| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

داود أمين

 

 

 

                                                                                       الجمعة 17/5/ 2013

 

نجمة في سماء المجد
الشهيد عبد الرحمن علي رحيم

داود أمين

في آيار 1978 توجت سلطة البعث الفاشي في العراق، إجراءاتها القمعية المتواصلة ضد الحزب الشيوعي العراقي، الذي كان متحالفاً معها في (جبهة وطنية!)، بإقتراف جريمة علنية بشعة، عندما أقدمت على إعدام (31) رفيقاً وصديقاً للحزب الشيوعي العراقي، بحجة مفبركة ومفضوحة عنوانها (تكوين تنظيم شيوعي داخل الجيش!)، وكانت تلك الجريمة، القشة التي قصمت ظهر(الجبهة!)، إذ سرعان ما توالت الأحداث بعدها، لتنقل الحزب الشيوعي العراقي من خانة التحالف لخانة المعارضة، ثم متبنياً لنهج الكفاح المسلح، من أجل إسقاط سلطة البعث، وتخليص شعبنا من جرائمها وبشاعاتها، ولكي ندلل على كذب وخطل إدعاءات البعث، نستعرض حياة واحد من شهداء تلك الكوكبة المقدامة من الشيوعيين، الذين هُدرت دمائهم دون ذنب إقترفوه، سوى حبهم لشعبهم وإخلاصهم لوطنهم.

عبد الرحمن علي، المولود في محافظة ديالى عام 1948، كان الطفل الرابع لعائلة تركمانية، لديها عشرة أطفال، ومع عائلته إنتقل من ديالى لبغداد عام 1959، ليسكن في منطقة الحبيبية، وفي ساحة مظفر ومناطق الثورة وجميلة، كانت صداقات عبد الرحمن تنمو وتزدهر مع الكثير من أقرانه وزملائه، وبعد إنهاء عبد الرحمن للمرحلة المتوسطة من حياته الدراسية قرر أن يوقف دراسته ويعمل، لكن ( التجنيد ) كان بإنتظاره ، فأمضى سنوات المكلفية أواسط الستينات في كردستان، شاهداً على بشاعات حرب عنصرية قذرة ضد الشعب الكردي. وفي عام 1970 ، ورغم إنتقال العائلة إلى حي جميلة، المقابل لشارع فلسطين، إلا أن صداقات عبد الرحمن ظلت متواصلة مع زملاء الطفولة في مدينة الثورة، ومعها كان الوعي السياسي ينمو، فالسلطة الجديدة (مكيجت) وجهها القذر بمساحيق براقة خادعة! والكتاب الماركسي أصبح يتصدر واجهات المكتبات، ومجلة الثقافة الجديدة يُطلق سراحها، فتتكحل بموضوعاتها أعين القراء والمتابعين، وبينهم عبد الرحمن الطامح للمعرفة والعاشق لليسار وأدبياته!

في معمل لصناعة المسامير في حي جميلة، وجد عبد الرحمن مكانه، إنه الآن عامل وسط حشد من زملائه العمال، حيث تتحول قطع الألمنيوم بين أيديهم لمواد إستهلاكية نافعة. في هذه الفترة وجد عبد الرحمن طريقه للحزب الشيوعي العراقي، فحملت بطاقة عضويته إسمه الحزبي (بركان)، ولأنه هاديء وكتوم فقد ظل محتفظاً بسرية عمله الحزبي، رغم إن أخويه اللذين يكبرانه (خالد ومحمود) (1) كانا شيوعيين أيضاً! وفي عمله الحزبي نشط عبد الرحمن، وكان كسب الأصدقاء وترشيح الجيدين منهم للحزب واحداً من مهام كل عضو حزبي، لذلك تحرك عبد الرحمن نحو أقرب أصدقائه وهو (شاكر رحيم) المنحدر من عائلة ريفية تسكن الثورة، فرفع الأخير رسالته للحزب عبر صديقه عبد الرحمن، وقبل أن يبت الحزب برسالة شاكر رحيم، كان شاكر قد قدم طلباً للدولة ليكون شرطي مرور، وقد قُبل بهذه الوظيفة، لذلك لم يوافق الحزب على طلبه بالترشيح، خوفاً على حياته.

