| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

داود أمين

 

 

 

                                                                                       الأحد 23/9/ 2012

 

مهرجان اللومانتيه
خيمة (طريق الشعب) للفنان محمود صبري هذا العام
(2)

داود أمين

اليوم الأول

إستيقظنا بعد يوم التعب الخرافي السابق نشيطين مبتسمين، وبعد الفطور المتعجل في الفندق، توجهنا لمحطة المترو القريبة، التي إكتشفناها اليوم فقط. كان علينا أن نصل لمكان المهرجان في وقت مناسب، فالفنان فيصل لعيبي سيقدم محاضرته عن الفقيد الفنان محمود صبري في الحادية عشر صباحاً، كما أبلغنا، وكانت أول المفاجأت أن البطاقات التي إشتريناها أمس لا تناسب هذا المترو، وليس هناك موظف يبيع بطاقات في المحطة، كما إن الأجهزة الآلية الموجودة في المحطة كثيرة، ولا نعرف أي جهاز يعطينا البطاقة التي نحتاجها، ولم يكن أمامنا سوى التسلل بسرعة خلف الداخلين عبر كارتاتهم وبطاقاتهم، وكانت عملية شاقة ومخجلة، فأنا أكره الخداع والتحايل وأجد نفسي مضطر له الآن، المهم عبرنا جميعاً وصعدنا سلماً مرتفعاً لنكتشف إننا دخلنا في الإتجاه المعاكس ( وراي وراي فيصل القاسم ) وعندما نزلنا إكتشفنا أن الخروج مثل الدخول ويحتاج لبطاقة! وكان منظرنا مسلياً ونحن ننتظر الخارجين لنتسلل خلفهم! وعندما تمت هذه العملية بألف ياعلي، توجهنا للإتجاه الصحيح وتكررت عملية التسلل السابقة صاعدين نحو المترو، الذي نقلنا بعد محطتين فقط لمحطة ( لابورجيه ) حيث يُفترض أن تقف باصات المهرجان المجانية لتنقلنا إلى هناك، ولما كان قدومنا مبكراً والباصات المجانية تبدأ العمل بعد الثانية عشر ظهراً، فقد أخذنا الباص 133 غير المجاني، والذي ناسبته بطاقاتنا، فإستراح ضميري قليلاً من التحايل السابق!

لم يقف الباص أمام الباب الرئيسي للمهرجان بل أنزلنا في موقع بعيد، وقد إقترح العارفون أن نسير نحو الباب الخلفي، الذي دخلنا منه يوم أمس، وبعد سير ليس بالقليل كنا نقف أمام باب مخصص لدخول السيارات فقط، ولا أحد قربه يبيع بطاقات الدخول لنشتريها وندخل، وتناقشنا كيف نحل هذا الإشكال، وكانت فكرة الرفيق أبو الفوز لمّاحة، عندما تذكر إننا صحفيان ونستطيع الدخول مجاناً، فأخرجنا هوياتنا الصحفية ( هو وأنا ) وتقدمنا واثقين، ومعنا الرفيق أبو إيهاب، لندخل بيسر ودون أدنى سؤال، وبعد قليل إلتحق بنا الجميع، وبدون شراء بطاقات، ولا أعرف لماذا وكيف؟!

خيمة طريق الشعب التي وصلناها، كانت قد بدأت نشاطاتها المعتادة، فاليوم هو أول أيام المهرجان، والزلاطيون منغمرون في نشاط دائب، تتصدرهم الرفيقة أم فرح، والفلافليون يهرسون الحمص المنقوع منذ الأمس، في مطحنة آلية، بعد خلطه بالكثير من المواد والبهارات الخاصة، تحت إشراف وقيادة الرفيق أبو فرح .

أبو فرح والفلافل

جماعة هولندا يتناولون داخل الخيمة، فطوراً أعده الرفيق أبو علي التميمي للجائعين، بعد أن هيأ الخيمة ونظفها وبات لوحده ليلته فيها. الرفيق ابو إيهاب لبس صدرية نايلون بيضاء وإلتحق بالزلاطيين، أم فرح أعدت طاولة كبيرة، بدأت تصفُّ عليها تحفاً نحاسية متنوعة، كما كانت تفعل في سنوات سابقة، تساعدها الشابة سلام والدكتورة فائزة خطاب، القادمة من هولندا للمهرجان، مع زوجها سركوت، للسنة الثانية على التوالي، والمصطحبة هذه المرة أختها المقيمة في أمريكا!

