| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

داود أمين

 

 

 

الجمعة 19/9/ 2008



بمناسبة الذكرى الخامسة والثلاثين على صدورها العلني

( طريق الشعب )
سفيرة الحزب لقلوب الناس !

داود أمين

بين السادس عشر من أيلول عام 1973 يوم صدورها علناً، والخامس من نيسان 1979 يوم إستشهادها ، كانت صحيفة (طريق الشعب) الجريدة المركزية لحزبنا الشيوعي العراقي ، سفيرة حقيقية للحزب داخل قلوب الكادحين العراقيين، فبين التأريخين المذكورين أرست هذه الصحيفة المناضلة تقاليد عمل لم تكن مسبوقة من قبل في عالم الصحافة العراقية أو العربية ، كما إبتدعت طرقاً غاية في الجدة والآبتكار للوصول الى أقصى مناطق الوطن ، من شماله الى جنوبه ومن شرقه الى غربه ، فلم تبق زاوية لم تسلط الضوء عليها ولا مادة لم تتناولها ، لذلك أصبحت شوكة في عيون السلطة وأجهزتها ( رغم التحالف الجبهوي ! ) وفاكهة لذيذة في صباحات الكادحين ، الذين وجدوا فيها مرآة لمطالبهم وحاجاتهم ، وصورة لشكاواهم وأوجاعهم ! لقد كانت (طريق الشعب) بحق الجريدة الشعبية ألآولى في العراق من حيث التوزيع وعدد القراء ، إذ كانت مرجوعاتها نادرة، في حين كانت النسخة الواحدة تقرأ من أكثر من شخص واحد في أحيان كثيرة ! وهنا سأحاول تلمس خصائص وميزات تلك الشهيدة المقدامة ، وإضاءة جوانب، ربما لا يعرفها الكثير من القراء ، ولا يتذكرها غيرهم !

ولادة عسيرة !
لقد صدر العدد ( صفر ) من ( طريق الشعب ) في ظروف شديدة الصعوبة ، فالمطبعة كانت صغيرة وقديمة جداً، حتى أنها أرسلت مباشرة للمتحف في جمهورية المانيا الديمقراطية ، بعد الآستغناء عنها بوصول المطبعة الجديدة ! أما الكادر الصحفي المتخصص فلا وجود له تقريباً ، فمعظم العاملين في الصحيفة هم كوادر حزبية لها مهام تنظيمية ومهنية كثيرة أخرى والعمل في الصحيفة واحد من مهامها الحزبية المتعددة .
كان الحماس الشيوعي هو المحرك ، والدافع ألآساسي للعمل من أجل تنفيذ هذه المهمة الحزبية الجليلة ، فالكادر الذي تدرب في ( إتحاد الشعب ) إستشهد عدد كبير من أبرز أعلامه ، ومن بينهم ( عبد الجبار وهبي، عبد الرحيم شريف، عدنان البراك ) وغيرهم ، أما الآخرون فقد إنتقل بعضهم لمواقع أخرى! والبعض ألآخر إشتغل في صحافة السلطة ، حتى يمكن القول أن نسبة كبيرة من العاملين في صحافة السلطة كانوا في البداية قد تربوا وتعلموا الصحافة في صفوف الحزب وصحافته ، لذلك كان أمام قيادة الحزب وهيئة تحرير الجريدة ( هتج ) مهمة ملحة هي إيجاد كادر صحفي يستطيع النهوض بأمور الصحيفة اليومية المركزية للحزب، وبما يليق بسمعته في هذا المجال، وبما يحقق أهدافه ويعكس سياسته، وقد تم تحقيق هذه الأهداف في فترة قياسية من خلال:
1 - عودة عدد من الصحفيين الشيوعيين وأصدقائهم من الصحف والمجلات الآخرى التي كانوا يعملون فيها للعمل في طريق الشعب ، وأذكر من بين هؤلاء ( يوسف الصائغ وزهير الجزائري وفالح عبد الجبار ورشدي العامل وفاطمة المحسن وشمران الياسري( أبو كاطع ) وغيرهم .
2 - التدريب المباشر من خلال العمل في الصحيفة نفسها ، فالصحيفة تحولت لمدرسة يتعلم داخلها المحررون الشباب والجدد ، من خلال الآحتكاك بذوي الخبرة، والعمل مباشرة، وإيجاد الحلول للمشاكل التي تظهر أثناء العمل، ومن بين الذين تعلموا في الجريدة ( جمعة الحلفي، مخلص خليل، عدنان منشد، عامر بدر حسون، والشهيد سامي العتابي وجمال العتابي وقتيبة الجنابي، وعبد جعفر ومؤيد نعمة وعشرات غيرهم في مختلف المجالات الصحفية ).
3 -  فتح دورات صحفية مركزية في الصحيفة نفسها، حيث تم تنظيم أربع دورات مركزية خلال أعوام 74 - 75 - 76 - 1977 ، بمعدل دورة صحفية واحدة كل عام ، ولمدة شهر كامل، وقد خرَّجت هذه الدورات الصحفية المركزية، أكثر من مئة كادرصحفي موزعين في العاصمة وجميع محافظات العراق، وأذكر من بين الرفاق الذين ساهموا في هذه الدورات ( رضا الظاهر وسهام الظاهر وحميد الخاقاني وسعدي المالح وسعاد الجزائري وعبد جعفر والفقيد جمعة كنجي وطلال حسن وسعيد بامرني والشهيد خليل المعاضيدي والشهيد حميد ناصر الجيلاوي وجبار العطية وجليل المياح وأنا وعشرات أخرين ) .
4 - تكوين المكاتب الصحفية في بغداد والمحافظات ( لدي مادة تفصيلية تحت عنوان { المكاتب الصحفية .. تجربة غنية } نشرت في مجلة الثقافة الجديدة، العدد الخاص 199 _ 200 تموز| أب 1988 وسأحاول إعادة نشرها مجدداً في المواقع ألانترنيتية )

