| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

داود أمين

 

 

 

الثلاثاء 24/3/ 2009

 

رياضيون من ذاك الزمان
(ناجي هاشم ) رباع وبطل في الكمال الجسماني

داود أمين

في نهاية خمسينات القرن الماضي وأوائل ستيناته، كنا لم نزل صبياناً بعد، وكانت الناصرية كعادتها مدينة صغيرة، ووجوه ساكنيها اليفة ومعروفة، ربما للجميع، وكان رياضيو المدينة، هم ألأكثر شهرة وحضوراً في ذلك الزمن الجميل، الذي أصبح الآن بعيداً، بل نائياً!

( ناجي هاشم ) كان واحداً من أبناء الناصرية المعروفين، وأحد وجوهها الرياضية والشعبية المحببة، فهذا الأسمر النشيط كان عاملاً في محل لبيع الكباب( كببجي)، كما كان ناشطاً سياسياً في إتحاد الشبيبة الديمقراطي العراقي والحزب الشيوعي العراقي، وكان رياضياً بارزاً في واحدة من أعقد الرياضات، وأكثرها بذلاً للجهد والمثابرة، وأعني بها رياضة كمال الأجسام!

لقد كانت صور (ناجي هاشم وكاظم عبد سندال وعبد الحسين جولان ووناس طعمة وغازي نجم وبدري عبد الوهاب وجابر راضي) تزين واجهات ستوديوهات المصورين (كريم وشاكر شناوة ورشيد مجيد وفليح) وغيرهم، وتشدنا نحن صبيان تلك المرحلة، ونحن نحدق في ( البوزات! ) المثبتة في تلك اللقطات الجميلة لأجسام أصحابها، وكنت مثل غيري من الصبية نحضر إستعراضات كمال ألأجسام وتبهرنا الأجسام المدهونة بالزيت اللماع، والعضلات التي تنبجس مع كل حركة من الكتفين والرقبة والفخذين والصدر والبطن واليدين، وكانت صورة ناجي هاشم واحدة من صور أؤلئك الأبطال الذين كانت لهم نكهتهم الحاضرة في يوميات المدينة وتفاصيل طقسها!

عام 1963 ، وبعد إنقلاب شباط الدموي، كان الشيوعيون في الناصرية يحاكمون، من قبل محكمة عسكرية خاصة، في مبنى القسم الداخلي للطلاب المقابل لبهو البلدية، وكنت أقف مثل المئات من أبناء الناصرية ورجالها ونساءها أمام سياج المبنى، ننتظر قرارات الحاكم العسكري على الموقوفين، ولا تزال عالقة في ذاكرتي حتى اللحظة صورة ناجي هاشم، عندما خرج من المحكمة، فقد صرخ ضاحكاً وساخراً وهو يجلس فوق سطح السيارة المسلحة التي ستنقله لسجنه، ويحيط به مجموعة من الشرطة المسلحين، صرخ عندما رأى أحد أصدقائه من الرياضيين : شاكر مطرّه ... سبع سنين .. إنحكمت !....! سبع سنين!!!

بعد سقوط النظام كانت فرحتي كبيرة أن أجد ناجي هاشم لا زال حياً، ورغم مرضه ومتاعبه وسنه الذي تجاوز السبعين فقد كان حضوره واضحاً بين أبناء مدينته، وكنت في كل زيارة لي للناصرية التقيه وأستمع لحديثه وذكرياته، وفي زيارتي الآخيرة قررت أن أجري معه لقاءاً صحفياً أحاول من خلاله تلمس جذوره وما أنجزه خلال مسيرته الرياضية وأفكاره ومقترحاته، وكانت الحصيلة كما يلي :
عن الجذور يقول ناجي هاشم، أنه ولد عام 1936 في ( عكد النجادة ) في سوق الشيوخ، وهو من بني زيد، وكان والده ( كهوجي ) أي عاملاً في مقهى، وقد إنتقل الوالد للناصرية في الآربعينات، بعد ( أحداث حجام ) وعمل (كببجي) لدى ( حجي صاحي الكببجي )، وقد دخل ناجي {مدرسة المنتفك} وبقي فيها للصف الرابع الإبتدائي، حيث تركها بسبب الظروف الإقتصادية للعائلة التي إتسعت بالزواج الثاني للوالد ومجيء جيش من الأخوة والأخوات!