الدكتورة رابحة الناشي وكما في كل مرة، غادرت مدينتها الفرنسية البعيدة وإصطحبت زوجها وداد، المُجيد لتشييش الكباب كمحترف، وراحت تساعد من يحتاجها.

كببجية الخيمة

الرفيق عبد الأمير القادم من فينا، يعيد إنتاج ما كان يفعله والده، قبل أكثر من خمسين سنة، فهو إبن المناضل (ضاحي فجر) عضو أول الخلايا العسكرية في الثلاثينات، وأشهر (كببجية) الناصرية، لذلك يتناول أشياش الكباب ويواصل التشييش بحماس ورغبة!!

الزلاطيات

فوزية وحميدة ورؤيا وريما، لبسن عدَّة التزليط، وراحت سكاكينهن الحادة تذبح رؤوس البصل والخس، وتقطع أوصال الطماطة والكرفس، وبالرغم من إبتساماتهن المُجاملة لعدسة الكاميرا، فقد كان البصل المذبوح يملأ عيونهن بدمع على وشك! أم سلام القادمة منذ يوم امس، مع ام غادة لخيمة الحزب، إنخرطت في مجموعة الزلاطيين، ومعها رفاق آخرون، أذكر منهم الرفيق فؤاد، وغيره ممن لا أعرف أسمائهم.

معرض رابطة المرأة

جدران الخيمة تزينت من اليمين بمعرض لصور تراثية وبوسترات، أعدته رابطة المرأة العراقية في لندن، وإلى جوار المعرض، لوحة فنية كبيرة، ضمت أسماء جميع صحف الحزب السرية والعلنية، وإلى جوار المعرض واللوحة، طاولة صُفت عليها أعمال حياكة يدوية جميلة، واعمال نحاسية للرابطة أيضاً، أما يسار جدار الخيمة، فقد شغله الفنان قتيبة الجنابي بصور فوتغرافية رائعة للفنان محمود صبري.

أكشاك البيع واصلت نشاطها منذ ساعات، والرفيق ماجد فيادي وزوجته وطفلته، أصبحوا في الخيمة منذ دهر، وهذا يعني أن الفلافل ستتحمص على يد مُذلها وقاهرها سنوياً الرفيق ماجد، الذي تقف إلى جانبه في البيع مرة ياسمين، ومرة أبو فرح والشاب وصفي حلوائي وغيرهم. كشك الكباب تولاه المحترفون والهواة أيضاً، فقد تناوب على إعداد موقد الفحم والشوي وتقليب الأشياش والبيع، كل من الرفيق ابو تغريد والدكتورة رفاه وأبو هدى وابو أنور وسركوت، أما كشك الشاي فقد إحتل الرفيق صباح دور البطولة فيه، مع دور ثانوي للرفيق أبي إيهاب، الذي كان يتنقل بين كشك الشاي، عندما تتقطع أرجل صباح من الوقوف، وبين قسم الزلاطة الذي يتشرف أبو إيهاب بمواصلة لبس صدريته! في حين واضب الرفيق علاء على أخذ دور البطولة المطلقة ودون منافس، على كشك المشروبات الغازية ومسك الدَخَل، إذ هو وزير مالية الخيمة، الذي لا يمكن لأي لجنة نزاهة في العالم، أن تفكر يوماً بإستدعائه أو التشكيك بأمانته!

ساجدة وهاشم نعمة

أما الدكتور هاشم نعمة القادم من هولندا فواصل تنظيم طاولة الكتب والصحف والمنشورات، والسهر بجانبها.

