| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

داود أمين

 

 

 

الجمعة 13/2/ 2009



 شهداء المكتب الصحفي في الناصرية

داود أمين

الشهيد عبد العباس سالم ( أبو عاهدين )


الشهيد أبو عاهدين وأنا في مدينة القامشلي أوائل عام 1981

تعرفت على الرفيق (أبو عاهدين) منذ إفتتاح مقر الحزب في الناصرية عام 1974 ، فقد كان الرفيق ممثلاً لقضاء الجبايش في أكثر من مختصة مهنية مركزية، فهو عضو في مكتب المعلمين والمكتب الفكري ومكتب العلاقات الوطنية والمكتب الصحفي في المحافظة، وكنت أمازحه قائلاً : ربما تمثل نساء الجبايش أيضاً في المختصة النسائية ! والسبب في رأيي يعود لفاعليته ونشاطه المتنوع وكفاءته أولاً ، ثم لقلة الكادر الحزبي في قضاء الجبايش قياساً ببقية أقضية المحافظة ثانياً .

لقد عملنا معاً طوال سنوات الجبهة تقريباً، بحكم مسؤوليتي للمكتب الصحفي في المحافظة، الذي هو عضو فيه، ممثلاً لقضاء الجبايش، كان الرفيق ( أبو عاهدين ) نشطاً ومتألقاً، وقد كتب الكثير من التقارير الإخبارية والتحقيقات الصحفية عن مدن القضاء، وقد تميزت علاقاتنا بالود والصداقة الحميمة، وقد إقترح علي مرة أن أقوم بتحقيق ميداني عن ناحية الحمار بإعتباري أحمل هوية نقابة الصحفيين العراقيين وهوية ( طريق الشعب ) فرحبت بالفكرة ونفذتها على الفور، إذ كنت بعد أيام قليلة في ناحية الحمار، ضيفاً لدى ( أبو عاهدين )، وكانت ناحية الحمار وقتها تشبه مدينة ( البندقية ) فهي تطفو فوق الماء، والتنقل بين بيوتها يتم بالمشاحيف! وفي هذه الرحلة حدثت مفارقات لا مجال لذكرها! ولكن الحصيلة كانت أكثر من تحقيق صحفي غطى مساحات واسعة من طريق الشعب !

بعد إعدام رفاقنا العسكريين من قبل سلطة البعث عام 1978 أصبحت حياة الرفيق ( أبو عاهدين ) مهددة بالخطر فقد كان مسؤولاً ( بالإضافة لأعماله الحزبية الكثيرة ) عن تنظيم عسكري خاص، وكانت أي وشاية أو كشف لعنصر من هذا التنظيم كافية لأرساله للمشنقة، لذلك صدر قرار بترحيله وإختفائه، وهكذا كان الرفيق (أبو عاهدين) بعد بضعة أسابيع في الكويت التي وصلها مشياً على ألأقدام، عبر صحراء الزبير، وهناك إرتبط بمنظمة الحزب في الكويت والتي وفرت له إمكانية السفر لليمن الديمقراطية، حيث بدأت أعداد الشيوعيين العراقيين تزداد في هذه الجمهورية الصديقة وقيادتها التي تضامنت مع الحزب الشيوعي العراقي.

أوائل شهر تشرين الثاني عام 1979 وصلت مع عائلتي الى عدن، وكان الرفيق (أبو عاهدين) والكثير من أبناء مدينتي ومعارفي قد سبقوني الى هناك، وكنا نلتقي بإستمرار رغم إنني عملت في الصحافة وعمل هو في التدريس، وقد سكن في ( البيت الأخضر)

والطريف والمحزن أن (أبو عاهدين ) كان يستحم يوماً في حمام البيت فإخترقت رصاصة طائشة لصياد يمني زجاج نافذة الحمام، وإستقرت في كبده! وقد عجز الأطباء اليمنيون والأجانب المقيمون في عدن عن إخراج الرصاصة فظلت في جسده! ويومها علق الفقيد ( أبو نبأ ) على هذه الحادثة قائلاً : الله وأكبر.. رصاصة طايشه وحده فلتت بعدن.. ما لكت غير جبد واحد من الناصرية.. حته تطب بيه ؟ !