كان لعبد الرحمن وشاكر صديق مشترك يدعى عامر، إنتمى حديثاً للبعث، ولكي يثبت عامر ولائه للحزب الفاشي وشى بصديقيه، قائلاً أنهما شيوعيان، ولأن شاكر أصبح شرطي مرور، فقد تم تفتيش بيته، وفيه عثر الأمن على رسالة طلب الترشيح، بعد رفض الحزب لها، فأعتقل شاكر بتهمة إنتمائه للحزب الشيوعي، رغم أنه لم ينتمي، وبعد ايام إعتقل صديقه عبد الرحمن، بتهمة تنظيمه للشرطي شاكر! رغم إنه لم ينظمه! كان ذلك في شهر كانون الأول 1975. وغاب الإثنان أربعة أشهر في سجون النظام، وفي أقبية تعذيبه، دون أن تعرف عوائلهما عنهما أي شيء!

في آذار 1976، عرفت عائلة شاكر عن طريق أقارب لهم في الشرطة، مكان إعتقالهما في سجن ( أبو غريب )، قسم الأحكام الثقيلة، حيث حُكم عليهما بالإعدام! بتهمة تكوين تنظيم شيوعي في مؤسسة عسكرية! وبالرغم من أن شاكر شرطي مرور، وبالرغم من إنه لم ينتم للحزب، وإن رسالته لم يُبت بها، وبالرغم أيضاً من إن عبد الرحمن كان عاملاً ولا علاقة له بالجيش أو الشرطة، فقد إعتُبر ضمن تنظيم عسكري يخطط لإنقلاب يستهدف إستلام السلطة! وحُكم على الإثنين بالإعدام.

في السجن الذي واظبت عائلتي شاكر وعبد الرحمن على زيارته أربع مرات في الشهر، كان هناك عشرات آخرين، من مختلف مدن العراق، يحملون نفس التهمة، وعليهم نفس أحكام الإعدام، وكانت قيادة الحزب خارج السجن، تبذل أقصى جهودها من أجل إطلاق سراحهم، أو التخفيف من أحكامهم، من خلال اللقاءات المتكررة مع قيادات السلطة وحزبها الفاشي! وكانت الوعود والعهود السلطوية تتوالى فيدحضها الواقع السياسي، ويكذبها إستمرار بقاء المحكومين في زنازينهم وبنفس أحكامهم!

التهمة المشتركة وحكم الإعدام الواحد للجميع، حوَّل المحكومين وعوائلهم لعائلة واحدة، ففي الزيارات كانت موائد الطعام المشترك تمتد للجميع، وكانت معنويات جميع المحكومين أكثر من عالية، فالثقة كانت كبيرة بالحزب والشعب، والتفاؤل هو السمة الغالبة على الجميع، وكانوا يرددون بأنهم يفخرون بشيوعيتهم، ولا يرغبون أن يتنازل الحزب للبعث من أجلهم! ولكن البعث الفاشي كان يبيت لتنفيذ جريمته، ففي السابع عشر من آيار 1978 ، نفذ البعثيون حكم الإعدام بعبد الرحمن وشاكر و29 رفيقاً وصديقاً للحزب الشيوعي العراقي، ودون تبليغ لعوائلهم، بل أرسلوا جثثهم للطب العدلي في باب المعظم، ومنعوا أخذ الجثث للبيوت، بل للمقبرة مباشرة، ودون إقامة مجالس الفاتحة! وقد عرفت عائلة عبد الرحمن بإستشهاده يوم 19 آيار فذهب والده وأخوته، إلى الطب العدلي، ومن هناك أخذوا الجثة مباشرة إلى المقبرة، حيث دُفن الشهيد بصمت! وقتها كانت والدة عبد الرحمن ترقد في مدينة الطب، لإجراء عملية جراحية فلم تعرف بالخبر، إلى ما بعد مرور أربعين يوماً على إستشهاده.

المجد والخلود للشهيد البطل عبد الرحمن علي رحيم ورفاقه شاكر رحيم وبشار رشيد وسهيل شرهان وبقية القافلة المقدامة.


(1)
محمود علي رحيم ( أبو غسان ) إستشهد في معركة بطولية في كرميان في كردستان في آذار 1981.
 

 



 

free web counter