محاضرة فيصل

محاضرة الفنان فيصل لعيبي عن الفقيد محمود صبري، بدأت بعد ساعات من الوقت المحدد لها، ولم يكن الأمر مزعجاً، لي على الأقل، فاليوم هو الجمعة، وهو أول أيام المهرجان، وبالخبرة أصبحت أدرك، أن الحضور للخيمة وللمهرجان عموماً، سيكون خفيفاً ساعات النهار الأولى، لكنه سيشتد عصراً ومساءاً، وقد قدم العزيز فيصل في مادته معلومات قيّمة عن حياة وزهد وإبداع الفنان محمود صبري، بإعتباره واحداً من المفكرين الجماليين الماركسيين القلائل، وأشار لأعماله الفنية الهامة، التي وقفت، في وقت مبكر، موقف المساند لشرائح إجتماعية مهمشة ومضطهدة، فمحمود صبري، رسم العاهرات، كما زار المعامل ورسم العاملات وجسّد معاناتهن، كما أدان إنقلاب شباط الأسود، ورسم شهداء الحزب الشيوعي العراقي، وقادته الأماجد سلام عادل والحيدري وغيرهم، الذين كانوا أصدقائه، ثم بدأ بتحليل أطياف الذرة، وتوصل لنظرية ( واقعية الكم ) كما ألف كتاب ( الفن والإنسان ) في ثمانينات القرن الماضي، وختم الفنان فيصل لعيبي محاضرته بالقول، إن محمود صبري لم يحظ بما يستحقه من كتابة وتقييم، من قبل النقاد والكتاب والإعلام، فقد كان زاهداً بالشهرة، حتى أنه لا يبيع أعماله ، بل ولا يوقع على لوحاته!

بعد فيصل تحدث الفنان السينمائي قتيبة الجنابي، عن فكرة الفلم الذي أخرجه عن محمود صبري، وكيف شجعه فيصل لعيبي على تنفيذ هذه الفكرة، وأشار لتواضع الفقيد ولزهده وأدبه الجم، وقبل أن يدعو قتيبة الحاضرين لمشاهدة الفلم، قدم الرفيق مفيد الجزائري شهادة هامة عن الفقيد، بإعتبار أنهما عاشا سنوات طويلة معاً في براغ، وأشار الرفيق مفيد إلى جذور العلاقة الممتدة بينهما منذ كان الفقيد محمود صبري معاوناً للمدير العام في أحدى مؤسسات الدولة المالية، وكيف كان يزود الرفيق مفيد بالأخبار الهامة، لينشرها بإعتباره مخبر صحفي، كما اشار لإنتقال الفقيد من موسكو لبراغ بسبب عضويته في ( لجنة الدفاع عن الشعب العراقي ) التي تكونت بعد إنقلاب شباط عام 1963، وتوليه لرئاسة تحرير مجلة ( الغد ) الصادرة عن اللجنة، كما تحدث عن مقالاته ودراساته الفنية والفكرية الهامة. ثم تم عرض فلم قتيبة عن الفنان محمود صبري، عبر شاشة تلفزيون كبير.

الموسيقى والأغاني العراقية بدأت تُبث عبر جهاز التسجيل، ومعها بدأت بعض الأكتاف بالإهتزاز، والكثير من الأيدي بالسباحة في فضاء الخيمة، وقد أشعل الرفيقان عدنان وعبد المنعم التميمي الشرارة فإنتشر اللهيب، الشباب القادمون من بولونيا يرافقهم أسامة ( أبو صابرين ) تنقلوا من أغنية لأخرى، مع إيقاعات الدكتور يعقوب الخميسي، القادم منذ يوم أمس من بولونيا.

ام غادة كدها!

الرفيقات لبسن أزيائهن العراقية، ومعهن شابات من الجيل الثاني والثالث فعلن الشيء نفسه، بعض الشباب فعلوا ما فعلته زميلاتهم فلبسوا الزبون والطاقية، وإعتلى الجميع المسرح ليرقصوا مع مختلف الألحان، ولما لم يعد المسرح الواسع، قادراً على إستيعاب أعداد الراقصين، نزل الجميع من المسرح وخرجوا أمام واجهة الخيمة، ليشركوا معهم العشرات من الفرنسيين ورواد المهرجان، وكان منظر الرفيقة (أم غادة) القادمة من الدانمارك، بعباءتها الشعبية المعروفة، وهي تردح بحماس شابة فتية، كان منظرها مبعث فرح وإعتزاز، وقلق أيضاً لنا، نحن الذين نعرف أنها مريضة قلب، لذلك كنا (أبو لنا وأنا) نخشى أن تقع في أي لحظة، ولكنها كانت بالفعل (كدها وكدود !).

