| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

بلقيس الربيعي

 

 

 

الخميس 24/1/ 2008



غفوة

بلقيس الربيعي


"
الحبيبان السعيدان لن تكون لهما نهاية ولاموت ، وسيولدان ويموتان قدر ما يعيشان لأنهما يملكان أبدية الطبيعة "
                                                                                       
                 بابلو نيرودا

كانت ممددة على منضدة العمليات وبصرها الى السقف وحولها كلهم ملثمون والطبيبة الممتلئة بعض الشيء هي الأخرى ملثمة .

ــ سنعطيك مخدرا ونجري لك عملية قيصرية دون أن تشعري بالألم . هل انت ِ خائفة ؟

وبشفتيها وقلبها قالت : " لا لست خائفة من اجل المولود ثمرة حبنا ." وتنفست بعمق ونظرت الى السقف بعينين ساهمتين وقالت : " الهي هبني افكارا حلوة تشغلني من الم العملية ، ونقلها حلم اليقظة على جناح الخيال ،فيخيل اليها أنها تتأبط ذراع احمد وتساءلت : ماذا كان يحدث لها لو أن والدها أجبرها على

الزواج من أحد ابناء عمها أو من اي من الذين تقدموا لخطبتها وكانوا جميعهم من ذوي الكفاءات ، لكن لم يكن اي منهم بطيبة احمد وحبه وإخلاصه لها .وكرّت بذاكرتها الى اليوم الأول يوم تصارحا وجه لوجه وقال لها " احبكِ " وأجابته " أحبك " وراحت تبحر مع ذكرياتها البعيدة .. الى أيام الثانوية والجامعة و ، يوم التقاها في مكتبة الجامعة حين كانت تقلب كتابا مفتوحا امامها على المنضدة . وحين إنتبهت لوجوده رفعت وجهها الطفولي ، لكنها بقيت على جلستها ومدّت اليه يدها ، تناولها بهدوء وظلّ محتفظا بها حتى جلس قبالتها .توردت وجنتاها قليلأ وأخفضت بصرها وإستمرت بتصفح الكتاب . إنها المرة الأولى التي يلتقيها في هذا المكان . كانت قلقة بعض الشيء لئلا يراها احد من أبناء مدينتها ويوشيها الى اهلها . فهمس لها بمغادرة المكتبة .

تركت كرسيها وسارت خلفه خجلة بعض الشيء وخيل اليها ان كل العيون ترقبها . وفي شوارع الوزيرية كانا يسيران كتف لكتف والنسيم الربيعي العبق برائحة القداح من حدائق المنازل يداعب وجهيهما .

ــ أتذكر كيف كنت تناديني " ام العيون الضاحكة " ؟
ـــ اجل ولازلت اقولها .
ــ حين كنت في السنة الأولى في الكلية طلبت مدرّسة قواعد اللغة ألأنكليزية أن يصف كل واحد منا نفسه وصفا مختصرا دون أن يذكر اسمه على الورقة ومن خلال الوصف ، والذي يجب أن يكون حقيقيا ودقيقا ، تستطيع المدرسّة أن تتعرف على صاحب الورقة . احترت وقتها بماذا اصف نفسي لتتمكن المدرّسة من التعرف عليّ . فالطالبات الأخريات سيذكرن مثلي بأن لديهنّ بشرة سمراء وشعر كستنائي وعيون سوداء أو عسلية ووقتها تذكرت " العيون الضاحكة " وذكرتها في وصفي .
ــ أحقا ذكرتيها ؟
ــ أجل وما أن قرأت المدرسّة ورقتي ، صاح الجميع إنها هي آمال ...آمال .
ــ نعم لديك عيون ضاحكة . انت جميلة يا آمال .
وإنحنى بسرعة وقبّل يدها قبلة سريعة دون أن يراه احد ..

عبثا حاولت إيقاف سيل الذكريات الجميلة التي تزاحمت في رأسها في تلك اللحظة . فلاتزال صورة اليوم الأول الذي وضعا فيه صرح عائلتهما السعيدة مطبوعة في ذاكرتها.امسية الزواج بعد ثلاثة أشهر من الخطوبة ، هي جالسة الى جواره في السيارة التي أقلتهما الى فندق الخيام في شارع السعدون ، لم ترتدي ملابس الزواج المألوفة ولا طرحة على رأسها .فقد كانا يكرهان الحفلات الصاخبة ليلة الزواج . ما اجمل الصمت والهدوء الذي يلفهما وهما جالسان متجاورين في السيارة! لاتزال تشعر بروعة تلك اللحظات وهي على عتبة حياة جديدة خططا لها منذ عشر سنوات .
ــ اتذكرين يا حبيبتي ؟ ( بكم كيلو الرقي ؟ أعطني كيلو واحد . وضحكة حلوة منكِ على غشاميتي في المسواق . أحنّ لتلك الأيام التي لن تنسى وانت تقودين مسيرة حبنا بسلام).

غرز الطبيب الأبرة في جسدها وبدأ المخدر يسري في جسمها ، وبدأت آمال تفقد الوعي .

ــ اسمكِ
ــ آما
وغاب عنها الوعي ...
احدثت الطبيبة جرحا عميقا في بطنها واخرجت المولود .. إنها بنتا

وامام غرفة العمليات كان يقف احمد بوجه شاحب يفيض منه الخوف . أخرجت له الممرضة الطفلة ليراها . قبلّها بحنان لكن باله كان مشدودا الى غرفة العمليات ينتظر بقلق أن يرى آمال .خرجت الممرضة الثانية تدفع النقالة التي عليها آمال وهي لاتزال تحت مفعول المخدر وتعاونت الممرضتان على تمديدها على سريرها في غرفة رقم 12 وانصرفتا .
بدأت آمال تتقيأ . ارتعب احمد وظنها تتقيأ دما . ومن شدة خوفه عليها نسي أنه طبيب ، فهرع الى إحدى الطبيبات يطلب المساعدة .

" دكتور ، لا تقلق ! إنه ليس دما . ليلة امس وقبل أن يتقرر إجراء العملية القيصرية لها ، تناولت آمال حساء من الحبوب تقيأته الآن بسبب التخدير . " قالت الطبيبة وغادرت .

بدأت آمال تستفيق قليلا على صوت بكاء . إنه احمد يبكي خوفا عليها ، إحتضنها و احسّت بدموعه ولكنها لم تقل شيئا . شعرت بمدى حبها الكبير له ، وبأنها لم تحبه يوما بمقدار حبها له في تلك اللحظة .

ــ حبيبتي آمال ، ها هي ثمرة حبنا وقد اسميتها الأسم الذي إتفقنا عليه .
ــ هل استطيع أن اراها ؟

ومسحت دمعة كانت تكاد تتألق في اهدابها .

ــ اتبكين يا حبيبتي ؟
ــ لا إنها دموع الفرح .. احبها وهي إمتدادا لحبنا ، لأحلى قصة حب قضيناها أوفياء لما تعاهدنا عليه من إخلاص .









 


 

Counters