ما الذي ميّز طريق الشعب ؟
قلت أن صحيفة طريق الشعب، كانت الصحيفة ألاكثر قُراءاً من بين جميع الصحف العراقية، رغم الآمكانيات المادية المتواضعة للحزب قياساً بالسلطة ، ورغم المحاصرة والحرب المبطنة والمكشوفة للصحيفة، ورغم قلة عدد كادرها قياساً لعدد كادر صحف السلطة، فالصفحة الآخيرة في طريق الشعب، على سبيل المثال، كانت في إحدى الفترات، بمسؤولية الفقيد يوسف الصائغ، يساعده رفيق متطوع واحد فقط! في حين كان للصفحة الآخيرة في صحيفة ( الثورة ) مسؤول ونائب مسؤول وحوالي عشرون صحفياً متفرغاً! وكانت الصفحة الآخيرة لطريق الشعب أغنى وأجمل وأكثر تنوعاً وثراءاً والسبب يعود في رأيي للصدق والموضوعية والصرامة في دقة المعلومات التي تنشرها الجريدة، وفي سلامة اللغة ووضوحها(وأذكر هنا في مجال اللغة العربية السليمة فقط، أن لوحة كانت تُعلق في مقر الجريدة كان عنوانها { قل ولا تقل }وكانت ترشد المحررين لتجاوز الآخطاء الشائعة، وقد ظلت في ذاكرتي جملة مكتوبة تقول { قل نزيهة الدليمي عضو ل م ولا تقل عضوة ل م ! } ومن يومها لم أخطأ في هذا ألآمر!) وكانت الصحيفة تطبع بين فترة وأخرى ( مَلازِم ) تتعلق بكتابة الضاد والهمزة وغيرها ممن يمكن أن يخطأ بها الصحفي، وترسلها للمكاتب الصحفية لتجاوز الآخطاء في الكتابة! وكذلك يعود تفوق طريق الشعب على الصحف الآخرى لروح التضحية ونكران الذات اللذان كان يتمتع بهما العاملون فيها، من محررين الى فنيين الى شغيلة وإداريين! فهذا الفريق المتنوع المقدام من العاملين، لم يكن يفكر بالراتب أو مخصصات العمل الآضافي، أو الحوافز أو المكافئات! فالجميع يعرفون أنهم يؤدون عملاً حزبياً ووطنياً يمنحهم المتعة والرضى، ويتقاضون عليه راتباً رمزياً يسد بالكاد حاجاتهم الآساسية!( وأذكر في هذا المجال إنني أردت التفرغ للعمل المباشر في الجريدة عام 1976، فقابلت الفقيد حميد بخش{ أبو زكي } بإعتباره المسؤول ألآداري أو المالي للصحيفة، فسألني كم راتبك في الوظيفة ؟ قلت 59 دينار، فقال نحن نعطي لفائق بطي 50 دينار، وأنت تعرف مكانة فائق بطي الصحفية! فكم تعتقد سنعطيك؟! فصرفت النظر عن التفرغ، إذ كنت متزوجاً حديثاً ولدي طفلة! ).
لقد تميزت الصحيفة بأبوابها المختلفة وبتنوع صفحاتها، وبمستوى كتابها ومحرريها، فعمود الفقيد شمران الياسري ( أبو كاطع ) اليومي، أشهر من أن يشار اليه، إذ كان القراء يبدئون مطالعة الجريدة من هذا العمود، كما كان للفقيد ( ابو العذراء ) يوسف الصائغ عموداً يومياً يتابعه المثقفون والمتعلمون، وكان للفقيد ( مصطفى عبود - أبو النور) عمود يتكرر، ونفس الشيء للفقيد رشدي العامل، هذا بالآضافة الى أن لكل صفحة متخصصة عمودها أو إفتتاحيتها الخاصة ، وكانت الصفحات موزعة على حياة الشعب ، وحياة العمال والفلاحين، وصفحة للثقافة ، وصفحة للرياضة، وصفحة لشؤون عربية ودولية ، وصفحة للمنظمات، يتناوب على تحريرها ممثلون من رابطة المرأة وإتحاد الشبيبة وإتحاد الطلبة والتعليم والمعلم والمختصة الآقتصادية، وصفحة أخيرة منوعة، وقد فاجئت الصحيفة قراءها والوسط الصحفي العراقي عندما خصصت صفحة أسبوعية للآطفال، يشرف عليها الرفيق عدنان حسين (العم حسان )، وسرعان ما إقتفت صحيفة الثورة وصحف السلطة الآخرى أثر طريق الشعب، وأصدرت هي أيضاً صفحاتها الخاصة بالآطفال! كما كانت هناك صفحة إسبوعية للثقافة الكردية، كان يشرف عليها القاص الكردي الشهيد ( حسين محمد سعيد ). ويكفي أن أشير لبعض أسماء مسؤولي ومحرري بعض صفحات الجريدة ليعرف القراء