بعد هذه الوصلة الحامية من الرقص والدبكات الكردية أمام باب الخيمة، والتي ابلى فيها الجميع، من الرفيقات والرفاق والأصدقاء أحسن البلاء، تسللنا، أبو الفوز وأنا، لنلتحق برفاقنا طه رشيد وأبي نيسان وحسين كركوش ومحمد، في الخيمة المجاورة، حيث تعُطُّ رائحة سمك مغرية، لم يلبث كل منا أن يُجهزعلى صحن منه. وكنت وأنا أتناول السمك بشهية نادرة، أفكر بصديقي وشريكي في الغرفة الفنان طالب غالي، وأقول لنفسي ( هسه شراح يخلصني من لسانه.. هم أتغده بدونه، وجماله سمج ! ) وبالفعل ما ان عدت للخيمة، وإلتقت عيوننا حتى صاح العزيز أبو لنا (ها وين جنت ومخليني لوحدي ؟) وبدون تعذيب وتعليق بالمراوح، إعترفت له فوراً بأكلي للسمك، وتعهدت له أمام الجماهير، بأني لن أكررها! وألقيت بكل المسؤولية على الرفيق أبو الفوز!

الموسيقى تواصلت، الشاب بشار غناوي تناول الميكرفون وغنى ألحاناً عراقية شائعة، وتناوب معه أبو صابرين، ومحمد الكيم، مع إيقاعات مرافقة للدكتور الخميسي، كنت أجلس إلى جانب الجالسين داخل الخيمة، وأكتشف وجوهاً ربما لم أنتبه لها في المرات السابقة، ومن بين هذه الوجوه، العزيز ابو فراس ( إدريس محمد إدريس) الذي تشعبت أحاديثي معه، وتعمقت علاقتنا الفتية، كذلك الأخ ضياء العياش، الذي كلفني بنقل تحياته للفنان جعفر حسن، كما حضر العزيز سيف الخياط مع الفنان باسم قهار، وأجرى سيف لقاءاً لقناة العراقية، مع عدد من الناشطين في الخيمة، ومن بينهم الرفاق مفيد ويوسف أبو الفوز والفنان طالب غالي والدكتور ذياب الطائي وغيرهم.

كنا قد قررنا أن نغادر مبكراً هذه الليلة، لكي لا نكرر مأساة مشي الأمس، وإتفقنا على التاسعة والنصف، والتي تمددت للعاشرة والنصف، لكن كرم الرفيق عدنان ألغى خططنا، فقد تبرع الرفيق بإيصالنا جميعاً لفنادقنا بسيارته، كما فعل في الليلة السابقة، وكانت فرحتنا لا توصف، أن نبقى لما بعد الثانية عشر، فإنتهزت الفرصة لمغافلة رفيقي أبي لنا مجدداً، ودعوت ثلاث من ناشطات الخيمة، وتسللنا لتناول البقلاوة ومشتقاتها، في خيمة جبهة البوليساريو القريبة من خيمتنا، وحتى لا يشرشحني صديقي، وأتجنب لسعات لسانه، ملأت له علبة بمختلف أنواع البقلاوة، بحيث يستطيع، عبر طاقتها، أن يتزوج من جديد!!

عبد المنعم التميمي

بعد الثانية عشر ليلاً أغلقت الخيمة مداخلها، وتركنا رفيقنا التميمي لينام في الخيمة لوحده، متحملاً لسعات البرد، وطرقات طبول الخيم المجاورة! سيارة عدنان لم تكن بعيدة، فهي داخل حدود المهرجان، ولكن اعدادنا ربما أكثر من أعداد ألأمس، وكان رفيقي في الصدر هذه المرة، صديقي طالب غالي، في حين إنحشر الباقون، كما في الأمس داخل السيارة، وأغلق الباب خلفهم بإحكام، وكنا نتابع ما يجري من لغط وفوضى طوال الطريق، ويزداد الضحك والصراخ، مع الطسات والتوقفات المفاجئة، إلى أن نزلنا امام ابواب فنادقنا.


يتبع

 

 

free web counter