| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

باسم محمد حسين
bassim532003@yahoo.com

 

 

 

                                                                                           الجمعة  13 / 12 / 2013



المعامل المتوقفة

باسم محمد حسين

بالتأكيد أغلب العراقيين استبشروا خيراً عند سقوط الطاغية في نيسان 2003 متوسمين بالقادم النهوض بالبلد في جميع المجالات وخصوصاً أن العراق لديه الامكانات المادية والبشرية الوفيرة اللازمة لذلك النهوض . ففي بصرتنا الجميلة قلباً لا قالباً الفَرحَة ابتدأت عند المزارعين والفلاحين في منطقة سفوان الحدودية التي دخلت منها قوات التحالف قادمة من الجارة الكويت والكثير منا لم ينسى ذلك الشاب الأسمر الذي ضرب صورة الطاغي بنعله تسع مرات محتفلاً ببداية سقوطه على يد الأجنبي (سبق أبو علي في بغداد يوم 9/4/2003)، فهؤلاء هم أول من شاهد التغيير وأول من فرح به وتمنى أن تكون زراعته كما في الدول التي قَدِمَ منها هذا الجيش العرمرم ، فكان حلمه أن نبتة الطماطة والتي تكثر زراعتها في تلك المنطقة ستحمل مثلاً عشرة أضعاف ما تحمله الآن (المقصود قبل 20/3/2003) لأن طرق الزراعة الحديثة والمختلفة كلياً عن الطرق المتبعة في بلدنا المتخلف ستدخل مع هؤلاء القادمين عبر المحيطات ، وكذلك أصحاب وعمال وإدارات المعامل المختلفة ومنها المعامل العملاقة كالحديد والصلب والبتروكيمياويات والأسمدة الكيمياوية والصناعات الورقية ، ولكن يبدوا أن الرياح جاءت بما لا تشتهي السفن لأننا وبعد أكثر من 10 سنوات على التغيير لم ينتج معمل الحديد غراماً واحداً والذي كان ينتج حوالي نصف مليون طن سنوياً وكذلك معامل الورق أما البتروكيمياويات الذي تلاعبت بخطوط انتاجه أيادٍ خفية جعلته يتوقف لمرات عديدة وآخرها نهائياً بحجة توفير الغاز لانتاج الكهرباء والشركة الوحيدة التي استمرت بالعمل لتسع سنوات تقريباً هي الأسمدة الكيمياوية وأوقفت مؤخراً لذات السبب .

لنأخذ معامل البصرة مثلاً وتحديداً صناعة الحديد فقبل 7 سنوات تقريباً بدأت شركة أهلية ببناء معملاً لإنتاج الحديد المستخدم في الأعمال الانشائية واستخدم أصحاب المشروع ذات الخبرات العراقية التي كانت تعمل وتدير الانتاج والصيانة والتخطيط في معامل الشركة العامة للحديد والصلب الحكومية ، وقبل سنة أو أكثر بدأت هذه الشركة بالانتاج الفعلي وطرح منتجها في السوق المحلية بعد أن وفرت جميع المستلزمات من الخامات الى وسائل وأمور الصيانة الى الطاقة المُشغِلة عن طريق مد أنبوب يحمل الغاز لتوليد الكهرباء واستخدام تلك الكهرباء في عمليات الانتاج . بالتأكيد وذوي الاختصاص أعرف من غيرهم بأن هذه الصناعة هي أساس الصناعات الهندسية الثقيلة وبالرغم من كلف الانتاج العالية المتمثلة باستيراد الخامات والمعدات والأدوات الحاكمة بالاضافة الى المستلزمات السلعية الكثيرة والمتشعبة والرواتب التي تتناسب مع مخاطر العمل في هذه الصناعة إلاّ أنها تدر أرباحاً وفيرة وخصوصاً عندما يكون الانتاج وفق المواصفات العالمية (وفق نظام أيزو) علماً بأن صناعة الحديد بدأت مبكراً في عالمنا العربي في مصر وبعدها الجزائر وقطر والعراق ودول أخرى وتحقق ربحاً وفيراً، ومن هنا يتبادر الى ذهن المتابع والمراقب لماذا لا تحذو وزارة الصناعة والمعادن حذو هذه الشركة الأهلية وامكانياتها أكبر بكثير من إمكانات تلك الشركة وبامكانها أيضاً الحصول على التسهيلات الرسمية وتبدأ بتأهيل معامل الشركة العامة للحديد والصلب ؟ على حد علمي بأن تعداد منتسبي هذه الشركة تجاوز الأربعة آلاف شخص وأغلب هذا العدد يعملون ألآن بصفة حرّاس ، نعم حرّاس في أماكن عملهم وبوجبات عمل يوم تواجد مقابل ثلاثة ايام استراحة باستثناء دوائر الإدارة والمالية وبعض الأقسام الخدمية الأخرى والعنصر النسوي ويتقاضون رواتبهم كأقرانهم في بقية الوزارات وفق قانون رواتب موظفي الدولة والقطاع العام رقم 22 لسنة 2008 .