مستوى كتابها، فصفحة شؤون عربية ودولية كانت بمسؤولية الفقيد حميد بخش، ويكتب فيها فالح عبد الجبار ورشدي العامل وفائق بطي وعبد الآميرعيسى، وأحياناً زكي خيري وعامر عبد الله وغيرهم من قادة الحزب، أما صفحة ثقافة فبمسؤولية الشاعر سعدي يوسف، ويكتب فيها معظم أدباء وشعراء وفنانو العراق التقدميون من مختلف الآختصاصات المسرحية والتشكيلية والموسيقية وألآدبية، ثم أصبحت بمسؤولية الشاعر حميد الخاقاني ، أما حياة العمال والفلاحين فيعمل فيها زهير الجزائري وفاطمة المحسن وعبد جعفر وجمعة الحلفي وفاضل الربيعي وعامر بدر حسون وغيرهم .
لقد إتسمت العلاقات داخل الصحيفة بالروح الرفاقية العالية وبالمودة والتواضع والمساواة، فللصحيفة مطعم خاص يقدم وجبات طعام ممتازة بأسعار رمزية، ويتوحد في فترة الطعام رئيس التحرير مع أبسط شغيل في الصحيفة! كما كانت الصحيفة تنظم سفرات عائلية للعاملين فيها وأصدقائهم في مناسبات عديدة، وقد ساهمتُ في سفرتين من هذه السفرات الى جزيرة أم الخنازير، كما كانت الصحيفة تمنح العاملين فيها بطاقات مجانية لحضور حفلات موسيقية للفرقة السمفونية العراقية، أو للفرق الفنية الزائرة من البلدان المختلفة ! وقد سعدت مرة بحضور إحدى هذه الحفلات!
كما كان للتنظيم والبرمجة أثر حاسم في تطوير العمل وتقدمه داخل الصحيفة، فعدا أن لكل قسم من أقسامها مسؤول ومحررون لهم خططهم وبرامجهم المنسجمة مع سياسة الصحيفة، فإن لهؤلاء أيضاً علاقات وإلتزامات مع المكاتب الصحفية في المحافظات، التي تمدهم بكل ما يتعلق بالمحافظة المعنية، وفي مختلف الشؤون، وقد بلغت الدقة في هذا المجال الى الحد الذي كانت فيه المكاتب الصحفية في المحافظات تعرف ما سينشر لها من تحقيقات ومواد قبل ستة أشهر أو أكثر! ويتم ذلك من خلال إجتماعات دورية موسعة بين هيئة تحرير الصحيفة وممثلي المكاتب الصحفية في المناطق والمحافظات، وفي هذه الآجتماعات المشتركة توضع خطط لما سينشر في الفترة القادمة، وحصة كل محافظة، وعلى ماذا يجري التركيز، وأي الموضوعات هي الآكثر أهمية! لقد أوكلت هيئة التحرير ولفترة طويلة رفيقاً من اللجنة المركزية للحزب ( سلام الناصري ) للتنسيق والصلة مع ممثلي المكاتب الصحفية، ومناقشة البريد الصحفي الوارد من المحافظات ! وكان هناك سجل لدى هيئة التحرير يثبت فيه عدد المواد الواردة من المحافظة والى أي صفحة موجهة وتأريخ إستلامها، ولدى المحافظة أيضاً سجلها الخاص بالمواد المرسلة للصحيفة والمواد المنشورة فيها مع تواريخها ونوعها وعددها!
كما بادرت هيئة التحرير عام 1974 لتجربة فريدة وغير مسبوقة في الصحافة العراقية، إذ وزعت أوراق إستفتاء مطبوعة ، أرسلت لجميع المحافظات، وكانت حصة كل محافظة 100 ورقة ، توزع ضمن نسب حددتها هتج سلفاً على عدد من العمال والفلاحين والنساء والطلبة والمثقفين.. الخ وتتضمن أوراق ألآستفتاء هذه مجموعة من الآسئلة حول الجريدة وصفحاتها وأبوابها ومقترحات لتطويرها، وكانت نتائج الآستفتاء هامة جداً لتطوير الصحيفة وتحسين عملها .
وفي تلك الفترة وصلت للحزب معلومة تؤكد أن صدام حسين ( وكان وقتها نائباً للبكر ) إجتمع بالعاملين في صحيفة ( الثورة ) الناطقة بلسان حزب السلطة ووبخهم قائلاً : إن طريق الشعب تكتب عن كيفية ألآستفادة من ( لب الصمون ! ) ولم تُبق شيئاً لم تكتب عنه، وقد وفرنا لكم كل شيء ولكنكم لا تصلون لمستواهم ! وكانت طريق الشعب فعلاً قد كتبت مرة تقترح شكلاً جديداً للصمون العراقي بحيث لا يرمى ويهدر العجين الذي بداخله !!

