الشيخ حماد ) الذي كان يخافه ويخدمه الكثيرون، وفي هذا السجن شكلنا هيئة للسجناء، وتم نقلي بعدها لسجن الحلة، ولم تكن فيه هيئة سجنية أول الأمر، فطالبنا بذلك وتم عزل السجناء العاديين عن السياسيين، وأصبحت ممثل السجناء أمام الإدارة، ثم أصبحت رئيس اللجنة الرياضية، حيث نظمنا بطولات بالكرة الطائرة، وكنا نمنح الكؤوس والجوائز للفائزين، كما كنا نقوم بالتمارين الرياضية كل صباح، وكان لدينا مكتبة في السجن، وحفلات وغناء يشارك فيه ( سعدي الحديثي ) ومحاضرات ثقافية وأمسيات شعرية. وكانت زيارات عوائلنا تتم كل 15 يوماً، وهناك زيارات شهرية وزيارات خاصة، وعندما حُفر نفق سجن الحلة كنت في السجن، ولكني لم أعرف بموضوع النفق ولم أخرج مع الذين خرجوا من خلاله!

وفي حزيران 1967 شملني التخفيض(10%) فأطلق سراحي، بعد أن أمضيت أكثر من أربع سنوات في السجن، وبعد خروجي من السجن تم توقيفي مجدداً، بحجة معرفتي بموضوع حفر النفق، ولم أكن أعرف عنه شيئاً، وبعد أن أطلق سراحي عدت مجدداً للحزب، وكان إسمي ( عايد ) وعملت أول الأمرفي منظمة الشبيبة مع الرفاق جواد البطحاوي وجواد السنجري، ثم إنتقلنا للتنظيم مع شهاب أحمد، وأصبحت عضو في المكتب العمالي الذي كان يقوده ( تركي كطامي ) وعندما عارضت حل المنظمات الديمقراطية، تم إبعادي عن الحزب!

الرياضة كانت أبرز نشاطاته
قلت للعزيز كاظم فرهود: بالإضافة لشهرتك كمناضل شيوعي، ومنذ ستينات القرن الماضي، فأنت معروف كرياضي أيضاً، والأصح كداعم وموجه وإداري كفوء في المجال الرياضي، هل تحدثني عن هذا الجانب، وكيف تم؟
يجيب المناضل كاظم فرهود قائلاً : كنت لاعب كرة قدم، منذ دراستي الإبتدائية في المدرسة الشرقية، وإستمر الأمر في الدراسة المتوسطة، لكني في الحقيقة لم أكن لاعباً مميزاً كأقراني ومعظمهم من الشيوعيين أو من القريبين من الحزب. وعندما تأسس ( نادي الفتيان ) في أواخر الخمسينات كنت من الناشئين التابعين لهذا النادي، وعندما أغلق هذا النادي بعد إنقلاب شباط عام 1963، حاولت إعادته بعد إنقلاب 1968، ولكني لم أستطع، فلجأت لتأسيس فريق ( فتيان المحلة ) وسجلت الإجازة الحكومية بإسم ( طارق طرخان ) وقد ضم الفريق خيرة لاعبي الناصرية من قدم وسلة وساحة وميدان، وكنا نحصد الجوائز الأولى بإستمرار، علماً أن مالية هذا الفريق كانت من تبرعات الناس العاديين، من خضّارة وقصابين وسواق سيارات، وأيضاً من بعض أبناء الناصرية العاملين في دولة الكويت، وكان تجار المدينة ووجوهها الإجتماعية يدعموننا أيضاً، من أمثال سيد يونس وعزيز غريب وغني الطحان وشرّيف وغيرهم، وقد صعد فريقنا لبطولة الجمهورية، ولكننا خسرنا أمام فريق الجيش، وكنا لسنتين متتاليتين أبطالاً للمنطقة الجنوبية، وكان فريقنا الأول لثلاث سنوات متتالية في الساحة والميدان، وقد إستمر عملنا هذا من عام 1969 لغاية 1975، حيث تم حل الفريق بقرار من السلطة، وتم منعنا من ممارسة أي نشاط رياضي، مما ألجأ اللاعبين للتوزع على محافظات صلاح الدين والسماوة وديالى. أما بالنسبة لي فقد رشحت عام 1975 لنادي الجزائر ففزت في الإنتخابات، وبقيت مسؤولاً لكرة القدم في هذا النادي حتى عام 2002، وقد رافقت الفريق إلى كردستان ومدن العراق الأخرى، وقد برز في هذا النادي عدد من اللاعبين، بينهم هدير جواد وعارف وفلاح عودة ورعد إبراهيم وستار جبار وعباس طاهر. أما الأن ففي الناصرية ناديين رياضيين هما ( نادي ذي قار ) و ( نادي الناصرية ) ولا علاقة مباشرة لي بالناديين!

ونشاطه في جمعية أبناء الناصرية
قلت للأخ كاظم فرهود : وماذا عن نشاطك في جمعية أبناء الناصرية ؟ يجيب العزيز كاظم قائلاً : أنت تعرف أن المدينة توسعت في العقود الأخيرة توسعاً غير معقول، وإزداد سكانها زيادة غريبة، بحيث أن أبناء الناصرية الأصلاء أصبحوا أقلية في مدينتهم، وعندما توفي الفقيد ( محمود طوبيا) وهو واحد من أعرق أبناء المدينة، أقمنا له مجلس عزاء في الشارع، وحضر ذاك المجلس حشد كبير من أبناء الناصرية، وفيه طُرحت فكرة تأسيس جمعية خاصة بأبناء الناصرية الأصلاء، ومهمة هذه الجمعية التكافل والتضامن الإجتماعي بين أبناء المدينة، والمساعدة في الأفراح والأحزان، وبالفعل بادرنا لعقد إجتماع عام حضره قاضي مخول ، وأجرينا إنتخابات ديمقراطية وشفافة فاز فيها الأخ عقيل كريم اليعقوبي، ليكون رئيساً للجمعية، وفي الدورة التالية فزت أنا في الإنتخابات، ولدينا الأن مقر نلتقي فيه يومياً، متبادلين الرأي في شتى الأمور الخاصة والعامة، كما أصدرنا مجلة خاصة بالجمعية، ولدينا في الجمعية الأن( 3233 ) عضو من الجنسين، وسعينا لتحويلها لمنظمة مجتمع مدني .

 

free web counter