بمفهوم آخر أن هذه الحالة هي قتل لتلك الطاقات التنفيذية وطاقات الخبرة التي أنتجت ملايين الأطنان سابقاً وغطت جزءاً كبيراً من حاجة السوق المحلية لهذه المنتجات . بعملية حسابية بسيطة يمكن أن نعرف بأن مجمل الرواتب والمصروفات الأخرى طيلة السنين العشر الماضية التي توقف بها العمل كان يمكن بناء مجمعاً متكاملاً لهذه الصناعة الستراتيجية كما يمكن تسمية هذه الحالة بأنها نظام رعاية اجتماعية من نوع آخر ! إذن ما هو الحل ؟ هناك عدد من الحلول وأولها باعتقادي كما يأتي :

1- يشكل مجلس إدارة لهذه الشركة من المؤهلين لذلك ولا بأس من الإستعانة بالخبرات الأخرى من خارجها ويكون لها قانون للعمل كونها صناعة ستراتيجية ثقيلة وتحمل الكثير من الخطورة

2- تـُسلّف الشركة مبلغا مناسباً لتأهيل معاملها وأقسامها تباعاً وفق أحدث التقنيات ويعاد مبلغ السلفة من إيرادات الانتاج لاحقاً .

3- يباع 49% من قيمة الشركة على شكل أسهم لمنتسبيها فقط وبالتقسيط الممكن ولمدة عشر سنوات مثلاً ، عند هذا الأمر سيشعر العامل والموظف بأنه يعمل لمصلحته الذاتية بالاضافة الى المصلحة العامة الأمر الذي سيدفعه أكثر للعمل الجاد والمحافظة على الشركة بكاملها وربما تطوير العمل بها.

أن الموازنات السنوية للدولة العراقية مثقلة بأرقام ليست بالقليلة تصرف على هذا الجانب حيث العشرات من شركات وزارة الصناعة والمعادن والوزارات الأخرى والتي تضم مئات ألاف العاملين تدفع رواتباً لموظيفها (وهذا استحقاقهم بدون شك) ولكن بدون تأدية أي عمل مقابل تلك الرواتب ويضاف لهذا استيراد المنتجات المماثلة من الخارج أي هدر مبالغ أخرى وبالعملة الصعبة قد تنفعنا في التنمية والتطوير .

اليوم وبعد هذه الفترة الطويلة من التغيير يتوجب على جميع المعنيين التوقف عن محاباة التجار والمنتفعين من عمليات الاستيراد وحكومات الدول الموردة والإلتفات الى هذه المنشآت والطاقات المهدورة فيها وتضع خطة متكاملة لإعادة هذه المعامل وغيرها من الأنشطة الصناعية المختلفة ويمكن البدْء بالصناعات التحويلية والصناعات الأسهل والمعامل التي لا تحتاج الى تأهيل عالي الكلفة ومن ثم تباعاً وصولاً الى تشغيل جميع المعامل . وفي مثل هذه الحالة لا نحتاج لمستثمر عراقي أو أجنبي ونستغني عن الخصخصة ولا بأس من إستشارة جهات علمية عالمية متخصصة بهذا الأمر لأننا فقدنا الكثير ولا يمكننا أن نفقد أكثر .


البصرة 13/12/2013





 



 

free web counter