عام 1956( يقول ناجي ) أنه بدأ كهاوِ لرياضة كمال الآجسام متأثراً ببعض رياضيي المدينة من الجيل السابق، وبينهم جبار القصاب وعبد الجبار أيوب ويوسف سعد وغيرهم، وكان ناجي يتدرب في إحدى قاعات فندق يملكه ( جبار عليوي ) حيث إشترى الأخير الحديد من جبار القصاب، وحول إحدى قاعات فندقه لتدريب شباب المدينة على هذه الرياضة المحببة! إذ لم يكن في ( نادي المنتفك) قاعة للحديد، بل ولا حتى أجهزة للتدريب على هذه الرياضة ، فقد كان نشاط النادي مقتصراً على كرة القدم والسلة والطائرة.

وبعد ثورة 14 تموز( يقول ناجي ) تم إفتتاح ( نادي الفتيان ) وكان موقعه داخل السوق، وفيه تم إنشاء قاعة خاصة للحديد ورفع الأثقال ورياضة كمال الأجسام، وكنا مجموعة من الشباب أذكر منهم ( وناس طعمة، كاظم عبد سندال، عبد الحسين جولان، غازي نجم، بدري عبد الوهاب ) وغيرهم ، وقد أصبح الكثير منا من أبطال هذه اللعبة، وقد ساهمنا في مسابقات منطقية وقطرية أذكر منها مساهمتنا عام 59/ 1960 في سباق المنطقة الجنوبية الذي جرى في( نادي الأتحاد المركزي ) في(ساحة أم البروم ) في البصرة، وبتحكيم البطل الأولمبي ( عبد الواحد عزيز ) وكنت أمثل قصار القامة مع زميلي ( بدري عبد الوهاب ) وكان معنا ( كاظم عبد سندال وعبد النبي معيبد ) يمثلان طوال القامة، وقد فزت بالموقع الأول مكرر لقصار القامة، حيث شاركت في الضغط 65 كغم والخطف 55 كغم ، وفي العام التالي 60/ 1961 كان السباق في البصرة ايضاً، ولكن في ( نادي الميناء)، وفيه فاز البطل( كاظم عبد سندال) بالموقع الأول لطوال القامة، وكنت الثاني لقصار القامة بعد أن فاز بالموقع الأول البطل ( طالب الدوري ) في حين لم يحقق زميلي ( بدري عبد الوهاب ) أي شيء، وفي هذا السباق أذكر أسماء بعض أبطاله ومنهم (أدمون وأحمد علي هيلك وقاسم مظلوم وعلي السماك) وفيه أيضاً تعرفت على المدرب المعروف ( الدكتور مطاع شوكت الدليمي ) الذي ألح علي بضرورة أخذ كورس تدريب على يديه، وبعد هذا الكورس حصلت على الموقع الأول للمنطقة الجنوبية!

وأسأل الصديق ناجي هاشم : وماذا بعد إنقلاب شباط، هل إنتهيت كرياضي وأنت تقبع في السجن ؟
يجيب ناجي قائلاً : كلا بالطبع، إذ لما كانت الحاجة أم الأختراع كما يقولون، فقد بادرنا في السجن لتعبئة ( قواطي المعجون ) بخبطة من الحصو والأسمنت لصنع ( دمبلصات ) كما قطعنا ( تنكات ) على شكل دائري، بعد دهنها بالزيت ووضعنا فيها ( اشياش ) وصنعنا مصطبة للعب ( البنج بريس ) والغطس بين كرسيين لتقوية الصدر والرقبة، وكان معي الصديق ( خضير عبد الشهيد ) ورفيق من الموصل إسمه أحمد وأخر من الكاظمية من بيت متروك، وكنا نجري المباريات داخل السجن، خصوصاً بالنسبة لنا نحن المحكومين طويلاً!
وأسأل ناجي عن رياضة كمال الآجسام الآن، فيجيب : ليس هناك قاعات متخصصة في النوادي لهذه الرياضة، ( ثم يستدرك قائلاً ) في مركز الناصرية الآن نادي رياضي واحد، في حين هناك ناديان في سوق الشيوخ!! وليس في هذا النادي اليتيم قاعة للحديد ولرياضة كمال الأجسام ! هناك أربع قاعات أهلية والتدريب فيها ( بفلوس ! ) أما الذين يتدربون فيها فهمهم الأول هو تنمية أجسامهم للظهور وليس للرياضة! المؤسف القول أن جمهور هذه الرياضة تراجع مع تراجع أبطالها والمهتمين بها، لذلك فهي لا تحظى بالأولوية لدى جميع المعنيين، وأخشى أن يأتي يوم تصبح فيه رياضة كمال الأجسام من ذكريات الماضي الذي لن يعود !!!


 

free web counter