تجربتي الخاصة مع الصحيفة !
لقد كان لي شرف مرافقة ( طريق الشعب ) منذ ميلادها حتى ألآشهر ألآخيرة قبل إغلاقها، وقد بدأت العلاقة بصحافة الحزب منذ صدور صحيفة ( الفكر الجديد ) في 18 /حزيران / 1972 ، إذ تم تحويل المختصة الحزبية الثقافية التي كانت تشرف على ( جمعية رعاية الفنون والآداب في الناصرية ) والمتكونة من الرفاق ( عدنان حنون، محسن الخفاجي، عبد الله الرجب ، وأنا ) تم تحويلها بعد إغلاق الجمعية أواخر 1972 ، الى مختصة للصحافة والنشر بعد أن أضيف لها ولفترة مؤقتة الرفيق ( شاكر حسن )، إذ إرتبطت بعد ذلك باللجنة المحلية، وبعد صدور طريق الشعب جرت تغييرات على هذه المختصة، فتغير معظم أعضائها عداي، وبتشكيل المكتب الصحفي في المحافظة مع إفتتاح مقر الحزب ، أصبح عملنا شبه علني ، وقد ضم المكتب الصحفي في عضويته كفاءات ثقافية مرموقة في المحافظة، ففي سكرتاريته يعمل القاص جاسم عاصي والمخرج المسرحي صالح البدري والمخرج الفقيد كاظم العبودي والشاعر فاضل السعيدي وكنت أقود المكتب، كما يضم المكتب الشهيد مجيد فيصل ( أبو رؤوف ) الذي كان مسؤولاً عن مكتب قضاء الناصرية، والرفيق الشهيد عبد العباس سالم ( أبو عاهدين ) الذي كان مسؤولاً عن مكتب قضاء الجبايش، بالآضافة لمسؤولي أقضية سوق الشيوخ والرفاعي والشطرة والعمالية والطلابية والنساء، وجميعهم لهم صلة بالآدب والثقافة، ويقود هؤلاء مكاتب فرعية في أقضيتهم ونواحيهم بحيث أصبح عدد العاملين المباشرين في المكتب الصحفي في المحافظة وتوابعه في الآقضية والنواحي ( 61 ) رفيقاً، هذا عدا تعميم م س عام 1976 القاضي بأن يكون لكل هيئة حزبية مكتبها الصحفي أو على ألآقل ممثل واحد لصحافة الحزب ! وكان مكتبنا الصحفي في ذي قار أبرز مكتب في المنطقة الجنوبية ، وثاني أفضل مكتب في العراق ( بعد مكتب بابل ) حسب تقييم هتج وطوال سنوات تأسيس المكاتب!وقد وفر لي العمل في المكتب متعة وخبرة لا حدود لها، كما هيأ لي شبكة علاقات نادرة بأوساط وفئات مختلفة من البشر، فمن خلال اللقاءات التي أجريتها وأنا أساهم في كتابة تأريخ الحزب في المحافظة وبدايات التأسيس، تعرفت عن قرب على مناضلين نادرين كعبد الكريم حسون جار الله وحميد كسار وضاحي فجر من الخلايا الماركسية الآولى، وعلى طعمة مرداس ورفيق مندائي أعمى لا أتذكر إسمه وأم زهير ( والدة الشاعر زهير الدجيلي ) وعلى ثوار الغموكة الذين زرتهم في مواقعهم في الآهوار، وعلى عشرات غيرهم من المناضلات والمناضلين المجهولين، الذين كانوا يعبرون عن حبهم وإحترامهم للحزب ولنا بفعاليات رمزية مؤثرة ، فكم من مرة أقترب من بائع فاكهة أو خضروات قاصداً الشراء، فيصر