نهاية عام 1980 توجهنا معاً في طائرة واحدة، ومعنا عدد أخر من الرفاق من عدن الى دمشق، في طريقنا الى كردستان، وبعد أسابيع قليلة كنا في مدينة القامشلي الحدودية حيث أمضينا شهوراً ستة في بيت واحد، وكان أبو عاهدين خلال هذه الفترة ملكاً لطبخ الباجة، وعلى يديه إكتشفنا باجة البقر التي كان يطبخها بإجادة يُحسد عليها، كنا 18 رفيقاً ورفيقة نعيش في بيت واحد في ضيافة أشقائنا السوريين، ولأن الخروج كان ممنوعاً علينا، فقد إقترحنا أن نقيم دورة حزبية، درستُ فيها الصحافة ودرس الرفيق أبو عاهدين ألأقتصاد السياسي، وكان مضيفونا السوريون يحضرون هذه المحاضرات، ومرة ألححت عليه أن يقدم لنا محاضرة عن الهور بإعتباره واحداً من أبنائه، وكم كانت دهشتنا كبيرة عندما إستمعنا لواحدة من أجمل المحاضرات التي كشفت كم كان لدى أبو عاهدين من عمق وغزارة ومعرفة دقيقة بأسماك الهور وطيوره ونباتاته وأساطيره وأنواع زوارقه.. كان راوياً لأشعار صديقه شاعر الهور الشهير( مجيد جاسم الخيون ) وكان يستخدم قصائده في كتاباته الصحفية .

في كردستان كنا في موقعين مختلفين، فأنا في قاطع بهدينان، وهو في قاطع سوران، لذلك لم نلتقي، وهناك نُسب لتنظيمات الداخل، وكان الهور بحاجة لأمثاله، وقد عمل لسنوات في إعادة الصلات المقطوعة ، وإحياء التنظيم، قبل أن يستشهد إثر خيانة مدسوس لأحدى القوى الأسلامية، إذ تم كهربة الماء فإستشهد داخل زورقه المعدني !

الشهيد مجيد فيصل السهلاني ( أبو رؤوف )
تمتد معرفتي بالشهيد ( أبو رؤوف ) لعام 1971 عندما عينت في مدرسة تقع على حافة الهور في ريف الشطرة، وكان هو قد سبقني إليها، وقد جمعتني وإياه مواجهتنا للمستجدين من خدم السلطة وأزلامها. لم أستمر طويلاً في تلك المدرسة إذ نُقلت لمدرسة أخرى تقع في ريف الغراف، وهذه المرة كنت بالقرب من عشيرته وأهله ( أل سهلان ) وكان معي في المدرسة واحداً من أقاربه بالأضافة لأحد فراشي المدرسة، وكان طريقه للمدينة يمر قرب مدرستنا فكنا نلتقي ونتبادل التحايا والكلام، وبعد حوالي عام أصبحت من الشيوعيين المكشوفين في المدينة، وكان هو قد إنتقل للناصرية مع والدته وشقيقته وشقيقيه، فتوطدت علاقاتنا الحزبية والعائلية، وقد عملنا سوية في قيادة الناصرية سنين طويلة، حتى إنهيار التحالف وتخاذل مسؤول هيئتنا وعدد من أعضاء الهيئة ، عندها فاتحت الرفيق أبو رؤوف والشهيدة موناليزا والرفيق أبو محمد( وكانا معنا في قيادة الناصرية ) بضرورة الأنسحاب من الناصرية، وكانت موافقة الرفيق أبو رؤوف مباشرة، ذهبنا لمقر الحزب ، والتقينا بالرفيق أبو ربيع ( وكان مسؤولاً عن المحلية ) وأبلغناه بقرارنا فباركه على الفور. بتنا تلك الليلة في بيت ( أبو رؤوف) وخرجنا فجراً نحو العاصمة بغداد، كانت الليلة هي العاشر من محرم، المصادف 10/12/ 1978 والشوارع مزدحمة بالساهرين، أبدلنا السيارة ثلاث مرات إحتياطاً، وفي بغداد ذهبنا للكاظمية، حيث كان ( قاسم السهلاني ) وهو إبن عم للرفيق ( أبو رؤوف ) يدير فندقاً هناك فسكنا لديه، وكان حريصاً على حمايتنا وحماية من نوصله اليه من رفاقنا وعوائلهم، وفي بغداد إنتظمت لنا صلة حزبية بالشهيد ( أبو كرّيم ) مزهر هول الراشد، وحين توفرت لنا فرصة الخروج من العراق، كان الرفيق مجيد بين من حصلوا على جواز سفر. التقينا مجدداً في بلغاريا وكان أبو رؤوف مسؤولاً لأحدى المدارس الحزبية في أحد المدن البلغارية قبل أن يغادر الى كردستان، وفي صفوف ألأنصار أصبح أبو رؤوف مستشاراً سياسياً للسرية الخامسة ومسؤولاً عن التنظيم الحزبي لمنطقة العمادية ، حيث تعلم اللغة الكردية بسرعة ، وعقد سلسلة علاقات مع قرى وأرياف منطقة العمادية وكسب حب وإحترام فلاحيها وسكانها، وكان للشهيد الدور الأكبر والأهم في كشف واحد من أخطر عملاء السلطة المدسوسين في صفوف الحزب، وكان ثمن كشف هذا الخائن هو حياة الشهيد أبو رؤوف ، حيث أرسلت السلطة من يغتاله ورفاق أخرين في كمين غادر قرب العمادية.
 


 

free web counter