البائع الكادح على أن يختار لي هو بنفسه ما أريد، وأتصارع معه من أجل قبول الثمن ! وأذكر مرة إنني كنت أقف لآشتري سندويشاً، فإنزوى بي كادح معدم وهمس لي وهو يتلفت( وكان مقندل شويه ): كلي إستاد يوصلكم الربع دينار الآدزه كل شهر وي ستاد محمد الكصيرون ! فطمأنت الرجل أن ربعه يصلنا ونحن ممنونين لتبرعه، رغم إنني لا أعرف عن أي إستاد محمد يتحدث ! كما إلتقيت أثناء العمل بمسؤولين متعجرفين ونقابيين مزيفين في الدوائر الرسمية التي كتبت تحقيقات صحفية عنها، وفي ذاكرتي الكثير من الطرائف والمواقف المضحكة لما صادفته أثناء العمل كمراسل للصحيفة في ذي قار، وأذكر مرة أن الصحيفة كلفتنا أن نكتب عن محطة ( تكنبروم أكسبورت السوفيتية ) التي تقوم ببناء المحطة الحرارية في الناصرية، وكان لدينا في هذه المحطة عدد كبير من الرفاق ، بينهم مسؤولة الذاتية ورئيس المهندسين وعاملين في مختلف الآختصاصات ، وعندما بدأنا جمع المعلومات والتقينا بكل هؤلاء، إكتشفنا خروقات مالية ورشوات وسمسرة يمارسها الكثير من الموظفين السوفيت، وعلى رأسهم شخص هو إبن لوزير في إحدى جمهوريات الشرق السوفيتية ، وكذلك عرفنا أن هناك تأخير في العمل يصل لحدود السنتين وإطلعنا على إنذارات للشركة موجهة من وزارة الصناعة العراقية، وكانت صدمة لنا نحن الذين كنا نتوهم إن كل السوفيت شيوعيين! وإن كل الشيوعيين أنبياء ومعصومين ! فحملنا ما جمعناه وأرسلناه للحزب، وقيل لنا أنه أرسل لسفارة الآتحاد السوفيتي لكي تتخذ ما يلزم ! وأذكر مرة أن شركة ( مساعد الصالح وأولاده الكويتية ) إشتكت على الرفيق ( عبد الرزاق الصافي ) رئيس التحرير ، متهمة أياه بأن جريدته شهرت بالشركة وأساءت لسمعتها ومكانتها، وعليه دفع مبلغ مالي يعادل عشرات ألاف الدنانير، فأرسلت الصحيفة دعوى الشركة لنا ، فأرسلنا للجريدة ومحاميها كتباً رسمية موثقة بتجاوزات الشركة وإساءاتها وفصلها للعمال وربحنا الدعوى!
ولم يكن العمل يخلو من مصاعب ومعوقات، فقد إستدعيت مرتين لمديرية الآمن في الناصرية، وقابلني مدير الآمن طالباً مني أن نخفف من كتاباتنا عن سلبيات المحافظة، وأن نرفع ما نعرفه عن طريق لجنة الجبهة في المحافظة لمعالجته !! وعندما يئسوا من أن نكف عن الكتابة، وجهوا لي إنذاراً عن طريق دائرتي يدعوني فيه لعدم ممارسة وظيفتين في أن واحد ! وعندما إعترضت بأني لا أتقاضى أجراً عن عملي الصحفي، فهو جزء من عملي الحزبي وهو هواية تشبه كتابة الشعر والقصة، وقلت إن طارق عزيز يرأس تحرير الثورة وهو يعمل كوزير، فلماذا لا يطبق عليه هذا القانون ؟ فلم يسمعني أحد ، وقد مضت العقوبة ضدي وتأخر ترفيعي !


 

free web counter